اقرأ في عدد اليوم

  رأي القدس تعثر الحوار الفلسطيني

  محمد عبد الحكم دياب لو قامت محكمة العدل العربية لكان الموقف من السودان مختلفا!

  هيفاء زنكنة تجديد آلية عمليات المقاومة العراقية ضد الاستعمار الامريكي

  مالك التريكي انحيازا للجرائد بحبرها وورقها!

  فاروق يوسف جواد سليم والاخوة الاعداء: تحت نصب الحرية تنبت أزهارنا حراسا ليليين

  خيري منصور ليلة القبض على امرئ القيس!

  ناظم السيد بول شاوول في حوار شامل (2 ـ 2): الحداثة مثل التراث تعبير ديني وينبغي أن نتخلص من هذه الثنائية!

  صالح دياب الرقابة تضرب مجددا في سورية

   أنور بدر أيهم الاغا كل مدير مسرحي يهدم ما قام به سابقه وضيوف المهرجانات هم اصدقاء المتنفذين فيها!
  سليم عزوز جمال مبارك على C.N.N في حوار ناعم كالحرير!

  عزت القمحاوي نهاية اللعبة؟

   موريتانيا: الحكومة تشيد بموقف القذافي وتعتبره 'إحقاقا للحق' ومعارضو الانقلاب يوجهون نداء للمجتمع الدولي
  محمود معروف مصادر مغربية تستبعد تنظيم جولة جديدة من المفاوضات بين المغرب والبوليزاريو 'قبل مشاورات' بمجلس الامن

   الامم المتحدة تحذر من أزمة مياه عالمية

   اليمن: المؤتمر العام لحزب 'الإصلاح' يتهم السلطة بتجذير الأزمة الوطنية

   الرئيس اللبناني يغادر الى باريس الاثنين في زيارة دولة

   زيارة جورج ميتشل لدمشق صارت شبه مؤكدة

   الاحمد: فتح ترفض شروط امريكا واوروبا التي تطالب حماس بالاعتراف باسرائيل

   مراسلات حكومية تظهر تزييف بلير ملف اسلحة العراق وتعمد تضخيم خطر صدام وترويجه اعلاميا لتبرير الغزو

  محمد نصر وكيل مباحث أمن الدولة السابق يحذر من موجة اعمال إرهابية جديدة في مصر

   حسام أبو طالب مصر: مشيرة خطاب بدأت أول أيامها في الحكومة بتصادم مع رجال الدين الإسلامي

   مطالبة الدول العربية بتنظم استقبالات شعبية للبشير.. ونصائح له للخروج من السودان لمكان امن

   ما بعد مذكرة توقيف البشير..القادم أخطر!

   نجاد: سوء تصرّف القوى الكبرى حوّل إيران الى دولة نووية.. وليس باستطاعة امريكا الوقوف في طريقنا

  لندن -القدس العربي' اوباما قد يعلن عن استراتيجية ادارته الاسبوع المقبل وهناك ربط بين مشاكل افغانستان والباكستان
   قيادي في طالبان: مقاتلو الحركة باتوا على تخوم كابول ومستعدين للهجوم
  نجوى شمعون يوميات الحصار والحرب
  الـ 100 يـوم الأكثر خطورة فـي تقريـر مصير لبنان 'مستقبل المحكمة الدوليّة مرهون بقرار القاضي دانيال بيلمار'
  فيصل الحذيفي اليمن: الحزب الحاكم ورهانات النجاح
نصر حامد ابو زيد يتساءل: هل هناك نظرية في التأويل القرآني؟ (1من 3)
لقد فهمنا لمدة طويلة خطأً وأنا كنت أحد المخطئين. أن إبن رشد يميز بين العامة والخاصة
نقبل بفتح السوق الحرة للدولار. ولا نقبل بفتح سوق حرة لتداول الأفكار!
2004/02/10

