الثلاثـاء 21 جمـادى الثانى 1429 هـ 24 يونيو 2008 العدد 10801
ارسل هذا المقال بالبريد الالكترونى   اطبع هذا المقال  
 

مناظرة دارت إشكاليتها الرئيسية حول الفكر الديني والفلسفي في مواجهة التحديات الراهنة

محاورة فلسفية دينية على غرار حلقات الفكر في «بيت الحكمة» أيام الخليفة العباسي المأمون

جانب من المناظرة الفلسفية الدينية («الشرق الأوسط»)
تونس: آمال موسى
يمكن القول إنه لأول مرة في الفضاءات الثقافية التونسية، تُجرى مناظرة فكرية كالتي تمت بين المفكرين المعروفين التونسي أبو يعرب المرزوقي والمصري حسن حنفي، وذلك في «منتدى الجاحظ»، الذي يشرف عليه المثقف صلاح الدين الجورشي، والذي أدار المناظرة بحنكة واقتدار ساهما في نجاح المناظرة التي استمرت قرابة الساعتين، وكان فيهما انتباه الحضور النوعي الغفير متناميا إلى آخر جولة من جولات المناظرة. وطبعا أسلوب المناظرات يعتبر تقليدا عربيا أصيلا كان يميز حلقات الفكر في «بيت الحكمة» أيام المأمون وأيضا في «بيت الحكمة»، التي أسسها الأمراء الأغالبة في مدينة رقادة بالقيروان وللمناظرة ذات التاريخ العريق في الممارسة الفكرية العربية والاسلامية، آداب وشروط لعل أهمها المبارزة بالفكرة وبالبراهين وبقوة المنطق والحجة، وهو ما يمكن القول بثقة عالية إنه قد توفر في المناظرة المذكورة. ولقد دارت الإشكالية الرئيسية للمناظرة حول الفكر الديني والفكر الفلسفي في مواجهة التحديات الراهنة وتطرقت إلى المحاور التالية:

ـ تفسير الإشكالية المطروحة ـ أزمة الفلسفة: هل مازال للفيلسوف قول ودور؟

ـ هل يمكن أن تشكل العودة إلى الدين خطورة على الوعي والثقافة؟

ـ كيف يمكن أن نجعل العقل في تعامل مع النص؟

استهل المفكر حسن حنفي المناظرة بالقول، إن الوطن العربي يتعثر سياسيا واجتماعيا، ولكن ثقافيا الأمر يختلف حيث أنه جاب العالم ولم يجد مكانا يتكاثر فيه فيض الأسئلة كما هو شأن الوطن العربي، مذكرا في هذا السياق بنشأة علم الخلافيات عند المسلمين، وكيف أن مصدر المعرفة في الثقافة الاسلامية إنساني وإلهي على خلاف الغرب، الذي حسم مسألة تعدد المعارف في المعرفة الحسية. وأبرز حنفي الفرق بين طبيعة الفلسفة والدين، مبينا أن الفكر الفلسفي لا يعترف بأحكام مسبقة، فهو يبدأ بيقين قد يكون يقين الأنا أو يقين الوجود الذاتي ولا ينطلق من المسلمات، أي أن الفكر الفلسفي برهاني وأقرب ما يكون إلى المنهج منه إلى الموضوع. لذلك فهو ليس فكرا ايمانيا تسليميا بل أنه فكر عقلاني مفتوح لا يعرف الحقيقة مسبقا، ولكنها هدفه. أما في ما يتعلق بخصائص الفكر الديني فقد أشار الدكتور حنفي إلى أنه يبدأ بالإيمانيات والغيبيات، ويتصور أن العقائد أشياء والرأي واحد وهو ما جعل الحوار داخل الفكر الديني على درجة عالية من الصعوبة، رغم وجود الفكر الكلامي العقائدي والفكر الفلسفي والفكر الشرعي والفكر الذوقي. من جهته تناول المفكر أبو يعرب المرزوقي الكلمة ليقدم قراءته لإشكالية المناظرة، وهي قراءة أعلن فيها المرزوقي خلافه المنهجي والفكري مع مناظره حسن حنفي. ذكر المرزوقي أنه ليست هناك علاقة مباشرة بين الفكر الفلسفي وتحديات الراهن، ولا بين الفكر الديني وتحديات الراهن، بل هناك وسائط، باعتبار أن ما هو فلسفي لا يواجه تحديات الراهن إلا بواسطة العلم، والدين لا يواجه تحديات الراهن سوى بواسطة الأخلاق. والمشكل الجوهري، حسب تقدير المرزوقي، يكمن في أن الوسيط في الوطن العربي منعدم مما نتج عنه مواجهة بين الفكرين: بين الوسيط الخبري، الذي يميز الفكر الفلسفي والراهن، والوسيط الإنشائي الذي يحكم علاقة الفكر الديني بما هو راهن. ويسترسل المرزوقي في تأكيد ظاهرة التصادم والمواجهة، مبرزا أن الفيلسوف الذي يتوسط العلم، يعتبر الفكر الديني جزءا من تحديات الراهن، والفكر الديني يرى أيضا في الفكر الفلسفي جزءا من تحديات الواقع. فيصبح تبعا لذلك الصراع بين الفكر الفلسفي والفكر الديني جوهر الإشكالية، لأن مقولة «تحديات العصر»، في حد ذاتها لا تزال مبهمة ولم نصفها الوصف العلمي الدقيق.

