Quran
بحث
 
    English   Français
 
  تستند شبكة البحث حول "العلم والدين في الإسلام" إلى جهود مجموعة من الأكاديميين المسلمين، الذين انتظموا في إطار فريق عمل عالمي يسعى لرصد الأفاق المشتركة بين "العلم والدين"، وذلك انطلاقا من اختصاصات علمية مختلفة.     ويطمح مشروع الشبكة إلى الإسهام في التأسيس لديناميكية بحث، تسعى للإبحار باتجاه أفق مزدوج : أفق "عقلانية" منفتحة على مختلف الإشكاليات الميتافيزيقية، والروحانية/ أو الثيولوجية من جهة، وأفق مستند إلى التجربة الروحانية ذاتها، وللوعي الديني؛ في سياق الحالة الذاتية الداخلية المنفتحة على جملة القضايا الفلسفية المتولدة عن نتائج البحث العلمي المعاصر.     ونحن قد اخترنا هذا المنهج المزدوج الأفق، الذي يجمع بين العلم والدين في نفس السياق البحثي، لإيماننا بتكامل البعدين في النظر لذات الحقيقة، وأن ثمة الكثير مما يمكن للعلم أن يستفيده من الدين، أو للدين أن يستفيده من العلم في هذا السياق. إلا أن هذا التوجه ذاته يشترط، ومنذ البداية وضوحا كبيرا في النوايا وصرامة شديدة في المنهج في آن. أما اعتماد المجاورة الوهمية، والتوافق الخادع في عرض معطيات التراث الديني ومعطيات العلم الحديث، فهو يؤدي إلى خيبة أمل كبيرة. لأن عدم احترام خصائص كل من المجالين، وعدم الإقرار بتفرّد مبادئ كل منهما في إدارة تحركه الخاص، تمنع في الواقع من تحقق تماسّ أو تكامل حقيقي بين العلم والدين.     إننا، وبعكس القراءة السائدة في العالم الإسلامي، لا نعتقد بإمكانية حوار مباشر في الوقت الراهن بين هذين الفضاءين. إذ إن طبيعة العلاقة بينهما تستوجب بحسب قناعتنا المرور عبر عملية تفكّر "باطني" ذي طبيعة فلسفية ودينية/ روحانية.     والسؤال الذي يجب أن يفرض نفسه أمام إي محاولة في هذا الاتجاه هو: ما الذي يختص به العلم و يملك إمكانية طرح حوارًا بنّاءا مع الدين الإسلامي؟ وما الذي بداخل الدين الإسلامي يمكن أن يحاور بشكل مثمر مجال العلم؟     والمقصود بمفهوم " الإسلام" هنا لا يقتصر على المكوِّنة الدينية بحد ذاتها. فنحن في سعينا على تشجيع تبلور حوار جدي بين العلم والدين في المقاربة الإسلامية، نحتاج للاستناد إلى مجمل الأبعاد التي أنتجها التراث الحضاري الذي تشرّب من هذا الدين. ولعل هذا هو أحد الأسباب التي جعلت من فريق بحثنا لا يضم في صفوفه علماء رياضيات وفيزيائيين أو علماء فيزياء فلك فحسب، بل ويجمع أيضا علماء دين ومؤرخين وفلاسفة. حيث إن المقاربة المتعددة الاختصاصات تمثل بذاتها بُعد على غاية من الأهمية في عملنا: أي الربط بين النتائج التي يتوصل إليها كل واحد من هؤلاء مع الاحترام الصارم للقواعد الخاصة بعمل كل اختصاص.     وفق هذا المعنى فإن موقعنا الإلكتروني "علم-إسلام. نت" يطرح نفسه كمساحة للتبادل المعرفي، والتي تهدف بالدرجة الأولى إلى تفعيل الآليات الضرورية للبعث بحداثة علمية إسلامية فعلية، تتجذِر في تربة القيم الفكرية والروحية والأخلاقية.     ويهدف موقعنا هذا عبر أبوابه المختلفة: (مقالات-دراسات / أخبار / إحالات بيبليوغرافية / ....) إلى توفير أكبر عدد ممكن من الأدوات والمفاهيم والمناهج والرسائل الجامعية والهياكل التي تساهم في هذا "التجديد"، أو بالأحرى في "إعادة إحياء" الفكر الإسلامي، بالاعتماد على فهم عميق للرهانات والممارسات العلمية المتبعة في المجال العلمي للقرن الواحد والعشرين. 