متابعة: عدنان حسين أحمد
أقامت رابطة الرافدين الثقافية في أمستردام ندوة فكرية للباحث والمفكر المصري د. نصر حامد أبو زيد. وقد انضوت المحاضرة تحت عنوان (هل هناك نظرية في التأويل القرآني؟). ويشير هذا العنوان من طرف غير خفي إلي إحتمالات الشك، أو الطعن بوجود نظرية محددة للتأويل. وإذا كان القرآن حمّال أوجه فإن هذا الأمر يستدعي بالضرورة تعدد التأويلات بتعدد المؤولين الأمر الذي يضعنا في نهاية المطاف بمواجهة إشكال شديد الحساسية يتعارض مع النظرية القائلة بإن القرآن الكريم مخلوق، أو أزلي، أو مسطور في اللوح المحفوظ مما يفضي إلي وجوب تطابق التأويلات مع المعاني القارة، الثابتة في هذا الكتاب المُنزّل.
وقد تضمنت محاضرة أبو زيد عدداً كبيراً من المحاور الهامة التي لا يمكن تفاديها، أو إهمالها، أو غض الطرف عن البعض منها، آخذين بنظر الإعتبار أن بعض هذه الطروحات جاءت بصيغة الأسئلة المنطقية المفتوحة المؤُرقة التي تنتظر من الباحثين، والمفكرين، والمنظرِّين أجوبة قاطعة أو مُطَمْئِنة تشفي الغليل. ولأن د. نصر أبو زيد يُدرِك الفرق الشاسع بين كلمتي التفسير و التأويل وما يكتنفهما من تشويش، والتباس، وسوء فهم لابد من تداركه، وتصحيحه، ثم ترويجه بعد إعادة تداوله وفق محمولاته المعنوية الدقيقة التي لا تحتمل الشك، أو القصـــور، أو عدم الأهلية.
ماذا نعني بكلمة تأويل؟

