Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة

فلاسفة العرب

 
بحث مخصص

 


فلسفة العلم وتشكيل العقلية العلمية

جريدة الأهرام
 5نوفمبر 2013

د. خالد قطب

تهتم فلسفة العلم بمنهج ومنطق العلم وخصائص المعرفة العلمية وشروطها‏,‏ وكيفية تقدمها‏,‏ والعوامل التي تساعد في عملية التقدم تلك‏,‏ فهي تقدم آليات منهجية ومعرفية لتشكيل العقل حتي يكون قادرا علي حل المشكلات التي تواجهه‏,‏ وتزيل العقبات التي تعرقل مسيرة العلم التقدمية‏.

والأهم من ذلك أن فلسفة العلم, بوصفها مبحثا أصيلا من مباحث الفلسفة وأصدق تعبير عن روح عصرنا عصر العلم وتضاعف المعرفة العلمية, تقدم رؤية نقدية تصويبية تشكل في مجملها طوق النجاة لتشكيل العقلية العلمية التي ننشدها. إن فلسفة العلم, تهدف إلي بيان صلاحيات العقل الذي ينبغي أن يتصف بالعلمية, وقد ساهمت فلسفة العلم بنصيب كبير في تشكيل محكمة نقدية راجعت من خلالها المفاهيم والتصورات والمناهج وأساليب التفكير والتصورات العلمية التي سادت تاريخ العلم. والسؤال الآن: كيف يمكن لفلسفة العلم أن تساهم في توظيف المعرفة العلمية داخل مجتمعنا المعاصر؟

* لقد زودت فلسفة العلم العقل بسبل التفكير العلمي الذي يجعل هذا العقل في حالة إبداع دائم, أي ساعدت فلسفة العلم العقل علي البحث عن البدائل الممكنة وتطوير الأفكار القديمة والنظريات المهملة وإعادة قراءتها للاستفادة منها, ومن ثم يمكن لفلسفة العلم أن تعمل علي محو الأمية العلمية التي يعاني منها واقعنا العربي المعاصر, ولا يعني محو الأمية العلمية أن نزود الطلاب في مراحل التعليم المختلفة بمجموعة من التركيبات العلمية الجاهزة, كأن نزودهم بمجموعة من النظريات والقوانين العلمية الفيزيائية والكيمائية والبيولوجية والرياضية لتطبيقها دون إمعان النظر فيها وإعادة مراجعتها, أو أن ننقل تقنيات الهندسة الوراثية, لتطوير مجال الزراعة علي سبيل المثال, فهذا لا يكفي وحده لتغيير واقعنا العربي وجعله واقعا متقدما علميا وتكنولوجيا, بل لابد من وجود عقلية علمية عربية قادرة علي استيعاب العلم بوصفه مصدر للمعرفة الموثوق من صحتها.

* كشفت فلسفة العلم أن ثمة منطقا سيطر علي التفكير العلمي الغربي, هذا المنطق الذي فرض سلطانه وسيطرته علي العقل الغربي ذاته وأصبح أداة للسيطرة علي الشعوب الأخري غير الغربية, هذا المنطق يكمن في أن العلم نتاج غربي محض, وأن الغرب وحده الذي يملك مقاليده وشفراته وطلاسمه, ولا يحق لغير الغربي أن يقترب أو ينال منه إلا بالقدر الذي يسمح به الغرب ذاته, وبما يخدم مصالح الغرب وصناعاته, حتي أصبحت البلاد النامية سوقا لرواج البضائع الاستهلاكية الغربية, لهذا قام العديد من فلاسفة العلم بإعادة مراجعة تاريخ الذاكرة الإنسانية, وخاصة تلك المراحل التي تعملق فيها العلم وشكل جوهر العقل الإنساني الذي أبدع وأنتج معرفة إنسانية علمية دقيقة ومارسها, فتحقق التقدم العلمي والتقني, فأصبح العلم الغربي, نتيجة هذه المراجعة, مجرد حلقة ضمن سلسلة طويلة من الحلقات الكثيرة التي أبدعها العقل الإنساني علي مر العصور.

