الصفحة الأولى

مصر

محافظات

الوطن العربى

العالم

تقارير المراسلين

تحقيقات

قضايا وآراء

إقتصاد

الرياضة

دنيا الثقافة

المرأة والطفل

يوم جديد

الكتاب

الأعمدة

ملفات الأهرام

ملفات دولية

لغة العصر

شباب وتعليم

شركاء من الحياة

طب وعلوم

دنيا الكريكاتير

بريد الأهرام

الأخيرة

الكتاب

 
 

44887 ‏السنة 133-العدد 2009 اكتوبر 29 ‏10 من ذى القعدة 1430 هـ الخميس

 

هل الثقافة العربية معادية للعلم المعاصر؟
بقلم :السيد يسين

في إطار اهتمامنا ببحث مشكلة التخلف السائد في المجتمع العربي والذي تدل عليه مؤشرات متعددة كمية وكيفية معا‏,‏ سعينا إلي استكشاف آفاق التقدم الذي حلمت اجيال متعددة من المثقفين والسياسيين العرب‏,‏ بتحقيقه منذ عصر النهضة العربية الأولي في الوقت الراهن‏.‏ وكان لابد أولا من تشخيص الموقف لمعرفة الاسباب العميقة الكامنة في الثقافة العربية‏,‏ والتي قد تكون هي المسئولة عن الوقوف عثرة في سبيل التقدم‏,‏ وهذا التحليل الثقافي تراه ضروريا‏,‏ بل انه في تقديرنا ـ كما أكدنا أكثر من مرة ـ يسبق في أهميته التحليل السياسي التقليدي‏.‏

والواقع أنه دار جدل في دوائر العلم الاجتماعي المختلفة حول دور الثقافة وعلاقتها بالتنمية خصوصا وبالتقدم عموما‏,‏ فهناك علماء اجتماع اعلوا من شأن الثقافة‏,‏ واعتبروا رؤي العالم التي ينطوي عليها في كل مجتمع‏,‏ قد تدفع بمسيرة التنمية إلي الامام أو تعوقها‏.‏ وقد اتيح لي ان اطلع مؤخرا علي كتاب مهم حرره كل من لورانس هاريزون وعالم السياسة الأمريكي المشهور بنظريته في صراع الحضارات صمويل هنتجتون عنوانه الثقافات وقيم التقدم‏,‏ وقد ترجمه باقتدار شوقي جلال وصدر في منشورات المشروع القومي للترجمة الذي اشرف عليه جابر عصفور في سياق المجلس الأعلي للثقافة عام‏2005.‏

وترد أهمية الكتاب إلي ان المحرر الأول للكتاب وهو هاريزون من كبار الخبراء في التحليل الثقافي وتطبيقاته في أمريكا اللاتينية‏,‏ وقد اصدر كتابا مهما عن مركز هارفارد للشئون الدولية عام‏1985‏ اثار جدلا شديدا وعنوانه التخلف حالة عقلية‏:‏ حالة أمريكا اللاتينية‏,‏ وقد استخدم المؤلف دراسات حالة متوازية لاثبات ان الثقافة في الغالبية العظمي من بلدان أمريكا اللايتنية كانت العقبة الأولي علي طريق التطور‏.‏ ومعني ذلك انه لكي نعرف اسباب التخلف في مجتمع ما وطرق اكتساب التقدم‏,‏ لابد لنا أولا ان نحلل ثقافته تحليلا عميقا لنكشف عن ملامح رؤية العالم التي يتبناها هذا المجتمع‏.‏

ويمكن القول إن التحليل الثقافي كمنهج علمي معتمد كانت مسيرته في الواقع متعثرة وذلك لانه في الاربعينيات من القرن العشرين حظيت الثقافة باهتمام كبير باعتبارها عنصرا حاسما في فهم المجتمعات وتحليل الفروق بينها‏,‏ وتفسير تطورها السياسي والاقتصادي‏,‏ وتم ذلك نتيجة مجموعة من الدراسات العميقة التي قام بها نخبة من أكبر العلماء الاجتماعيين‏.‏

ولكن لأمر ما ضعف الاهتمام بالتحليل في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين‏,‏ ثم عاد الاهتمام مجددا خلال الثمانينيات باعتبارها احدي المتغيرات للتفسير‏.‏

ونستطيع ان نؤكد ـ كما عبرنا عن ذلك في كتابنا الثورة الكونية حوار الحضارات في عالم متغير القاهرة‏1995‏ ان سقوط الاتحاد السوفيتي حوالي عام‏1993‏ ونهاية الحرب الباردة وتحول النظام الدولي من نظام ثنائي القطبية إلي نظام احادي القطبية‏,‏ ادي إلي بعث الاهتمام مرة أخري وبصورة مركزة بالتحليل الثقافي‏,‏ باعتباره المنهج المناسب لدراسة تحولات المجتمع العالمي المعاصر‏.‏