تساءل أبو زيد في مفتتح محاضرته قائلاً: هل هناك نظرية في التأويل؟ وماذا نعني بكلمة تأويل؟ هذا لأن كلمة التأويل في التراث العربي الإسلامي من الكلمات الغامضة، وسيئة السمعة في الوقت نفسه. فإذا أراد أحد العلماء سواء من السنة أو من الشيعة أن يطعن في عالمٍ آخر يقول هو من المُؤولة. وهذا يعني حكماً سلبياً، لأن المفهوم من كلمة مؤولة كما تطور معني كلمة تأويل هو جذب معني النص إلي أهداف وأغراض المفسر الشخصية والذاتية، وليس هذا هو المعني المُراد من كلمة تأويل . نستشف من هذا الكلام حجم الغموض، الذي أحاط بكلمة التأويل، وما إعتراها من إرتباك، وإنحراف في الدلالة إلي الحد الذي وصفها أبو زيد بأنها سيئة السمعة! وأكثر من ذلك فإن البعض من العلماء والباحثين لا يتورعون من إستخدامها كوسيلة للطعن والشك في مصداقية الطرف الآخر، ووصْمِه بـ المؤولة لأنه يسحب معني النص، ويروِّضه لأغراضه الشخصية بعيداً عن المعني الحقيقي الكامن في النص، مستغلاً ما يمتلكه من ممارسة، وحذاقة، ودرية في آلاعيب الفقهاء . ثم يمضي أبو زيد في البحث عن المكان الذي يكمن فيه المعني من خلال طرحه للعديد من الأسئلة التي تنطوي علي كثير من الحيرة والتعقيد، فهو يتساءل مُحتاراً: أين يكمن المعني؟ هل المعني في أذهاننا؟ أم هل المعني في العالم؟ هل المعني في اللغة التي نتبادلها؟ هل هناك معني خارج الوعي الإنساني، وخارج اللغة التي يتخاطب بها الإنسان؟ هل النصوص الدينية سواء التوارة أو الإنجيل أو القرآن أو الأحاديث الدينية تتضمن معني قاراً وثابتاً فيها، وأن مهمة العقل الإنساني هي فقط أن يكتشف هذا المعني؟ . إن فسلفة التأويل المعاصرة تطرح سؤالاً بالغ الأهمية كونه يشكك في الأساس الفلسفي الكلاسيكي الذي ظل مهيمناً طوال القرون الماضية، ويحاول أن ينسف البنية التراثية التي ظلت متسيدة في المنطقتين العربية والإسلامية. من هنا يبشّر نصر أبو زيد بولادة فكرة المغايرة، ويدعو إلي حق الإختلاف في التأويل، هذا الحق الذي حُرم منه المفكرون المؤولون في عهد المتوكل الذي حسم الصراع لصالح فكرة الخلق الأزلي للقرآن والتي أغلقت كل مسارب التفكير من خلال الوثيقة المتوكلية التي إنتصرت لصالح المؤسسات الدينية التقليدية التي تقف ضد الإجتهاد، والتفكير، وإعمال الذهن. الدكتور أبو زيد يري في اللغة وسيطاً حياً يتوافر علي دلالات إيحائية كبيرة يمكن أن تتغير مع مرور الزمن، لكن السؤال الأكثر أهمية هو: هل أن اللغة محملة بالمعني قبل أن نولد، أم أن المعني لاحق للغة، وتابع يلهث خلفها، ووعاء غير قادر علي إكتشاف، وإستنباط، وتوليد معانٍ جديدة لا علاقة لها بالمعاني الأولية الثابتة؟ هذ أسئلة فلسفية من وجهة نظر أبو زيد، وهي علي درجة عالية من الصعوبة والتعقيد .
لذلك قرر باحثنا أبو زيد أن يترك المعضلة الفلسفية، ويرينا أن المسلمين في عصورهم المختلفة كانوا يمارسون التأويل من دون أن يعترفوا أو يقروا بذلك. وأن علماءنا المعاصرين المُقلدة الذين يزعمون أنهم يتابعون السلف الصالح، وأنهم لا يبتدعون، وأنهم يتهموننا بالبدعة، والبدعة مساوية للهرطقة. سأكشف لكم أن هؤلاء العلماء الذين يدعون أنهم سلفيون، وأنهم مقلدون وأنهم غير مبتدعين، أنهم مبتدعون، وأنهم يقومون بالتأويل . ويري أبو زيد أن الفرق الجوهري بين العاِلم الحقيقي والعالِم الزائف يكمن في عملية الإعتراف بالقيام بالتأويل . ذلك لأن التأويل هو عملية كشف للعلاقة الداخلية بين المعني والمؤوِل، وهي لسيت كشفاً للمعني الخارجي الذي أسميناه قاراً، وثابتاً، وأزلياً، ومسطوراً، وبالتالي مقدساً وما إلي ذلك . وهذا يعني من بين أبرز ما يعنية أن قدسية النص تتعرض بالضرورة إلي المس أو الهدم، أو التقويض النهائي الذي تحدده رؤية الباحث، وآليته في التعاطي مع هذه النصوص المقدسة. وضرب مثالاً مهماً علي هذه الرؤية المقلِدة، السلفية، المتحجرة التي تدور في فلك القناعات القديمة التي تجاوزها الزمن من خلال أحد الحوارات الصحافية التي أُجريت مع المًرشد العام للإخوان المسلمين قبل وفاته، وقد تمحور السؤال بالصيغة التالية: ماذا تفعلون بالأقباط حين تصلون إلي الحكم؟ وقد قال المُرشد العام كلاماً جميلاً مُنمقاً عن الإخوة الأقباط في مصر، لكنه إقترح أن يدفعوا الجزية بدلاً عن الخدمة العسكرية خشية ألا يحرج الأخوة الأقباط إذا ما دخلت مصر في حرب ضد دولة مسيحية. لقد تنكر المرشد العام للحقيقة التاريخية التي تؤكد بأن حال الأقباط لم يكن يختلف عن حال المسلمين في كل الحروب التي خاضتها مصر، والطائرة الأمريكية أو الإسرائيلية لم تكن تفرّق بين بيت المسلم وبيت القبطي. وإن هذا المقترح المرتبك والمرفوض سيفرّق بين المواطنين المصريين علي أساس ديني، الأمر الذي يتعارض تماماً مع الطروحات المعاصرة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والتي تشدد علي عدم التفريق بين المواطنين علي أسس دينية أو عرقية أو مذهبية. وبالرغم من أن ثائرة الناس قد ثارت كنتيجة طبيعية لهذه التصورات العقيمة، المتخلفة التي لا تتماشي مع روح العصر إلا أن الطنطاوي شيخ الأزهر قد زاد الطين بلة حينما عقّب علي هذه التصورات المشوشة بالقول بإن الجزية كانت ممارسة تاريخية . هنا ينتبه أبو زيد لهذه الورطة الكبيرة التي وقع فيها الشيخ الطنطاوي من دون أن يروّز الأمر في ذهنه لأنه عطّل آية قرآنية بكاملها من دون أن ينتبه للكلام الذي أطلقه جُزافاً من دون مراجعة أو تمحيص. فالآية تقول بشكل صريح لا لبس فيه حتي يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون . وأن فحوي هذا الكلام يكشف بشكل صريح أن هذه الآية تنتمي إلي سياق التاريخ ولا تنتمي إلي سياق الوحي المقدس . لأن الوحي المقدس لا يتوقف عند حدود التاريخ، بل لا يعير له أي إهتمام من وجهة نظر المؤولين التقليديين.

