محمود درويش
   في القدس العربي   
اقرأ في عدد اليوم
  صبحي حديدي:  ماركسية إدوارد سعيد
  أنور القاسم:  احداث مكسيكية في حي دمشقي: الجزء 3 قضى على 'باب الحارة'.. و'شكلين ما بحكي'
  ابراهيم درويش:  'عواقب الحب' رواية لسليمان أودينا: الهجرة واللذة المحرمة في جدة وحذاء زهري وشجرة نخيل
  عبد الحليم قنديل:  الإسلام والقومية العربية
  مطاع صفدي:  هل هي نهاية الاقتصاد الافتراضي حقاً؟
تصويت
هل تتوقع نجاح الحوار الفلسطيني الداخلي؟

نعم

لا


من تاريخ 2-09-2008  الى تاريخ 9-09-2008
مزيد من الأخبار
إنتاج الفلسفة العربية في عصر مختلف ( 1 من 2)
حسن حنفي: ليس لدينا فلسفة. وما هو موجود استيراد من الماضي أو من الغرب بطريقة نصوصية تعليقية
الفلسفة العربية المعاصرة هي نتاج عمليات التدريس والترجمة وإعادة نشر التراث العربي والرحلات للغرب
2005/07/19


عبد الله خليفة
وضعت التراكمات الثقافية الجارية في العالم العربي في القرنين التاسع عشر والعشرين أساساً مهماً لتبلور ظهور الفلسفة العربية بعد زوالها في نهاية عصر النهضة العربية الأول، فهذه التراكمات التي جرت في الأقطار الكبيرة الرئيسية بدرجة خاصة، وفي مصر علي نحو أخص، قد حضّرت لإعادة ظهور الفلسفة مجدداً.
إن ظهور التفكير بالفلسفة ثانية جعل العديد من الباحثين يناقشون هذا الظهور ويحللون سيرورة الفلسفة في المرحلتين السابقة والراهنة والاختلاف بينهما وما هي أسباب التشكل الحاضر واختلافه عن الماضي الفكري والفلسفي.
يقول أحد الباحثين في منتصف القرن العشرين السابق حول ذلك ما يلي:
أما الحادثة الأولي السابقة الذكر فهي تلك الحادثة التاريخية التي بدأت في أواخر الدولة الأموية وبلغت أشدها في صدر الدولة العباسية ثم تغلغل تأثيرها في تفكير الشعب العربي وثقافته، وأما الثانية فهي تلك الحركة التي نعاصرها الآن والتي نتعرض لآثارها أو نساهم فيها.
وأما الفروق بين (الحادثتين) أو المرحلتين، فإن [ الحركة الأولي تمتاز بأنها حركة صدرت عن الرغبة الذاتية في الأمة.. سمعت الطائفة الممتازة من الشعب والأمراء عن ثقافة اليونان فتطلعت إلي معرفتها.. لم يكن في الموقف إذاً سوي الرغبة الفطرية في العلم والمعرفة ]أما التطور المعاصر ففي رأيه قد جري[ تحت تأثير عام (الرغبة القوية في الثقافة الغربية).
يتوجه المؤرخون والباحثون العرب بشكل دائم لعملية المقارنة بين تشكل العصر السابق والراهن، ويرون كيف تكونت الفلسفة في العصر القديم داخل البناء العربي الإسلامي ومن خلال إرادته الحرة ، وذلك بخلاف ما يجري في العصر الحديث حيث أن هذه الأبنية العربية مهيمن عليها من قبل قوي الغرب الحديثة.
لكن هذا المظهر المختلف المرئي لا يقود هؤلاء الباحثين إلي الحفر تحته لاكتشاف تطورات البنيتين اللتين استدعتا ظهور الفلسفة، فهل فعلاً كان الظهور نتاجاً طبيعياً في العصر القديم ومتعسفاً في العصر الحديث ؟ وما هي الفروق ونقاط التشابه ؟
لقد وَضَح سابقاً بأن تراكم الثقافة العربية في مختلف جوانبها في العصر السابق قد أدي إلي البحث السببي عن ظواهرها وعللها في الفقه والنحو والتاريخ وهو ما حضّر للبحث عن جذورٍ أبعد للثقافة العربية والوجود العربي الإسلامي بكل أبنيته الغائرة كمعرفة ركائز الدين وسببيات الوجود وتشكله. فقد قادت عملياتُ البحث السببية في الظواهر الثقافية والفكرية والتاريخية العقولَ نحو منطقة أبعد غوراً، وذلك للبحثِ عن سببيات التشكل العربي ـ الإسلامي وركائزه في الوجود عامةً.
ولم يكن أمام العقول الباحثة سوي مرحلتين لهذا الوجود العربي الإسلامي، مرحلة الإسلام الأولي بوثائقها الدينية المقدسة، ومرحلتها المعاصرة لها، والتي غدت فيها المعرفة متجاوز ًّة للعصر السابق. وهذا (التمرحل) جزءٌ من البنية الفكرية.
