Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حافظ الجمالي وزير التربية السوري السابق
الحرية سبيل الفكر العربي للخروج من التخلف!

 

 

 

دمشق - وحيد تاجا

      الدكتور حافظ الجمالي من مواليد مدينة حمص السورية 1917 درس الفلسفة في فرنسا. وحصل على درجة الدكتوراه في علم نفس الطفل.. شغل مناصب عدة، حيث عمل مدرسًا في كلية التربية في جامعة دمشق. وسفيرًا لسوريا في كل من الخرطوم وإيطاليا. كما أصبح وزير للتربية، ثم رئيسًا لاتحاد الكُتّاب العرب. كتب المقالات والدراسات حول الواقع العربي وآفاقه المستقبلية.

التقينا الدكتور حافظ الجمالي ودار حوار حول الخطاب العربي المعاصر. وعن أسباب التخلف في المجتمعات العربية. وعن إمكانية تطوير الشخصية العربية في محاولة جادة للوصول إلى إبداع حضاري عربي جديد. وتطرق الحوار إلى آفاق الصراع العربي - الإسرائيلي وإلى النظام الدولي الجديد.

كثر الحديث مؤخرًا عن الخطاب الفكري العربي المعاصر في ظل المتغيرات الدولية وما سمي بالنظام الدولي الجديد.. السؤال هو: كيف تنظرون إلى هذه المتغيرات، وأين موقع الخطاب الفكري العربي الآن؟
ما حدث بعد انهيار الاتحاد السوفيتي شيء هام جدًا، وبصورة خاصة عندما تقف دولة واحدة هي الولايات المتحدة على رأس النظام العالمي، وتكون مصالحها الذاتية، وشعورها بأنها المسئولة عن ضبط أجزاء العالم كلها في الحدود التي رسمتها لها مصالحها، وعن طريق قوتها وحدها. ومع أن هذا التغيير يؤثر في العالم كله، ولا سيما في العالم الثالث، فإن بكارة التأثير الأولى هي الوطن العربي بسبب الثروة النفطية من جهة، وخوفًا على إسرائيل -الغالبة- من جهة أخرى، وهذا يعني أن دول العالم كلها تقع الآن تحت الانتداب الأمريكي، أو الوصاية الأمريكية، لا يستثنى من ذلك أحد. وبطبيعة الحال فإنه لا توجد دولة كبرى تخشى حقًا أن يستولي عليها الأمريكيون.
أما العرب فإن في وسع أمريكا أن تفرض عليهم جميعًا، دولة بعد دولة، إرادتها حتى ولو لم تحتل الأراضي احتلالاً فعلياً، وسيتم ذلك لا بإرادة أمريكية وحيدة الجانب، بل بمباركة فعلية من الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وما يشاء الإنسان من مؤسسات دولية، وليس الأمر خاصًا بالعرب وحدهم، بل بالمسلمين جميعًا، بمعنى آخر أستطيع القول: إن الحروب الصليبية لم تنته، ولو تزينت بألف ثوب تنكري.

والآن أين موقع الخطاب الفكري العربي، مما ذكرت من أحداث وتسلط؟!.
- إن الجواب على هذا السؤال لا يجهله أحد، المفكرون العرب الآن من أي مذهب كانوا يعرفون ما تقول، ويدركون خطره ويكتبون، وقد أصبح من بدهيات الأمور عندهم أن حياة العرب في المستقبل متعلقة بوحدتهم أولا، وبنظام الحكم لديهم، أي بالنظام الديمقراطي الذي يضمن حرية التعبير، وحرية الأحزاب، وحرية المعارضة، ولا يقف عند التعددية الشكلية التي ينشئها هو بنفسه، ظنًا منه أنه يضاعف بها قواه على المواطنين طبعًا، لا على إسرائيل ولا على أعداء البلاد.

تحدثتم في كتابكم "بين التخلف والحضارة" عن أسباب التخلف، وقلتم إنها تعود إلى نفسية العربي نفسها أي إلى فرديته الطاغية، فهل ترون أن هناك إمكانية لتطوير الشخصية العربية؟
- أذكر بداية أني أبحث عن أسباب التخلف غير الاقتصادية، ومعنى ذلك أني أسلم مباشرة بتأثير العامل الاقتصادي، لكني لا أقف عنده، أي أنه ليس كل شيء، بصورة أدق فأنا أبحث عن أسباب التخلف التي تعود إلى غير العامل الاقتصادي، وغير العامل الجغرافي وغير العامل الخارجي كعدوان القوى الأخرى المعادية مثلاً، أو التناقض مع الأمم الأخرى ومع مطامعها فينا على الأقل. وقد وجدت من المناسب الإلحاح على العامل النفسي، ورأيت بعد طول الدرس أنها فردية العربي، أي حرصه على ذاته، وإعلائها على كل شيء آخر. واعتبارها مطلقًا لا نسبية فيه.
 