القرآن منتج ثقافي وتاريخي

والغريب في الأمر أن الكثير من الباحثين المسلمين لم ينتبهوا إلي أن المفكر نصر حامد أبو زيد قد قال بأن القرآن مُنتج ثقافي وتاريخي وقد كُفر لهذا السبب، وأُتهم بالردة، وطالبت المؤسسة الدينية في مصر التفريق بينه وبين زوجته، الأمر الذي دعاه ليس إلي التخلي عن الجامعة حسب، وإنما غادر الوطن مضطراً كي ينقذ عنقه من سيوف المتعصبين والمتشددين الذين يمثلون موجة الظلاميين الجدد. فلو أردنا أن نناقش شيخ الأزهر، ونقول له أن كلامك هذا يعني بأن القرآن نص تاريخي، وهو بالتالي نص بشري، والقول بأن القرآن نص بشري هو مسوّغ كافٍ لإتهام القائل بالردة، والمس بالمقدسات، وإزدراء الدين الإسلامي، وما إلي ذلك من التُهم الجاهزة. وفي السياق ذاته توقف أبو زيد عن الفرق بين المُنسأ والمنسوخ، ضمن آلاعيب الفقهاء، التي يستسلم لها العامة من دون تدقيق نتيجة العلاقة غير المتوازنة بين الشيخ والعامة. يقول أبو زيد أن المُنسأ قد صدر فيه الحكم لكنه تأجل لظروف مؤقتة . ويصف أبو زيد هذا الإختراع بأنه من إختراعات الفقهاء.
ويسوق مثالاً علي ذلك بأن عمر بن الخطاب أوقف حد السرقة في عام الرمادة. وبعض العلماء يختلقون الأعذار بالقول أن عمر بن الخطاب هنا لم ينظر إلي النص في سياقه التاريخي، وإنما أجل إقامة الحد لظروف مؤقته. وهذا هو معني المنسأ، وهو غير المنسوخ. ويري أبو زيد أن هذه القصة بحد ذاتها تكشف أننا جميعاً منخرطون في التأويل . فإكتشاف المعني في النص ليس إكتشافاً بريئاً. وهذا يعني أن المعني ليس موجوداً في النص، وإنما هو في هذه العلاقة المعقدة والمركبة بين الوعي الإنساني والإجتماعي والسياسي مع النص. ويقارن أبو زيد بين تعدد التأويلات في النص القرآني، وتعدد القراءات للنص الأدبي.
فنقاد السرديات مثلاً تتعدد قراءاتهم وتحليلاتهم بتعدد النقاد لأن المعني ليس قاراً في النص ذاته، وإنما هو تلك العلاقة الجدلية بين الناقد والنص، أو القارئ والنص. وهذا الأمر يفضي بنا إلي تعدد القراءات، فما تكشفه النظرية النقدية من مستويات الدلالة قد لا تكشفه نظرية نقدية أخري. ولكن أبو زيد يؤكد بأن الناس يؤمنون بتعدد القراءات الأدبية، ولكن هذا الأمر لا نستطع أن نسحبه إلي النص الديني لأنه يقودنا إلي قضية التكفير التي طالت العديد من المفكرين الخلّص. وضمن محاور المحاضرة توقف أبو زيد عند المعتزلة والظاهرية، لكنه لم يسهب في الحديث عن المعتزلة بإعتبارها ظاهرة معروفة في الفكر الإسلامي، وهم ينظرون إلي المعرفة بإعتبارها معرفة العقل، وأن العالم قار، وساكن، وأن العقل الإنساني في علاقة موازاة ومجابهة مع العالم. ويري المعتزلة أن معرفة الله سبحانه وتعالي بتوحيده وبعدله لا تتم إلا بالعقل. لكنه سلط الضوء علي الظاهرية، وقال إن الظاهرية هم أتباع أبو داوود الظاهري، وكان ممثلهم إبن حزم في الأندلس بصفة خاصة، وهم الذين يقولون ليس إلا النص ولا شيء من خارج النص، لا العقل، ولا القسط. هم يرفضون العقل رفضا ًتاماً، ويرفضون القياس رفضاً تاماً . ومع ذلك فهم منغمسون في التأويل. وشدد أبو زيد علي أهمية التأمل، والنظر إلي العالم، والتفكير فيه، إلي حد معرفة أن هناك أفعالاً ليس لها فاعل، خلافاً لمعرفة البديهيات التي تقول بإن لكل فعل فاعل.

