محمود درويش
   في القدس العربي   
اقرأ في عدد اليوم
  صبحي حديدي:  ماركسية إدوارد سعيد
  أنور القاسم:  احداث مكسيكية في حي دمشقي: الجزء 3 قضى على 'باب الحارة'.. و'شكلين ما بحكي'
  ابراهيم درويش:  'عواقب الحب' رواية لسليمان أودينا: الهجرة واللذة المحرمة في جدة وحذاء زهري وشجرة نخيل
  عبد الحليم قنديل:  الإسلام والقومية العربية
  مطاع صفدي:  هل هي نهاية الاقتصاد الافتراضي حقاً؟
تصويت
هل تتوقع نجاح الحوار الفلسطيني الداخلي؟

نعم

لا


من تاريخ 2-09-2008  الى تاريخ 9-09-2008
مزيد من الأخبار
النص القرآني: في منظور الدراسة الأدبية
خطاب يقود الي الوعي العلمي ويتجاوز التوجيه الايديولوجي ومدين اكثر لممثل اليسار الاسلامي حسن حنفي
ابو زيد يري ان خطاب التنوير ظل يدور مع نقيضه السلفي وفشل التنويريين ادي لتمكين الخطاب الديني
2006/12/29


يحيي بن الوليد
نصر حامد أبو زيد، أو الأفندي المحدث كما يلقبه نقاده، واحد من الأسماء البارزة التي تشتغل علي التراث الديني وفق منهجية دالة ووفق منطلقات فكرية محكمة، وبنوع من الجرأة والشجاعة اللتين لا تتوافران إلا عند القليل من المثقفين والكتاب العرب المعاصرين. والمزج بين هذه المستويات هو ما يجعل من القراءة ، في خطابه، حدثا معقدا وملتبسا بمجمل الأسئلة الحية و الحارقة التي راحت تلوي ــ وبحدة ــ بالثقافة العربية المعاصرة خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
ويهمنا، هنا، أن نركز علي قراءته للنص الديني وبما في ذلك المنطلقات الفكرية التي تسند فعل القراءة بل وتجعل منه تدخلا لا مجرد وصف أو شرح . ولذلك سنشدد علي دراسته مفهوم النص ــ دراسة في علوم القرآن ((1990، لأنها جديرة بأن تدنينا من جانب مهم من مشروع الباحث، إضافة إلي أنها تفضي بنا إلي دراسات الباحث السابقة واللاحقة. وهذه إحدي العلامات المميزة للمفكر النسقي الذي لا يمكن البتة أن نفصل بين إنجازاته المتفرقة أو أن نتعامل معها من منظور العرض أو التبسيط . ولا بأس من أن نشير، هـــــنا، إلي أن مفهوم النص من بين الدراسات التي كانت وراء ضجة تكفـــــير الباحث والمناداة بفصله عن زوجته بدليل أنه لا يجوز لـ مرتد أن يتزوج من مسلمة. ونحن لا نهتم بهذه الدراسة لهذا السبب، وإنما نهتــــم بها لقوتها التمثيلية لفكر الباحث من جهة ولأهميتها اللافتة من ناحية ترهين الأسئلة المطروحة ــ وبإلحاح ــ ومن ناحية قراءة التراث ــ علي المثقف العربي من جهة موازية.

