محمود درويش
   في القدس العربي   
اقرأ في عدد اليوم
  صبحي حديدي:  ماركسية إدوارد سعيد
  أنور القاسم:  احداث مكسيكية في حي دمشقي: الجزء 3 قضى على 'باب الحارة'.. و'شكلين ما بحكي'
  ابراهيم درويش:  'عواقب الحب' رواية لسليمان أودينا: الهجرة واللذة المحرمة في جدة وحذاء زهري وشجرة نخيل
  عبد الحليم قنديل:  الإسلام والقومية العربية
  مطاع صفدي:  هل هي نهاية الاقتصاد الافتراضي حقاً؟
تصويت
هل تتوقع نجاح الحوار الفلسطيني الداخلي؟

نعم

لا


من تاريخ 2-09-2008  الى تاريخ 9-09-2008
مزيد من الأخبار
 
الحديث عن مشروع ميلاد حداثة عربية فيه شيء من المبالغة
الباحث عبد الغني بارة:
2006/05/27

الجزائر ـ القدس العربي : عبد الغني بارة اسم جزائري بدأ يتشكل في المشهد النقدي العربي، صدر له منذ مدة قصيرة كتاب إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي العربي المعاصر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، الذي لقي هناك استحسانا نقديا معتبرا، ويستعد حاليا لمناقشة رسالة الدكتوراه حول فلسفة التأويل ؟
فيما يلي اقتراب من عالم أسئلته النقدية:

كيف بدا لك مآل الطبعة العربية من المشروع الحداثي من خلال هذه الدراسة؟
إنّ الحديث عن مشروع ميلاد حداثة عربية حكم فيه شيء من المبالغة، أو هو بالأحري مغالطة أوهمنا بها بعض الدارسين الذين حملوا إلينا الحداثة الغربية، نقلاً وترجمةً، وكأنّ الحداثة من البساطة أو السهولة بحيث يتأتّي لأيّ دارس تجريدها من أصولها المعرفية وأجهزتها المفاهيمية التي لفظتها هناك في أرض النشأة، ثمّ تقديمها للقارئ العربي علي أنّها المشروع المنقذ للأزمة التي يعيشها النقد العربي الحديث، لذا، أعتقد جازمًا، بأنّ أصحاب مشروع الحداثة العربية لم يكونوا سوي ناقلين أمناء أو مشوّهين للنسخة الغربية، بما هي الأصل؛ إذ ليس يُعقل أن نقوم ببتر المشاريع النّقدية من محاضنها المعرفية دون وعي بمسارات تحوّلها أو تداخلها مع غيرها في حقول المعرفة داخل الثقافة المنتجة لها، فتسمع من مثل: بنيوية عربية أو ماركسية عربية أو سيميائية عربية، وكأنّ الأمر لا يعدو أن يكون مجرّد توفيق /تلفيق، أو تجد ما يصطلحون عليه أصالة /معاصرة، بوصفها تركيبة سحرية تحقّق تزاوجًا بين ثقافتين لا يمكن بحال الجمع بينهما؟ فما نملكه الآن، أو نصطلح عليه تجوّزًا، بـ النقد العربي المعاصر ، إنّما هو مجموعة من الجهود أو الممارسات النقدية التي يقوم بها أفراد ليس أكثر؟ ولو أردنا، حقيقةً، بناء مشروع نقدي حداثي عربي فيحسن بنا، أوّلاً وقبل كلّ شيء، أن نعي ذواتنا قبل أن ننفتح علي الآخر من حولنا، ولا يكون ذلك إلاّ بفتح باب الجدل أو الحوار التساؤلي الذي يمنحنا، دون ريب، القدرة علي تفعيل النصوص المقهورة وبعث الحياة فيها، ليس علي سبيل امتلاكها أو الادعاء بأنّها من إبداع الذات، بل اكتشافها، فهمًا وتأويلاً، كآخر غيري /مختلف؟ ثمّة فقط يمكن القول إنّنا نصنع نقدًا أو ننتج معرفة قادرة علي تشكيل وعي نقدي، وليس أن يبقي الواحد من النقّاد يقفز علي منجَز ثقافة الآخر، تشويهًا وتحريفًا، ويقدّمه للقارئ العربي علي أنّه الأنسب لقراءة النصوص وتأويلها؟
هل للقارئ أن يعرف شيئًا عن المنهج الحواري الذي طبّقته؟
يعدّ منهج النّقد الحواري أحد أبرز ما أفرزته استراتيجية التفكيك في نسختها عند فلاسفة الاختلاف دريدا وفوكو ودولوز؛ فهو منهج حفري يبحث في أنظمة أو أنساق تشكّل المفاهيم داخل الثقافات قصدَ تحديد طبيعة اشتغال خطاب الهامش /الأطراف الذي أزاحه المركز، قهرًا وإقصاءً، لا بدعوي أنّنا أمسكنا حقيقته أو اكتشفنا كنزًا، بقدر ما هو بعث/ إعادة تأويل علي مستوي الممارسة التأويلية كفعالية نقدية لا تقف عند حدّ أو تدّعي الوصول؟ كما أنّ هذا الكشف يتيح لنا تعريةَ الخطابات الإيديولوجية داخل هذا المقهور/ الهامش، وفضحَ مضمراتها وتبديدَ أوهامها؟ إنّ المقاربة، من منظور المعطي الحواري، تجعل الذات، أيضًا، تنفتح علي الآخر، ليس انفعالاً أو انبطاحًا، وإنّما اختلافًا وغيريةً، تجسيدًا للفصل الإجرائي بينهما، والانفصال، في الآن نفسه، عن الذات رمزيًا، ليس معاداةً أو احتقارًا لقدراتها، حتّي نتفادي الوقوع في عقدة تضخيم الأنا أو النرجسية المرضية التي كثيرًا ما صحبت النقد العربي الإحيائي. إنّ المقاربـة الحفرية laroche arch‚ologique لا تري إلي الخطاب كوثيقة، حيث يختفي ما هو عميق وجوهري فيه، بقدر ما تُعني بالخطاب في حدّ ذاته بوصفه نصبًا أثريًا، ولا تسعي، أيضًا، كما هو شأن التأويلية الكلاسيكية، إلي اكتشاف خطاب آخر يقف خلف الخطاب. كما ترفض أن تكون دراسة تبحث عن المعني الحقيقي المزعوم خلف المعني الظاهر. بمعني آخر، ترفض ترديد ما قيل، فهي لا تسمع إلاّ صوتها، إنّها كتابة ثانية، تضطلع، لا بترصّد لحظة تشكّل الخطاب أو لحظة اندثاره وتناهيه، بل بإبراز خصوصية الخطاب بوصفه خطابًا مختلِفًا، وتفحّصِ القوانين التي يشتغل ضمنها، حتّي يتأتّي لها الوقوفُ علي المختلِف/ المفارِق في صيغ الخطاب ووجوهه المتعدّدة. إنّها قراءة إبداعية للخطاب، بحثًا عن الممكن /المستحيل.
