اقرأ في عدد اليوم

  رأي القدس تعثر الحوار الفلسطيني

  محمد عبد الحكم دياب لو قامت محكمة العدل العربية لكان الموقف من السودان مختلفا!

  هيفاء زنكنة تجديد آلية عمليات المقاومة العراقية ضد الاستعمار الامريكي

  مالك التريكي انحيازا للجرائد بحبرها وورقها!

  فاروق يوسف جواد سليم والاخوة الاعداء: تحت نصب الحرية تنبت أزهارنا حراسا ليليين

  خيري منصور ليلة القبض على امرئ القيس!

  ناظم السيد بول شاوول في حوار شامل (2 ـ 2): الحداثة مثل التراث تعبير ديني وينبغي أن نتخلص من هذه الثنائية!

  صالح دياب الرقابة تضرب مجددا في سورية

   أنور بدر أيهم الاغا كل مدير مسرحي يهدم ما قام به سابقه وضيوف المهرجانات هم اصدقاء المتنفذين فيها!
  سليم عزوز جمال مبارك على C.N.N في حوار ناعم كالحرير!

  عزت القمحاوي نهاية اللعبة؟

   موريتانيا: الحكومة تشيد بموقف القذافي وتعتبره 'إحقاقا للحق' ومعارضو الانقلاب يوجهون نداء للمجتمع الدولي
  محمود معروف مصادر مغربية تستبعد تنظيم جولة جديدة من المفاوضات بين المغرب والبوليزاريو 'قبل مشاورات' بمجلس الامن

   الامم المتحدة تحذر من أزمة مياه عالمية

   اليمن: المؤتمر العام لحزب 'الإصلاح' يتهم السلطة بتجذير الأزمة الوطنية

   الرئيس اللبناني يغادر الى باريس الاثنين في زيارة دولة

   زيارة جورج ميتشل لدمشق صارت شبه مؤكدة

   الاحمد: فتح ترفض شروط امريكا واوروبا التي تطالب حماس بالاعتراف باسرائيل

   مراسلات حكومية تظهر تزييف بلير ملف اسلحة العراق وتعمد تضخيم خطر صدام وترويجه اعلاميا لتبرير الغزو

  محمد نصر وكيل مباحث أمن الدولة السابق يحذر من موجة اعمال إرهابية جديدة في مصر

   حسام أبو طالب مصر: مشيرة خطاب بدأت أول أيامها في الحكومة بتصادم مع رجال الدين الإسلامي

   مطالبة الدول العربية بتنظم استقبالات شعبية للبشير.. ونصائح له للخروج من السودان لمكان امن

   ما بعد مذكرة توقيف البشير..القادم أخطر!

   نجاد: سوء تصرّف القوى الكبرى حوّل إيران الى دولة نووية.. وليس باستطاعة امريكا الوقوف في طريقنا

  لندن -القدس العربي' اوباما قد يعلن عن استراتيجية ادارته الاسبوع المقبل وهناك ربط بين مشاكل افغانستان والباكستان
   قيادي في طالبان: مقاتلو الحركة باتوا على تخوم كابول ومستعدين للهجوم
  نجوى شمعون يوميات الحصار والحرب
  الـ 100 يـوم الأكثر خطورة فـي تقريـر مصير لبنان 'مستقبل المحكمة الدوليّة مرهون بقرار القاضي دانيال بيلمار'
  فيصل الحذيفي اليمن: الحزب الحاكم ورهانات النجاح
نصر حامد ابو زيد يتساءل: هل هناك نظرية في التأويل القرآني؟ (2من 3)
في التلفزيون يقدمون الصحابة مطأطئي الرؤوس. مغمضي الأعين طوال الوقت كيف فتحوا العالم إذاً
عبد الصبور شاهين كتب (أبي آدم) وكفرّوه ووصفوه بالردة. وأنا الذي دافعت عنه وأنا في المنفي
2004/02/11