وإذا كان ما ذكرناه عن مسيرة منهجية التحليل الثقافي من الاربعينيات حتي الآن يوضح لماذا نعتمد عليها في دراسة المجتمع العربي المعاصر كما فعلنا في كتب متعددة منشورة‏,‏ إلا اننا في مجال تفسير التخلف العلمي في المجتمع العربي القينا المسئولية علي عاتق النخب السياسية الحاكمة‏,‏ التي لم تستطع ان تدرك اداركا صحيحا انه لاتقدم بغير بحث علمي وطني وقومي اصيل‏,‏ في ظل تشجيع الابتكار والابداع‏,‏ وعلي عاتق المجتمعات العلمية العربية من ناحية أخري‏.‏ وقد عقدنا مسئولية النخب السياسية العربية علي اساس انها لم تتبن حتي الآن رؤي استراتيجية متكاملة لتقود عملية التنمية‏,‏ واثرنا ايضا مشكلة تقصير نخب الباحثين العلميين العرب‏,‏ في السعي المنهجي لاقناع صانعي القرار بأهمية المشروع العلمي العربي‏.‏

غير انه تبين لنا بعد الاطلاع علي مقالة بالغة الأهمية للباحث المصري سمير أبوزيد المنشورة في عدد سبتمبر‏2009,‏ مجلة المستقبل العربي وعنوانها العلم والنظرة العربية إلي العالم‏:‏ التجربة العربية والتأسيس العلمي للنهضة انه وهو بالمناسبة باحث في فلسفة العلم والحضارة ـ يقدم تفسيرا جديدا تمام الجدة لمشكلة التخلف العلمي العربي‏,‏ ويزيد من أهمية المقالة انها خلاصة لكتاب شامل سيصدر عن مركز دراسات الوحدة العربية قريبا‏.‏ ومعني هذا ان المؤلف يمتلك اطروحة متكاملة لتفسير التخلف العلمي العربي‏,‏ ليس ذلك فحسب ولكنه يقترح استنادا علي بعض منجزات التراث العلمي مدخلا للتقدم يقوم علي منهج الفصل والوصل كما ورد في نظرية النظم عند العالم البلاغي العربي الكبير عبدالقاهر الجرجاني‏.‏ فلنحاول ابتداء ان نعرض للملامح الاساسية في هذه الاطروحة الفكرية الجسور للاستاذ سمير أبوزيد‏,‏ والتي من شأنها ـ لو صدقت افكارها الاساسية ـ ان تحدث انقلابا فكريا في طريقة معالجة مشكلة التخلف في المجتمع العربي المعاصر‏.‏

بعد كل المقدمات التي سقناها آن اوان السؤال المهم‏:‏ ماهي الاطروحة الاساسية التي يقترحها الباحث لتفسير التخلف العلمي العربي؟ هو يبدأ أولا بالتأكيد علي أنه بعد نحو قرن ونصف القرن من بدايات النهضة العربية الحديثة‏,‏ حدث تقدم في بعض المجالات سواء علي مستوي النظم الاجتماعية أو الفنون والاداب‏,‏ أو البنية التحتية والنظم الخدمية‏,‏ ولكن بقي مجال واحد سقط تماما تقريبا من هذا التقدم النسبي وهو العلم‏.‏

ويدلل علي ذلك بأنه طوال تلك الفترة الممتدة لم تنتج المجتمعات العربية ـ باستقلال عن الغرب ـ ابتكارا علميا واحدا‏,‏ ولا عالما بارزا واحدا‏,‏ ولاتطبيقا تكنولوجيا عالميا جديدا‏,‏ أو حتي منتجا صناعيا جديدا بشكل تام‏.‏ الفكرة الثانية التي يقدمها‏,‏ قبل ان يصوغ تشخيصه النهائي للتخلف‏,‏ هي ان الفرد العربي أظهر رفضا كاملا سواء علي مستوي السلوك الخاص أو العام‏,‏ وسواء علي مستوي الفرد العادي أو المثقف‏,‏ أو حتي المتخصص في العلوم للعلم‏,‏ ويضيف ان التبرير المعروف لهذه الحالة هو ان النظم السياسية العربية لم تتحول بعد إلي حالة الحداثة التي تضمن حراكا مجتمعيا حقيقيا واطلاقا لطاقات المجتمع‏.‏

وهذه النتيجة صحيحة تماما في نظرنا وقد توصلنا إليها في كتابنا ازمة المجتمع العربي المعاصر‏,‏ غياب الحداثة في عصر العولمة القاهرة‏:‏ دار العين‏2008.‏ غير انه يري ان هذا الغياب لا يصلح في ذاته تفسيرا شاملا لظاهرة التخلف لان المجتمعات العربية ـ كما يقول ـ ترفض العلم علي مستوي اللاوعي‏,‏ ويقرر أن الفرد العربي لايؤمن بالعلم سواء كان هذا الفرد فردا عاديا لا تأثير له في اتخاذ القرار‏,‏ أو سياسيات له تأثير كبير في توجهات المجتمع‏,‏ أو حتي عالما متخصصا يمارس العلم في المدرج والمختبر‏.‏ التفسير الحقيقي في نظر الاستاذ سمير أبوزيد‏,‏ يكمن في ان نظرة هذه المجتمعات العربية للعالم مضادة للعلم المعاصر‏,‏ ولذلك ينبغي اعادة تأسيس العلم في تلك النظرة‏.‏