منطلقات القراءة

في الحق لا يتيح عنوان الدراسة إمكانية التعرف إلي أي نص يقصد الباحث النص الأصلي (القرآن الكريم) أم النص الثانوي (السنة النبوية واجتهادات الأجيال المتعاقبة من الفقهاء والعلماء والمفسرين)؟ غير أن هذا الالتباس يظل، في النظر الأخير، مشدودا إلي مجال الدين؛ ومن ثم فإن الباحث آثر أن يقذف بنفسه في دوائر ما يمكن اعتباره بمثابة حقول ألغام في الثقافة العربية المعاصرة. ومعني ما سلف، وهذا أول منطلق للقراءة، أن الباحث يتحرك في دائرة العلاقة التي تصل ما بين التراث والدين؛ وهي ذات العلاقة التي تشرح صيغة التراث الديني . وهذه الصيغة لا تخلو من سوء فهم من قبل الخطاب النقيض ، لأن الحاصل هو توحيد الطرفين إلي درجة أنه كلما ذكرنا التراث انصرف بنا المصطلح إلي مجال الدين .
ولذلك كان من الجلي أن تصطدم أية نظرة للتراث، من خارج دائرة التوقير و التقديس ، بجدار التوحيد أو الوحدة كما ينعتها البعض الآخر. وقد كان لمثل هذه النظرة انعكاس سالب علي معالجة التراث في أنماطه المختلفة من بلاغة وآداب ونقد وفلسفة وتصوف... إلخ.
فالمسألة تفترض إعادة نظر أو ترتيب للعلاقة التي تصل ما بين الطرفين، وكل ذلك في المنظور الذي يفضي إلي اعتبار الدين جزءا من التراث لا اعتبار التراث جزءا من الدين كما يقول أستاذ الأفندي المحدث المفكر المصري حسن حنفي في كتابه التراث والتجديد (ص23). وتقود هذه العلاقة الباحث إلي مراعاة ما ينعته بـ تعددية التراث (الفكري العربي الإسلامي) التي تجعل من هذا الأخير نتاجا عقليا أنتجته عقول بشرية في سياقات تاريخية متفاوتة، كما أن هذه التعددية قرينة تلك النظرة التي تجعل من الدين جانبا من الإنسان لا الإنسان كله، وهو ما سنوضحه بعد حين.
ويفضي بنا المنطلق الثاني، في خطاب مفهوم النص ، إلي ما عبر عنه الباحث نفسه، في مقدمة الدراسة، بـ كينونة النص . ومصدر تشديده علي هذه الكينونة، كما يشرح، هو فلسفة التأويل التي بالغت في دور القارئ إلي حد إهدار هذه الكينونة والتضحية بها لفائدة فعالية التأويل . ويضيف أنه بنفسه لم يسلم من مأزق هذه النظرة في دراسته الأولي الاتجاه العقلي في التفسير ((1982 التي افتتح بها مشروعه الفكري. غير أن التشديد علي كينونة النص لا يفيد البتة أي نوع من إلغاء الباحث لذاته أو لفعالية المؤول كما توهم بذلك مفردة أو مفهوم الإهدار . فالذات تظل، وسواء عن وعي أو غير وعي، حاضرة في ثنايا القراءة؛ إنها أشبه بـ النقطة في الدائرة .
أجل إن التأمل في أبواب الدراسة (وهي: النص في الثقافة، وآليات النص، وتحول مفهوم النص ووظيفته) يوحي بالكينونة سالفة الذكر، لكن علي نحو لا تغدو بموجبه العودة إلي التراث وكأنها بمثابة عودة معرفية معزولة . فثمة دلالات وجودية (بالمعني الهرمينوطيقي للمفردة) تنتظم العودة، وإلا صارت هذه الأخيرة من باب النزق أو السياحة الفكرية . وقد سبق للباحث نفسه أن ركز علي الموقف نفسه قبل عشر سنوات من نشر مفهوم النص إذ انتهي في عرض مركز لـ الهرمينوطيقا ((1981 إلي ما يلي: ولكنها ــ أي الهرمينوطيقا ــ بين البداية وتطورها المعاصر فتحت آفاقا جديدة من النظر، أهمها ــ في تقديرنا ــ لفت الانتباه إلي دور المفسر، أو المتلقي في تفسير العمل الأدبي والنص عموما. وتعد الهرمينوطيقا الجدلية عند جادامر بعد تعدلها من خلال منظور جدلي مادي، نقطة بدء أصيلة للنظر إلي علاقة المفسر بالنص لا في النصوص الأدبية، ونظرية الأدب، فحسب، بل في إعادة النظر في تراثنا الديني حول تفسير القرآن منذ أقدم عصوره وحتي الآن، لنري كيف اختلفت الرؤي ــ ومدي تأثير رؤية كل عصر ــ من خلال ظروفه ــ للنص القرآني ( إشكاليات القراءة وآليات التأويل ، ص 49).
ومن البين أن هذا النص، الذي استحضرناه علي طوله لأهميته وللتوضيح في آن، في غير حاجة لكي نشرحه أو نزيد عليه؛ غير أن ما يجب التشديد عليه أن كينونة النص ــ وهذا وجه آخر لها إن لم نقل أساسا آخر لها ــ ملتبسة بـ منظور جدلي ، إضافة إلي أنها لا تتعارض مع عصر المؤوِل في نطاق ما يمكن نعته ــ بلغة دارس التراث العربي جابر عصفور ــ بـ علاقات التناص الموجبة التي تصل ما بين تاريخية القارئ و تاريخية المقروء ( قراءة التراث النقدي ، ص 60). ويبقي أن نسأل الآن حول المنطلق الثالث المتمثل بـ الدراسة الأدبية باعتبارها مدخلا يقع في صميم التناص الموجب .
ومن المؤكد أن تثير مسألة الدراسة الأدبية للنص القرآني شكوك المشايخ من ذوي الفهم الأوحد للنص الديني وقضايا الفكر الديني عامة. ولقد كان مفكر متمرس في مجال قراءة التراث العربي وهو محمد أركون محــــقا حين أشار، في دراسته قراءات القرآن Lectures Du Coran 1982، إلي السكوت الحاصل في التعامل مع النص القرآني من هذا الجانب. وينسحب هذا السكوت علي القرن الثاني للهجرة الذي كان من المرفوض أن يزدهر فيه مثل هذا التعامل، إذ وازي فيه نشوء التفسير أن غرق هذا الأخير في مباحث كلامية وفقهية وأخلاقية كما يتصور سيد قطب في كتابه التصوير الفني في القرآن (ص27). وقد حصل ما سلف رغم أن لغة القرآن أقرب من لغة الشعر كما يضيف أركون في كتابه سالف الذكر (ص 108). القرآن الذي هو حمال أوجه كما قال عنه الإمام علي، وهي القولة التي لا يتواني نصر حامد أبو زيد عن ترديدها في حواراته وسجالاته.