هل يمكن التأسيس لمشروع نهضوي عربي جديد؟

طيب تيزيني

في التقليد التاريخي النهضة تأتي منطقياً في أعقاب، أو على أنقاض انحطاط ما أو نكبة ما، هذا من الفعل التاريخي الذي وضع يده عليه أمثال ابن خلدون وماركس وماكس فيبر وآخرون لكن أن تكون حالة الانحطاط حافز لانحطاط آخر، هذا ليس جديداً لكنه جديد بكثافته التي يعيشها العالم العربي الآن. إنما تفسير هذه النكبات في ظني لا يصح أن يُنْطلق فيه من القول إن العالم العربي فقد انتمائه للتاريخ لأنه بأساسه غير قادر على أن ينتج خطاباً نهضوياً وفعلاً نهضوياً، أي هناك شعوب أوروبية، أو عموماً شعوب غربية، تستطيع أن تتبع المواقف الجديدة في التاريخ ،أن تأسس لحالات مهمة مثل الديموقراطية والعلمانية والتنوير، وشعوب أخرى لا تستطيع أن ترقى إلى هذا المستوى. وهذا كما هو معروف خطاب استشراقي انتهت مصداقيته المعرفية لكنه مع ذلك مازال موجوداً إنما هو موجود تحت قوة السلاح، والسلاح هنا هو التدفق الإمبريالي العولمي الآن باتجاه الوطن العربي وباتجاه العالم الآخر، والمشكلة تكمن في هذا التدفق الذي بدأ مع بواكير القرن التاسع عشر لسبب آخر هو أن التوقيت بين النهوض العربي الحديث وتعاظم القوة الغربية الرأسمالية من طرف آخر هذا التوقيت أفضى إلى ما يمكن تسميته بقانون التطور غير المتكافئ بين الغرب والشرق، أعني فيه العالم العربي تحديداً، هذا القانون ظل يلجم عملية التقدم العربي بشكل أو بآخر بالرغم من أن مجموعة من الانفراجات حدثت في مرحلة منصرمة خصوصاً أثناء وجود معسكرين وهيمنة سياسة الرعب المتبادل أو الردع المتبادل، لكن تبين أن هذه الانفراجات تأسست بالمعنى السياسي ومساعدة المعسكر الاشتراكي في حينه دون أن تنتج أصداء لها في الداخل العربي، فالنظم السياسية العربية لم تتأثر بهذه الانفراجات بقدر ما عمقت مواقعها بخاصة في ظل الحماية التي كانت تحصل عليها في إطار سياسة الرعب المتبادل.