متابعة: عدنان حسين أحمد
أقامت رابطة الرافدين الثقافية في أمستردام ندوة فكرية للباحث والمفكر المصري د. نصر حامد أبو زيد. وقد انضوت المحاضرة تحت عنوان (هل هناك نظرية في التأويل القرآني؟). ويشير هذا العنوان من طرف غير خفي إلي إحتمالات الشك، أو الطعن بوجود نظرية محددة للتأويل. وإذا كان القرآن حمّال أوجه فإن هذا الأمر يستدعي بالضرورة تعدد التأويلات بتعدد المؤولين الأمر الذي يضعنا في نهاية المطاف بمواجهة إشكال شديد الحساسية يتعارض مع النظرية القائلة بإن القرآن الكريم مخلوق، أو أزلي، أو مسطور في اللوح المحفوظ مما يفضي إلي وجوب تطابق التأويلات مع المعاني القارة، الثابتة في هذا الكتاب المُنزّل.
وقد تضمنت محاضرة أبو زيد عدداً كبيراً من المحاور الهامة التي لا يمكن تفاديها، أو إهمالها، أو غض الطرف عن البعض منها، آخذين بنظر الإعتبار أن بعض هذه الطروحات جاءت بصيغة الأسئلة المنطقية المفتوحة المؤُرقة التي تنتظر من الباحثين، والمفكرين، والمنظرِّين أجوبة قاطعة أو مُطَمْئِنة تشفي الغليل. ولأن د. نصر أبو زيد يُدرِك الفرق الشاسع بين كلمتي التفسير و التأويل وما يكتنفهما من تشويش، والتباس، وسوء فهم لابد من تداركه، وتصحيحه، ثم ترويجه بعد إعادة تداوله وفق محمولاته المعنوية الدقيقة التي لا تحتمل الشك، أو القصـــور، أو عدم الأهلية.
قضية الحجاب ومشايخ التلفزيون

لم يكف د. نصر أبو زيد عن مراقبة الحياة في خضمها المتلاطم. فهو يرصد الحوارات التي تدور بين المشايخ علي شاشات التلفزيونات العربية. وينتبه إلي قضية الحجاب المُثارة الآن علي أوسع نطاق، ويستخلص منها نتائج محددة دقيقة. وقد تساءل عن الأسباب التي دعت بعض العلماء لأن يكفروا شيخ الأزهر، ويصبح مرتداً في نظرهم؟ لأن المشكلة، وفقما يذهب أبو زيد، أن صاحب كل تفسير أو تأويل لا يعترف أنه تأويل، وإنما يقول إن هذا هو المعني علي مستوي الحياة في العصر الحديث. وهذا الأمر يفضي بنا إلي أن تعيش الحقيقة الواحدة. والحقيقة الواحدة هي للأقوي. وبالرغم من إكفهرار الأفق، وإنسداد الكثير من منافذه إلا أن هناك بعض المفكرين في العصر الحديث أصبحوا علي الأقل يعترفون بأنهم يقومون بالتأويل، ويقرون بدرجات متفاوتة بأن المعني ليس قائماً في النص، وإنما في تلك العلاقة الجدلية بين الإنسان والوجود الذي يعيش فيه العالم الإجتماعي والإقتصادي والسياسي وبين النص . د. أبو زيد متفنن كعادته في بلورة الأفكار التي تجول في ذهنه، وهو يعرف جيداً كيف يضع اللمسات النهائية لمحاضرة حساسة من هذا النوع، فقد أورد واقعة مثيرة تكاد تختصر فحوي المحاضرة برمتها، وهي القول بأن المعني ليس كامناً في النص، وإنما هو كامن في العالم .
قال أبو زيد مُختتماً محاضرته القيمة بهذه الجُمل المعبِّرة: في ندوة في مدينة حلب السورية، في ذكري عبد الرحمن الكواكبي، سعدت سعادة بالغة لأنه كانت هناك تحديات كثيرة لطروحاتي حين قام محمد حسن الأمين، وهو شيخ كبير، وقال المعني ليس في النص، وإنما هو في العالم بما تعنية كلمة العالم من تعقيد معرفي وإجتماعي وسياسي، وبلغ من الجرأة حداً كبيراُ حتي أنني سألته وقت العشاء: ماذا تفعل بهذا الزي؟ فضحك من كل قلبه وقال: لا يسأل هذا السؤال إلا الدكتور نصر. هذا يا سيدي تراث عائلي، لكنني لا أوظفه، لأن عندي تلاميذ مثلك. أنا لا أعِظ ولا أفتي، ولكني أبحث . أمر آخر أنه فصل بين الفتوي والوعظ، والبحث العلمي في مجال الإسلام، للأسف الشديد، ليس هناك بحث في جامعاتنا في العالمين العربي والإسلامي، وإنما هناك وعظ فقط. وماذا أقول في النهاية أستغفر الله لي ولكم .

