Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 باحثون عرب... نهضة الشرق تبدأ بفك تحيزات الغرب

 

 إسلام أونلاين

 1 مارس 2007

شيرين حامد فهمي

هل يمكن أن يصير "التحيز" ذا دلالة إيجابية؟ أم أنه محصور دومًا في الدلالات السلبية؟ وما هو الخط الفاصل بين التحيز الإيجابي وبين التحيز السلبي؟.

وكيف يمكن أن نخلق مفهوم جديد للتحيز يصب في مصلحة الأمة العربية والإسلامية؟.

حول تلك الأسئلة، عقد "برنامج حوار الحضارات" بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة مؤتمرًا دوليًّا تحت عنوان "حوار الحضارات والمسارات المتنوعة للمعرفة"، والذي امتد طيلة أربعة أيام، من 10 إلى 13 فبراير 2007، وشارك فيه قُرابة 90 باحثًا عربيّا، من مختلف الدول العربية.

ناقشت البحوث المُقدمة سبل الوصول لمنظور جديد لمفهوم "التحيز"؛ يتلخص في كلماتٍ معدودة، وهي: أن تبدأ الأمة وبجديَّة في التحيُّز لثقافتها وحضارتها، متخذةً ذلك طريقًا للإصلاح والنهضة والاستقلالية، ولن يتأتى ذلك، كما أجمع الباحثون المشاركون، إلا بالكشف أولاً عن مصادر ومكامن التحيز "السلبية" التي ناقضت الثقافة والحضارة الإسلاميتين، فأضرَّت بهما وأضرت بمن يحملهما. تلك المصادر والمكامن التي كان منشأها الغرب، فتلقفها الشرق كأنها مقدس، وأسقطها على واقعه بدون تدبر أو تفكر.

وتعكس البحوث المُقدمة للمؤتمر أنواعًا شتى من تلك التحيزات السلبية الغربية في مختلف المجالات العلمية: في علم السياسة، في علم الاقتصاد والتنمية، في اللغة والأدب، في الفكر والفلسفة، في التاريخ وخرائط الواقع، في الفن والمعمار، في علم النفس، في علم العلاقات الدولية. وهي التحيزات التي صنعها الغرب لكي تلاءم منظومته المادية البحتة التي تختلف كل الاختلاف عن المنظومة الإسلامية الموازنة بين المادة والروح، وهي أيضا التي يعتبرها الغرب الطريق الأمثل والأوحد للتقدم والتنمية.

مجابهة التحيزالسلبي

وقبل التطرق إلى تلك التحيزات السلبية، يمكن الإشارة أولا إلى المبادرات الفكرية - سواءً من الغرب أو الشرق - التي سعت إلى محاصرة تلك التحيزات السلبية المنطلقة أساسًا من فكرة المركزية الغربية القائمة على نظرة الاستعلاء تجاه جميع الثقافات غير الغربية. وقد تحدث باحثو المؤتمر عن تلك المبادرات؛ فمنها المبادرة الألمانية لتدشين "فلسفة التثاقف" القائمة على تقليص الهيمنة المركزية للفلسفة الغربية، وفتح المجال لفلسفات أخرى (الهندية والصينية والعربية الإسلامية)؛ وهي المبادرة التي أفضت إلى إنشاء "الجمعية العالمية لفلسفة التثاقف" في بداية التسعينيات من القرن الماضي. ومنها مبادرة المفكر الأمريكي "ليوشتراوس" الذي انتقد فلسفة الحداثة الغربية، محاولا الجمع بين الفلسفتين الإسلامية واليونانية؛ ومنها مبادرة المفكر الإيراني "د. أحمد فديد" الذي حذر من التمركز حول الفلسفة الغربية؛ ومنها مبادرة المفكر التونسي "د. محمود الذوادي" الذي طرح مقاربة عربية إسلامية حول مركزية الثقافة في هوية الإنسان، وتحدي فكرة الإنسان الآلة، مناقضًا بذلك الفلسفة الغربية التي تعتبر المادة المركز الأساسي في هوية الإنسان.