سيد قطب وامين الخولي

غير أن السكوت سالف الذكر لا يفيد البتة انتفاء دراسة النص القرآني ولا سيما في منظور الدراسة الأدبية التي عرفت إحكاما نظريا هائلا في وقتنا الحاضر. وفي هذا الصدد يمكن أن نعود إلي عمل سيد قطب (1906 ــ 1966) التي سلفت الإشارة إليها قبل التصوير الفني في القرآن ((1945 جنبا إلي جنب مشاهد القيامة في القرآن ((1949 في نطاق ما يعرف بـمرحلته الأولي التي اصطلح عليها دارسوه بـ المرحلة الأدبية ، أو الإسلاميات الفنية (1930 ــ 1950)، ولعل هذا ما يفضي بنا إلي موضوع أوسع يتصل بفكر سيد قطب أو النــــقد الإسلامي عامة وفي صلته بما يعرف بـ التفسير الأدبي للقرآن . وتجدر الإشارة إلي أن عمل التصوير الفني في القرآن خطا خطوات لافتة علي مســـتوي الفصل بين مبحث التصوير الفني (الغالب) و الجدل الذهني أو بلغة أخري بين الجانب الفني و مباحث القرآن .
إن صاحب مفهوم النص ينحو منحي مغايرا لسيد قطب في فصله بين الجانبين. ومن هذه الناحية فهو يواصل ما كان قد دعا إليه الشيخ أمين الخولي (1895 ــ 1966)، وقبل ستين عاما من ظهور مفهوم النص . وتراعي الدراسة الأدبية عند أمين الخولي خطوتين: أولا دراسة ما حول القرآن (أو ما حول النص)، وثانيا دراسة القرآن (النص). ويلخص أبو زيد، في مفهوم النص ، هاتين الخطوتين قائلا: إن دلالة النص تتكشف من خلال تحليل بنائه اللغوي أولا ومن خلال العودة إلي سياق إنتاجه ثانيا ، إضافة إلي أن إهدار أحد الجانبين يعيق المفسر عن اكتشاف الدلالة والمعني (ص108).
وعلي مستوي آخر تفيد الدراسة الأدبية عند الباحث من المناهج القرائية الحديثة والنظريات النقدية المعاصرة. واستخدام الباحث لهذه المناهج والنظريات، وفي مجال قراءة النص الديني تحديدا، لا يشير إلي أي نوع من الفيتيشية أو الصنمية المنهجية التي تقود حتما إلي تسطيح العلاقة مع التراث؛ فتوظيفها قائم علي ضرب من التمثل ومراعاة الموضوع المدروس في مجاله التداولي المخصوص. وكما أن قراءة التراث الديني، واعتمادا علي هذه المناهج، لا تنطوي، في تصوره، علي أي نوع من الإساءة لهذا التراث... بل إنها تمثل احتراما له. فلا خشية، إذا، علي التراث الديني من هذه المناهج التي تؤصل تاريخيته وتعيده ــ بالتالي ــ إلي قلب التاريخ ... في مقابل التيار الذي يسعي إلي إخضاع القارئ لما ينعته أبو زيد، في مقدمة كتابه دوائر الخوف ، بـ ضغط التجهيل .

