محمود درويش
   في القدس العربي   
اقرأ في عدد اليوم
  صبحي حديدي:  ماركسية إدوارد سعيد
  أنور القاسم:  احداث مكسيكية في حي دمشقي: الجزء 3 قضى على 'باب الحارة'.. و'شكلين ما بحكي'
  ابراهيم درويش:  'عواقب الحب' رواية لسليمان أودينا: الهجرة واللذة المحرمة في جدة وحذاء زهري وشجرة نخيل
  عبد الحليم قنديل:  الإسلام والقومية العربية
  مطاع صفدي:  هل هي نهاية الاقتصاد الافتراضي حقاً؟
تصويت
هل تتوقع نجاح الحوار الفلسطيني الداخلي؟

نعم

لا


من تاريخ 2-09-2008  الى تاريخ 9-09-2008
مزيد من الأخبار
الدولة والبداءة والمدنية: هل الشوري استبداد معاصر؟
لا تصلح الشوري لهذا العصر أبدا ولا تستطيع أن تُصلح حال الناس فيه. لا تلتقي مع الديمقراطية
يكاد العرب اليوم يخرجون من التاريخ نهائيا وما زالت المقولة: الولاية لا تتبع إلا الشوكة ووجوب الطاعة
2005/12/14


صقر أبو فخرہ
هذه مقاربة عن الشوري في الفكر العربي والاسلامي، وننشرها هنا لانها تعبر عن وجهة نظر تثير جدلا، وفيها حدة في الطرح. والمقاربة تعبر عن وجهة نظر الكاتب، وهي مفتوحة علي النقاش، الرد والنقد في الوقت نفسه.
القدس العربي .
يلوح لي ان هناك هلعا مطردا في صفوف بعض المفكرين الاسلاميين حيال افكار التنوير والنهضة والديمقراطية والعلمانية والحريات وحقوق الانسان، هذه الافكار التي عادت بقوة كي تسهم في السجال الفكري المحتدم الآن في العالم العربي بعد غيبوبة نسبية استغرقت آخر عقدين من القرن العشرين. وها هي السلفيات العربية المذعورة تقف اليوم حائرة ومضطربة، وشرسة في بعض الاحيان، ازاء هذه الافكار، وتنهمك في الترويج لبضاعة منتهية الصلاحية من طراز دولة الخلافة علي سبيل المثال التي لم تكن في اي يوم من الايام ميدانا للعدالة والحرية.
ان استعادة فكرة الدولة الدينية في هذا العصر، عدا عن خبالها، هي نوع من العودة المرضية الي الماضي، والي زمن فرط ومن المحال ان يعود بعدما خلّف لنا ويلات وكوارث وركاما من القسوة والكراهية. ومع ذلك فثمة تبجيل لافت للذات الاسلامية يتخذ من الهجوم الدائم علي الغرب ذريعة للنكوص عن العصر وعن منجزات العلم ومكتشفاته التي ما بحرت تفكك الايديولوجيات العتيقة والعقائد الهرمة. وأرباب هذه العقائد والايديولوجيات منشغلون، ايما انشغال، بالتفتيش في المصادر القديمة عن مثيل مهما كان هزيلا لأي مقولة يبتكرها الانسان العربي او ينقلها او يستعملها، وذلك كله بحجة التأصيل وعدم الانسياق الي التغرب.
وعلي سبيل المثال، حينما كانت الاشتراكية ذات جاذبية اقاموا بدلا منها فكرة التكافل الاجتماعي مع ان شيخ الازهر افتي في ستينات القرن العشرين، بأن الاسلام هو دين الاشتراكية استنادا الي الحديث النبوي: الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار . لكن، في عهد انور السادات افتي شيخ الازهر بأن الاسلام هو دين الرأسمالية استنادا الي ان العشرة المبشرين بالجنة كانوا من الاثرياء الموسرين (انظر: محمود اسماعيل، فقهاء الرب وفقهاء السلطان ، مجلة أدب ونقد ـ القاهرة، العدد 226، حزيران ـ يونيو 2004). وعلي هذا النحو اذا حاول البعض ان يعلي من شأن الاعلان العالمي لحقوق الانسان تحجج بعض الاسلاميين بمسألة الحرية الجنسية لرفضه، وزادوا عليها ان المسلمين هم اول من دعا الي حقوق الانسان بقول عمر بن الخطاب: كيف استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا؟ . فاذا جادلهم مجادل بأن حقوق الانسان تعني، في جملة معانيها، الحرية الشخصية، رد هؤلاء بالقول: وهل الانسان حر في الانتحار؟ وهل هو حر في القتل؟ وهل هو حر في خيانة وطنه؟ وهل هو حر في تناول المسكرات والمخدرات؟
يقول الدكتور علي جمعة ان هناك مصيبة هي الغاء عقوبة الاعدام، لأن الاعدام هو حق من حقوق الانسان.. بينما الغاء الاعدام بالكلية كما يُنادي به انما هو اعتداء علي حقوق الانسان ( الاهرام 2005/2/5). وهذا مثال نموذجي علي العياء المرير في الثقافة العربية المعاصرة. اما اذا قيل ان الحضارة الغربية انتشرت وانتصرت لانها تقوم علي العقل او تتصف بالعقلانية، فتكون ردة فعل المنشغلين بالهوية القول ان الاسلام هو دين العقل، مع ان المبدأ في الاسلام هو الوحي لا العقل. واذا تحدث البعض عن التسامح جوبه فورا بأن الاسلام هو دين التسامح، واذا عرضت مسألة حرية المرأة كان الرد الفوري بأن هذه المسألة ليست ذات شأن جوهري لان الاسلام اعطي المرأة حريتها، مع ان الحرية هي مفهوم حديث وهو من عناوين الحداثة الفكرية الوافدة، هذا فضلا عن ان المرأة في المجتمعات الاسلامية كائن ثانوي ان لم يكن هامشيا. واذا قيل ان الديمقراطية هي النظام الاكثر ملاءمة للمجتمعات العربية جاء الرد بأن الديمقراطية ليست شيئا آخر غير الشوري التي جاء بها الاسلام قبل الغرب بمئات السنين. وهكذا فنحن نفتش، لكل مقولة ابتكرها الفكر الانساني، عن معادل اسلامي لها او سابق عليها (انظر: علي حرب، حديث النهايات بيروت: المركز الثقافي العربي 2000).