والحقيقة، أن قائمة المجابهين لتلك التحيزات السلبية الغربية لم تنته بعد؛ فهي قائمة طويلة، إلا أنها غير مرئية، ولا يكترث الغربيون بها لأنها لا تتلاقى مع مصالح القوى الكبرى.

فهناك "هابرماس" و"هايديجر" من ألمانيا؛ و"ميشيل فوكو" من فرنسا؛ و"ميري دوجلاس" من الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك كتاب "التحليل الثقافي" الذي صدر بعد حرب العراق 2003، والذي ألفه كل من "هابرماس" و"فوكو" و"دوجلاس"، مؤكدين على أهمية وحتمية المنهجية الثقافية في تحليل الظواهر الدولية، مشيرين إلى أن المنهج السياسي التقليدي الغربي لم يعد كافيًا.

والسؤال المطروح الآن: ما هي تلك التحيزات السلبية الغربية؟ وكيف نستطيع أن نستخرجها من مختلف المجالات؟.

 لقد حاول باحثو المؤتمر الرد على ذلك السؤال عبر بحوثهم المختلفة، واتفقوا على رأي واحد، وهو أن هناك تحيز غربي واضح في شتى صنوف العلم والمعرفة ضد الثقافة الإسلامية، مما يبعث على التيقظ والانتباه والقلق لدى كل قارئ عربي مسلم؛ فلا يستسلم لكل ما يُسلم إليه من علم ومعرفة ومعلومات، بل يفكر ويُمحص ويزن ما يُعرض عليه، لاسيما في ظل عصر المعلومات الذي تنهار فيه المعلومات كسيلٍ جارف، لا يُعرف أوله من آخره.

ونظرًا لكثرة التحيزات الغربية في شتى صنوف العلم والمعرفة، والتي لا يتسع لها هذا المقال، يمكن تناول بعض مظاهر التحيز الغربي  في ثلاثة مجالات فقط؛ هي: العلم كمنظور عام؛ وعلم السياسة؛ وعلم الاقتصاد.

العلم.. التحيز للموضوعية المطلقة

ارتكز مفهوم "العلم" في مدارس الغرب على الموضوعية المطلقة والمنهجية العلمية الحتمية، وتحيز المفكرون الغربيون لهذا المفهوم وسعوا لفرضه على جميع الثقافات، ومنها الثقافة الإسلامية التي تؤمن، على عكس الثقافة الغربية، بالموضوعية النسبية والغيب المطلق. فإذا كان العلم لدى الإنسان الغربي مشروطًا بالموضوعية المطلقة، فإنه مشروط لدى الإنسان المسلم بالإيمان؛ الإيمان بالله واليوم الآخر، كما أفاد "د. أبو يعرب المرزوقي"، أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة تونس. وهو صاحب البحث المُقدم تحت اسم "بين التعين والتحيز: مقاصد المعرفة ومستويات الوجود".

ومن مظاهرالتحيز الغربي في العلم، ربطه بالأيديولوجيات، كما أكدت الباحثة الجزائرية "د. فاطمة الزهراء كفيف"، صاحبة البحث المُقدم تحت اسم "الطبيعة الأيديولوجية للعلم الغربي". وتعطي الباحثة للأيديولوجيات الدور المركزي في انتقاء الحقول العلمية، وتحريض البحث العلمي، معتبرةً أن التطوير المعرفي لا يأتي من داخل النسق المعرفي وإنما يأتي من خارجه؛ فهو يأتي من الأيديولوجيات المتجسدة في السياسات العليا. وتعطي الباحثة أمثلةً على ذلك؛ منها تطور العلوم الفيزيائية في القرن العشرين نتيجةً لسياسات الحرب الباردة، وتخلص في نهاية بحثها، إلى أنه من السذاجة القول بأن العلم الغربي مستقل عن السياسة، أو أنه مجرد منظومة معرفية بحتة؛ بل إنه علم ذو علاقة تطورية مع الأيديولوجيات؛ تطور في المخابر العسكرية أكثر من تطوره في الأكاديميات ومراكز الدراسات؛ وهو ما يُدحض فكرة "الموضوعية المطلقة" التي استند إليها الفكر الغربي في تفسير مفهوم العلم.