الوعي العلمي

والأهم، في خطاب الباحث، أن الدراسة الأدبية، ومحورها مفهوم النص ، كفيلة بتحقيق ما ينعته بـ الوعي العلمي الذي يتجاوز موقف التوجيه الإيديولوجي السائد في ثقافتنا وفكرنا (ص11). والملاحظ أن الباحث يلح علي هذا الوعي ، وهو ما لا يوافق عليه بعض النقاد. ويبقي أن نسأل الآن حول تخصيص الدراسة الأدبية ومحاولة استجلاء بعض ركائزها، وهو ما يفضي بنا إلي المنطلق الرابع المتمثل بـ المنهج الواقعي . وفحوي هذا المنهج ــ الذي يتسرب في ميكانيزمات الدراسة الأدبية ــ أن النص (الديني) يتشكل بالواقع. وبكلام آخر: إن النصوص الدينية، وإن تشكلت من خلال الواقع والثقافة، تستطيع، بآلياتها، أن تعيد بناء الواقع، فهي لا تكتفي بمجرد تسجيله أو عكسه عكسا آليا مرآويا بسيطا (ص 69). وهذه النقطة من الأفكار الأساسية في الموجز الأصولي أو البيان النظري ( التراث والتجديد ) لأستاذ الأفندي المحدث المفكر حسن حنفي الذي سلفت الإشارة إليه من قبل.
وللمناسبة فثمة أكثر من علامة تصل ما بين حسن حنفي ونصر حامد أبو زيد بدءا من النظر إلي التراث بعامة الذي يقول عنه ممثل اليسار الإسلامي ، في كتابه سالف الذكر، بأنه ليس له وجود صوري مستقل عن الواقع الذي نشأ فيه، فهو يعبر عن الواقع الأول الذي هو جزء من مكوناته ، بل هو وسيلة لتغييره. ولذلك فما أسماه القدماء بـ أسباب النزول يدل علي أسبقية الواقع علي الفكر، مثلما أن الناسخ والمنسوخ يتحدد طبقا لقدرات الواقع وبناء علي متطلباته فإن تراخي الواقع تراخي الفكر وإن اشتد الواقع اشتد الفكر. والشيء ذاته يقال عن الوحي، إذ جاء تلبية للواقع مثلما تكيف علي أسسه (ص56. 15. 34. .167). ولا تبدو هذه الأفكار غريبة عن الباب الأول من دراسة مفهوم النص (ص34. 397. .117). وكما يتناص أبو زيد مع حسن حنفي في مواضع أخري من مثل النظر إلي حامل الرسالة بوصفه شخصا تأثر، فيما تأثر به، بالواقع ( التراث والتجديد ، ص136 وقارن بـ مفهوم النص ، ص65).
والظاهر أن النظر إلي النص القرآني في ضوء الواقع الذي أفرزه كان قد تنبه إليه طه حسين (1889 ــ 1973) منذ عشرينيات القرن الماضي من خلال كتابه الصادم في الشعر الجاهلي ((1926. غير أنه، وفي تلك الفترة التي كانت تشهد علي سيادة التنوير ، كان قد أشار إلي صعوبة الموقف. يقول موضحا: وليس من اليسير، بل ليس من الممكن، أن نصدق أن القرآن كان كله جديدا علي العرب، فلو كان كذلك، لما فهموه ولا وعوه، ولا آمن به بعضهم ولا ناهضه وجادل فيه بعضهم الآخر ( في الشعر الجاهلي ، ص26). ومثل هذا الموقف، وغيره من المواقف الحدية التي يطفح بها الكتاب، هو ما كان وراء الضجة التي أثارها والتي كادت أن تؤدي إلي أزمة سياسية في مصر.
غير أن ما سلف ذكره، عن الأفندي في علاقته بأستاذه، لا يشير إلي أي نوع من التناص السالب ، لأن ثمة فروقا واختلافات جوهرية بينهما. فالأفندي أكثر انضباطا وأكثر موضوعية ، وعلي افتراض أن هناك موضوعية في ميدان القراءة والعلوم الإنسانية عامة، بسبب من تركيزه علي اللغة التي هي جوهر كينونة النص. فالنص يتشكل بالواقع، لكن من خلال وسيط اللغة . ومن ثم فإن دلالة النصوص ليست إلا محصلة لعملية التفاعل في عملية تشكيل النصوص ومن جانبي اللغة والواقع (ص 108). وكما أن اللغة، هنا، قرينة إنتاج الدلالة؛ ثم إن هذه الدلالة ليست قارة، بل هي متحركة تبعا لتحرك/ تفاوت سياق/ سياقات القراءة. فنصر حامد أبو زيد من أنصار التأويل الذي يحرك التاريخ، التأويل الذي نحيا به . وليس من العجب أن يرد علي حيثيات حكم الطلاق بينه وبين زوجه ــ الذي أصدرته محكمة الاستئناف يوم الجمعة الرابع عشر من تموز (يوليو) 1995 ــ بـ مأساة القراءة الحرفية .