الآن زال ذلك المعسكر الاشتراكي وأصبح الوضع واضحاً عارياً تماماً، إذ أن ما كان يراهن عليه من أن هناك نظماً ثورية تتعامل مع مقولات الثورة والتقدم والاشتراكية، تبين أنها نظم فاسدة أسست تأسيساً منهجياً للفساد الذي صوغ الغزو الأميركي، وأصبح هذا الفساد مركباً مع تعاقبه وتعاظمه،بحيث أننا يمكن أن نطلق عليه مصطلح الاستبداد المركب وهو يعني أولاً استفراداً بالثروة واستفراداً بالسلطة واستفراداً بالرأي العام واستفراداً بالحقيقة، هذا الاستبداد المركب موجود في العالم العربي برمته دون استثناء. وقد كان في ما مضى مُغيباً تحت لافتات التقدم والثورة والاشتراكية، وأصبح اليوم واضحاً تماماً مما خلق إشكالاً كبيراً أمام النُظُمْ التي درجت على مساوئ هذا الفساد، بخاصة أن نهاية الاتحاد السوفياتي اقترنت بنشوء النظام العالمي الجديد، الذي لا يقبل بأقل من الجميع في العالم والإشكال العالمي الجديد والعربي بخاصة يتأسس في هذه النقطة بالذات. نظم لم تنتج شيئاً حقيقياً تفاجئ الآن وتباغت بنظام يعمل على التهامها مع أن هذا النظام الجديد أسس بدوره لهذه المنظومة ولكن الآن يريد أن ينهبها تماماً. مقولات التحرر الوطني والثورة والتقدم أصبحت خارج الدائرة العولمية، لذلك أخذ مفهوم النهضة شيئاً فشيئاً موقع كل المفاهيم التي كانت مهيمنة سابقاً والتي ذكرت بعضها وأظن ان أهمها الثورة والتحرر العربي والتنوير والإصلاح، هذه المفاهيم الآن لم تعد تجدي وإنما في ظني الذي أصبح مجدياً أكثر من غيره مفهوم النهضة انطلاقاً من المعطيات المستجدة، أعني بذلك أن تحديد هذا الأمر يأتي مع تحديد الحامل الاجتماعي لتلك المفاهيم ولمفهوم النهضة، الحامل الاجتماعي يتمثل في الأمة برمتها، إنها نهضة والنهضة هي نهضة أمة يعني مسألة تقوم على المفهوم القومي، هذه النهضة التي تقوم على الأمة برمتها يعني أنها أيضاً لا تستثني أحداً من أقصى اليمين الوطني والقومي الديمقراطي إلى أقصى اليسار الوطني والقومي الديموقراطي بحيث أن هذه المصطلحات الإيديولوجية التي كانت فاعلة الآن فقدت مصداقيتها أو على الأقل أرجئت. هذه المصداقية الحامل الاجتماعي للنهضة يأخذ بالجميع بما فيهم الإسلاميون لكن بشرط أن يقرّ الجميع بمفهوم حاسم هو مفهوم التعددية، فالجميع له حق الحضور والفعل السياسي والثقافي في الوطن، والأمر الثاني الذي يمثل شرطاً من شروط هذا النهوض يتمثل في الإجماع على هدف كبير أصبح الآن راهناً هو التأسيس لمشروع عربي يواجه المشروع الصهيوني الأميركي العولمي فهما شرطان إقرار بالتعددية دون استثناء، ثانياً: إجماع على هذا الشرط وبالتالي حيثما تقرر مثل هذين الأمرين فإن كثيراً من المقدمات والمفاهيم تتساقط منها مفهوم الحزب الواحد ومفهوم القائد الواحد ومفهوم الرأي الواحد، والإعلام الواحد، إذن نحن أمام استحقاقات مرحلة جديدة قد نقول إنها مرحلة تاريخية جديدة في التاريخ العربي، مرحلة لم تعد الأدوات المعرفية والسياسية القديمة مهيمنة عليها كما أنها لم تعد تحمل شيئا من المصداقية، لقد تفككت وأفسحت الطريق أمام ما علينا أن ننتجه وفي ظني أهم ما علينا أن ننتجه هو مفهوم النهضة بآلياته وأدواته، باستحقاقاته، برهاناته، بإمكاناته، وهذا ما ينبغي أن يُشغل عليه بصورة مكثفة، ولكن مع هذا نلاحظ أن الاستبداد مازال قائماً مما يشير إلى أن الإنتاج المعرفي لإدراك هذه المفاهيم ولإنتاج منظومات مفاهيمية جديدة هو نفسه مازال متعسراً ولذلك فالإشكال مازال قائما. الداخل مُنهك ومخترق ومستباح والخارج لا يقبل إلا الجميع فما الفعل؟ في ظني مازال الحلُّ محتملاً فالتاريخ لا يغلق، ولا يوجد شيء يمكن أن نعتبره منتهياً لأن كل شيء قابل للاختراق وبالتالي نستطيع أن نفتح التاريخ إنما عبر التأسيس لمشروع جديد، مشروع نهضوي عربي جديد. من هنا يأتي مفهوم النهضة الآن مختلفاً عن مفهوم النهضة كما طرح في القرن التاسع عشر خصوصاً أنه مفهوم جديد يؤسس لمرحلة جديدة تقوم بخاصة على ما علينا أن ننجزه الآن، لأننا إن لم ننجزه الآن لن نستطيع أن ننجزه غداً. النظام العالمي الجديد رفع مشكلات العالم إلى سقفها، فإما أن نفعل شيئاً وإما أن لا تتاح لنا إمكانية إنجاز هذا الشيء، الإشكال الكبير للمرحلة الراهنة إذن يكمن في هذه النقطة ليس لدينا تراكم تاريخي، الخارج يتدفق باتجاهنا، النظام السياسي العربي يرفض الإستقواء بشعوبه، وبالتالي لا بد من عمل مدني أهلي، الكفاح من أجل تأسيس مؤسسات أهلية تستطيع أن تقوم بعبء هائل كبير وهذا من شأنه أن يفتح الأبواب أمام نافذة جديدة نستطيع أن نراهن عليها بالرغم من أن النظم العربية ترفض ذلك وفي هذا السياق أقول: إن هناك احتمالاً لطرح مقولة جديدة على النظام السياسي وهي المصالحة الوطنية، وكل نظام سياسي عربي الآن يوجد أمامه مطروح أمامه اليوم استحقاق المصالحة الوطنية.