أنا من أتباع إبن عربي بشكل أو بآخر

وبعد إنتهاء المحاضرة أثار كاتب هذه السطور سؤالين، ثم فسح المجال لعدد من الحاضرين الذين أثاروا بدورهم أسئلة وصفها أبو زيد بأنها شديدة الأهمية، وقد أخرجته من إطار التفكير الصامت، وفي الآتي نص الحوار:
أنت متعلق بإبن عربي كثيراً، وقد أصدرت كتابين بصدده. ما الذي أثارك فيه، أو في تجربته الصوفية؟ هل لأنه ينتصر للإشارة بوصفها إيحاءً للمعني المنفتح من دون تحديد أو تعيين، أم لأنه لم يُعر شأواً كبيراً للعبارة بوصفها تحديداً للمعني المغلق، والنهائي، والذي يدور في فلك إعادة إنتاج ما سبق إنتاجه؟
هي عبارة صحيحه، أنه أنا من أتباع إبن عربي بشكل أو بآخر، لكن البداية كانت محاولة إكتشاف التأويل في مجال آخر غير مجال المتكلمين، يعني بعد أن درست التأويل عند المعتزلة، وإكتشفت أن لعبة التأويل هي لعبة شارك فيها المعتزلة مع خصومهم، وكما قلت في هذه الرسالة ان النص القرآني أصبح أرضاً لصراع إيديولوجي وفكري. تصورت أنه في التصوف ربما نجد التأويل لا علاقة له بالموقف الإيديولوجي. هذه تجربة روحية، وبالتالي تفترض أن ليس لها إهتماماً بمشاغل العالم، لكن النتيجة كانت أيضاً مشابهة حتي في التصوف، لأنه مع أن التصوف يدعي أنه ينعزل عن العالم، لكنه في إنعزاله عن العالم منشغل في قضايا العالم. وفي أحد الفصول في هذا الكتاب الأخير كتبت عن محنة التاريخ، ومحنة الواقع عند إبن عربي، لكنني وقعت في أسر التصوف لسبب آخر. التصوف يعتمد علي الزهد، والزهد يعتمد علي الإستغناء.
إنك حين تزهد تستغني، فتتمتع بالغني الحقيقي. وأنا أعتقد أن كل باحث يحتاج إلي هذه التجربة، تجربة الزهد والإستغناء لأن الذي يجعل الباحثين والمثقفين أحياناً يتنازلون عن مواقفهم هو عدم الإستغناء، يعني قدرة سلطة ما علي أن تغريهم بالجزرة، وليس بالعصا. هذه تجربة شخصية جداً جداً ربما منشؤها إلي سيرتي الذاتية، نشأتي في القرية، أنني من أسرة فقيرة في المجتمع المصري، وبالتالي كان هناك إغراء شديد جداً لأستاذ الجامعة في أن يكون من الطبقة العليا وبشكل سهل، وصعب جداً أنك تقاوم هذا الإغراء من أجل أن تظل مخلصاً لقضية المعرفة، ولقضية تلاميذك. أعتقد أن دراستي لإبن عربي كانت عاملاً مهماً لمفهوم الإستغناء، أنك تكون غنياً جداً إذا إستغنيت، الغني الذي أقصده هو بصيغة إستفعل، أنك تستغني لأنك ترفض أن تكون عبداً لإحتياجات يري البعض أنها أساسية، لكن أنت تدرك في أعماقك أنها رفاهية. يعني ما الحاجة إلي فيلا، وسيارة طولها خمسة أمتار، وكل هذه الأشياء ليست ضروريات، لكن الكثير من أصدقائنا العلماء يرون أنها ضروريات، وإبن عربي علمني أنها ليست ضروريات، وهذا هو ديني الكبير لإبن عربي، ويمكن للجاحظ أيضاً. من العبارات التي لا تنسي أبداً، وأنا كنت قد علقتها علي جدران غرفتي عندما كنت أعد أطروحة الماجستير أن النظام قال: العلم لا يعطيك بعضه حتي تعطيه كلك، فإذا أنت أعطيته كلك فأنت من إعطائه لك البعض علي خطر . هذا البعض غير مضمون حتي لو أعطيته كلك. تعلمت أشياء كثيرة من فقراء الباحثين، من الجاحظ حين كان يعود إلي أمه في آخر النهار فيطلب الطعام فقدمت له طبقاً عليه أوراق فقالت له هذا ما تأتينا به.