رهانات التنوير

ويهمنا أن نشير، وفيما تبقي من الدراسة، إلي أن الإقرار بمبدأ تحرك الدلالة ، في النص الديني، يوازي تنوير النص الديني ، وهو ذات الإقرار الذي يفضي إلي التشديد علي مبدأ تقدمية التاريخ وسند التنوير وفضيلة الحرية وقيم الحداثة. والظاهر أنه لا يمكن الفصل بين مستوي التنوير ومستوي منطلقات القراءة ، وفصلنا بينهما الغاية منه التوضيح لا غير؛ فالعلاقة بينهما قائمة علي التأثر المتبادل أو الإضاءة والاستضاءة . ومن هنا منشأ سياسة القراءة أو سياسة التأويل في أفقها الكاشف عن التباس الفكر بمشكلات الواقع. ويبقي أن نعرض للتنوير، تنوير النص الديني عند نصر حامد أبو زيد، من خلال مستويين فرعيين: مستوي أول مرتبط بموقف الباحث من الدين، ومستوي ثان مرتبط بما يجاوز الموقف الشخصي إلي الفكر بمعناه التاريخي الذي يمس شجون الوطن والثقافة.
وأول ما يستوقفنا، هنا، أنه مهما كانت نوايا الباحث فإنه لا يمكنه التزام الحيدة التامة تجاه موضوع في حجم موضوع الدين. ولذلك فإن الحديث عن وعي علمي بالدين أمر مردود؛ ولا يرجع ذلك إلي عجز متضمن في القراءة، وإنما يرجع لطبيعة الموضوع ذاته. ولذلك كان المفكر علي حرب محقا حين تصور، في قراءته لـ مفهوم النص ضمن كتابه نقد النص ((1993، أن دعوة الباحث إلي فهم علمي للدين خداع للدين وحجب للحقيقة، حقيقة الدين بما هو انقياد وجهاز كهنوتي وسلطة فوق الجدال (ص211). وهو النقد نفسه الذي وجهه حسن حنفي في قراءة لـ مفهوم النص حيث يتصور أن الإسلام ذاته رؤية ايديولوجية إسلامية عربية لتاريخ الأديان وللواقع العربي الجاهلي (مجلة فصول ، المجلد التاسع، شباط ـ فبراير، 1991).
وتصور الباحث للدين معلن عنه وغير مراوغ. وهو ــ في مستوي أول ــ ذو بعد أنثروبولوجي يشرحه قائلا: الدين مفهوم ثقافي عام يتجاوز حدود العقائد والشعائر (ص14). وفي هذا الإطار يمكن فهم انتقاده الشديد للإمام الشافعي (150 ــ 204 هـ) علي نحو ما صاغه في كتابه الإمام الشافعي وتأسيس الايديولوجية الوسطية الذي كان قد ساهم بأطروحته الأساسية في ندوة غرامشي وقضايا المجتمع المدني التي صدرت في كتاب عن دار كنعان بسورية عام 1991، الشافعي الذي أصل هيمنة مجال الدين والعقيدة علي مجالات الحياة كلها، وهو ما سيواصله الغزالي (ت: 505هـ) ــ ومن حيث هو قطب شافعي اشعري ــ كما يتضح في الباب الثالث من الدراسة.
ويذكرنا هذا الموقف بموقف أدونيس الذي كان قد أبداه سواء في أطروحة الثابت والمتحول أو في أحد كتبه الأخيرة النص القرآني وآفاق الكتابة . يقول في الكتاب الأخير: يجيب النص القرآني عن أسئلة الوجود والأخلاق والمصير، وهو يجيب عن ذلك بشكل جمالي ــ فني، ولهذا يمكن وصفه بأنه نص لغوي ــ أعني لا بد لفهمه من فهم لغته أولا. وهذه اللغة ليست مجرد مفردات وتراكيب وإنما تحمل رؤيا معينة للإنسان والحياة، وللكون ــ أصلا وغيبا، ومآلا (ص20).
