Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

العولمة قيد العمل في الشرق الأوسط .. تفكيك.. قبل التركيب

 

 

 

Alsorouq_Logo

 

 سعد محيو

جريدة الشروق

  9 فبراير 2010 

 

كيف يمكن فهم التطورات الكبرى والمتلاهثة فى الشرق الأوسط العربى ــ الإسلامى؟ 

المقاربات قد تتعدد بتعدد منابع أصحابها الإديولوجية أو الثقافية. بيد أن ثمة حقيقة لم يعد فى وسع أحد القفز فوقها: الدور الكبير الذى باتت تلعبه «إمبراطورية العولمة» فى إعادة صياغة كل تركيبة النظام العالمى ومعه بقية النظم الإقليمية الفرعية. 

فى أوروبا، وبعدها فى أمريكا الشمالية وجنوب شرق آسيا، أخذ هذا الدور شكل «التركيب» فى أسواق إقليمية كبرى ملائمة للشركات الكبرى متعددة الجنسيات. لكنه فى الشرق الأوسط العربى ــ الإسلامى لم يغادر بعد مرحلة «التفكيك» إلى التركيب. 

وهنا ثمة 4 نصوص قد تؤكد الفرضية بأن عملية تفتيت الأمة العربية إلى طوائف ومذاهب، هى انعكاس لكلٍ من أهداف إمبراطورية العولمة (التفكيك والتركيب) من جهة، كما للخطط الاستراتيجية الغربية ــ الإسرائيلية، من جهة أخرى. 

النص الأول 

(المخطط الإستراتيجى البارز فى البنتاجون توماس بارنيت): 
«إذا فشلت دولة أو منطقة ما فى الانضمام الى العولمة، أو رفضت الكثير من تدفقاتها الثقافية، فإنها ستجد فى نهاية المطاف القوات الأمريكية على أراضيها. إذ إن لدى الولايات المتحدة مسئولية استخدام قوتها الهائلة لجعل العولمة عالمية حقا، وإلا فإن أجزاء من البشرية ستدان بصفتها خارج النظام وستعرّف على أنها عدو. وحالما تحدد الولايات المتحدة أعداءها، فإنها ستشن الحرب عليهم، مطلقة الدمار والقتل، أو الإخضاع عبر تفجير مجتمعاتهم من الداخل لضرب جهاز المناعة والممانعة فيها. 

النص الثانى 

(مارتن كرامر، الباحث فى «مؤسسة واشنطن لدراسات الشرق الأدنى): 
«فى معظم الإمبراطوريات الديناميكية الإسلامية، عقد لواء الحكم للأقليات. والآن، رسالة الدمقرطة (من ديمقراطية) هى أن حكم الأقلية بات من مخلفات الماضى، وهذا سيعنى بالنسبة للشرق أوسطيين تغيّر موازين القوى بين محتلف المجموعات الطائفية والإثنية، وإطاحة هرميات اجتماعية أقيمت قبل ألف عام عبر الصراعات الداخلية. كما أن هذا سيعنى نسف مقومات الدول الراهنة فى المنطقة، وسيكون بالتالى على الولايات المتحدة الاعتراف باستقلالية المجموعات الاجتماعية والدينية والطائفية». 

النص الثالث 

(الباحث الإسرائيلى موشى ماعوز، أيضا من مؤسسة «واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»): 
«الأقليات الدينية والإثنية أثرّت بشكل عميق على التطورات فى الشرق الأوسط طيلة القرنين الماضيين. وما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة هو تشجيع ودعم تشكّل تحالفات طائفية بين هذه الفئات استنادا إلى أنظمة فيدرالية، أى تقسيم الدول العربية والإسلامية الراهنة إلى دويلات طائفية وإثنية». 

النص الرابع 

(الباحث الأمريكى روبرت ساتلوف): 
منطقة الشرق الأوسط الكبير فى حاجة إلى تطبيق نظرية «اللا استقرار البنّاء» أو «الفوضى الخلاقة». وإذا ما عنى ذلك تفجير البنى الاجتماعية العربية الراهنة عبر الحروب الأهلية الطائفية والمذهبية، فليكن». 
هذه النصوص الأربعة تشكّل خريطة طريق متكاملة لمحاولة فهم خلفية التطورات وطبيعة الانفجارات الراهنة فى الشرق الأوسط العربى والإسلامى. نقول فهم التطورات، لا كشفها، لأننا نعتقد أن ما يجرى ليس فى واقعه واحدة من تلك المؤامرات المتلاحقة التى تعرّض إليها العرب منذ سايكس بيكو، ولا هى مجرد تقاطع مصادَفات يمسك بعضها بخناق بعض، بل هى حصيلة تخطيط علمى على أعلى المستويات، هدفه حسم مصير هذه المنطقة الاستراتيجية، فى إطار النظام العالمى الجديد الذى تقوده إمبراطورية العولمة. 

