موقع قنطرة للحوار مع العالم الإسلامي ـ QANTARA.DE


 

15.02.2007

الإسلام في منظور المفكر التركي علي بولاج: البديل الوحيد للحداثة الغربية

يرتبط نهوض الحركة الفكرية الإسلامية الحديثة في تركيا بإسم علي بولاج أكثر من أي مفكر إسلامي آخر، فقد اجتذبت كتاباته مئات الألوف من القراء مثلما استقطبت الكثير من المثقفين غير الإسلاميين الى دائرة الإسلام وعلاقته بالحداثة. بقلم غونتر زويفيرت

علي بولاج, الصورة: www.kultur.gov.tr/EN عندما يدور الحديث عن الإسلام السياسي في تركيا يبدأ المرء بذكر أسماء السياسيين. نجم الدين إربكان مثلاً، الذي أسس خلال الخمس والثلاثين سنة الأخيرة (أو دعا لتأسيس) خمسة أحزاب إسلامية، تم حظرها الواحد تلو الآخر. أو يذكر اسم رجب طيب أردوغان، الذي اقتفى سياسيا التقاليد الحزبية لإربكان، والذي يحكم حزبه ما بعد الإسلاموي post islamic "حزب العدالة والتنمية" AKP اليوم في تركيا.

التوجه نحو الجيل الشاب

أما المفكرون الإسلامويون الأتراك فهم على خلاف السياسيين أقل شهرةً بكثير. وهم يقفون في ظل هؤلاء، يكتبون باللغة التركية التي قلما تُعتَمَدُ مرجعًا، وهم أقرب لأنْ يكونوا مواكبين نقديين للسياسيين من أنْ يكونوا قادةً للحركة السياسية.

ينطبق هذا على علي بولاج أيضًا، الذي يتربع دون غيره على عرش العصب الفكري للإسلاموية التركية المعاصرة. حيث أعطى ثلاث مرات دفعات توجيهية جذرية ونقدية للنقاش السياسي الدائر في الإسلام التركي. كما يتعرض اليوم حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان لانتقادات علي بولاج.

يرتبط تأثير بولاج ارتباطًا وثيقًا بكونه يعكس أفكار جيله من المثقفين في مناحٍ عدة، رغم انه يختلف عنهم في بعض القضايا الأساسية. وهو على غرار المثقفين الإسلاميين الآخرين أبن لعائلةٍ بسيطةٍ مؤمنةٍ من الأناضول، تلقى تعليمه الديني الأول في دروس القرآن الرسمية، ولاحقًا في كلية الخطباء الحكومية.

ومثل المفكرين المسلمين الآخرين، يتوجه علي بولاج بالدرجة الأولى إلى الجيل الشاب من الجمهور النازح من الأرياف. جيلٌ يعاني من التفكك الاجتماعي، ومن الوحدة في المدن التركية الضخمة الجديدة، ومن انحلال القيَّم الأخلاقية وفقدان التقاليد، ويتواجه مع العلمانية والتسييس.

نشاط ثقافي واسع

لكن على خلاف القسم الأكبر من الأكاديميين والناشطين الإسلامويين، تلقى بولاج تعليمًا فقهيًا متينًا إضافةً إلى دراسته العلمية الجامعية، حيث درس في الكلية الإسلامية العليا وأنهى دراسته في كلية علوم الاجتماع في جامعة اسطنبول. والجدير بالذكر أنّ اللغة العربية وليست التركية هي اللغة الأم عند بولاج الذي ولد في عام 1951، وترعرع في وسطٍ دينيٍ مزدوج اللغات في مدينة ماردين الواقعة في جنوب الأناضول على الحدود السورية.

دفعت الظروف التي ذكرناها سالفًا لأنْ يقاطع علي بولاج التوجُّه المقتصر على تركيا منذ أنْ بدأ مساره، وقاطع كذلك الأوساط القومانية الإسلامية التركية لاحقًا. وبعد أنْ كتب لفترة من الزمن في مجلة "حركة نور الدين طوبجوز " Hareket Nurettin Topçus أصدر دوريته الخاصة "تفكير" Düşünce التي شرَّعت الباب في تركيا ناقلةً إياها من الإسلاموية الوطنية إلى الإسلاموية العالمية.