فالنص القرآني، هنا، تعبير عن تجربة ، لكن بمعناها المبلور في الهرمينوطيقا الفينومينولوجية : أي من حيث هي منهج للكشف الأنطولوجي أو علة للوجود أكثر منها وسيلة تقنية . والمؤكد أن موقف أدونيس في حاجة إلي قراءة مستقلة، لا سيما وأنه لا يخلو من ملامح التصوف. غير أن ثمة فروقا جوهرية بين أدونيس والباحث نصر حامد أبو زيد، لأن هذا الأخير يصل المدلول الأنثروبولوجي بـ المدلول الديني عكس الأول الذي لا نلمس عنده أي نوع من هذا الوصل. فصاحب نقد الخطاب الديني يعلن، وجهرا، إيمانه. يقول (وفي سياق الحملة التي استهدفته): ولكن بحمد الله مسلم، أديت وأؤدي الفرائض وامتنع عن إتيان ما نهي عنه الدين، ومع ذلك فأنا من المؤمنين بحرية الرأي ايمانا كاملا، وأقرأ قول الله عز وجل لا إكراه في الدين ( أدب ونقد ، العدد 101، كانون الثاني ـ يناير 1994، ص67).
ويهمنا الآن أن نصل موقف الباحث من الدين بالسياق الثقافي العام كما يفهمه الباحث نفسه. وفي هذا الصدد يسعفنا نص مقدمة الدراسة التي يقول فيها بأنه لا يقف عند حدود الهموم الأكاديمية، بل يتناول هذه الهموم في إطار من هموم أوسع هي هموم الثقافة والوطن بشكل عام (ص5). وصفوة القول، في هذه النقطة، إن الباحث لا يريد أن يسلك سبيل البحث الأكاديمي المعزول عن مشكلات المجتمع بكل مشخصاتها المستحكمة في السياق التاريخي. فتأويله أو قراءاته تبتعد عن الانغلاق السكولاستيكي الذي يزيد في تكريس عزلة المثقف المحدث وفي مقابل ذلك يفسح المجال لـ المثقف التقليدي .
غير أنه لا يمكننا أن نخلص إلي موضوع آخر دون أن نتوقف عند مفهوم الوطن الذي لا يحيد بدوره عن دلالات التنوير؛ لأن الوطن، أو أكثر تحديدا الولاء للوطن ، هو ما لا تتواني المجموعات الإسلامية عن رفضه بشكل حازم وصارم. فولاء، من هذا النوع الأخير، وفي نظر هذه المجموعات، جاهلية أسوأ من تلك الجاهلية التي جاء الإسلام يحاربها كما يعلق المستشار محمد سعيد العشماوي في كتابه الإسلام السياسي (ص27). والشيء ذاته يقال عن مفاهيم أخري تتأطر ضمن مفهوم المواطنة كمفهوم الشعب و الديمقراطية و الدستور و القانون ... كلها كفر و إلحاد . فالوطن الوحيد الذي تؤمن به هذه المجموعات هو الإيمان (أو الإيديولوجيا الإيمانية ) الذي هو علم العلوم وقوام الحياة اليومية كما يقول الناقد الفلسطيني فيصل دراج في مقاله ضمن الكتاب الجماعي طه حسين العقلانية الديمقراطية الحداثة (ص55. .59).
ومن هنا منشأ الأسئلة الحارقة التي علي المثقف أن يخوض في غمارها أو أن يواجهها بدلا من أن يخايلها. ولقد ظل خطاب التنوير، في نظر الباحث، يدور مع نقيضه السلفي داخل السجال الايديولوجي ولم يجاوز ذلك إلي تأسيس أفق معرفي جديد. وهذا القصور، في الاتجاه التنويري، ساهم، وفي إطار عوامل موضوعية اجتماعية اقتصادية، في تمكين الخطاب الديني من استعادة الأرض التي فقدها ( نقد الخطاب الديني ، ص 189). غير أن الاستعادة، هنا، بمعناها الذي يلتبس بـ السياسة في بعدها الإجرائي الأدواتي التسلطي لا في بعدها الثقافي الذي يلتبس بالمعرفة والعلوم. يقول الباحث موضحا الفكرة ذاتها: إذا كان الخطاب الإسلامي المسيطر في علاقته بالتراث يمثل ضعفا وتهافتا، فإنه في بعده السياسي يمثل قوة علي الحشد والتجييش ( الأرثوذوكسية المعممة ، الناقد، العدد 74، آب ـ اغسطس 1994، ص27).