ويلفت النظر بشدة ان الباحث يعتمد اعتمادا اساسيا علي مفهوم النظرة للعالم‏worldview‏ وهو احد المفاهيم الاساسية التي استخدمتها في خطة بحث السياسة الثقافية التي قدمتها واشرفت علي تطبيقها للمركز القومي للبحوث الاجتماعية الجنائية عام‏1990‏ ونشرت دراسات متعددة في هذا المشروع بناء عليها وأهمها المناخ الثقافي في المجتمع المصري‏,‏ وميزانية الوقت ورؤي العالم التي اشرف علي دراساتها الدكتور أحمد أبوزيد‏,‏ ويمكن القول ان رؤية العالم السائدة في ثقافة ما كالثقافة العربية‏,‏ هي النظرة للكون والمجتمع والانسان‏.‏

وقد حاول الاستاذ سمير أبوزيد ان يحرر مفهوم النظرة إلي العالم كما استخدم في الفكر الغربي‏,‏ وخلص إلي ان هذا المفهوم‏,‏ شامل باقصي درجات الشمولية‏,‏ وهو مفهوم بنيوي يتكون مع بنية مفاهيمية جزئية‏..‏ وهذه البنية تتركب بشكل اساسي من الكيفية التي ندرك بها العالم‏,‏ سواء كانت دينية أو فلسفية أو علمية‏,‏ واي نظرة للعالم لابد ان يكون لها معني وغرض بالنسبة للانسان‏,‏ واهم سمة من سمات النظرة العالم هي الاتساق في هذه النظرة‏,‏ بمعني ان تكون متسقة مع ذاتها ومع العالم الواقعي‏.‏ وبعيدا عن هذه التعريفات المجردة التي قد تكون مرهقة للقاريء‏,‏ فان الباحث يقرر انه ينطلق من فرضية اساسية هي ان المعاينة المباشرة لواقع المجتمعات العربية تبين ان الجهود المبذولة في فكر النهضة العربية الحديثة منذ بداياتها وحتي الآن لتأسيس العلم في المجتمعات العربية قد فشلت‏,‏ وان السبب في ذلك هو ان العلم السائد في تلك الفترة‏,‏ هو العلم الحتمي الميكانيكي الحديث‏,‏ الذي يتناقض مباشرة مع النظرة العربية للعالم‏.‏

ونأتي اخيرا للسؤال ماهي مكونات النظرة العربية للعالم؟ يجيب الباحث عن هذا السؤال الجوهري بأن هذه النظرة تشكلت واكتملت من خلال نص منزل‏,‏ وفي فترة لاتتجاوز ثلاثة وعشرين عاما‏,‏ وهي تتكون من عناصر اعتقادية هي‏:‏

ـ قدرة العقل باعتبار انه هو الاداة الاساسية في المعرفة ولكن هناك حدودا للعقل‏.‏

ـ دور الاعتقاد بمعني الاعتقاد في وجود الله‏,‏ وفي صحة الرسالة المحمدية‏.‏

ـ وظيفة الانسان وهما وظيفتان عبادة الله‏,‏ واقامة المجتمعات الاخلاقية‏.‏

ـ القدرة علي الاختيار علي المستوي الجزئي‏,‏ الانسان قادر علي الاختيار وعلي المستوي الكلي هو مجبر بحكم خلق الله لطبيعته‏.‏

ـ قوانين الوجود التغير علي المستوي الجزئي الانساني له اسباب هي السنة الكونية وعلي المستوي الكلي الإلهي ناتج من الإرادة الإلهية‏.‏

ـ التطور‏:‏ الوجود سواء علي مستوي الكون كله يعتمد علي التدرج مع الزمن وبلغة عصرنا الحالي فان الوجود يعتمد علي مبدأ التطور‏.‏ اذا كانت هذه هي مكونات النظرة العربية للعالم التي ادت إلي تعارضها مع العلم المعاصر‏,‏ فما الذي يفسر الانجازات العلمية الباهرة التي قدمها للانسانية كلها كتيبة كاملة من كبار العلماء العرب وفي مقدمتهم الحسن بن الهيثم وجابر بن حيان وابن سينا وغيرهم عشرات؟ سؤال يحتاج إلي اجابة في ضوء اجتهادات الباحث المبدعة التي تدعو إلي التأمل النقدي العميق‏!‏


تقارير المراسلين العالم الوطن العربي مصر الصفحة الأولي
ثقافة و فنون الرياضة إقتصاد قضايا و أراء تحقيقات
المرأة و الطفل ملفات الأهرام أعمدة الكتاب القنوات الفضائية
 
 
موضوعات في نفس الباب
هل الثقافة العربية معادية للعلم المعاصر؟ بقلم :السيد يسين

شـق النهـار‏(27)‏ مواسـم الشـمس بقلم :أسامة أنور عكاشة

فن الإلقاء وصناعة الكلام بقلم :الفنان‏:‏ عثمان محمد علي