في اللغة ليس هناك تمييز بين التاريخي والزمني

تؤكــــد في كــــل طروحـــاتك بــــأن القرآن نص تاريخي وثقافي، ويُفـــهم من هذا الطرح بأن التاريخي Diacronic هــو زماني، وبأن الثقافي Syncronic هو أنسنة المقدس. هل لك أن تعزز لنا هذا الطرح ببعض الأدلة والبراهين؟
طبعــــاً في اللغة الــــعربية المتداولة ليس هناك تمييز بين التاريخـــي والزمــــاني، يعــــني في اللــــغة الإنكلـــيزية نستطيع أن نقول Temperal وHistorical فالمتحدثون باللغة الأدبية يفهمون أن Historical هو التاريخي وأن ليس بالضرورة مرهوناً بزمن، ويموت بعد هذا الزمن، لأن كل ما نعرفه في هذا العالم هو التاريخي، لكن الظاهرة التاريخية لها إستمرارها في التاريخ، أما الظاهرة الزمنية فهي ظاهرة تولد تقوم بوظيفة زمنية معينة وتنتهي. القرآن نص تاريخي بمعني أنه نحن نعرف التاريخ بزوغه كنص القرن السابع سنة 612 أو أن محمد قد خاض التجربة لنزول الوحي سنة 611 أو 612 ، نحن نعرف أن هذا تاريخي، أي أن هذا النص قد إكتمل سنة 632 فنحن نعرف من سنة 611 إلي 632 هذا المقصود بالتاريخي، الأمر الثاني أن اللغة العربية سابقة علي القرآن. وأنا قلت في بداية المحاضرة أن اللغة ليست وعاءً فارغاً أنت تملؤه، وإنما هي محملة بمفاهيم وتصورات، وبما أن القرآن جاء بهذه اللغة فلا يمكن أن نتصور أن القرآن قد أفرغ اللغة تماماً من مضمونها، وعبأها بمضمون جديد، هي نفس اللغة التي كان يستخدمها أمرؤ القيس، وعنترة لا شك أن القرآن أحدث تأويلات دلالية في بعض المفردات. العلاقة بين القرآن والشعر معروفة، أن القرآن كان يخوض معركة في نفي الشعر عن محمد، وفي نفي الشعرية عن القرآن، وهذا معناه أن هذه كانت قضية مطروحة. أي أن الناس حين جاءهم شخص يقول لهم أنا أتاني وحي. وأنا حللت هذا لم يقولوا له وحي، ما معني كلمة وحي؟ إنما قالوا له لماذا أنت؟ أفلا نزل علي رجل من القريتين عظيم؟ يعني لم يكن هناك تكذيب لأنه من الممكن أن تكون بين السماء والأرض صلة، ولأنه من الممكن أن الجن يوحي إلي الشعراء، ونحن نعرف هذا بأن الشعراء يسخرون من بعضهم البعض، والشاعر يقول شيطانه أنثي وشيطاني ذكر. يفخر إلي أن شعره أقوي من شعر الآخر. إذاً مفهوم أن هناك وحياً، وان هناك علاقة تواصل بين الإنسان وبين غير الإنسان كان مفهوماً مستقراً في الثقافة، وكلمة وحي توحي بهذ الشكل (يوحي إليها بإنقاض ونقنقة كما تراطنوا في أبدانها الروم) يتكلم هنا الشاعر عن ذكر النعام عندما أمطرت الدنيا فجري، وعاد مسرعاً إلي أنثاه، وإلي بيوضه لأن الدنيا قد أمطرت وهو خائف عليهم. فالشاعر رآه يكلم الأنثي، ينقنق، فقال يوحي. معني هذا أن العرب لم يعترضوا علي أن هناك وحياً. ما هذا الوحي؟ قالوا شعر. شاعر آخر فإعترض عليهم القرآن قالوا ساحر، قالوا مجنون، قالوا كاذب. كل هذه الأوصاف، هي الأوصاف التي يرد عليها تعطي دلالة علي محاولة إدراك العرب لهذا الشيء الذي يسمي القرآن، والذي يسمي الوحي، ومحاولة فهم هذه الظاهرة في إطار الظواهر التي يعرفونها.