فمن الجلي، إذا، أن الباحث يستند إلي قاعدة التنوير : تنوير النص الديني ؛ ودون أن نتغافل، هنا، أنه يفضل مفهوم الأنوار بدلا من التنوير ، وحجته ــ في نص حوار ــ أن المصطلح الأخير ابتذل ( العربي ، العدد 450، ايار ـ مايو 1996، ص 74). ولا يخفي أن التنوير، في بعض الكتابات، قرين العلمانية التي ترادف ــ في أذهان المجوعات الأصولية ــ الإلحاد . فما يقصده الباحث منها، وفي نطاق قراءة التراث الديني، لا يتجاوز محاولة مناهضة حق امتلاك الحقيقة المطلقة كما قال في التفكير في زمن التكفير (ص 82). هذا بالإضافة إلي أن هذه المواجهة تتقوم علي أرض ما ينعته بـ الاعتزال المعاصر الداعي إلي مناصرة العقل والاجتهاد. وفي هذا السياق أمكننا فهم انتقاد الباحث للفكر الذي ينعته بـ الرجعية في مواضع كثيرة من الدراسة، وخصوصا في الباب الثالث (والأخير). ويعكس هذا الفكر تحولا عن المفهوم ، ويمثله أبو حامد الغزالي. والمفهوم، هنا، بغير معناه المتداول أو المحصور في الإبستيمولوجيا، هو أشبه بـ أطروحة تلتبس بسياق تاريخي وإيديولوجي.
ويشرح الباحث التحول السالف بأن النص لم يعد يستهدف الإنسان، وإنما صار أداة لاكتشاف قائل النص والتــــــوحد بـــه. وفي ضوء المنهج الواقعـــي الذي ينطلق من الداخـــل إلي الخارج أو ــ وبلـــغة الهرمينوطيقا عـــند د. هيرش ــ مـــن الدلالــــة (Meaning) إلي المغزي (Signifiance) لم يكن لمثل هذا التحول أن يتحقق إلا بعد حدوث تحول في حركة الواقع الذي يتفاعل معه النص (ص249). وكان الغزالي يمثل نقطة البدء في الانقلاب عن علمانية الإسلام إلي كهنوت الفكر الديني ( التفكير في زمن التكفير ، ص83). والأخطر ما في خطاب الغزالي أن نسقه مناسب للنظم السياسية الديكتاتورية، وكما أن النظام الصوفي الذي يقدمه مناسبة للشعوب المضطهدة، ولهذا فهو نظــــام متكامل: للمضــــطهدين عزاء، وللحكام مشروعية (الحوار السابق، ص 75).
وتجدر الإشارة إلي أننا كنا فيما سبق نتحرك، ومع نصر حامد أبو زيد، حتما، في نطاق قراءة الماضي الذي لا يخلو من صلات مع الحاضر. وفيما يتعلق بالحاضر فإن كتابه نقد الخطاب الديني ((1992، وخاصة الباب الأول منه، يفيد علي مستوي الكشف عن الابتذال الفكري للخطاب الديني المعاصر. ويبدو هذا الكتاب، وبحكم مساجلته الصريحة للفكر الذي يناقضه، مكملا لدراسة مفهوم النص . ولذلك لا نتصور أن الباحث بدا في مفهوم النص باحثا أكاديميا مشغولا بسؤال المعرفة، بينما بدا في نقد الخطاب الديني خصما سياسيا للجماعات الإسلامية كما ذهب إلي ذلك عمر حفيظ في مقال معارضات لقضية نصر حامد أبو زيد ( الآداب ، العدد 3ـ4، نيسان ـ أبريل 1996، ص 21). أجل إن الباحث بدا في الكتاب الثاني أكثر ارتباطا بالمناخ الساخن أو بـ حريق الإسلام السياسي وأكثر استفزازا لممثلي هذا الحريق؛ غير أن ذلك لا يحول دون التأكيد علي أن جميع إنجازات الباحث، وبما في ذلك مقالاته المتناثرة في المجلات، قائمة علي النقد والتحليل وعلي عدم التساهل أو التسامح علي مستوي ــ وإذا جاز مفهوم لويس ألتوسير ــ تشخيص الخطاب النقيض.
ولعل ما سلف ذكره، وما لم نذكره، هو ما عجل بما ينعتهم أبو زيد نفسه بـ أعداء النور والحرية والأوصياء علي العقول والأبدان إلي تدميغه بـ التكفير بل و المطالبة بإهدار دمه ، لا لشيء إلا لأنه ضد تسليع الدين و الاتجار اليومي به في فضاء اجتماعي قوامه الحصر الاجتماعي والعجز الاقتصادي والفقر الفكري.