* أزمة حصار الزمن

* المحور الثاني من المناظرة تناول مسألة أزمة الفلسفة، وما إذا كانت بالفعل تمر ـ أي الفلسفة ـ بأزمة هيكلية وهل مازال للفيلسوف دور وقول؟

في هذا المحور كانت البداية مع المرزوقي، الذي كانت مقاربته شديدة الوضوح، إذ اعتبر أن الأزمة قائمة الذات وتتمثل في دور الوسيط الغائب الذي لا أثر له في الفلسفة العربية، بمعنى أن الوسيط العلمي في الفلسفة العربية منعدم. ويضيف المرزوقي قائلا: «ليس لنا أخلاق ولا علم (كوسيط). فالأخلاق ليست القول بالقيم بل العمل بها. ونحن نستورد التكنولوجيا من دون أن تكون لنا مشاركة ملموسة في الرصيد العلمي. إن الحرية هي التي تجعل الأخلاق تتطور وليس من باب الصدفة اكتشاف الغرب الآن أن أصل القيمة الخلقية والعلمية هي القيمة الوجودية». أقر بدوره المناظر حسن حنفي بوجود أزمة في الفلسفة وهي أزمة حصار الزمن المتمثلة في سجن متكون من ثلاثة حيطان: حائط القديم وحائط الوافد الغربي وحائط الواقع. لذلك فإن الفلسفة في العالم العربي حسب حنفي هي محاصرة، في حين أنه في الغرب هناك بحث عن نقطة جديدة. ويطرح حسن حنفي السؤال التالي: هل يمكن للدين أن يكون فلسفة، خصوصا أننا ورثة مصدرين للمعرفة، أي الوحي والمعرفة الإنسانية؟ وكإجابة عن هذا السؤال الانتقالي، اعتبر أن أول واجبات المسلم هو النظر، أي إعمال العقل. وبالاعتماد على العقل، نستطيع أن نحول الموروث الديني إلى فلسفة. أما المرزوقي فقد عارض هذه الرؤية التوفيقية بين الفكرين الفلسفي والديني، مبرزا أن هناك تنافسا بين الفكرين على نفس الدور، مما يُنتج علاقة تصادم بالأساس، يزيدها تعقيدا غياب الوسيط في الفلسفة العربية. بعد التناظر حول المحورين السابقين المذكورين، انتقل صلاح الدين الجورشي بالمتناظرين إلى إشكالية في منتهى الدقة والحساسية والمتمثلة في السؤال التالي:

هل يمكن أن تشكل العودة إلى الدين خطورة على الوعي والثقافة؟ وهل هناك خلل في الفكر الديني يُخشى من تبعاته؟

من جهته الدكتور حنفي أخذ الكلمة وقال إنه نظرا للأزمة الراهنة في الوطن العربي، فإننا نشاهد مخاطر الطائفية والتجزئة، حيث لا يوجد أي أفق حاليا للحوار بين التيارات المتنافسة، ولا بين التيارات ونظم الحكم. وهذه الوضعية أملت اللجوء إلى الدين، خصوصا أننا نعيش منذ ألف عام في ظل محافظة دينية، وهو ما يعني أن الحاصل اليوم هو عودة إلى المحافظة الدينية وليس إلى الدين. وأضاف حنفي أنه إذا كان الدين يمكن أن يؤسس على العقل والفكر وتستطيع الفلسفة أن تقوم بدور فيه، فإنه يمكن الثقة في الذات وفي العقل وبالتالي التأسيس للعودة إلى الدين على أساس العقل.

* الفهم هو التغيير الحقيقي

* توقف الدكتور المرزوقي في إجابته عند حرية الانسان وكيف أن الحرية أساس العلم والأخلاق، والاستبداد مؤذن بخراب العمران، مركزا على أهمية دور المؤسسة التعليمية الحرة في تأمين إصلاح الدنيا والدين. المحور الأخير من هذه المناظرة التي شدت انتباه الحاضرين وأغنتهم بتنوع المواقف، رغم التعارض الجوهري في كثير من النقاط المفصلية، يتعلق بموضوع كيفية تعامل العقل مع النص. إن موقف الدكتور حسن حنفي من هذه الإشكالية كان واضحا، حيث دعم مكانة العقل ورفض التشكيك في إمكانياته، مبرزا أنه أساس المعارف الانسانية، بل انه بين أن عيوب العقل يمكن السيطرة عليها، أما عيوب النقل فتحتاج إلى عدة مناهج لضبطها وهو ما يختلف عن حال العقل الذي لا يحتاج إلا إلى الصراحة وإلى تفعيل دور الفلسفة والجامعات ومراكز الأبحاث، مطالبا بضرورة إعادة بناء العلوم النقلية من منظور جديد، مع العلم أن حنفي اعتبر تحول الدين إلى آيديولوجيا أمرا لا ضرر منه. أما المفكر أبو يعرب المرزوقي فقد عبر عن عدم استعداده للتنازل عن كونية القرآن، رافضا في ذات الوقت تنزيل الدين إلى منزلة الايديولوجيا، مضيفا أن وظيفة الفكر تتمثل في الفهم والتحليل وليس التغيير، لذلك فإن الفهم والتحليل هما التغيير الحقيقي. ورأى المرزوقي أننا قد تنازلنا عن قيم الاسلام الحقيقية والمطلوب اليوم المشاركة في كونية العلوم الانسانية وليس إعادة تأسيس نفس العلوم، معبرا عن رفضه للأطروحة الداعية إلى إسلامية المعرفة.

مقتطفـات مـن صفحة
صحــــــة
القلق.. وأمراض الجسم
الندم.. وأهميته
سلس البول.. مشكلة شائعة
الألم المزمن.. وطرق علاجه
أستشارات طبية
 
ارسل هذا المقال بالبريد الالكترونى   اطبع هذا المقال  
The Editor
رئيس التحريــر
Editorial
هيئة التحرير
Mail Address
العنوان البريدي
Advertising
الإعــــــلان
Distribution
التــوزيــــع
Subscriptions
الاشتراكات
Corrections
تصويبات
Copyright: 1978 - 2008 © Saudi Research & Publishing Company (SRPC)