Arabic symbol

 

 

 

 

فلاسفة العرب

الحداثة وما بعد الحداثة في فلسفة ريتشارد رورتي

2009-01-24
الدوحة ـ العرب  
كتاب: الحداثة وما بعد الحداثة في فلسفة ريتشارد رورتي
تأليف: محمد جديدي
الدار العربية للعلوم ومنشورات الاختلاف، بيروت – الجزائر، 2008

يتناول هذا الكتاب الطرح الفلسفي الذي تفرد به الفيلسوف ريتشارد رورتي في مجرى النقاشات والحوارات الفلسفية التي كانت سائدة في بلاده وفي أوروبا، ويسلط الضوء على حركية النقد التي استهدفت الحداثة وما بعد الحداثة مقولاته الفلسفية، باحثاً عن جدواها وما أنتجته من معطيات على الصعيد الأدبي والفكري. ويرى المؤلف أن رورتي يعتبر ما بعد الحداثة هي ما بعد نيتشه، لأن الفكر الفلسفي قد تحرر من سجن الذات وغطرسة الحقيقة المطلقة مع نيتشه. وعليه يبيّن أن الذاتية المركزية قد انهارت وأن المثالية قد وصلت إلى مأزق وأن البراغماتية الجديدة هي الوحيدة التي تستطيع معالجة التنوع في عمله اليومي وهي التي يمكنها أن تؤكد على وحدة فعلية للإنسان.
ونهضت حركية ما بعد الحداثة على تدمير قواعد ثلاث كانت تتأسس عليها الحداثة من حيث هي فكر وتوجه إيديولوجي تنويري، حيث بنيت الحداثة على الوعي بالذات عندما حددت نظرة الذات العاقلة إلى نفسها وإلى ذاتيتها الأولية والمركزية من خلال عملها التفكيري المتواصل وتحويل الذوات الأخرى إلى مواضيع يتسلط عليها العقل العلمي. وينتقد رورتي هذه التصورات عن الحداثة، لكنه لا يرفضها، بل يعالجها معالجة حسب نتائجها وتفعيلها في الثقافة وفي الحياة اليومية، إذ لا يمكن لأحد أن ينكر نجاعة نقد مكونات الحداثة كالعقلانية الصارمة والكونية المزيفة والتقدم المغلوط، وفي نفس الوقت لا يمكن إنكار مكتسبات الحداثة وإنجازاتها.
ويهتم المؤلف بفلسفة ريتشارد رورتي، بوصفها نموذجاً للفلسفة الأميركية، وتعرف اهتماماً متزايداً ليس في أقسام الفلسفة فحسب بل في أقسام الإنسانيات، لكن الفيلسوف ريتشارد رورتي لا يزال مجهول نسبياً بالنسبة لدارسي الفلسفة وطلابها في الوطن العربي. لذلك يقدم المؤلف الفلسفة في أميركا كتساؤل يفتتح به النقاش بصورة عامة قبل أن ينتقل إلى البراغماتية كتيار بارز في الفلسفة الأميركية. ثم يتناول مسيرة رورتي الفلسفية، بغية تسليط الضوء على جوانب من شخصيته ومن مسيرته الفلسفية وفق ما تستوجبه الضرورة المنهجية والمعرفية لموضوع وإشكالية البحث. ويرجع بعد ذلك إلى تبيان معالم الحداثة وما بعد الحداثة ودلالاتهما لغةً واصطلاحاً، كي يبين بعض نواحي الغموض أو الإشكالات المطروحة في النقاش الدائر حول قضية الحداثة وما بعد الحداثة وربط العام منها بالخاص، أي في الانتقال من طرحها بشكل عام إلى طرحها بشكل خاص عند رورتي.
وقد ارتكزت فلسفة ما بعد الحداثة على نقد الحقيقة، فيما ارتكز الفكر في علاقته الشائكة بالواقع على محاولة إقرار الحقيقة الدائمة النهائي، لذلك اتجه العصر الكلاسيكي مثلاً إلى العقل وصرامته كي يبين كيفية تجلي الحقيقة، وجاءت فلسفة الطريقة عند ديكارت وعند لايبنيتز استتباعاً لذلك.
ويتناول المؤلف تصور رورتي للفلسفة من دون الفلسفة أو للبراغماتية من دون منهج وللأخلاق من دون مبادئ وللعالم من دون ماهيات وجواهر وللحقيقة من دون مطابقة. وترتب عن ذلك نقد للإبستمولوجيا وتخلي الفلسفة تدريجياً عن المعرفة كموضوع مركزي لها، لتلتفت ناحية اللغة وتتبناها كموضوع أساسي إلى درجة الحديث عندها على منعرج هو المنعرج الفلسفي. وهذا المنعرج لم يمرّ بالطبع من نقاش وما خلفه من جدل أحقيته بالاستحواذ على مباحث والارتكاس نحو أخطاء المعرفة في فترات سابقة على القرن العشرين، لذا فقد ساهم هذا النقاش في انبثاق علوم اللغة والمرجعيات اللغوية، وبتعبير جاك دريدا الموجز أصبح كل شيء ينظر إليه على أنه لغة، فكان تبعا لهذا أن استبدلت الإبستمولوجيا بالهيرمينوطيقا، وصارت الحقيقة ليست غاية للمعرفة، وإنما تابعة لفكرة الخطاب والتأويل والمنطوق والاستعمال الجيد والمفيد.
أما بخصوص الليبرالية والنيو- ليبرالية، فإن المؤلف يتحدث عن الليبرالية ومعضلة العدل بما في ذلك النقاش الكبير الذي تكرس حول أطروحة الفيلسوف «راولس» نظرية في العدل وأيضاً من خلال موقف رورتي في فكرته عن العدل بوصفه إخلاصاً. ويناقش بعض من القضايا المطروحة في الفكر الليبرالي الجديد من زاوية براغماتية، مثل فكرة البناء الاجتماعي وصراع الفرد والجماعة وهي من أهم إشكاليات الفكر السياسي والاجتماعي لدى الليبراليين، ويقدم منظوراً يوتوبياً، يبرز فيه بعض التصورات المقدمة من طرف رورتي ذات صلة باليوتوبيا الليبرالية، لا سيما ما اتصل منها بمفهوم الـ»نحن» وصورة الآخر.

 
 
بحث مخصص