وقد قلنا سابقاً بأن الوعي العربي الفلسفي السائد أخضع المقولات اليونانية لأبنيته الاجتماعية، أي أعاد إنتاجها في ظل شروط اجتماعية مختلفة، وبالتالي فقد رأي نفسه مركز العالم، ورأي في اليونان علامات فردية شامخة كأفلاطون وأرسطو ولم ير اليونان كتجربة تحديثية ديمقراطية تمت في شروط تاريخية خاصة، ورأي أن تجربته السياسية ـ الدينية هي خاتمة الوجود والتاريخ، وأن دينه المعقلن بتلك الفلسفات المثالية علي اختلاف تصوراتها، هو أقصي ما يمكن أن يصل له البشر من اتساق مع العالم.
لقد كان يــُـنتظر من الفلسفات وهي أقصي المعرفة التي تصل إليها العقول أن تشير إلي مثل هذا الاختناق الاجتماعي، ولكنها لم تستطع، بل كانت هي جزءا من ذلك الاختناق فهمدت معه.
إن البحث السابق الذكر يشير في فقرة لاحقة إلي أن:
.. الذي يعنينا الآن هو الحرية التي تمتعوا بها في أثناء قيامهم بهذا العمـــــل (3)، وأن وضع الأمة العربيـــــة لم يعد يشكل [أمة مستقلة، إن مثل هذه الألفاظ تقــــودنا إلي تعمــــــيمٍ مغلوطٍ عن تشكــيلِ الفلسفة في كلا العصرين، فلم تكن (الأمة) العربية عامة حرة في كلا العصرين.
ولا بد من البحث الحسي عن منتجي الحرية في الفئات الوسطي التي لم تكن حرة في العصر السابق، بسبب إلحاقها بالطبقة الإقطاعية المهيمنة علي الثروة المادية والفكرية، وكذلك فإن نشوءا الفئات الوسطي في الأنظمة العربية المتعددة في خلال القرنين 19 ـ 20، لم يكن نشوءً وتطوراً حراً كذلك.
لكن ما ميز الأبنية الاجتماعية العربية المنفصلة عن العصر السابق، هو أنها استمرار للأنظمة العربية المذهبية القديمة، وفي ظلِ سيطرةٍ أجنبية، أي أن الشراكة الإقطاعية ـ الاستعمارية الغربية صارت هي القيود المشتركة للماضي والحاضر التي تقيد هذه الفئات في إنتاجها للوعي وللحرية.
فإذا كانت هذه الفئات الوسطي قد أنتجت العلوم والفلسفة في ظل سيطرة الإقطاع المذهبي القديم فإنها تواصل هذا الإنتاج في ظل سيطرته المستمرة الحديثة، ولكن سيطرته الداخلية القديمة ـ الجديدة أضيفت إليها هيمنةٌ خارجيةٌ مشتركة، هي السيطرة الإمبريالية، وهي التي تضع تطور البُني العربية ـ الإسلامية في مجال السوق التابع لها.
أن هذه الحريات التي تحفرُ في كلِ بناءٍ عربي خاص، تشتغلُ في كافة مستويات البناء الاجتماعي، مصطدمةً بقوي الهيمنة الداخلية والخارجية، وإذ يغدو نضالها ضد الإقطاع المذهبي كشفاً وتعرية للإرث الديني الاستبدادي واستمراره، فكفاحها ضد السيطرة الأجنبية يصير رفضاً لإلحاقها بالبُني الإمبريالية، ويتضافر ويتداخل النشاطان حسب مستوي تطور ورؤي كل فئات وسطي وشعبية وفي كل بنيةٍ عربية معينة، وعبر التداخل الضروري بين البُني العربية في أشكال معقدة متعلقة بتطور وتداخل العلاقات وبوسائل الاتصال والعمل المشترك الخ..
بمعني أن كل بنية اجتماعية عربية ستواجه السيطرة الإقطاعية ـ الاستعمارية، وإن كل من السيطرتين ستخلق جوانب في البنية الاجتماعية معبرة عنها، فالبنية الإقطاعية بأساسياتها ستقوم قواها السلالية بإعادة إنتاجها، وسيقومُ كلُ من الجانبين، القوي الإقطاعية المذهبية والقوي الاستعمارية، وكل منهما قد تأسس داخل البنية الاجتماعية العربية المركبة هــــذه، بتفعيل أنماط ثقافته، فالأول يجلبها من الماضي والآخر يجلبها من ثقافته السائدة. لقد اتسم تاريخ الثقافة العربية السابقة بالعجز إنتاج نموذج معاصـر للـــثورة الإسلامية التأسيسية، ولهذا سيكون الوعي العربي متوجهاً في العصر الحديث الي جلب نموذج الثورة الديمـقراطية الغربية، لهذا سيكون هذا الوعي مدي قدرة أنمـاط الوعي علي إنتاج الثورة الديمقراطية علي صعيد إعادة تشكيل التراث، وعلي إعادة تشكـــــيل المؤثرات الغربية تبعاً لحاجـة التطور الديمقراطي الداخلي. وهذا يعتمد علي مدي قدرة الفئات الوسطي وحلفائها الاجتماعيين علي الجمع بين العناصر الديمقراطية التراثية الإسلامية ـ المسيحية والقديمة وبين العناصر الديمقراطية الغربية. وكل هذا يرتبط بتطور الفئات الوسطي ومدي تعاونها مع الجمهور العامل، في البُني العربية المعاصرة، وهو الأمر الذي سينعكس علي قراءتها للتراث، وقراءتها للعصر كذلك.