وكانت نتيجة ذلك الطابع الأيديولوجي للعلم الغربي، كما توضح الباحثة الأردنية "د. فاطمة الصمادي"، في بحثها المُقدم تحت عنوان "التحيزات المعرفية في الدراسات النسوية حول المرأة المسلمة: بناء نموذج تفسيري مغاير"، أن تم "توجيه" الأمة الإسلامية إلى ما تتعلمه وما لا يجب أن تتعلمه، واستكان المسلمون لذلك، كما يتضح في انسحاب المفاهيم العلمية الغربية على المناهج التعليمية في الدولة العربية، والتحيز تجاه المفاهيم والرؤى الغربية على حساب المفاهيم والرؤى الإسلامية؛ والتشجيع على الرجوع إلى أصول الفكر الغربي مثل أفلاطون وأرسطو، دون التشجيع على العودة إلى أصول الفكر الإسلامي؛ بل نجد الآن انعكاسًا للدراسات "النسوية" ما بعد الحداثية على المناهج التعليمية العربية، ولا تلتفت الحكومات العربية لكافة هذه الظواهر السلبية.

علم السياسة.. التحيز للدولة نموذجا

من أبرزمظاهر التحيز الغربي في علم السياسة هو التحيز لمفهوم الدولة، فقد نظرت العلوم السياسية الليبرالية الغربية إلى الدولة باعتبارها الأم والأب، بينما وضعت الأسرة على الهامش. وكما أكدت "هبة رءوف عزت" المدرس المساعد بكلية الاقتصاد، في بحثها المُقدم حول "التحيز لفكرة الدولة في تعريف السياسة في الخطاب المعاصر: رؤية من قلب فضاء النظرية السياسية"، فإن الدولة كانت - ولا تزال - تُمثل "الكعبة" في دوائر الفكر الغربي، وكذلك في الفكر العربي الذي تشرب الفكر الغربي حتى النخاع. وعلى الرغم من تركيز الثقافة الإسلامية على الأمة قبل الدولة، واختلاف منطق الدولة القومية الغربية عن منطق الدولة الإسلامية، فقد قامت الدول العربية الحديثة بنقل ذلك التحيز الغربي تجاه الدولة بحذافيره، دون أدنى تمييز.

وبذلك، تغلغلت فكرة القومية الغربية في المجتمعات المسلمة؛ وتجذرت فكرة المواطنة "القومية" دون النظر إلى الولاءات الثقافية والعرقية والدينية، وبات الهيكل الحداثي البرجماتي للدولة القومية هو المثال الذي يُقتدى به من جانب العرب والمسلمين، حتى أن بعض الإسلاميين وقع في هذا الفخ، لدى حديثهم عن "أسلمة" أو "تحجيب" الدولة القومية، دون النظر إلى الهيكل الحداثي البرجماتي الغربي لتلك الدولة.

ملخص القول، إن انسياق الدولة العربية الحديثة على مدى ستة عقود نحو التحيز الغربي لمفهوم الدولة أفضى إلى الإضرار بالمجتمعات العربية، ومنعها من التعمير والعمران؛ بل وانحيازها نهايةً ضد الذات الحضارية الإسلامية التي تُعلي من قيمة الأمة فوق قيمة الدولة، والتي تُعلي من قيمة الإنسان فوق قيمة المادة.