أما التساؤل عن سبب ممارسة التفكيك فى المنطقة العربية لإدماجها فى العولمة، فيما تم تطبيق عملية التركيب فى أوروبا والصين والهند وجنوب شرق آسيا وغيرها، فلهذا سببان: الأول، وجود إسرائيل بما تملكه عبر اليهود الدوليين من نفوذ كبير فى كابينة قيادة العولمة، والثانى، استمرار الاعتراضات العربية ذات العمق الإسلامى على الهيمنة الثقافية والسياسية الشاملة لإمبراطورية العولمة. 

هل يعنى كل ذلك أن مصير الشرق الأوسط العربى ــ الإسلامى التفكيكى الطائفى والإثنى بات محتوما ومختوما بالشمع الأحمر؟ ليس بالضرورة.. ليس تماما.. فلاتزال أمامنا فرصة قد تكون ثمينة ودسمة. 

فقد أطلّ العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين برأسه وهو يحمل فى ثناياه بشائر انقلاب تاريخى كبير فى العلاقات الدولية: صعود الحضارات الآسيوية الشرقية والجنوبية (الصين، الهند، علاوة على اليابان وبقية النمور الآسيوية) إلى قمرة القيادة العالمية. وهذا الحدث الكبير سيحمل قسمات تاريخية فاقعة لثلاثة أسباب متلازمة: 
السبب الأول، هو أن هذه ربما ستكون المرة الأولى فى التاريخ التى يصعد فيها العمالقة الشرقيون الثلاثة الصين واليابان والهند فى وقت واحد، فى حين كان صعود أحدهما فى القرون الماضية يتم على إيقاع هبوط الثانى أو كليهما. 
والثانى، هو أن هذه القيامة الآسيوية، تسجّل عودة الحضارات الشرقية القديمة والعريقة إلى مرحلة الفعل التاريخى، بعد غياب قسرى وعنيف فرضته هيمنة غربية استمرت خمسة قرون. 

والثالث، أن سطوع الشمس الآسيوية مجددا، سيؤدى بعد حين إلى بزوغ نظام عالمى جديد يكون فيه الغرب الأول بين متساوين، وليس الأول للا شىء كما الحال الآن. وهذا التطور بدأ يتبلور بالفعل فى الهزيع الأخير من العام 2009، حين برزت مجموعة العشرين التى تضم مجموعة «البريك» (البرازيل، روسيا، الهند، والصين) وبقية الاقتصادات الجديدة الصاعدة، كبديل دولى عن مجموعة الثمانى الكبار التى يهيمن عليها الغرب، والتى كانت تقود العالم من أذنه. 
هذه المعطيات ستعنى الكثير بالنسبة إلى كلٍ من الحضارة الإسلامية والشرق الأوسط العربي. ذلك أن عودة شمس الشرق الآسيوى، يمكن أن تكون حافزا لاستثارة حراك الحضارة العربية ــ الإسلامية بصفتها آخر الحضارات الشرقية التى لم تنبعث بعد من جديد. هذا إضافة إلى أن انحسار الهيمنة الغربية، سيقلّص حدة المعضلة العربية المُزمنة حول «الصراع ضد الغرب، ومن أجله»، عبر توفير بدائل حداثة شرقية هذه المرة. 

هذه النقطة الأخيرة، أى صعود الشرق الآسيوى وانحسار الغرب الأورو ــ أمريكى، ليست تفصيلا بسيطا، بل هى يمكن أن تُثبت عما قريب أنها الحدث الأضخم فى سيرورة المستقبل العربى والإسلامى. لماذا؟ لأنها تؤكد قاعدة ذهبية لطالما تكررت فصولها فى كل التاريخ: صعود قوة أو حضارة ما، لا يكتمل أو ينجز إلا بسقوط أو تضعضع «الآخر» المنافس أو المضايق لها. 

الصورة هنا تبدو زاهية أكثر فى معظم العالم الإسلامى وداكنة بالنسبة إلى العالم العربى. فالأول برزت فيه دول كتركيا وإيران وماليزيا وإندونيسيا، قطعت شوطا كبيرا فى البناء الذاتى القومى (الدولة ــ الأمة) والاقتصادى ــ التكنولوجى، كما فى الاندماج فى الاقتصاد العالمى.

ومع ذلك، قد لا يكون النفق العربى مظلما إلى هذا الحد. صحيح أن العوامل الذاتية العربية تبدو قاتمة أو على الأقل غامضة الآن، إلا أن تغيّر العوامل الخارجية وحاجة العولمة إلى سوق شرق أوسطى كبير يتكون من 600 مليون مستهلك، قد تُشكل البناء التحتى لمشروع نهوض قومى عربى جديد متحرر من أخطاء الماضى (التخبّط بين أولويتى الحرية والتحرر،والتنمية والوحدة) ومنفتح على معطيات الحاضر (الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والاتحاد الاقتصادى والسياسى). 

الفرصة أمامنا ستتوافر عما قريب.. بقى أن نوفّر نحن لها طاقاتنا بما يتجاوز مرحلة «التفكيك» الراهنة، فنوظفها فى مشروع «تركيب» هدفه اللحاق والالتحاق بركب شمس الشرق الصاعدة.