Arabic symbol

 

 

 

 

فلاسفة العرب

فلسفة الحق عند هابرماس

 
بحث مخصص
 

 

 صدر أخيراً عن كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس بالرباط (أبريل 2009) كتابا بعنوان فلسفة الحق عند هابرماس، وهو الكتاب الثالث الصادر عن مجموعة "فلسفة الحق السياسي والأخلاقي". التابعة لنفس الكلية، بعد كتابين عن كانط وأثره في الفلسفة ما بعد الحداثية، بعد التأصيل الكانطي للحداثة، إشراف م. المصباحي، الرباط، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 2005؛ وفلسفة الحق: كانط والفلسفة المعاصرة، الرباط، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 2007.

وتُعتبَر مسألة الحق مسألة جوهرية بالنسبة لوجود ومصير وتنمية المجتمعات المعاصرة على اختلاف مستويات نموها السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وبخاصة مجتمعاتنا العربية.
وقد خصصت هذه المجموعة لقاء فلسفيا للنظر في فلسفة الحق عند يورغن هابرماس (Jürgen Habermas 1929-) لأنها تشكل لحظة أساسية داخل حقل الاهتمام الفلسفي بالحق في علاقاته بالديمقراطية والتنوير والحداثة، لكونها استحدثت أوراشا غنية ومفتوحة من الحوارات مع مختلف تيارات الفلسفة الحديثة والمعاصرة ؛ وبحكم أنها قدمت أو استعملت أدوات ومفاهيم جديدة، وصاغت قضايا وإشكاليات طريفة من شأنها أن تسمح لنا، نحن في العالمين العربي والإسلامي على الخصوص، بالقيام بمقاربات متعددة التخصصات (فلسفية، سوسيولوجية، تاريخية، حقوقية، ثقافية، سياسية...) لمسألة الحق والديموقراطية ؛ وأخيرا لكونها قدمت رؤية جديدة للحق في عالمنا المعاصر.

وإذا كانت فلسفات الحداثة، منذ القرن السابع عشر، قد أوْلت عناية كبرى لعلاقة الحق بالأخلاق، فإن الفلسفات المعاصرة وجهت اهتمامها خاصة نحو علاقة الحق بالسياسة (بالدولة). وهذا ما أتاح لهذه الفلسفات فرصة توسيع وإثراء مجال مقاربتها للحق بالتفكير في إشكاليات جديدة تمخضت عن ملابسات الوجود الفردي والاجتماعي للإنسان المعاصر، كإشكاليات التواصل، وأخلاقيات الحوار، والنقد الفلسفي، والبِناء المشترك للخبرات الاجتماعية، ومفاهيم الفضاء العمومي، والتوافق، والدين، والأخلاق، والتكنولوجيا، والبيئة، والحرب، والعولمة، والتنمية، والتغيير الاجتماعي، والتنوير الخ.
وقد أثارت الأبحاث التي يضمها هذا الكتاب الانتباه إلى أن معظم إسهامات هابرماس كانت ثمرة نقاش مفتوح في الفضاء العمومي الفلسفي مع زملائه من الفلاسفة ورجال القانون والأنتروبولوجيين الخ ، وبصدد أسئلة جديدة ذات تحديات ملفتة للنظر. وهذا يدل، من جهة، على الاعتراف المتبادل بين الفلاسفة، أي على القراءة المتفاعلة، ومن جهة أخرى على انفتاح الفلسفة على العلوم والمباحث والقضايا الجديدة، وما تطرحه من مشاكل وصعوبات تتحول بسرعة إلى مشاكل سياسية ذات حساسية بالغة أحيانا عبر المجال العمومي. وهذا يبرهن من جديد على حيوية الفلسفة المعاصرة، وانتمائها الصميمي للمدينة، مع يقظة غريزية كيلا تسقط في رتابة الأفكار الجاهزة، أو تكون ضحية استخدام مُغرِض من قِبَل السلطات المعرفية أو السياسية لقضاء مآرب بعيدة عن أسلوب تفكيرها وحياتها. لقد أثبت صاحب "المجال العمومي"، هابرماس أنه، كسقراط، صاحب المبادرة إلى السؤال، لا من أجل الوصول إلى اطمئنان بحقيقة قطعية نهائية، وإنما من أجل نشر أخلاقيات الحوار والمناقشة والاعتراف المتبادل، التي هي صمام أمان الديمقراطية الحديثة.

تناول الباحثون الذين ينتمون لتخصصات وجامعات مغربية مختلفة جملة من القضايا التي اهتم بها هذا الفيلسوف الألماني أو خاض حولها مناقشات حامية مع زملائه الفلاسفة وغير الفلاسفة من أوروبا وأمريكا، كأخلاقيات البيولوجيا، وفكرة السلم الدائم عبر حواره مع كانط، وطبيعة البشر من خلال مناقشاته مع سلوتردايك، و"علم تحسين النسل" عبر مناوشاته مع هانس يوناس، ودولة الحق ونظرية المناقشة، ووحدة الفلسفة وتعدد القيم، ومناقشته لفكرة مشروعية القوة والعصيان المدني، ونظرية الحق، وأخيرا موضوع الحق في المساواة والاختلاف الثقافي.

وقد أسهم في هذا الكتاب مجموعة من الباحثين الذين ينتمون لتخصصات وجامعات مختلفة، حيث تناولوا وناقشوا القضايا التي اهتم بها هذا الفيلسوف الألماني أو خاض حولها مناقشات حامية مع زملائه الفلاسفة وغير الفلاسفة من أوروبا وأمريكا، كالمسائل التي تطرحها أخلاقيات البيولوجيا (عبد الرزاق الدواي و محمد الشيخ وعمر بوفتاس)، وفكرة السلم الدائم عبر حواره مع كانط (مصطفى حنفي)، ودولة الحق ونظرية المناقشة (ع. معزوز)، ووحدة الفلسفة وتعدد القيم (لحكيم بناني)، ومشروعية القوة والعصيان المدني (ذ. المشروحي)، ونظرية الحق والفعل التواصلي (م. الأشهب)، وأخيرا مفارقات الحق في المساواة والاختلاف الثقافي (م. المصباحي).

م. المصباحي