علي مستوي نية النص لا يمكن أن تفصل بين القرآن المكي في مراحله الأولي والزجل، وعلماء القرآن يوجهون سؤالاً مفادة أن الفاصلة أحياناً أهم من اللغة. لو كان مفارقاً للثقافة مفارقة كاملة لما فهمه أحد. القرآن عربي يعني ليس باللاتينية، وليس بالهندية وإنما هو باللغة العربية، قرآن عربي مبين، فهنا نتحدث عن أنه مُنتج ثقافي حتي الله سبحانه تعالي إذا أراد أن يتكلم فتكلم بلغتنا. أن الله سبحانه وتعالي حين أراد أن ينزل وحياً نزل إلي التاريخ، كلمة تنزيل هنا مهمة جداً، فهل نزل الله، أم نزلت كلمة الله، أم أن النزول نفسه يعطي البعد الثقافي البعد التاريخي إجماله في الواقع هو الذي يؤدي إلي تجميد المعاني والقول بأن فأقتلوهم يعني أقتلوهم، فأقتلوا المشركين حيث ثقفتموهم، لابد أن نقتلهم، رغم أننا نعرف أنه ليس هناك من مسلم قتل المشركين عندما فتحوا البلاد كلها، لماذا؟ لأنه كان مُدركاً أن هذا كان مجرد تهديد. نحن هنا لم نفهم لأنه نؤمن بأن القرآن هكذا نطقه الله سبحانه وتعالي، ناهيك عن الصعوبات الدينية عندما تقول أن الله تكلم، أو أن جبريل تكلم. من الممكن أن يكون برهاناً أخيراً، وإن كان برهاناً زجاجياً بعض الشيء. الذي وصلنا شخص مثلنا إسمه محمد، جاء، وقال لنا لقد نزل عليَّ الوحي، وقد صدقناه، لكن ما نمتلكه هو ما يقوله محمد عن هذا الوحي. يعني هذه من الحقائق الإمبيقية . صدقناه، صدقه الملايين، قامت علي هذا التصديق ثقافة، وحدث تحولاً في المجتمع، لكن ما أمامنا في التجربة المشاهدة بشر قال لنا بلغته أن هذا الكلام الذي أتي به الوحي، إذا إفترضنا، وإفتراضنا هذا يجب أن نطرحه بعد إن إكتمل الوحي، ومات النبي عليه الصلاة والسلام إستطاعت قريش أن تهجم علي يثرب وأنهت هؤلاء المسلمين. هذا أيضاً إفتراض في التاريخ، ما الذي كان سيبقي في القرآن؟ صحائف، وعظام، ولحاء الشجر الذي كان مكتوب عليه القرآن، ثم ربما كنا سنكتشفه في القرن الماضي أو الحالي، ونبحث مع علماء الآثار والحفريات، ويمكن أن نقرأه ونضعه في المتحف.
ما الذي جعل القرآن هذه الظاهرة؟ أنهم المؤمنون. ونحن لا نستطيع أن نتحدث عن القرآن بدون مؤمنين. الذي أعطي القرآن هذه القوة وهذه الفعالية، والذي منح القرآن صفة القداسة ليس صفة قارة فيه، وإنما هي صفة أضفاها عليه المؤمنون بدليل أن غير المؤمن لا يري في القرآن أية قداسة، بل يراه خربطات، يعني عندما يقول أحدهم أنا قرأت قرآنكم وأنه كلام فارغ (علي بعضه) حينها هل تستطيع أن تقول أنت كذاب؟ لا هو ليس كاذباً، لأن علاقته بهذا النص ليس فيها ذلك البعد الإيماني، العاطفي، التاريخي الذي هو معنا. الباحث هنا مسؤول عن طرح كل هذه الأسئلة. هنا القرآن كظاهرة وظاهرة تاريخية، لولا المسلمون ولولا إيمان المسلمين لم يكن يستمر، لم يكن لينتج هذه الثقافة.