وقد أوضح ذلك "د. إبراهيم البيومي غانم" في بحثه المُقدم تحت عنوان "سياسات الدولة العربية الحديثة تجاه نظام الأوقاف: نموذج للتحيز ضد الذات"؛ فأعطى مثلًا واضحًا عن مدى تحيز الدولة العربية الحديثة ضد نظام الأوقاف المنبثق عن منظومة قيمية عقائدية إسلامية. ذلك النظام الذي كان مصدر قوة للمجتمعات العربية؛ لأنه كان يخدم الإنسان ولا يخدم دورة رأس المال؛ ويقدم عمرانًا حقيقيًا ونهضةً. لقد تمت السيطرة الشاملة على ذلك الموروث الحضاري الإسلامي إما عن طريق سياسة الإلغاء الجزئي أو عن طريق التصفية الشاملة، جملةً وتفصيلًا، مثل ما فعلت الدولة التونسية، وتم استبدال نظام الوقف بوزارات الشئون الاجتماعية التي تمثل صوت أو بوق الحداثة ضد أي موروث حضاري إسلامي، ونتج عن ذلك، حدوث فراغ واضح في تمويل المجتمعات المدنية العربية، مما أفسح الطريق للمؤسسات غير الحكومية الغربية التي لا تقدم إلا عملًا "خيريًا" مختزلًا ومشوهًا، بعيدًا كل البعد عن النهضة والعمران. وهو أمر بديهي ومتوقع؛ فالعمل "الخيري" في المنظومة الغربية لا يمكن قراءته خارج قوانين الضرائب ودورة رأس المال؛ ومن ثم فهو ليس لديه أي علاقة بإنهاض الإنسان وتعمير الأرض.

علم الاقتصاد.. التحيز للمصالح

المنظومة الاقتصادية المتحيزة كانت من ضمن الموضوعات التي طُرحت في المؤتمر، والتي قُدمت حولها عدة بحوث؛ تناولت في مُجملها مظاهر التحيز المتمركز حول الذات الغربية، والرافض لجميع الخصوصيات الثقافية الأخرى. فقد تحدث "د. رفعت علوشة" في بحثه "علم الاقتصاد وأيديولوجية التحيز: الصورة العمياء" عن التحيز النمطي الغربي - المتواجد في الأدبيات الاقتصادية - ضد الفلاح المصري باعتباره فلاحًا متخلفًا؛ كما تحدث عن تحيز الأدبيات الاقتصادية الغربية ضد أي تنمية ذاتية تناهض المفهوم الغربي للتنمية. ويرى علوشة  أن علم الاقتصاد الغربي يحجب الواقع ويعميه، فمثلا يقصر الفقر على مفهومه المادي، دون النظر إلى أنواع أخرى من الفقر قد تصيب المجتمعات الإنسانية في مقتل؛ منها الفقر السيكولوجي، والفقر الانتحاري، والفقر القيمي. بمعنى آخر، هذه الأنواع الأخرى من الفقر التي تهدد بانهيار المنظومة الاجتماعية لا ترد في علم الاقتصاد، وهو ما يرجعنا مرة أخرى إلى تمركز الفلسفة الغربية حول المادي لظاهر، وتجاهل غير المادي رغم أهميته.

ومن مظاهرتحيز المنظومة الاقتصادية الغربية، تدشين مصطلحات وأفكار لا تعبر عن الحقيقة، فكما يقول "د. جلال أمين"، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن فكرة "العرض والطلب" مثلا ليست إلا خرافة، دشنها علم الاقتصاد الغربي ليُخفي حقيقة ما تفعله القوى الكبرى التي تلعب الدور الأول والأخير في تحريك العرض والطلب، وكذلك فكرة "الدول المتقدمة والدول المتأخرة"، فهي أيضًا خُرافة تستهدف التعتيم على حقيقة تحكم القوى الكبرى في إنهاض وتأخير الدول، وهو ما يدل على عدم حيادية أو موضوعية المنظومة المعرفية الغربية.