النشوء المدرسي والإبداع

إذا كانت عملياتُ نشوءِ الفلسفةِ العربية الإسلامية القديمة قد تمت عبر مفكرين أفرادٍ بدرجة أساسية، ومن خلال كونهم أطباء وقضاة وأفراداً من فئات وسطي ميسورة أو منعّم عليها من قبل الخلفاء، فإن المفكرين العرب المعاصرين كانت غالبيتهم العظمي من أساتذة الجامعات والمثقفين عامة، فغدت الفلسفة العربية بشكل عام نتاج عمليات التدريس والترجمة وإعادة نشر التراث العربي وبعثات العلم إلي الغرب وقراءة الاستشراق ونقده الخ...
إن كون الأساتذة من فئات وسطي فهذا يضعهم في سيرورة تطور هذه الفئات الوسطي والطبيعة الاجتماعية والفكرية لها والمرحلة الخاصة من الصراع الاجتماعي التي تخوضها وموقفها من القوي الشعبية الخ..
يقول حسن حنفي عن وضع الفلسفة في مصر:
[ليست الفلسفة مجرد فكر بلا زمان ولا مكان، بلا مجتمع وبلا حضارة إنما هي نظام فكري ينشأ في عصر، ويقومُ به جيل، ويخدم مجتمعاً ويعبر عن حضارة. قد تكون أزمة الفلسفة في جامعاتنا ومعاهدنا اليوم هي عدم الوعي بهذه البديهية وعياً علمياً كافياً. مما لا شك فيه أن الفلسفة في جامعاتنا وفي حياتنا العامة في أزمة. وجوهر هذه الأزمة أننا بعد أن أنشأنا جامعاتنا الحديثة منذ أكثر من نصف قرن، وجامعاتنا القديمة موجودة منذ أكثر من ألف عام فإننا لا نستطيع القول بأن لدينا فلاسفة أو أننا أخرجنا فلسفة.
يعبرُ حسن حنفي عبر مفردات الوطنية العامة، فهو يقول بأن وضع الفلسفة [ هو الذي دعانا في حقيقة الأمر إلي التفكير في علاقة الفلسفة بالموقف الحضاري لجيل محدد هو جيلنا ، ففي تعبيرات الأنا الجماعية والوطن العام، تتواري مواقف الفئات الوسطي في لحظةٍ خاصة من التطور، فعبارات حسن حنفي تدور هنا في زمن الثمانينيات من القرن العشرين وهو زمنٌ مختلفٌ عن زمن اللبان الأربعيني، حيث استعادت الفئات الوسطي شيئاً من حريتها بعد هيمنة النظام الشمولي، لكنها بعد لم تتحرر من سيطرة الدولة الكلية، أي لم تقم بالسيطرة علي هذه الدولة وتغييرها لصالحها.
ولهذا فإن حسن حنفي يقول بأنه ليس لدينا فلسفة، فلا نعرف تماماً إلي من يعود الضمير، هل هو راجع إلي مصر عامةً، أم هو إلي أساتذة الجامعات المصرية ؟
إن الضمير المتواري سيتضحُ عبر عرض أزمة هذه الفلسفة اللامتكونة. وهو يقول عن هذه الفلسفة المأزومة غير المتشكلة:
فأصبحت الفلسفة لدينا تجميعاً لأقوال وعرضاً لمذاهب وشروحاً علي نصوص أصلية أو علي المتون القديمة، وكأننا استبدلنا الفلسفة لدينا تجميعاً لأقوال وعرضاً لمذاهب وشروحاً علي نصوص كما نفعل مع المتون القديمة.