المسلمون هم الذين أنتجوا هذه الثقافة، أنتجوها من خلال إيمانهم بالقرآن، لو إفترضنا غياب هذه العلاقة كان سيظل هذا القرآن مكاناً جميلاً في متحف من المتاحف. المشكلة أن المسلمين الآن لا يثقون بأنفسهم، يتصورون أن هذا شيئاً صنع لهم. وبالتالي لا يمتلكون القدرة علي إعادة التفاعل معه مرة أخري. يحتاجون إلي شخص آخر يتفاعل، لأن هذا صنع لهم.
القضية أن المسلمين هم الذين صنعوا القرآن، هم الذين صنعوا الإيمان، وهم الذين حولوا هذا النص إلي نص مقدس مثله مثل كل النصوص. في تاريخ الأدب هناك نصوص تتحول إلي (قانون (canon)) ما الذي يجعل هذه النصوص تتحول إلي كانون؟ القراء. إذا كف القراء عن قراءة شكسبير سيتحول شيكسبير إلي مخطوطة لا معني لها. إذاً طرح هذه الأسئلة التاريخية ليس من أجل إزالة هذه القداسة عن القرآن وإنما من أجل تعميق أو إعادة القرآن إلي المسلمين مرة أخري بعد أن أُنتزع منهم بإعتبار أنه مصنوع لهم، لكن الذي صنعه لهم السلطات السياسية والسلطات الدينية. كيف يسترد المسلمون مرحلة الإيمان، ويخرجوا من مرحلة الدوغما. مرحلة الإيمان فيها قدر هائل من المرونة، وقدر هائل من الجيوية التي أصبحت مفتقدة الآن. أنت تقرأه في سيره الصحابة حين كان يقول الصحابي يا محمد إعدل. كان يقال له ومن يعدل إذا لم يعدل محمد؟ في التلفزيون يعرضون صورة الصحابة وهم مطأطي الرؤوس، ومغمضي الأعين طوال الوقت كيف فتحوا العالم إذاً؟ إذا كان الصحابة بهذه البلاهة، بينما نري أبو جهل ممتلئاً بالحيوية والطاقة والنشاط تري كيف فتحوا العالم؟ لا يمكن للتاريخ أن يقول لنا غير ذلك. أن هؤلاء هم المؤمنون الذي كانوا يقولون يا محمد: ماذا قال رب محمد اليوم؟ هناك قول لعائشة: قالت له أري ربك يسارع في هواك لما نزلت مسألة زينب بنت جحش وزواجه منهــــا، وهذا إمرأة تغار من زوجها. نزلت له الآية: أري ربك يسارع في هواك. هل معني ذلك أنها كانت تكذب بالوحي؟ لا لم تكن تكذب بالوحي. نريد أن نستعيد هذه العلاقة التي لا تخشي من المساس بالنص، وإنما تتفاعل معه بإعتبار أننا نحن أصحاب النص، وليس النص هو الذي يمتلكنا. متي نمتلك القرآن؟ أنا أقرأ القرآن بشكل منتظم، لكن لا أقرأه من أجل ما يقوله الشعراوي أو غير الشعراوي. أنا أقرأه لأتفاعل مع النص، وأنا لي من العلاقة بالقرآن فيها من مساحات الإعجاب، ومساحات الغضب، ومساحات الرضا الكثير.
وهذه عـــلاقة أن الرب الذي نتعامل معه هو الرب الذي ليــــس كمثله شــــيء، وهو يده فوق أيديهم. الغرض من هذه الأوصاف عــــودة مرة أخري إلي زخم التاريخ الذي خرج منه المسلمون.