وفي دار النشر التي أسسها بالتزامن مع الدورية والتي حملت نفس الاسم أصدر عددًا كبيرًا من الترجمات: بدأً بأعمال الأفغاني غُلب الدين حكمتيار وحتى الإيرانيين من أمثال علي شريعتي وآية الله الخميني، ومن أعمال المصري حسن البنا وسيد قطب وحتى الهندي مولانا أبو الأعلى المودودي.

ترسيخ الإسلام السياسي

وبعد أنْ ترجم القرآن وكتابًا آخر يعالج العلاقة بين القرآن والحديث سعى علي بولاج – بالتوافق مع البنا والمودودي– في كتابه السياسي الأول "المفاهيم الحديثة والأنظمة" Çağdaş Kavramlar ve Düzenler ليصفي الحسابات مع الأيديولوجيات السياسية المنافسة، مثل الليبرالية، والماركسية، والاشتراكية، والفاشية.

يرسم كتاب "المفاهيم الحديثة والأنظمة" صورةً للإسلام بعيدةً عن المذهب المحافظ وعن الفكر القومي، ويصوِّر الدين باعتباره وسيلةً لحل الصراعات الطبقية، ونقيضًا للإمبريالية. بذلك غدا الكتاب بيان الحركة الاسلاموية الفتية في تركيا، وباع أكثر من خمسمائة ألف نسخة.

لحق ذلك كتابه "في فهم الإسلام" İslâm’ın Anlaşılması üzerine الذي يسعى لترسيخ الإسلام السياسي ثيولوجيًا من جهة، ولأنْ ينتقد التيار الإسلامي العثماني الذي مثله المثقفون العثمانيون في القرن التاسع عشر، والذي استسلم أمام الفكر الأوروبي من جهة ثانية.

وجاء الانقلاب العسكري في العام 1980 ليقضي على المجلة ودار النشر، وعندما توجه علي بولاج في العام 1986 إلى قطاعٍ أوسع من الرأي العام عبر تأسيسه مجلة جديدة اسمها "الزمان" Zaman، كان اللبس القائم بين الإسلام بوصفه أيديولوجيا والإسلام بوصفه موقفًا ناقدًا لتأييد الحداثة في فكر بولاج قد حُسِمَ نهائيًا.

بدلا عن الحداثة

رفض علي بولاج كل المساعي التي حاولت فهم الدين بمصطلحات ومتغيرات الأيديولوجيا السياسية لتصنع منها أيديولوجيا بديلةً. وكذلك الأمر بالنسبة للمساعي التي حاولت التوفيق بين العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية والمواقف الإسلامية. أصبح الآن الإسلام بالنسبة له البديل الوحيد للحداثة، ومتغيراتها، وأفكارها، وكذلك بديلاً عن أيديولوجيتها وشكل الدولة الذي تنادي به.

العودة الى "دولة المدينة المنورة"

صمم علي بولاج نظامًا اجتماعيًا مثاليًا استمده من دستور "المدينة المنورة" Medine Vesikası في زمن النبي، وبذلك اتخذ هذا المنظور شكلاً سياسيًا. وتُشكِلُ "كونفدرالية مجتمعات تقوم على القانون" بالنسبة لبولاج بديلاً عن الدولة القومية الحديثة، التي تختلق "ديانات حديثةً" باسم وحدات اجتماعية حديثة ومصطنعة من نوع "الأمة"، مستعينةً بعلوم الاجتماع الحديثة، وتجبر كافة المواطنين على إتباعها بشكل أو بآخر.

وصاغ علي بولاج الشكل النظري لأفكاره بين الأعوام 1993 و1996 على صفحات مجلة البلاغ والحكمة Bilgi ve Hikmet، التي استطاعت أن تستقطب المثقفين غير الإسلاميين للمشاركة في النقاش الإسلاموي، ولأنْ يبلور هؤلاء أهدافًا مشتركةً مع المسلمين.

غونتر زويفيرت
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2007