Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

من يعرقل نمو الفلسفة العربية

 

 

 

الاتحاد الإماراتية

8 يوليو 2007 

خليل على حيدر

عندما تتأمل تاريخ الفلسفة عموماً وتطورها على يد اليونان والرومان وأوروبا الغربية على امتداد قرون مديدة، تجد أنها كانت نتاجاً أوروبياً اختلف منذ البداية عن فكر الشرق في مصر وبلاد الرافدين والهند والصين الذي اصطبغ بالمعطيات الدينية على الدوام، رغم دور فكر المشرق في ظهور الفلسفة اليونانية. أما الفلسفة الحديثة والمعاصرة، فهي في الواقع مشروع فكري محتكر بين ثلاث أمم: الألمان، الإنجليز، والفرنسيين.. إلى جانب إسهامات متفرقة أخرى... بعضها بالطبع في غاية الأهمية.

ومن أغرب ما يلاحظه قارئ الفلسفة في تاريخ نشوئها وارتقائها زوال الدور اليوناني في الفلسفة الحديثة وقلة مساهمة شعوب أوروبا الأخرى في نموها، وأخيراً عدم ارتباط النهضة اليابانية والكورية مثلاً بأي مقدمة فلسفية شاملة مماثلة لدور الفلسفة في أوروبا الغربية بالذات. ولم تستطع الفلسفة أن تكون جزءاً بارزاً أو أساساً ملحوظاً في الحضارة الرومانية، كشأنها في اليونان، كما لم تستطع الفلسفة أن تزدهر في دول كالولايات المتحدة أو كندا أو أستراليا أو بلدان العالم الثالث. ازدهارها في أوروبا ونحن إذ نطالع الصفحات الطوال من تاريخ الفلسفة وتأثيرها في بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وظهور المدارس والفلسفات الأيديولوجية فيها وعدم ظهورها في مناطق أخرى إلا بشكل هامشي أو عدم ظهورها على الإطلاق، لا بد أن نتساءل: لماذا؟ وكيف؟ وما هي العوامل المشجعة وما هي المحبطات؟

ولا مجال هنا لأن نبحث مثل هذه الأمور التاريخية، ويكفي أن نشجع من يرغب في متابعة الموضوع في المكتبات، وننتقل هنا إلى بحث للدكتور عادل ضاهر، من الجامعة الأردنية نشر عام 1985 ضمن مؤتمر الفلسفة في الوطن العربي المعاصر بعنوان "دور الفلسفة في المجتمع العربي"، فما هو هذا الدور؟ وهل هي تلعب حقاً هذا الدور؟

بعكس الفلسفة في أوروبا يقول د. "ضاهر": "ما زالت الفلسفة في الوطن العربي بعيدة عن أن تلعب أي دور نقدي في حقول السياسة والاجتماع والدين". وهناك ثلاث عقبات: الثقافة الفلسفية حيث تلقى معظم أساتذة الفلسفة في رأي "الضاهر"، ثقافتهم الفلسفية في جامعات الغرب التي رسخت فيهم تصوراً معيناً للفلسفة، يجردها من وظيفتها النقدية- التقويمية على صعيد التنظير الاجتماعي والسياسي.

العقبة الثانية هي إننا ننتمي إلى ثقافة شديدة الارتباط بالماضي ثقافياً وعقائدياً، تنوخ بكلكلها على سائر مناحي الفكر لدينا وتعرقل التجديد أيما عرقلة.

أما العقبة الثالثة، فمرتبطة بالأنظمة السياسية في العالم العربي، التي لا توفر مناخاً صالحاً للبحث الحر فلسفياً كان أم غير فلسفي، "فإن المفكر عندنا يعيش باستمرار في ظل كابوس من التقييد والكبت الساحق والظلامية الخرقاء. وهو في ظل هذا الكابوس يجد نفسه أمام لائحة طويلة من المحرمات، تحتوي على معظم الموضوعات، التي يمكن للفيلسوف أن يعمل أدواته النقدية فيها".

إننا نادراً ما نسمع أصواتاً نقدية صادرة عن فلاسفتنا العرب، يضيف الباحث، والأسوأ من هذا "أن الفلسفة عندنا ما فتئت منذ فترة لا يستهان بها، تكتسب دوراً أيديولوجياً محافظاً، بحيث يتحول التنظير الفلسفي في مجمله إلى قناع للأيديولوجيا السائدة".

ولكن ما التصور السائد للفلسفة المعاصرة، أو دور الفلسفة في نواحي الفكر والحياة عموماً لدى فلاسفة البلدان الغربية اليوم؟ وهل يشبه في شيء هذا الدور المحافظ الذي نراه في بلداننا؟

بالطبع لا توجد وحدة أو شبه وحدة في النظر الفلسفي الغربي أو أغراض الفلسفة. ما نريد التأكيد عليه يقول د. الضاهر: "هو أنه بالنسبة لمعظم التيارات الفلسفية في الغرب في هذا القرن ليس للفلسفة أي وظيفة نقدية، ليس لها أي دور سياسي أو اجتماعي، فإذا استثنينا التيار الماركسي وقلة قليلة من الفلاسفة غير الماركسيين، كـ"جون ديوي" مثلاً نجد أن الاتجاهات الفلسفية السائدة في الغرب وعلى الرغم من تباينها على المستوى المنهجي، تصب كلها في اتجاه النظر إلى الفلسفة على أنها محايدة أيديولوجياً".