تتحدث عن عناصر وليس نظرية للتأويل

د. نزار آل إبراهيم: قلت أنت بصدد بلورة نظرية للتأويل، لكنك ذكرت فقط وجود عناصر لهذه النظرية دون أن تشير إلي هذه العناصر. ولم أعرف ما هي نظرية المعرفة، هل هي المادية أم المثالية في فهم النص القرآني؟ أنت متهم أيضاً بأنك تستخدم تفسيرات أو آراءً فلسلفية لها قاعدة مادية أو مثالية دون أن تذكر ذلك في فهم النص القرآني. هل أن نقطة الخلاف تتعلق في إطار تاريخية النص القرآني، أم أن هذا الخلاف الكبير الذي أدي إلي نفي أبي زيد ومحاولة الفصل العشوائي بينه وبين زوجته الكريمة. هل أن الأمر يتعلق بتاريخية النص أم أن هناك أشياء أخري وراء تاريخية النص؟ وما حكايتك مع الشيخ عبد الصبور شاهين؟
نظرية المعرفة هي ليس المادية ولا هي المثالية، لأن هذا التقسيم مادي/ مثالي أصبح الآن في عداد التاريخ. دخلت المادية بمعني المادية التاريخية في العلوم الإنسانية كلها، والعلوم الإجتماعية كلها، ودخلت أبعاد مختلفة كثيرة لم تعد نظرية المعرفة إما هذا أو ذاك. أنا أتكلم عن بنية معرفية، تلك البنية التي كنت أنقدها أنا في إطار كيف نفكر نحن الآن؟ نفكر علي أساس بنية معرفية أنا قارنتها ببنية إنتاج البترول. نحن نحتاج هنا إلي نظرية في المعرفة لا تري الوجود ساكناً، ولا تري العقل منعزلاً عن الوجود، ولا تري أن هناك معنيً قاراً علي العقل أن يصل إليه، وإنما أن العقل هو صيرورة. العقل ليس معطيً ثابتاَ، ليس هو العقل الصوري عند أرسطو، وإنما العقل صيرورة. المعرفة تنمي العقل، والعقل يستكشف المعرفة، عملية علي درجة عالية من التعقيد ومن الجدل، والجدل ليس مصطلحاً ماركسياً، الجدل يعود إلي إفلاطون، إنما البعض يقول لك جدلي ماركسي يا للكارثة (يا للمصيبة السودة) الماركسية إلحاد إلخ. الحكاية ليس تاريخية النص، ولا البحث العلمي، ولا أي شيء من هذا القبيل. يا ليت أن هذه كلها خناقات علمية كنت أكون أسعد الناس بهذه الخناقات العلمية. حكاية الأستاذ عبد الصبور شاهين كان مستشاراً لشركة الريان لتوظيف الأموال. والعبد لله (نصر) كتب كتابه وهو في اليابان، يعني لم أكن وقتها أعيش في مصر، ولا أعرف من كان يعمل عند من؟ كتبت كتاباً إسمه نقد الخطاب الديني في المقدمة قلت: لماذا نريد أن ننقد الخطاب؟ لأننا نريد أن نحلل الخطاب الديني. قلت لأن الخطاب الديني مشغول بسياسة ومصالح إقتصادية، وأن الخطاب الديني في مصر هو الذي مكّن هذه الشركات من سرقة أموال المسلمين.