الشوري والبداوة

لم يبتكر العرب او المسلمون او الفقهاء مفهوما شاملا لكلمة الدولة . والتاريخ الاسلامي لم يعرف هذا المصطلح قط، ولا سيما في دلالته الحديثة، انما عرف مفهوم الخلافة ، وهي مؤسسة سياسية في الاصل. اما الدولة فكانت تشير في احد وجوهها، الي السلالة الحاكمة علي غرار الدولة الاموية والدولة العباسية والدولة الصفوية والدولة السلجوقية والدولة العثمانية ودولة بني بويه والدولة السعودية والمملكة الهاشمية.. الخ.
ومهما يكن الأمر، فان اي دولة تحتاج، لبقائها، ضربا من ضروب التنظيم والهرمية والمشاورة، فضلا عن العصبية والشوكة بطبيعة الحال. وهكذا نشأت الحاجة الي الدواوين والقوانين. وفي هذا السياق ورثت الثقافة السياسية الاسلامية ما كان موجودا قبل الاسلام، أي مفهوم الشوري الذي تجري استعادته اليوم كبديل من مصطلح الديمقراطية. غير ان الشوري، في الاساس، هي حق الكلام للعقلاء من الناس من ممثلي القبائل لا لكل الناس، ولم تتطور دلالتها كثيرا في العصور الاسلامية اللاحقة حتي في زماننا المعاصر، مع ان بعض الفقهاء حاول ان يخيط فوق الرقع القديمة ثوبا حديثا لها.
ليست الشوري نظاما سياسيا كالديمقراطية، وهي ليست ملزمة للحاكم في اي حال. ربما كانت الشوري تلائم مجتمعا بسيطا بدويا ومحدود عدد السكان، لكنها غير نافعة، علي الاطلاق، في مجتمع مدني متشابك في بنيته البشرية وفي علائقه الاجتماعية المعقدة. ولهذا لم يكن غريبا البتة عند قيام اول دولة في الاسلام، في دمشق، ان يتحول التنظيم الحربي فورا من قبائل محاربة الي ملك عضوض ، وان يبدأ التخلي التدريجي عن الشوري البدوية كي يستعاض عنها بالدواوين (ديوان الجند وديوان الاعطيات وديوان المظالم وديوان المحاسبة وبيت مال المسلمين.. الخ).
قصاري القول ان الشوري قبل الاسلام كانت تتألف من الوجهاء الذين جاوزوا الاربعين، والذين يختارون شيخ القبيلة ويجلســــون اليه للنظر في شؤونهم (دار الندوة مثلا). وهذه الشوري هي احدي اعراف القــــبائل، ولم يخترعها الاسلام. اما الشوري في زمن الخلافة الراشدة فكانت مؤلفة من كبار المهاجرين والانصار فحسب. بينما باتت الشوري في العصور الاسلامية اللاحقة، وخصوصا في العصور الاولي، مجرد وسيلة شكلية لسبر آراء اهل الحل والعقد. فكان الخليــفة يستشير خاصته او بطانته او حاشيته، وهي مشورة غير ملزمة له، وطالما فشلت في حل المنازعات.