ہ ناقد وباحث من المغرب
QP17

الهرمونتيكا والبوليتيكا الانتيكا
محاولة متهافتة لاستحياء فكر متهافت فى وقت ربما يستشعر أصحابه أن الموجة الحالية المعاديةلزحف التيار الاسلامى والتى بدت ملامحها فى مصر والمعرب وفلسطين هى فرصة مواتية للعودة من تحت الركام لمواصلة أدوارهم التخريبية فى محيط الثقافة والفكر الاسلامى .عودة مأزومة لتكرار أفكار مغلوطة تضرب النص القرأنى استنادا إلى مناهج ودعاوى لا تمت إلى واقعنا بصلة ولا طائل من ارتفاقها إلا تيه أصحابها فى دروب الزيغوالشطط والقلق الفكرى ولنلحظ فقط نوع ومنحى ومصادرالاستشهادات الى لجأإليها الباحث ، وطبيعة تركيب العبارات التى لم يستطع بها إخفاء المقصد الخفى من مثل هده الافرازات الفكرية من تهوين النص القرأنى ومحاولة إزالة قدسيته ، ثم هده الترسانة من المصطلحات التهويليةالمألوفة لدى هؤلاء من قبيل الهرمونيتيطقا والبوليتكا والمزيكا .إننى حقيقة أرثى لأصحاب هدا الفكر الانتيكالأنهم بكل بساطة يحرثون قى بحر بلا قرار، فمهما أنتجوا وتساندوا وتكالبوا فإن جهودهم إلى بوار (فأما الربد فيدهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض) د/علاء حسنى أستادجامعى

هل ترغب في التعليق على الموضوع؟

"القدس العربي" ترحب بتعليقات القراء، وترجو من المشاركين التحلي بالموضوعية وتجنب الاساءات الشخصية والطائفية، ولن يتم نشر اي رد يحتوي شتائم. كما ترجو الصحيفة من المعلقين ادخال الاسم الاول واسم العائلة واسم الدولة وتجنب الاسماء المستعارة. ويفضل ان تكون التعليقات مختصرة بحيث لا تزيد عن 200 كلمة.

الأسم:
بريدك الألكتروني:
الموضوع:
التعليق:
in
مدخل
أرشيف
مواقع اخرى
الاتصال بنا
مذكرات و كتب

Website Statistics