Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 الدولة بين الداخل والخارج

 

 

 

د. أحمد البغداديجريدة الإتحاد الإماراتية

22 سبتمبر 2008

د. أحمد البغدادي

 

"السياسة" علم لا أصل له في الفكر العربي. والسياسة غير الحكم أو السلطة التي يعرفها الإنسان ويمارسها حتى الحيوان في علاقته مع بقية الحيوانات. السياسة هي علم المدينة بالمفهوم المدني حيث علاقة الإنسان بالإنسان بشكل عمودي, أي العلاقة بين الحاكم والمحكوم. وهذه العلاقة تتم وفق آليات محددة في المجتمع المدني, حيث يتجه المجتمع إلى وضع ضوابط للسلطة تحدد الحقوق والواجبات للجميع وفق دستور أو قانون أعلى, وحيث يلتزم الجميع بهذا القانون وفق آليات معينة وضمن قنوات دستورية وقانونية محددة. ولذلك تقوم العلاقة بين والحاكم والناس في الداخل على مبادئ العدالة والمساواة والديمقراطية في الحكم وسيادة دولة القانون. وفي ظل هذه العلاقة المدنية لا يحق للحاكم التمسك بمنطق المصلحة الوطنية وفق رأيه الخاص, بل وفق ما تحدده إرادة الشعب من خلال ممثليه في البرلمان الذي يتم انتخاب أعضائه انتخاباً حراً مباشراً وسرياً في صناديق الاقتراع وفي ظل انتخابات عامة نزيهة ونظيفة سياسياً. وفي هذه المدينة (الدولة)، لا يمكن للحكومة أن تمايز بين الأفراد كمواطنين يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات.


هذه الصورة في الحكم وإدارة الدولة، تختفي حين تتحرك الدولة نحو الخارج, في خضم علاقاتها المتعددة مع أطراف متباينة, وحيث تصبح "المصلحة الوطنية" وكيفية تحقيقها هي معيار التعامل. وحيث إن المصلحة لا يمكن أن تكون واحدة في مثل هذه الحالة, فلابد أن تتعدد معايير ومستويات التعامل, أو ما يعرفه العوام من الناس بـ"سياسة الكيل بمكيالين". والحق أنه حتى هذان المكيالان لا يكفيان في العلاقات الدولية, بل لا د من مئة مكيال حتى تتمكن الدولة –خاصة إذا كانت دولة عظمى- من تحقيق مصالحها وفق ما تراه. وفي هذا الأمر تختلط الرؤية عند كثير من الناس, خاصة عند العرب في نظرتهم للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية. وكثير من الناس لا يريد أن يفهم أن البعد الأخلاقي لا قيمة له في العلاقات الدولية إلا بمقدار ما تحدده مصلحة الدولة. والمثال الشهير الذي يجسّد هذه الحالة, الشكوى العربية الدائمة من التأييد الأميركي لإسرائيل, في مقابل الاستهانة بالحقوق الفلسطينية, أو على الأقل التي لا تنال نفس الدرجة من التأييد لدى الرئيس الأميركي. لو أن العرب ومعهم الفلسطينيون فهموا الفرق بين سياسة الداخل والخارج للدولة لما استغربوا هذا الموقف الأميركي. لكن العرب لا حظ لهم في علم السياسة لأسباب تراثية, لأنهم لم يعرفوا معنى الدولة في تاريخهم العربي والإسلامي. وما فات على العرب فهمه أن أميركا ملتزمة بمصالحها كما يراها صاحب القرار في واشنطن. وإسرائيل تمثل مصلحة قومية للولايات المتحدة تعلو مصلحتها مع العرب لأسباب كثيرة، وبالتالي لن يأتي ذلك اليوم الذي سيشهد سياسة أميركية محايدة تجاه المشكلة الفلسطينية القائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. سيظل الانحياز الأميركي لصالح إسرائيل قائماً, وإلى أن يفهم العرب هذه الحقيقة البسيطة، سيظل الوضع على ما هو عليه, ولن ينال الفلسطينيون دولتهم من الولايات المتحدة الأميركية. وعلى كل من يشتم أميركا لهذا الانحياز, أن يسأل نفسه: ألا يمثل وقوف العرب مع الفلسطينيين انحيازاً قومياً على حساب حقوق الإنسان؟ قبل الإجابة: هل حدث أن انحاز العرب في سياستهم الخارجية إلى جانب أهل دارفور الذين أبادهم النظام السوداني؟ أم هل حدث ووقفوا إلى جانب العراقيين في ظل حكم الطاغية صدام حسين؟ حين يفهم العرب ذلك, وهو أمر لا أعتقد أنه سيحدث، سيتغير كثير من المفاهيم!