العقل المعتدل

ثم تحدث أبو زيد عن فكرة العقل المعتدل من خلال شخصية حي بن يقظان لإبن طفيل الذي إستطاع أن يصل إلي معرفة الله بعدله وتوحيده من دون لغة، ومن دون ثقافة. ويفرق أبو زيد بين العقل الضروري، الذي هو أعدل شيء قسمة بين الناس، لكن بعضنا يستطيع أن ينتقل من العقل الضروري إلي العقل النظري المكتسب عن طريق الخبرة، والإحتكاك بالحياة، وتأمل الواقع، والبعض يظل في إطار العقل الضروري . وهذا الأمر يقودنا إلي إستنتاج شديد الأهمية وهو أن العقل ضروري ومكتسب . وتأكيداً علي دور العقل في فكر المعتزلة قال أبو زيد موضحاً: إذا سألت المعتزلي أن العدل والتوحيد مذكوران في القرآن يقول: لا. كيف تعرف أن القرآن صحيح؟ ما الذي يدريك أن هذا القرآن ليس كذباً؟ لابد أن تتأكد أولاً من صدق القائل حتي تتأكد من صدق القول. فعليك أن تعرف القائل أولاً، والقائل في هذه الحالة الله، ولا وسيلة لمعرفة القائل بصفاته من التوحيد والعدل إلا بتأمل العالم، إلا بالعقل، وبعد ذلك تدرك إذاً بأن الله أرسل نبياً، كيف تصدق هذا النبي؟ لابد من علامات تصديقية حتي تدرك أن هذا الشخص هو الذي أرسله الله. إذاً العقل وحده سبب معرفة الله. الدليل والعلامة التي يبرزها النبي هي المعجزة، ومعجزة محمد صلي الله عليه وسلم هي القرآن، ثم يسترسل في الحديث عن الآيات المحكمة والمتشابهة، وعن مفهوم العدل والتوحيد في فكر المعتزلة قائلاً: إذاً، أن عقل المعتزلي لا يستطع أن يصل إلي معني القرآن إلا بالوصول إلي معني العدل والتوحيد، وهذا يمكنه من أن يقول ان هذه العبارة هي عبارة يجب أن تؤول علي المجاز، لأنها ظاهرياً لا تليق بحسب معرفتة العقلية. أن هذا العالم الساكن يتضمن معني علي العقل إكتشافه، وأن النص أيضاً ساكن علي العقل إكتشافه، لكن لننظر ماذا يفعل المعتزلة. لقد بني المعتزلة نظريتهم في التأويل، هنا أستخدم كلمة التأويل وإن كانوا لا يستخدمونها، علي أن القرآن نفسه في الآية السابعة من سورة آل عمران يقول إن الله أنزل الكتاب علي محمد فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات. وقالوا اذاً، أن النص مرجعية نفسه. القرآن لم يحدد ما هي الآيات المحكمات، لكن المعتزلة وضعوا أياديهم علي الآيات التي تتفق مع مفاهيمهم العقلية عن العدل والتوحيد، وقالوا هذه هي الآيات المحكمات. كل آية تدل علي التوحيد مثل قل الله أحد الله الصمد أو ليس كمثله شيء أو لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار . كل هذه الآيات قالوا إنها تتفق مع فهمنا للتوحيد فإذاً هي مُحكمة. ماذا عن يد الله فوق أيديهم ؟ قالوا هي لا تتفق مع فهمنا للتوحيد لأنها تتضمن المشابهة، وبالتالي يجب أن تشرح بأن اليد هنا مجاز. من هنا فإن المعني قار في النص، النص قائم علي بنية مُحكمة متشابهة، أي واضح وغامض، وأن الواضح علي أساسه يتم توضيح الغامض، لكن تحديد الواضح والغامض يتم طبقاً لفكر المعتزلة . والمفارقة أن خصوم المعتزلة لعبوا نفس اللعبة، لكن الفارق أنهم أخذوا المتشابه عند المعتزلة، وقالوا هذا هو المُحكم طبقاً لمفاهيمنا، فما أعتبره المعتزلة متشابهاً إعتبروه محكماً، وما أعتبره المعتزلة مُحكماً أعتبروه متشابهاً . فصارت اللعبة هي هي، وإنما الخلاف أين يتم التأويل إذاً؟ ثم يصل أبو زيد إلي إستنتاج مفاده أن هناك منظومة في علم الكلام أو اللاهوت الإسلامي تبنتها كل الفرق تقريباً تقوم علي أساس أن المعني في النص، وتدعي أن المفسر لا دور له في التفسير، وإنما هو يكتشف المعني في النص . ولكن أبا زيد يستدرك قائلاً لكننا نري أن المعني بالضرورة كان في عقل المفسرين، وفي عقل الفرقة . أما عن التصوف فقد قال أبو زيد أنه تجربة روحية، فردية، والمتصوف يقرأ القرآن بإعتباره تجربة للنبي، وبالتالي هل أستطيع أن أعيش نفس التجربة؟ أم أنني أعيش تجربتي وأستنبط المعني بناءً علي تجربتي؟ . ينبغي التأكيد علي أن نظرية التأويل عند المتصوفة تنبني علي أساس الموازاة بين القرآن والوجود . وخلاصة القول ان المعني عند الصوفي ليس شيئاً قاراً خارج الذات، ولا خارج الأنا، ولا خارج التجربة. فالمعني هو الذي يكتشفه الصوفي من خلال تجربته الخاصة. غير أن الفلاسفة، وبالذات عند إبن رشد، يسلّمون بتعدد المعني داخل النص. أي أن القرآن الذي يقرأه الأمي يمكن أن يصل إلي مستوي من المعني، ويقرأه رجل اللاهوت، ويصل إلي مستوي من المعني، ويقرأه الفيلسوف فيصل إلي مستوي من المعني . فالمعرفة بالنسبة للمفسر بحسب إبن رشد هي شرط للوصول إلي أحد مستويات المعني في النص. ثم توقف عند رسالة الغزالي المشهورة (تهافت الفلاسفة) التي كفَّر فيها الفلاسفة في ثلاثة أمور يمكن أن نوجزها كالآتي: الأمر الأول أن العالم قديم، قال كفروا في ذلك، وقلدوا أرسطو، الأمر الثاني أن الله لا يعرف الجزئيات، وإنما يعرف الكليات، الأمر الثالث الذي كفرهم فيه هو تأوليهم للعقاب والثواب وبعث الأبدان يوم القيامة . ثم تساءل أبو زيد قائلاً: متي يكفر المفكر إذا أنكر الحياة الأخري، لكن إذا قال إن الحياة الأخري يمكن أن تكون البعث بالجسد، أو يكون البعث في الروح، فهذا لا يدخل في التكفير . ثم ناقش طروحات إبن رشد الذي فتح معني الدين لمستويات متعددة، لأنه كما تؤكد الشريعة أن الأنبياء أُرسلوا للعامة والخاصة، لكن كلام النبي ليس كلام الفيلسوف، فكلام الفيلسوف للفلاسفة، ولا يفهم الفيلسوف إلا الفيلسوف، ومن هنا حرّم كتب الفلاسفة علي العامة، أو حرّم كتب الفلاسفة أن تذكر في كتب يطلع عليها العامة . من هنا يعترف أبو زيد قائلاً: لقد فهمنا لمدة طويلة خطأً، وأنا كنت أحد المخطئين، أن إبن رشد يميز بين العامة والخاصة . في حين أن حقيقة الأمر تشير إلي أن إبن رشد لا يميز بين العامة والخاصة، وإنما يقول إن الفلسفة في كتب الفلسفة، من يستطيع أن يقرأ كتب الفلسفة فليقرأها، لكنه كان يعيب علي الغزالي أنه نشر الأفكار الفلسفية في كتب غير فلسفية.