هذا يعني، أيضًا، أنّ استراتيجيةَ الحفر، وإنْ لفتت الانتباه إلي منظومة الأنساق كخطاب يتشكّل داخل أنظمة الثقافة، فإنّها ترفض النظر إلي المنهج كنسق Systٹme، لأنّ ذلك يقود حتمًا إلي تشييد خطاب مركزي مضاد، يتحوّل فيه الخطاب الهامش /المقهور إلي سلطة قامعة، فتفقـــــد القراءة الحفرية، إذ ذاك، طابعَها السندباديَّ كمغامــرة أو تجربة حســـــبُها أن تبلغ أقاصيَ الوجود، تجوالاً وتحليقًا، وصولاً، لا إلي الأشياء لاستكناه الجواهر أو اكتشاف الكنوز، بل لتحرير الـــــهامش، والتحلــــيق به في سماء لا منطقَ يحكمها إلاّ منطقُ الرغبة في التحرّر من قيود الموضوعية والإجـــــرائية، وممارســــةُ فعل التــــحليق بوصفه لذّة أو متعةً، لا تقـــــــف أمامه الحدود أو العقبات. إنّها قراءة يتحوّل معها الكائن من ذات عارفة /متعالية بالمفهوم الديكارتي /الكانطي إلي ذات مؤوّلة، وجودها مرهون بما تحدثه من معاركَ وحروبٍ /صراعات تأويلية، تصنع بها كينونة الإنسان الجنيالوجي، الذي يؤمن بأنّ مصيره في التاريخ مرتبطٌ، لا بما يخوضه من مشروعِ بحثٍ سلمي عن المعني، وإنّما يري التاريخ كحلبةِ صراع، ليكون وجودُه، إذ ذاك، سلسلةً لا نهائيةً من التحولات التأويلية.
بين البيان و العرفان و البرهان تقول في دراسة أخري عن العقل العربي إنه تأويلي، كيف ذلك؟
يأتي هذا الطرح ـ أي البحث عن تشييد عقل عربي تأويلي ـ في الحقيقة، نتيجة تعالي صيحات بعض الباحثين بأنّ العقل العربي عقل برهاني أو بياني أو عرفاني، وهي مقاربة تفاضلية قصاري ما تفعله هو تشطير العقل العربي أو جعله ينطق بما ليس من صميم أنساقه التي بها ينوجد. لذا، فإنّ ما ينبغي إقراره هو أنّه يتعيّن علي أيّة قراءة فاحصة للعقل العربي الابتعاد عن التصنيف، وتفادي الانطلاق من المقاربات الاستهلاكية التي حبست التراث العربي في أوهامها الإيديولوجية وأطيافها المزعومة، فجعلته لا ينطق إلاّ بالثنائيات الضدية: العقل /النقل، الأشاعرة /المعتزلة، الظاهر/الباطن، الغزالي/ابن رشد. فإذا كان يليق النظر في هذا التراث التأويلي، حفرًا وإعادةَ تشكيل لأسئلته المصادرة، فليس أمامنا إلاّ مساءلة مشاريعه بوصفها نموذجًا ثقافيًا يعكس الأنظمة المعرفية والأسيقة الحضارية لهذا الوجود البشري، دون أن يكون في ذلك داعٍ إلي إغلاق هذه الأنظمة علي نفسها، كما تزعم المقاربة البنيوية، بقدر ما هي رؤية بعين الصيرورة والتحوّل، لأنّه لا يمكن اختزال الآثار الفكرية والأصول العقلية إلي نظم معرفية جامدة أو إلي أنساق فكرية مغلقة؟ فمنحي العقل التأويلي، بما هو عقل مستنير، يرفض أن يضبط ما لا ضابط له، أو يغلق باب الاجتهاد بدعوي حصول الإجماع فيما لا يمكن بحال أن يجتمع عليه أهل العلم. مثل هذا العقل، أي التأويلي، لا يلتفت إلي تعدّد التأويلات إلاّ علي أنّها اختلاف ومغايرة تزيد من قيمة المختلَف عليه، فالحقّ واحد، ولكنّه أكبر من أن تحيط به حقيقة أو حقائق. وما دام الأمر علي ما أقررنا فإنّه يتعيّن علي أيّة قراءة للتراث أن تتجرّد من سلطة الجاهز الذي يأتي إلي النصوص محمّلاً بالإجابات، التي لا تزيد التراث إلاّ موتًا، فجديرٌ بالذكر، أنّ ممارسة التأويل إنّما هي حوار خلاّق، لا فرقَ فيها بين قديم عتيق وجديد مستحدَث. ألا يستحقّ هذا التراث، بما هو الوجه الآخر لكينونتنا، حبًّا أكبرَ، نتعاطف مع نصوصه عساها أن تتيح لنا فتحَ بعضِ أقفاله، إذ لا وجودَ لنصٍّ قديم /جديد، جيّد /رديء، بقدر ما يوجد هناك تأويل غنّي /فقير، فاتن، مُغرٍ أو لا؟ فليس غريبًا، إذًا، أن تكون مثلُ هذه الغايات هي ما يطمح إليه أي جهد أصيل، أي النظرُ إلي قضايا التأويل من جانب استراتيجية جمالية، لا همَّ لها إلاّ الوصولُ إلي تأسيس عقلٍ تأويلي يقوم علي شعرية الجميل، عقلٍ يسع العقولَ كلَّها، بيانَها وبرهانَها وعرفانَها.
كيف تري النصّ الروائي الجزائري المعاصر وأنت أحد دارسيه بأدوات حديثة؟
إنّ الحقيقة المؤلمة التي يأبي مواجهتها كلّ متأمّل لواقع الكتابة الروائية في الجزائر هي غياب وعي نقدي أصيل يستطيع استنطاق هذا النصّ، حوارًا ومساءلةً، فلا تجد إلاّ من يختزل هذه الكتابة في جملة من النعوت، بعيدًا عن طبيعتها اللّغوية، كنصوص لا تحيل إلاّ علي نظامها، كأنْ يقع البعض في فخّ التصنيف فيسم هذا النصّ بالأدب الاستعجالي أو أدب المحنة أو الأزمة، وهذا، في الواقع، هو الوهم الأكبر، لاسيّما وأنّه يصدر عمّن يُعتقد بأنّه يعتلي عرش الرواية الجزائرية، فينبري مناهضًا كلّ نصّ روائي لا لشيء إلاّ لأنّه من إنتاج جيل جديد، يسمّونه جيل الشباب، وكأنّ الكتابة لا محكّ تخضع له إلاّ هذه الأحكام القيمية التي تقتل النصّ في مهده. فإذا سلّمنا، جدلاً، بوجود نصّ روائي واكب حقبة التحولات، فهذا لا يمنح لأيّ الحقّ برميه بهذه الأوصاف التي لا تمتّ بصلة إلي الدراسة النّقدية الواعية بخصوصية اللّغة الإبداعية ؛ إذ أنّ أصالة أيّ نصّ تكمن في كسره لنمطية المألوف وتجاوزه لما هو سائد، خصوصًا إذا علمنا بأنّ هذه النصوص علي قدر كبير من الوعي بأدوات الكتابة الروائية الجديدة، كالقدرة علي توظيف تقنيات السّرد الحديثة، والانفتاح علي النصوص، حوارًا ومساءلةً، بحثًا عن تأسيس رؤية فنية أصيلة، لا تكتفي برصد حيثيات الراهن بقدر ما تسعي لبعث قضايا /إشكالات الماضي، بما هو الوجه الآخر لكينونة الذات، قصدَ إعادة مساءلة تلك النصوص التي صادرها أهل زمانها: كقضايا المقدّس والمحرّم والهوية.
يحدث كلّ هذا داخل النصّ المقول في الزمن الحاضر، وهو الأمر الذي لم تحقّقه الرواية الجزائرية من قبلُ. ويكفي القول، ختامًا، إنّ التعاطف مع النصوص واستقبــــالها أو النظر فيها من خلال فرادتهـا وتميّزها، أو بالأحري، بما هي خالقة لتاريخيتها الخاصّة التي تجعلها نصوصًا متجاوزة للزمن متعالية علي الواقع، سيجعلنا نشهد، لا محالةَ، ميلاد نصّ روائي متميّز.

التقاه: الخير شوار
QP10

هل ترغب في التعليق على الموضوع؟

"القدس العربي" ترحب بتعليقات القراء، وترجو من المشاركين التحلي بالموضوعية وتجنب الاساءات الشخصية والطائفية، ولن يتم نشر اي رد يحتوي شتائم. كما ترجو الصحيفة من المعلقين ادخال الاسم الاول واسم العائلة واسم الدولة وتجنب الاسماء المستعارة. ويفضل ان تكون التعليقات مختصرة بحيث لا تزيد عن 200 كلمة.

الأسم:
بريدك الألكتروني:
الموضوع:
التعليق:
in

 

مدخل
أرشيف
مواقع اخرى
الاتصال بنا
مذكرات و كتب

Website Statistics