* تقوم فلسفة العلم بدور فعال في تقويم النتائج اللاأخلاقية الناتجة عن تطبيقات العلم وتوظيف المعرفة العلمية لخدمة أغراض سياسية, ولعل أكثر النتائج العلمية اللاأخلاقية التي تصدت لها فلسفة العلم توظيف العلم والمعرفة العلمية في تطوير الأسلحة والتسابق بين الدول لتطوير آلات الحرب, وكذا النتائج اللاأخلاقية الناتجة عن تطبيق تقنيات العلوم البيولوجية وخاصة الاستنساخ الذي أثار, ومازال, جدلا كبيرا, ومحاولة تطبيق الهندسة الوراثية علي الإنسان, خاصة ماتقوم به بعض الشركات الكبري, بما لديها من نفوذ اقتصادي وسياسي, باستغلال النتائج التي يتوصل اليها العلماء في هذا المجال لخدمة مصالحهم التوسعية. وهذا ما جعل فلسفة العلم تضع معايير وقواعد أخلاقية تحدد أخلاق العلماء, ومن ثم أخلاق العلم ذاته.

كان العلم ولا يزال, هو العامل الحاسم في تشكيل العقل والواقع علي حد سواء, فهو محاولة إنسانية تبغي فهم الواقع وتغييره ووضع الخطوط العريضة لمستقبله مستعينا بأحد أهم نتاجات العلم, أعني المعرفة العلمية, تلك المعرفة التي تشكل في مجملها أساس العقلية العلمية, أي العقلية التي تحتل فيها المعرفة المتصفة بالعلمية مكانة كبيرة. إذن غدت المعرفة العلمية قيمة في حد ذاتها, لأنها القادرة علي حل مشكلات الواقع وإزالة العقبات التي تقف حائلا دون تغيير وتطوير الواقع ومن ثم تقدمه,

كما أنها غدت من الأسلحة التي يمكن, من خلالها, أن يدافع الإنسان عن كيانه وكيان مجتمعه. ويمثل غياب المعرفة العلمية في واقعنا العربي المعاصر أحد أهم العقبات التي تقف حائلا دون تغيير وتطوير هذا الواقع, وليس مرجع هذا الغياب إلي خلل ما في بنية العقل العربي وتكوينه كما يري بعض المفكرين العرب المعاصرين الذين يصدرون الأحكام بأن العقلية العربية, بحكم بنيتها وتكوينها التراثي الثقافي, تتميز بارتباطها بالنزعة المعيارية في النظر إلي الأشياء, وبالتالي فهي عقلية لا تقوي بذاتها علي إنتاج علم نظري يهتم بمعرفة أسباب الطبيعة والتنظير لظواهرها, وإنما مرجع الخلل الذي يعاني منه واقعنا راجع إلي نظرة عدم الاكتراث بالعلم والمعرفة العلمية وربطهما بتقدم الواقع العربي وتميزه المستقبلي.

أصبحت الحاجة ملحة لنوعية جديدة من السياسة التربوية القادرة علي تهيئة العقلية العربية للمشاركة في هذه اللحظة التاريخية التي نمر بها, لحظة تزايد فيها تأثير العلم وتطبيقاته علي شتي مناحي الحياة, كما أننا في حاجة إلي قفزة تنموية تجعلنا قادرين علي دخول القرن الحادي والعشرين متسلحين بمعرفة علمية عربية تستوعب التحولات المعرفية والعلمية الثورية التي تمر بها هذه الحقبة التاريخية, ومدركة في الوقت ذاته, تناقضاتها وأيدلوجياتها القابعة خلفها التي تحاول تجاهل الدور الذي لعبته الحضارات والشعوب غير الغربية وإسهاماتها في الحقب العلمية المختلفة, فضلا عن ضرورة تصدي هذه المعرفة العلمية العربية لقيم الطاعة والإتباع والامتثال التي سادت سياساتنا العلمية والتعليمية والثقافية والبحثية.

استاذ الفلسفة المساعد جامعة الفيوم