فلاسفة الغرب اليوم إذن على رأي واحد تقريباً من أن الفلسفة ليست أداة مناسبة للنقد السياسي والاجتماعي كما ذكرنا. الفلسفة يقول هؤلاء الفلاسفة محايدة أخلاقياً وسياسياً واجتماعياً، وليس للفيلسوف من دور أيديولوجي يلعبه. الاتجاهات الفلسفية في الغرب، يطغى عليها الاهتمام بأسئلة من النادر جداً أن تلمس حياة الإنسان والشؤون المتعلقة بمصيره. والفلسفة في رأي فلاسفة الغرب غير صالحة لتناول القضايا والمسائل الاجتماعية من قبيل: ما النظام الاجتماعي الأصلح لحياة الناس؟ ما المجتمع الفاضل؟ ما الحياة الجيدة؟ هل الديمقراطية نظام مرغوب فيه؟ هذه نماذج من الأسئلة التي قد يتناولها الفيلسوف لو أعطى لفلسفته وظيفة نقدية تحليلية تقويمية، وهذا بالضبط ما لا يريده فلاسفة الغرب اليوم.

وتطغى هذه النزعة أكثر ما تطغى، أي نزعة تجريد الفلسفة من الاهتمامات السياسية والاجتماعية على من يسمون بـ"الفلاسفة التحليليين" المطالبين بتنقية الفلسفة وتصفيتها، بل تصفيتها من الفلسفة ذاتها ومشاكلها وشجونها الميتافيزيقية!

ويلخص الفيلسوف فتجنشتين Wittgenstein هذه الدعوة إلى الصفاء الفلسفي في قول مفاده إن على الفيلسوف "أن يترك كل شيء كما هو". بمعنى أن الفيلسوف مدعو لأن يفهم... لا أن يغير! عليه أن يكشف ويكتشف العلاقات التقييمية بين اللغة واستخداماتها.. لا أن يعدل الحدود والمعايير بينها!

وإذا كان الفلاسفة المعاصرون منعوا الفلسفة عن الخوض في السياسة والاجتماع، وتم حصر دور الفيلسوف في تحليل الطبيعة المنطقية واللغوية للقضايا، فإن القرن العشرين يمكن اعتباره "قرن لا أنسنة الفلسفة"، ولكن هل يختلف وضع الفلسفة عندنا؟

يقول "الضاهر" بعد مسح عام للقضايا التي تستأثر باهتمام المشتغلين في الفلسفة العربية أنه "ليس بيننا فلاسفة كثيرون يتصدون لأية مشكلات فلسفية، فمعظم المشتغلين في حقل الفلسفة من العرب يقومون بدور الشارح للفلسفة السابقة أو الحاضرة، ومن النادر أن نجد بينهم من يثير أية قضية فلسفية بقصد معالجتها معالجة جديدة، فإذا أثيرت قضايا فلسفية، وهو أمر نادر، فإنها عادة من النوع التقليدي: هل تتعارض الحرية مع الحتمية؟ هل الكون روحي أم مادي في أساسه؟ ما الخير؟ ما الواجب؟".

حتى الفلاسفة العرب الذين يتصدون لمشكلات سياسية واجتماعية كالدكتور صادق جلال العظم، مثلاً، لا يفعلون هذا، على العموم، بوصفهم فلاسفة، يقول د. "الضاهر"، بل بوصفهم مواطنين لهم اهتمام بهذه القضايا. بمعنى آخر، فإنهم، في تصديهم لهذه المشكلات، لا يعملون فيها أدواتهم الفلسفية، بل يتعاملون معها وكأنها ليست قابلة لأن تعالج من منظار فلسفي، بل لأن تعالج من منظار سوسيولوجي أو سياسي أو اقتصادي... لا تطاله الفلسفة! أي أن فلاسفتنا، مثل فلاسفة الغرب، هجروا البحث الفلسفي في السياسة والاجتماع!

إن سلبية أساتذة الفلسفة والفلاسفة في العالم العربي وتأثرهم الشديد بموقف الفلسفة الغربية المعاصرة الداعية إلى تحييد الفلسفة سياسياً واجتماعياً، يعود بالضرر، في رأي د. الضاهر، على الفكر العربي المعاصر، وترسخ في أذهان الناس تصوراً أيديولوجياً للفلسفة لا يشجع على البحث والتجديد. ولهذا يدعو إلى أن تقترب الفلسفة من العلوم الاجتماعية ومن واقع الناس.

ولا يهتم د. الضاهر في نهاية بحثه بما سيحدث للفيلسوف العربي إن اقترب فلسفياً.. من واقع الناس!