الفتاوي التي صدرت هي التي مهدت الطريق إلي سرقة أموال المسلمين. هذه هي كل جريمتي عن شيخ عبد الصبور شاهين. لم يقرأ شاهين من الكتاب سوي هذه المقدمة فقط، وكتب تقريراً إلي الجامعة من دون أن يقرأ باقي الكتاب، لأنه كان يكفي أن أقول إن شركات توظيف الأموال هي التي سرقت أموال المسلمين بإسم الإسلام. وأنا لم أكن أعرف أنه هو مستشار لهذه الشركة. بعد ذلك لما تشبث بهذا التقرير في وقت ترقيتي في الجامعة، ولما كان أمر الترقية هو أمر سمعة الجامعة، وسمعة الأكاديمية، وأنا كنت أدافع عن سمعة الأكاديمية ولا أدافع عن الترقية، لأن الترقية سوف تزيد من مرتبي خمسة جنيهات. وكيلو اللحم، وكما هو معروف، بعشرين جنيها، يعني ربع كيلو لحم، فمن غير المعقول أن تدخل في قضية كبيرة من أجل ربع كيلو لحم! إنما كانت القضية أن هذه الجامعة وهذه المؤسسة الأكاديمية والبحث العلمي لها سمعة يجب أن تحافظ عليها.
وأن عبد الصبور شاهين ... ، ورئيس الجمهورية يعرف أنه ...، ورئيس الجامعة يعرف أنه...، وكل مواطن مصري يعرف أنه..، لكن ...هو جزء من الفساد العام، وهذا الفساد العام هو الذي أخرجني من البلد، وليس عبد الصبور شاهين. عبد الصبور كتب كتاباً بعد ذلك إسمه (أبي آدم) وكفرّوه ووصفوه بالردة، ورفعوا عليه قضية كي يفرقوا بينه وبين إمرأته، وأنا الذي دافعت عنه وأنا في المنفي. لأن القضية بالنسبة لي ليس أنني كتبت كتاباً لا يساوي شيئاً، لكن القضية إذا سنقتل إنساناً لأنه كتب كتاباً فنحن في الواقع نقضي علي أنفسنا، ولما إتصل بي أحد الصحافيين وقال لي إزاي قلت له (حريقة في بيتك) يجب أن تطفئها، إذا قُتل كل إنسان لأنه كتب كتاباً فهذا يعني أننا سنقتل نصف البشرية، لأن كتب الأغبياء كثيرة جداً. هذه هي الحدوتة، بعد ذلك كتب عبد الصبور شاهين كتاباً، قرأه الناس، ثم كتبوا عنه، وإكتشفوا تاريخية النص. طبعاً تاريخية النص كانت موجودة قبل هذه الحادثة بسنوات ولم تزعج أحداً. إذا كان المناخ العام، وهو مناخ فساد، وأنا لم أكن أبداً ضحية الإسلاميين، كلا، أنا ضحية الفساد، وأن معركتي هي مع الفساد، سواء أكان هذا الفساد في خطاب ديني أو إقتصادي، أو سياسي، أو في فيلم رديء، أو في كتاب سيئ.
QP17

in

Website Statistics