الشوري والدولة الأولي

من المعروف ان آية الشوري نزلت بعد غزوة أحد التي هُزم فيها المسلمون. ففي يوم احد كان رأي الاكثرين مخالفا لرأي النبي محمد، فنزل النبي علي رأيهم في الذهاب الي الغزو، وكان ما كان مما هو مسطور في التاريخ. وهذا التاريخ نفسه يروي لنا كيف سلكت الشوري مسلكها في البدايات الاولي لظهور الدولة الاسلامية، اي في الفترة الراشدية. لقد كان اجتماع السقيفة اول شوري عملية في الاسلام. لنرَ، اذا، كيف اكتسبت هذه الشوري قوامها وهيئتها. يري الطبري ان عمر بن الخطاب جمع نفرا بينهم عثمان بن عفان وطلحة والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وقال لهم: اني قد نظرت لكم في أمر الناس فلم اجد عند الناس شقاقا الا ان يكون فيكم . وطلب اليهم ان يتشاوروا في ما بينهم لاختيار واحد منهم يكون الخليفة. وحدد لهم ثلاثة ايام لتنفيذ هذا الامر. وارسل الي ابي طلحة الانصاري يقول له: كن في خمسين رجلا من قومك مع هؤلاء النفر اصحاب الشوري ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتي يؤمروا احدهم. وقم علي رؤوسهم. فان اجمع خمسة وابي واحد فاشدح رأسه بالسيف. وان اتفق اربعة وابي اثنان فاضرب رأسيهما. فان رضي ثلاثة وابي ثلاثة فحكموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا منهم، فان لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين ان رغبوا عما اجمع به الناس. ولا يحضر اليوم الرابع الا وعليكم امير منكم.
علي هذا النحو تجلت الشوري في صدر الاسلام. ومهما يكن الامر فان الخليفة الاولي ابو بكر خالف رأي الشوري عندما قررت شن حروب الردة فقالوا له: كيف تحارب قوما يشهدون ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويقيمون الصلاة؟ ومثله رفض الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، خلافا لهيئة الشوري، ان يوزع ارض السواد علي جنود الفتح علي الرغم من وجود آية في هذا الشأن، وسنة ايضا، فالنبي قسم بنفسه ارض خيبر علي الفاتحين. وفوق ذلك استخلف ابو بكر عمرا، وهذا استخلف عثمان، فأين الشوري في اختيار الخليفة؟
يقول احمد محمد خلف الله ان آية وأمرهم شوري بينهم (الشوري: 38) تتضمن معني الشوري الوصفية، اي انها تقف عند حدود الوصف الذي يمدح ولا تتجاوزه الي الأمر بالتكليف (انظر: مفاهيم قرآنية ، سلسلة عالم المعرفة ـ الكويت، العدد 79، تموز ـ يوليو 1984). اما آية وشاورهم في الأمر (آل عمران: 159) فهي تتضمن معني الشوري بالتكليف. لكن التشاور لا يكون في الامور الدينية بل في الأمور السياسية والاجتماعية. فالشوري، بهذا المعني، شأن سياسي وليس شأنا دينيا. غير ان بعض الفقهاء في هذا العصر ما برحوا راكبين رؤوسهم بعناد، فهم متشبثون بالتقليد القائل ان الشوري شأن ديني ثابت وليس شأنا سياسيا متغيرا، واي اجتهاد يري ان مفهوم الشوري هو مفهوم متقادم لا يصلح هذه الايام مدعاة لاخراج صاحبه من دائرة الاسلام.
الشوري والعصر