التأويل عند الشيعة

وبالرغم من عدم تخصص د. نصر أبو زيد في دراسة المذهب الشيعي إلا أن معلوماته في هذا الصدد دقيقة جداً. فالتأويل عند الشيعة يرتبط أساساً بالأمام، الذي هو جزء من الحوزة العلمية المكونة من عدد من العلماء، وهؤلاء العلماء الأئمة هم الذين توارثوا العلم الذي كشفه النبي في القرن السابع، وهو مظنون علي غير أهله. لأن الإمام هو وارث العلم النبوي، وبالتالي فإن نظرية التأويل عند الشيعة تعتمد علي تواصل في الوحي، وليس إنقطاعا في الوحي . ثم توقف نصر أبو زيد عند إحدي جلسات النقاش التي جمعته بالسيد محمد حسين فضل الله، والذي سأله هذا السؤال قائلاً: أنا لم أقرأ لك أبداً، ولكن هل صحيح أنك تقول حتي تفسير النبي محمد للقرآن هو تفسير تاريخي ينتمي للقرن السابع، وأن فهم محمد للقرآن مرتبط بفهم محمد الإنسان الذي عاش في القرن السابع؟ فرد أبو زيد قائلاً: لقد أدركت ماذا يرمي إليه السؤال. فقلت: نعم، أنا قلت ذلك لأنكم معشر الشيعة تؤمنون بعلم باطن ورثه الأئمة، وأنا رجل أدرس الظاهر الذي قاله محمد. فالذي قاله محمد أنت تتفق معي في أنه إنسان القرن السابع. قال: نعم، لكن أنا لا علم لي بالباطن، ولست شيعياً. وأنا سني، وبالتالي أنا لا أستطيع أن أدرس ما كان باطناً ثم ورثه الأئمة . ويري أبو زيد أن في حدود الفتاوي والإجتهادات التي تصدر عن المرجعيات الشيعية أنها تتمتع بدرجة أعلي من المصداقية المعرفية أكثر من مرجعية السنة. وهو يتحدث هنا عن المرجعيات المعروفة، وعن الإجتهادات التي طرأت مع بدايات القرن التاسع عشر، وحتي الآن لأن الفكر الشيعي لم ينقطع أبداً عن الفلسفة، سواء الفلسفة بمعناها المعاصر أو الكلاسيكي. وأستشهد بأسم محمد مجتهدي شبستري، أستاذ بجامعة طهران، وهو الذي يربط الآن تاريخ التفسير بنظرية التأويل، ويتحدث عن أهمية أن ننتقل من الفيلولوجيا وهي التفسير الكلاسيكي إلي الهورمنيوطيقا وهي قضية التأويل الحديث .
لا يدعي أبو زيد أنه سيقدم نظرية تأويلية كاملة، فهذا جهد لا يتوافر عليه الباحث حسب طرحه، لكنه يقول بأنه سيقدم عناصر لنظرية تأويل إذا تمت قراءة هذه العناصر قراءة نقدية. ويعتقد أبو زيد أن هذه النظرية التأويلية ستنتشلنا من الفوضي التي نلمسها في فهم النصوص، وستنقذنا من آلية التفكير الدوغماطيقي. وستفضي بنا إلي فسح مجال واسع للإجتهاد، وتعددية التفكير. ثم أسهم أبو زيد في الحديث بشكل طريف عن ما أسماه بـ البنية المعرفية للبترول هذه البنية التي نسفت النظريات الإقتصادية، وحددها بثلاثية العلم، والمعرفة، والعمل، وأكثر من ذلك فقد قال إن البترول هو ثروة بلا عمل فأنت لا تحتاج أن تحفر بنفسك لكي تنبثق الثروة، لأن تستطيع أن تستأجر منْ يحفر لك! وفي الجانب المعرفي قال، لا تحتاج أيضاً لأن تفكر، لأن هناك من يفكر نيابة عنك وهم العلماء! فالتراث بالنسبة للمؤولة يتضمن كل الحلول. وهو يساوي الثروة في الباطن. يؤمن د. أبو زيد بأن نظرية التأويل يمكن أن تساهم في تحقيق الحرية إذا تم تداولها بشكل ما، وإذا كان لها تأثير علي البنية التعليمية والوعي العام، فنحن لا نحتاج إلي تثبيت المعني الديني، وإنما نحتاج إلي فتح المعني الديني إلي أقصي مداه. وعلي كل جماعة أن تختار المعني الذي يلائمها. مثلما إختار الشيعة المعني الذي يلائمهم. وإختار السنة المعاني التي تلائمهم. وهذا الإختيار يعود إلي الجماعة، وليس إلي السلطة، سواء أكانت سلطة سياسية أو سلطة دينية أو سلطة مرجعية. وتساءل أبو زيد عن السبب الذي يدفعنا لأن نقبل بفتح السوق الحرة للدولار، ولا نقبل بفتح سوق حرة لتداول الأفكار؟ هل لأن الإنفتاح الإقتصادي دون الإنفتاح علي المستوي الفكري يؤدي إلي حصر الثروات، ويفضي مرة أخري إلي إعادة إنتاج الحلقة الجهنمية، الإستغلال، والديكتاتورية؟ .