وهناك كذلك تحيز في مجال ممارسة الاقتصاد ذاته؛ وهو ما تناوله الباحث "عمرو كمال حمودة" في بحثه حول "ألوان من التحيز.. تطبيق عملي على التحيز في مجال الطاقة"، فمن أبرز تجليات التحيز في مجال الطاقة، أن يتم ربط أسعار النفط - في جميع الدول النفطية - وفقًا لخام "برينت"، وهذا فيه ظلم كبير لما تنتجه الدول النفطية العربية يوميًا من النفط. فالسعودية تنتج ما يقرب من 10 إلى 12 مليون برميل يوميًا؛ والكويت تنتج 3 ملايين برميل؛ والعراق تنتج 4 ملايين برميل، وربط السعر بهذا المعيار يصب في مصلحة الولايات المتحدة التي تشتري 15 مليون برميل يوميًا؛ ومن ثم، تُجبر جميع الدول النفطية - التي معظمها عربية - على الانصياع إلى خام "برينت"، والتسعير وفق البورصات العالمية (بورصة نيويورك/ بورصة لندن/ بورصة طوكيو) وكلها تتحكم فيها كبرى الشركات النفطية الغربية مثل "شيفرون" و"إيكسون".

كيف نتحيز إيجابيًا؟

إن النهضة في البلدان العربية مشروطة بفك رموز التحيزات الغربية في شتى صنوف العلم والمعرفة، ولن تحدث نهضة في الشرق إلا عبر كشف تحيزات الغرب، وهو الأمر الذي يتطلب دورًا كفاحيًا للعلم، وأفكارًا تحررية، لإخراج هذه الأمة من عتمة تلك التحيزات الغربية المتراكمة؛ فتُنفضها عنها لتبدأ مرحلةً جديدةً من التحيز الإيجابي لذاتها وثقافتها وحضارتها.

وقد اجتمع باحثو المؤتمر على فكرة "التحيز الإيجابي"، وإن كانوا قد عبروا عنها بطرقٍ مختلفة. فقد تحدث الكاتب السعودي "عبد الله البريدي" عن "الأنَفَة الثقافية"، وضرورة طرحها على المجتمعات العربية؛ لأن المجتمعات الأكثر ذكاءً هي التي تنحاز إلى تراثها وثقافتها، وأن المجتمعات الأقل ذكاءً هي التي تنحاز إلى تراث وثقافة غيرها. وطالبت الباحثة الجزائرية "جويدة غانم" إلى إزاحة الغرب عن مركزيته والإعلان عن محدوديته. ودعا "د. جلال أمين" إلى الخروج من فخ "التنمية"، الذي يرتكز على البعد الكمي فقط، والتحيز إلى التنمية الذاتية التي لا تنظر إلى كم الاستثمارات الأجنبية، ولكن تنظر إلى تحقيق قيم مجتمعاتنا العربية المسلمة، وإلى تحريرها قبل كل شيء، لأن التنمية الحقيقية لا تقوم إلا على أكتاف الأحرار.

وكذلك كانت الدعوة إلى الانحياز لمنطق الدولة الإسلامية بعد التخلص من الهيكل الحداثي البرجماتي للدولة القومية، كما أشارت "هبة رءوف عزت"؛ والدعوة إلى الانحياز لمقياس الفساد في ظل التراث الإسلامي بدلا من الانحياز لقياسه تبعًا لمنظومة الشفافية الدولية، كما دعا "د. سيف الدين عبد الفتاح"؛ أستاذ النظرية السياسية إلى الانحياز لمعرفة مجتمعاتنا المقاومة، بدلا من الانحياز لمجتمع المعرفة الذي فشل في تحقيق التواصل المنشود، والذي "نجح" في إغراق المجتمعات العربية في طوفان من الفوضى المفاهيمية والمعلوماتية والاغتراب الفكري؛ كما دعا الباحثة الجزائرية "د.ملكية آخام" إلى الانحياز للغة العربية وإعادتها إلى مناهج التعليم الجزائري، فتلكم شرعية تاريخية، تقضي على حالة اللاأمن اللغوي المستشرية في المنطقة العربية.

أخيرا فإن الخروج من شراك المفاهيم الغربية التي بلورت عقولنا وأفكارنا، على امتداد عقود طويلة ومديدة، يحتاج إلى مراجعة مـتأنية نقدية واعية لتلك المفاهيم؛ وهو الأمر الذي يتطلب جيشًا جرارًا من المفكرين، الذين يدركون الوظيفة الكفاحية للعلم، ويتفهمون ضرورة "التواصي بالحق" في الاجتهاد العلمي، من أجل التغيير والإصلاح.