ولكي ينقضَ حسن حنفي هذا الموقف المدرسي العقيم يقوم بعرضِ رؤيةٍ خاصة لتجاوزه، وهي الرؤية الثلاثية الأبعاد المجسدة لدي أكثر من باحث عربي في هذا الزمن، فهناك التراث العربي والفكر الغربي والواقع، يقول حسن حنفي في تجسيد البعد الأول:
الأول: هو موقفنا من التراث القديم وذلك لأننا مجتمع تراثي ما زال وعيه القومي مفتوحاً علي القدماء وما زال القدماء يمثلون بالنسبة له سلطة يستشهد بها إذا ما نقصه الوعي النظري أو تحليل الظواهر.
لا تزال الضمائر العامة المجردة مهيمنةً علي لغة النص، فتغدو هناك (أنا) وطنية، مجردة، ليست هي شرائح أو قوي اجتماعية محددة، وهي تري الماضي كماضٍ عام لا يزال مستمراً ومسيطراً، فيتطلب الموقف من (الأنا) الوطنية موقفاً من هذا الإرث المتواصل ذي السلطة.
والثاني، موقفنا من التراث الغربي الذي بدأ يكون أحد الروافد الأساسية لوعينا القومي، وأحد مصادر المعرفة المباشرة لثقافتنا العلمية والوطنية. وقد كان الآخر باستمرار حاضراً في موقفنا الحضاري منذ قدماء اليونان حتي محدثي الغرب.
تتجلي الأنا الوطنية هنا كأنا قومية كذلك فهي تمتدُ وتعبر عن الأنا العربية الإسلامية بشكلٍ كلي، فتري التراثَ الغربي كرافد أساسي لوعيها، وتري الغرب هذا كآخر كلي في الجهة الأخري يمتدُ هو الآخر بشكلٍ تاريخي مجرد منذ اليونان حتي الغرب المعاصر، فتجمع شعوباً وتشكيلات وتيارات مختلفة في تعبير متجوهر هو الغرب ]و[ الآخر.
ويمضي حسن حنفي في القول:
والثالث، موقفنا من الواقع الذي نعيش فيه والذي نحتويه في شعورنا عن وعي أو عن لا وعي. وقد يكون هو الباعث علي المعرفة، والموجه للاختيار. وقد يكون هو المصدر الوحيد للمعرفة بالإدراك الحسي المباشر أو بالتنظير العقلي المباشر. وذلك أن الموقفين الأولين موقفان حضاريان بالمعني الحرفي للكلمة أي أنهما يتعاملان مع ثقافات مدونة في الغالب ويغلبُ عليهما منهج النقل بصرف النظر عن مصدره.. في حين أن الموقف الثالث وحده هو الذي يتعامل مع مادة المعرفة الخام دون إدراك مسبق أو تنظير جاهز سواء من القدماء أو المحدثين.
تتحولُ البنيةُ الاجتماعية بتناقضاتها الاجتماعية وعلاقاتها الطبقية الأساسية لدي حسن حنفي هنا إلي مواقـــــف. فالموقف من الإشكال الحضاري الذي يقصده هو موقف منتجي الفلسفة الذين بعد لم يصيروا فلاسفة، أي هو موقف الفئات الوسطي المعبر عنها بهذا الخطاب، تجاه الماضي الفلسفي وقد صار مخطوطات، وتجاه الحاضر الحديث الغــــــربي، وقد صار كتباً ومعرفة، أي أن هذين المصدرين معــــــــرفيان حيث يقول بأنهما (ثقافات مدونة في الغالب)، بمعني أنه لا يراهما كعلاقات في بــُنية اجتماعية.