طبيعة التحالف في الوقت الحالي

يؤكد أبو زيد بأن التحالف سابقاً كان بين رجال الدين ورجال السلطة، أما التحالف الآن فهو بين رجال الأعمال ورجال السلطة، ودخل في هذا التحالف رجال الدين، والمثقفون. ضمن سياق محاضرته كان أبو زيد يميل إلي طرح كثير من الأسئلة ليوضح أبعاد نظرية التأويل المعاصرة، وعناصرها، والأهداف التي يروم الوصول إليها. فهو يتساءل تساؤل العارف تارة، والمُستفهم الباحث عن أجوبة. فهو يتساءل: ما هو القرآن؟ ما هو النص؟ هل هو نص أم خطاب؟ هل هو نص واحد أم نصوص؟ هل هو مجال واحد أم مجالات؟ هل هو لغة واحدة أم لغات؟ ما هي اللغة بالمعني السيموطيقي؟ وهنا أبو يميّز زيد بين اللغات المتعددة في القرآن علي مستوي الأسلوب والتركيب. فلا يمكن أن تقول الحاقة ما الحاقة، وما أدراك وما الحاقة . هي نفس لغة حُرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير لأنهما لغتان مختلفتان، تركيبان لغويان مختلفان . لم يتحدث أبو زيد هنا عن السور المكية والمدنية وأسباب النزول، أو ما يسمي بعلوم القرآن، وإنما تساءل قائلاً: أي نص هو القرآن؟ وكيف تم تاريخياً إدماج هذه النصوص التي نزلت في مناسبات متعددة. نحن نعرف أن القرآن نزل في فترة أكثر من عشرين عاماً، حوالي 23 عاماً علي شكل نصوص مجزأة، كل نص له سياقه، لكن هذا السياق غاب لأن هذه النصوص تم تجميعها في نص واحد، علي أي قانون؟ لا نعرف، لأننا لم ندرس، ليس لأننا أغبياء، وإنما لأننا لم ندرس هذا المجال دراسة مستوفيه. تركنا هذه الدراسة للمستشرقين، ثم إتهمناهم بأنهم يريدون أن يدمروا ديننا وعقيدتنا . ثم يمضي أبو زيد في إثارة أسئلته المتعددة التي يبدو أنها تؤرقه دائماً، وهي من قبيل: كيف تكوّن النص تاريخياً؟ متي أصبح هذا النص هو النص الثابت والنهائي؟ وهل صار هذا النص نصاً نهائياً، أم أن تعدد القراءات ظل ظاهرة قائمة بذاتها. في القرن الرابع الهجري، أي الحادي عشر الميلادي، جاء عالم كبير إسمه مجاهد ووجد هذه الكثرة من القراءات، وأراد أن يصنع قانوناً، وقال إن هناك سبع قراءات هي السنة، وما سوي ذلك شاذ، لكن هذا لم يوقف سيل القراءات، وبعد ذلك بقرن جاء عالم آخر وقال: لا، بل عشر قراءات، سبع سنة، وثلاث سنة غير مؤكدة، ثم جاء ثالث وجعلها 14 قراءة، وقال 7 سنة، و3 سنة غير مؤكدة، و 4 تتطابق مع قوانين اللغة. وجاء إبن جني وكتب كتاباً عن القراءات الشاذة إسمه المحتسب في تبيين وجوه القراءات الشاذة ليبين أيضاً أن هذه القراءات الشاذة تطابق أيضا اللغة العربية. هنا نتحدث عن القرن الخامس الهجري، الثاني عشر الميلادي، يعني حتي القرن الثاني عشر كانت تعددية في القراءات، ومع طبعة المصحف في عصر الطباعة ظلت القراءات متباينة متفاوتة. ما نعرفه بالقراءات السبع أو القراءات الأربع عشر. إذاً هل نحن إزاء نص ثابت أم نص متداول؟ .
QP17

in

Website Statistics