لكن الفردية تستتبع أشياء أخرى إلى جانبها، كضعف "الحس الواقعي" والعيش في اللحظة الحاضرة، وضيق الأفق الزماني، وهلامية مقولة المكان؟.
- ليست الفردية مجرد تأليه للذات بل هي عبادة للحاضر وتعامٍ عن المستقبل وحل الترابط الطبيعي القائم بين الماضي والحاضر والمستقبل، ولكنها ليست هذا فقط، بل هي ذهول عن المكان والزمان جملة، ودليل ذلك أن أكثر مدننا تعيش بلا أسماء رسمية للشوارع، ولا أرقام لأبنيتها، ولا خرائط تهدي العيون إلى سلامة السير فيها، وينطبق هذا على الزمان بصورة مماثلة، وذلك أنه قلما وجد في الماضي إنسان عظيم نعرف بالضبط تاريخ ولادته، أما تاريخ وفاته فمعروف؛ فكيف تكون الحال مع الناس؟! ولهذا أقول: إن العربي يعيش على بعد ما بين السماء والأرض فلا هو في هذه ولا هو في تلك، بل بين بين، لكن الواقع يلزمنا بالالتصاق بالأرض، مهتدين فيها بقوانين السماء.

ولكنك لم تتحدث عن إمكانية تطوير الشخصية العربية!.
- لا شك في إمكانية تطوير الشخصية العربية، لأن الفردية التي نشكو منها وليدة ظروف الحكم الظالم والقمع الدائم؛ اللذين يجعلان الإنسان يشعر أن وجوده كله هو وجود لحمه على عظمه، لأنه غير موعود بأي ارتقاء مثالي آخر، فإذا ما أصبح الحكم ديمقراطيًا، وانفتح الطريق أمام الناس لاعتناق قيم مثالية، فما أسهل أن تغير الفردية لبوسها شبه العضوي، لترتدي ثوب القيم التي تخدم الجماعة، وترقى بالشخصية التي تحمل هذه القيم، ولئن طال الزمان على الإنسان العربي، ذلك الزمان الذي لم يكن له هدف أكبر من بقاء اللحم على العظم، فإن تغير الأهداف، وانفتاح آفاقها، ونمو تربية موازية. لهذا كله، كل ذلك يجعل هذا الإنسان سرعان ما يطور فرديته باتحاد مثالي، بدلاً من أن يستبينها في حمأة الفردية العضوية.
وعلى ذلك فإن السبيل إلى قيام نهضة، أو إبداع حضاري واضح جدًا، هو طريق الحرية والقضاء على مختلف صور الكبت والأذى، فيما يتصل بحرية الفكر وحرية التعبير.

ا
لاستعمار دائمًا -كما في حرب الخليج مؤخرًا- أصبح مثل الشماعة التي تعلق عليها الانكسارات أو الهزائم جميعها؟ فهل يصح القول: إن الاستعمار وحده هو سبب بلائنا وتخلفنا ومصائبنا؟.
- هذا صحيح، إن حرب الخليج والاستعمار استخدمتا لتبرير كل النكسات، لكني أفترض لو أن قوة الكويت انضافت إلى قوة العراق واستخدمت لإنجاز برامج التسلح العراقية، ترى ما ستكون النتيجة؟
إن أقصى التفاؤل يقضي علينا بالقول: إن العرب كانوا على وشك أن يحلوا مشكلة إسرائيل، وأن يمضوا في ذلك إلى تحقيق وحدتهم، والآن أيمكن أن تسكت أمريكا والاستعمار جملة عن نجاحنا في التسلح؟ أم أن الغرب سيتحالف مرة أخرى في القضاء علينا وعلى سلاحنا النووي، الضعيف جدًا بالقياس إلى أسلحة الغرب المختلفة؟ ولهذا أعتبر أن خطأ العراق القاتل هو في الهجوم على الكويت.. ولكن العراق لم يخطُ هذه الخطوة لوجه الله. بل إنه استدرج إليها، وأرغم عليها، ولو أنه لم يحتل الكويت لوجدوا ذريعة أخرى للقضاء عليه، لا ريب أن تسلح إسرائيل شيء، وتسلح العرب شيء آخر "وإسرائيل" هي الغرب، ونحن نمثل الشرق والعرب والإسلام وهذا ما لا يستطيع الغرب احتماله. ومن هنا يمكن اعتبار الاستعمار شماعة جديدة في تخلفنا. لكن التخلف الذي نحن فيه لا يُعلَّل كله بالاستعمار. إن جزءاً ما، كبيرًا أيضًا يتعلق بموروثنا العظيم في التخلف. وما كنا فيه من ضعف اقتصادي وضعف صناعي. ولا نزال حتى الآن في هذه النقطة