لا تصلح الشوري لهذا العصر ابدا، ولا تستطيع ان تُصلح حال الناس فيه. والشوري لا تلتقي الديمقراطية حتي في منتصف الشوط خلافا لمن يجهد في إلباس الاولي لبوس الثانية، فكلا المفهومين نشأ من مصادر فكرية مختلفة وفي اطوار تاريخية متباعدة، وانبثق، كل واحد منهما، من اوضاع اجتماعية ذات مصائر متعاكسة. والتجربة التاريخية، اذا نظرنا اليها بمنظور نقدي محايد لا بمنظار فقهي بائد، تفصح بأن الشوري والديمقراطية دربان لا يلتقيان. فالسلطة في نظام الشوري للسلطان، بينما السلطة في النظام الديمقراطي للمؤسسات. والحاكمية في نظام الشوري لله، بينما الحكم في الديمقراطية للاكثرية الشعبية. والتشريع في نظام الشوري هو التشريع الالهي، والله هو المشرع وشريعته واجبة التنفيذ ولا مجال لتبديلها قط. اما التشريع في النظام الديمقراطي فهو لممثلي الشعب، ومن الممكن تبديل التشريعات بحسب المصالح المتغيرة. ان الشوري، في نهاية المطاف، مفهوم ديني وان لم يكن ذا منشأ ديني في الاساس. ولهذا فهو يمنح رجال الدين سلطة التدخل في السياسة، بينما الديمقراطية تفصل الدين ورجال الدين عن السياسة.
وبهذا المعني فان نظام الشوري لا يجيز قيام احزاب او معارضة سياسية الا شكليا علي الارجح، او في نطاق ضيق جدا في بعض الاحيان. لكن الديمقراطية تتضمن، جوهريا، وجود الاحزاب والمعارضة وتداول السلطة. ثم ان مجالس الشوري، كما ظهرت عيانا في بعض الدول الاسلامية او حتي في كتابات الفقهاء، يعينها الحاكم، بينما المجالس التمثيلية في نظام الاختيار الحر (الديمقراطي) فتكون منتخبة بالضرورة. ومعظم الاسلاميين رفضوا الديمقراطية لانها تعني، اولا، واخيرا، حكم الشعب وتقييد يدي الحاكم بالدستور، بينما رأي الفقهاء ان الاسلام يعني حكم الله وشريعة الله وتحكم رجال الدين في نهاية المطاف.
غير ان الشوري مفهوم خلافي حتي في صفوف الفقهاء انفسهم. وطالما نشب الخلاف بين مَن يراها ملزمة للحاكم ومَن يراها معلمة له. فمنهم من يعتقد انها لا تتعدي النصيحة والقول الحسن، ومنهــــــم، امثال الشيخ يوسف القرضاوي، من يقول: ان الشوري ملزمة وان رأي الاغلبــــية معتبر (جريدة الاتحاد ـ ابو ظبي 2001/3/21) لكن آخرين يعتقدون أن رأي الغالبية لا قيمـــــة له في نظام الشـــــوري اذا كان هذا الرأي مخالفا لأسس الحياة المتــــفق عليها، اي الحياة في ظل المباديء الاسلامية (...) وما قام به الامام الخميني من استفتاء بُعيد انتصار ثورته في ايران كان من باب سد الذريعة ودرء المفسدة (...) وكان الرجل علي يقين مسبق بالنتائج الايجابية للاستفتاء (عز الدين جلولي، السفير 2004/8/30).
كان السؤال الرئيسي لأي المفكرين الديمقراطيين هو التالي: كيف يمكن ان نقيد السلطة حتي لا تتعدي حدود الافراد؟ اما السؤال الدائم في بلادنا المبــــتلاة بالاســـتبداد والارهاب وفقهاء الدم والتخلف فهــو: كيف نغل أيدي الافراد، ونقطعها اذا لزم الأمر، حتي لا يقدم هؤلاء علي الحاكم حتي لو كان جائرا.
لقد دار الزمان دورته وما زال الناس يرددون وراء اشياخهم: اذا جار السلطان فعليك الصبر وعليه الوزر. ومَن خرج علي السلطان شبرا مات ميتة جاهلية (ابو بكر الطرطوشي في سراج الملوك ). ويكاد العرب اليوم يخرجون من التاريخ نهائيا وما زال لسان حال الفقهاء الذي لم يتغير منذ ألف سنة يقول: الولاية لا تتبع الا الشوكة. ومَن اشتدت وطأته وَجبت طاعته (الغزالي).

ہ كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في بيروت
QP17

هل ترغب في التعليق على الموضوع؟

"القدس العربي" ترحب بتعليقات القراء، وترجو من المشاركين التحلي بالموضوعية وتجنب الاساءات الشخصية والطائفية، ولن يتم نشر اي رد يحتوي شتائم. كما ترجو الصحيفة من المعلقين ادخال الاسم الاول واسم العائلة واسم الدولة وتجنب الاسماء المستعارة. ويفضل ان تكون التعليقات مختصرة بحيث لا تزيد عن 200 كلمة.

الأسم:
بريدك الألكتروني:
الموضوع:
التعليق:
in
مدخل
أرشيف
مواقع اخرى
الاتصال بنا
مذكرات و كتب

Website Statistics