العدد 12131 الإثنين 22 رمضان 1429هـ - 22 سبتمبر 2008

 
الصفحة الرئيسية » وجهات نظر » مقالات أخرى
 
بحث متقدم »
وجهات نظر
 
إرسال إرسال طباعة طباعة تصغير حجم الخط تكبير
د. طيب تيزيني
عن الكاتب
أرشيف الكاتب أضغط هنا
   
د. طيب تيزيني
حوار حول النهضة

جاءت ندوة الإسكندرية، التي دعت إليها "الجمعية الفلسفية المصرية" مع المعهد السويدي بالاسكندرية على مدى يومي التاسع عشر والعشرين من هذا الشهر، لتكرس مع غيرها تقليداً أكاديمياً في الحياة الفكرية العلمية العربية، قلّما جرى الإنتباه إليه بجدية منذ إخفاق النهضة العربية الحديثة في القرن التاسع عشر؛ خصوصاً أنه ظل يمثل مبادرات فردية لم تُفض إلى "حالة مجتمعية راسخة". ولمّا كان قد تقرّر أن يكون إنتاجنا الفكري والفلسفي محور الحوار في هذه الندوة قبل ثلاثة أشهر تقريباً، فإن المحاضرات والمداخلات والمناقشات، التي قدمها رهط من أساتذة الفلسفة والسوسيولوجيا والمفكرين (كان عددهم 123 )، تناولت الموضوعات والمسائل والمعضلات، التي بحثنا فيها ضمن كتاباتنا منذ بواكير ثمانينيات القرن المنصرم.


ومع ذلك، فقد سارت الجلسات البحثية الحوارية في ضوء التركيز على عدد من أعمالنا، خصوصاً منها "من التراث إلى الثورة"، "حول نظرية مُقترحة في قضية التراث العربي"، و"الفكر العربي في بواكيره وآفاقه الأولى"، و"من اللاهوت إلى الفلسفة العربية الوسيطة". ولعل ما لفت انتباه عدد من الأساتذة الزملاء، ما جاء في مقدمة أوّلية طرحناها عليهم وجاء فيها أن الكتاب الأول مِمّا ورد ذكره فوق وهو "من التراث إلى الثورة"، يجري التدقيق فيه مجدَّاً (ربما خصوصاً مع نشأة النظام العالمي الجديد في آخر عقد من القرن العشرين)، وأن هذا التدقيق يطال عنوانه الرئيسي إضافة إلى حيثياته النظرية المركزية، بحيث يغدو:"من التراث إلى النهضة". وكان ذلك بمثابة ضبط قسط أولي من الحوار حول "النهضة والتنوير والتقدم والحداثة" في الفكر العربي ومن هنا، برزت أهمية ذلك وراهنيته.


كان السؤال المركزي، الذي طرح نفسه في هذا السياق وفي سياق الانكسارات والهزات والاضطرابات، التي تتعاظم في الواقع العربي، قد أفصح عن نفسه بصيغتين، ومن ثم بلساني باحثيْن ضمن الندوة، أما الصيغة الأولًى فأتت على النحو التالي:


هل جاء العنوان الأول للكتاب تعبيراً عن استحقاق "ثوري" حقيقي في مرحلة السبعينيات العربية، أم انجراراً إيديولوجياً مع حالة أعتقد عربياً أنها تتطلب مشروعاً ثورياً، وهي لم تكن كذلك؟ لكن الصغة الثانية أتت كأنها نقد


"لتلك الأولى ونقض: لماذا التخلي عن مفهوم "الثورة" وعن "قضيتها"، والعالم يعاني راهناً من أحوال لم يعش مثيلاً لها؟ وقد جاءت صيغتان اثنتان آخريان للسؤال المركزي المذكور، لتتناولا المسألة من وجه آخر، هو النهضة، أما أولاهما فتأتي كما يلي: هل من الصواب الاعتقاد بأن إخفاق "النهضة العربية الأولى" في القرن التاسع عشر خصوصاً، يسوغ النكوص عنها في مرحلة تالية أخري؟ وتفصح ثانيتهما عن نفسها بالتعبير التالي: إذا كانت النهضة التي تطرحها (والسؤال كان وجه إلي) تقتضي بالاقرار بأن حاملها الاجتماعي يشتمل على الأطياف الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية كلها في المجتمع أو في المجتمعات العربية، فكيف يمكن تسويغ إدخال الفئات والمجموعات السياسية والأيديولوجية الإسلامية في هذا الحامل؟


والحق، إن ذينك السؤالين بالصيغ الأربع التي يتجليان فيها، يمتلكان مشروعيتهما المعرفية والأيديولوجية السياسية، وعلى الأقل، يصح القول بهذه المشروعية بسبب من مطلب القيام بمراجعة شاملة لمنظوماتنا المفاهيمية النظرية والسياسية والقيمية وغيرها، تلك المراجعة التي أضحت واحداً من الاستحقاقات الكبرى، التي تطرح نفسها على الفكر العربي بكل أنساقه. وربما كان أحد أوجه الاشكالية في مطلب المراجعة المذكورة يتجسد في أن هذه الأخيرة تفرض نفسها والجميع تحت قبضة الأحداث الكبرى في العراق وفلسطين ولبنان وسوريا وغيرها. في مثل هذه الحال، غالباً ما يفصح الخطاب السياسي والأيديولوجي عن نفسه بل كذلك الانتاج المعرفي، تحت وطأة نزوع إلى تجييش المواقف والبشر والسياسات التي يطبقونها. ومن شأن هنا أن يخدش، بعمق، القراءات التي تتجه إلى فهم تلك الأحداث؛ ناهيك عن الاضطراب الذي ينتج عن اقتحام الخارج العالمي للداخل أو الدواخل العربية.


أمام هذه الصعوبات العميقة، كان على المتحاورين في ندوة الاسكندرية أن يعمقوا حوارهم تدقيقاً وتعديلاً وتصويباً. وقد بدا لدى الجميع إقتناعٌ شبه كامل بأن إعادة قراءة الاحتمالات النهضوية في الفكر العربي الراهن، تمثل حداً أدنى من الاستحقاقات العربية. وفي هذا وذاك، كنا قد أطلقنا الرأي بأننا إذا شككنا في مصداقية طرح مشروع للثورة في المجتمعات أو بعض المجتمعات العربية في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن المنصرم، فإننا نرى أن التحدث عن مشروع نهضوي راهناً، أمر يملك من المصداقية ما يجعله ذا أهمية حاسمة. ذلك لأن حاملاً اجتماعياً لهذا المشروع يمتد من أقصى "اليمين" الوطني والقومي الديمقراطي إلى أقصى "اليسار" الوطني والقومي الديمقراطي، مما يعني ضمناً وعلناً إدماج الجميع في هذا العمل، فاشكالية الوضعية العربية الراهنة هي من العمق والشمول ما يستدعي انخراط الجميع. لقد كانت ندوة الاسكندرية إشارة دالة على حاجة المثقفين والباحثين والمفكرين العرب إلى متنفس لهم ثقافياً وفكرياً وفلسفياً، وكذلك سياسياً وفي هذا بداية جادة وضرورية لنشاط تنويري مكثف·



 
تعليق تعليق مفكرتي مفكرتي أرشيفي أرشيفي مفضلة مفضلة عودة عودة
الأكثر إرسالاً
الأكثر مشاهدة
 
أخبار ذات صلة
     
    صفحات متخصصة
    أعمدة
    كاريكاتير
    استمع للإذاعة
    اشترك معنا