إن اللغةَ هنا لا تعمم المصادر فهي تشير إلي منتجي ثقافة مدونة وهـــــذا بالتالي يلغي التعميمات السابقة عن الأنا الوطنية والقومية ويظهرُ المنتجون الثقافيون كفئةٍ تتـــــعامل مع تراثٍ سابق مسيطرٍ، وثقافة غربية حديثة مهيمنة، أي كأساتذةِ جامعة وكمشتغلين بالوعي وإنتاجه. وتوحي عمليةُ الإطـــــــلاق السابقة بأنها المعبرة عن الكل الوطني والأنا القومية، ولكنها هنا لا تقوم بتحديد هويتها الاجتماعية تماماً.
أما العلاقة بالواقع فهي الباعثة علي المعرفة والموجه للاختيار، ولكن كيف تنشأ هذه العلاقة؟:
وعادة يكون هذا الموقف الحضاري المثلث الأبعاد غير متوازن، ويكون حضور أبعاده غير متكافئ. فقد يرتكز أساساً علي الموقف من التراث القديم ومن هنا تنشأ ثقافتنا العلمية العلمانية وحركاتنا الإصلاحية والتحديثية وتعليمنا العصري ونظمنا الحديث اقتناعاً أو دفاعاً عن مصالح الحكام.
هنا تتحول العلاقة بين الأبعاد الثلاثة لـ(لموقف الحضاري) إلي موقف عام مضطرب، فذلك الخلل بين المكونات الثلاثة وغلبة الارتكاز علي البعد التراثي هو الذي يخلق تلك السلسلة العجيبة من التحولات بما فيها (نشوء الحركات العلمية والعلمانية) في حين أن الارتكاز علي الثقافة الغربية كان هو الأساس في تشكيل التيارات التحديثية الدينية والديمقراطية.
ولكن الغريب هنا أن الواقع يغدو شيئاً، والموقف التراثي المؤثر يغدو شيئاً آخر، وكأن التراث يؤثر من خارج الواقع. وليس أن الامتداد التراثي يتشكل كقوي وتيارات داخل البنية الاجتماعية، مثله مثل تأثيرات الغرب والثقافة الحديثة.
ويضيف حسن حنفي كذلك:
وقد يرتكز الموقف الحضاري علي البعد الثالث أي علي الواقع ذاته ومنه تنشأ ثقافتنا الشعبية وحركات التغيير الاجتماعي، ومنه خرجت ثوراتنا الأخيرة.
إن تعبير الموقف الحضاري يغدو البلورةَ الإيديولوجية لموقف مضطرب متذبذب، فهو من الممكن أن ينزلق في أي اتجاه، ويتملص من الزوايا الحادة التي تتطلبها القضايا، فيغدو البعد الثالث، بُعد الواقع، لا بُعد التأثيرات التراثية داخل البنية الاجتماعية، ولا بعد تأثير الأفكار الغربية، هو المؤسس للثقافة الشعبية ] و [ حركات التغيير ] و [ الثورات الأخيرة.
فكأن المستويات التراثية السائرة خلال ألف سنة والداخلة في التكوينات الاجتماعية وأعصاب الحياة، وكذلك التأثيرات الفكرية الغربية علي مدي القرنين الأخيرين، وكذلك تمازج وصراع هذين التيارين العريضين بروافدهما المختلفـــة، كانا يتشكلان في مكان آخر غير (الواقع ) !
وكأن الواقع كان يعمل في مكان آخر، ومن هذا السرداب غير المعروف والمرئي، تشكلت الثورات الشعبية.

نقد واسع للمدرسية الفلسفية

يقوم حسن حنفي بعد ذلك بعرضِ نقدٍ واسعٍ للدراسات الفلسفية التي توجهت للميدانين التراثي والغربي معا ً. وكل هذا النقد يدورُ في إطار نقد الوعي المدرسي الجامعي المهيمن، فهو يتكلم عن الدراسات الجامعية والطلبة الخ..
إننا نكرر الاختيارات النمطية القديمة التي تعارض في أهدافها ومنطلقاتها الظروف الجديدة التي نعيشها اليوم ]، [ ثم نقلناه كله، الصالح والضار. عممنا الأشعرية، ودرسنا الأشراقية وأجتررنا فقه العبادات، وشرحنا المحبة والفناء..]، [ درّسنا أن النقل أساس العقل، وأن العقل قاصر في حاجة إلي وحي، لقد درسنا العقول العشرة وخصصنا العقل الفعال وبينا أن للكواكب والأفلاك أرواحاً. ولم ندرس علم أصول الفقه بأكمله وهو ما يعبر عن إبداع المسلمين.
لم يوضح حسن حنفي هنا من قام بذلك وكيف تجسد ذلك لدي التيارات الفكرية في الجامعات المصرية ؟
كذلك فإن عبارته الأخيرة في هذه الفقرة تلفت الانتباه:
ولم نحاول نحن معرفة الصلة بين التوحيد والعقل، بين التوحيد والطبيعة، وكيف استطاع القدماء بعقلية التوحيد اكتشاف الرياضيات وقوانين الطبيعة، فــُوضع ابن رشد مع باقي الفلاسفة، وابن خلدون مع باقي المؤرخين دون إدراك للنوعية والاختيار.
فهل تم فعلاً في الفلسفة الرشدية الجمع بين التوحيد وقوانين الطبيعة ؟
كذلك هو يعممُ قراءات الجامعات المصرية للفكر الغربي بذات التعميمات: لقد فعلنا الشيء نفسه في التراث الغربي. وهو يقول أن أساتذة الجامعات انقسموا إلي فريقين:
ولما تشتت المذاهبُ وتباينت الآراء وقعت الحيرة في الاختيار. هذا مثالي، وذاك واقعي، وينشأ الخلاف بيننا، والصراع علي المذاهب في ظاهره غربي وفي حقيقته يكشف عن موقف حضاري خاص بنا وهو أن المثالية وريث طبيعي للمحافظة والتقليد الديني، والواقعية هي التطور الطبيعي للدين المثالي والأكثر قدرة علي الدفاع عن حياة الناس ومصالح الشعوب.
لكن لا نعرف هنا كيف تجسد ذلك ومن ممثلي المثالية والواقعية (يقصد المادية) ؟ وما هي علاقة هذا الانقسام بالفكر المصري والعربي الحديث ؟
ويفسر حسن حنفي كل هذا الاضطراب في الدراسات الجامعية بسبب:
وقد تعثــــرت الفلسفة لدينا لأن البعد الثالث في موقفنا الحضاري، وهو الموقـــــف من الواقع أزيح جانباً وأسقط من الحساب، فتحولت الفلسفة لدينا إلي نقل، نقـــــل عن القدماء أو نقل عن المحــــدثين، وغاب التنظير المباشر للواقع.
تغدو القراءاتُ الجامعية هنا للفلسفات سواءً كانت عربية إســـــلامية سابقة أم غربيةً معاصرة، عامةً مجردة أو قارئة مغيِّبة للتاريخ الفلسفي الإنساني، ومفككة، وبلا جذور، فهي استيراداتٌ من الماضي أو من الغرب، بطريقة نصوصية تعليقية في هذه الجوانب المنتزعة من السياق العام لنمو الفكر الفلسفي، ولتطور البني في الماضي العربي أو في الحاضر، لكن ذلك يبدو لحسن حنفي باعتباره إزاحة للموقف من الواقع ، وليس باعتباره شكلاً لتيارات داخلة في البنية المصرية ـ العربية الحديثة وتري الواقع بمناظيرَ معينةٍ.
QP17

هل ترغب في التعليق على الموضوع؟

"القدس العربي" ترحب بتعليقات القراء، وترجو من المشاركين التحلي بالموضوعية وتجنب الاساءات الشخصية والطائفية، ولن يتم نشر اي رد يحتوي شتائم. كما ترجو الصحيفة من المعلقين ادخال الاسم الاول واسم العائلة واسم الدولة وتجنب الاسماء المستعارة. ويفضل ان تكون التعليقات مختصرة بحيث لا تزيد عن 200 كلمة.

الأسم:
بريدك الألكتروني:
الموضوع:
التعليق:
 
in
مدخل
أرشيف
مواقع اخرى
الاتصال بنا
مذكرات و كتب

Website Statistics