Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  عقبات امام المشروع العربي 2/1
حول دولة الحق وأخلاق الدولة

 

 

العرب أونلاين

2 أغسطس 2008

أزراج عمر

العرب اونلاين -أزراج عمر*: إن من يدرس أدبيات حركات التحرر الوطنى على أيام الاستعمار الأوروبى لبلداننا يدرك أن مشروع بناء الدولة الوطنية المستقلة وذات السيادة والحدود الجغرافية كان يحتل مكانا أساسيا، وكان يعتبر هدفا إستراتيجيا.

ويلاحظ أن هذه الأدبيات تغلب عليها العمومية، وعدم التخصيص، والتحديد. بمعنى، أن هذا المشروع لم يحدد شكل ومضمون نمط الدولة المنشودة إذّاك فالوضوح كان ناقصا فى غمرة النضال السياسى والديبلوماسي، والكفاح المسلح المتزامنين فى الغالب.

فالمشروع التحررى فى ذلك الوقت لم يطرح بقوة وبيان لا يخالطه غموض هدف الدولة العربية الموحدة جغرافيا، وسياسيا، وعسكريا، واقتصاديا فى ظل التعددية كأسلوب لتداول الحكم، والتعددية الثقافية، والقبول بالإثنيات وحقوقها الكاملة وخاصة الثقافية، واللغوية والشراكة فى إدارة الحكم. وهكذا بقى المشروع المذكور يدور فى فلك النموذج الحديث للدولة القطرية. أما فى فترة الاستقلال فلا شيء تغير جذريا على الصعيدين النظرى والتطبيقي.

ولقد أدى هذا الركود إلى تحول فكرة الدولة إلى مشكلة بدلا من أن تكون حلا للشروع فى البناء المادى والثقافى للخروج من التخلف بجانبيه: المفروض من قبل الآلة الاستعمارية، والنابع أيضا من عدم تطور المجتمع بسبب عراقيل الثقافة والفكر التقليديين.

إن هذا الوضع يفسر طبيعة الأزمات المتتالية فى بلداننا من المحيط إلى الخليج، والتى تتمثل فى عدم بلورة نسق سياسى ينال الإجماع بمقتضاه تبنى دولة المؤسسات الديمقراطية بدلا من دولة النخبة الحاكمة. وأكثر من ذلك فإن هذا الوضع يوضح الإخفاق فى تحقيق سواء الدولة الوطنية المنسجمة، أو الدولة الكبرى القائمة على اختراق الواقع القطرى المتشظى نحو توحيد الفضاء الممتد من المحيط إلى الخليج.

وفى الحقيقة فإن الذى بقى سائدا هو شكلان من الدولة ببلداننا. الأول هى الدولة- الأمة وفقا للنموذج الاستعماري، وحينا آخر وفقا لشكل الدولة الغربية مع تجريدها من مكاسب المواطنة، وحرية التعبير، وحرية تشكيل المجتمع المدني. أما الشكل الثانى فيتلخص فى نمط أدعوه بدولة الموزاييك التى هى خليط من المقومات التى تتميز بعدم الانسجام، والتطابق، وحتى التشابه.

وكان المقصود من تثبيت هذا النمط الثانى هو خلق الهدنة، وتأجيل أو كبت الاختلاف حول فرز الأفكار ووجهات النظر بشأن حسم نمط الدولة المطلوبة شعبيا ونخبويا على نحو متزامن ومنسجم.

وفى الواقع المرئي، فإن الذى حصل هو الفشل فى قطع الصلة مع موروث الاستعمار من جهة، والإصرار على بعث نموذج الدولة من التاريخ القديم، سواء كان هذا التاريخ دينيا كما هو حال الجماعات الإسلامية، أو تاريخ ما قبل الإسلام كما هو الحال عند التيارات الإثنية ذات النزعات الانفصالية. وفى كلتا الحالتين فإن نموذج الدولة المستهدف بناؤه يبحث عنه فى الماضى الاستعماري، أو فى الماضى القديم بتدعيم نوستالجى قوى بسبب المظالم السياسية، والاقتصادية، والثقافية وهلم جرا.

ويلاحظ أيضا غلبة ثقافة الاستيراد لشكل ومضمون الدولة فى الحياة السياسية والفكرية من المحيط إلى الخليج علما أن هذا الاستيراد ليس منسجما أو موحدا، ومتفقا عليه من طرف جميع أقطارنا.

هناك من نحا نحو الدولة الليبرالية سياسيا مع إهمال كامل لليبرالية الفردية والإعلامية، والثقافية، والاقتصادية. وهناك من توجه نحو الاشتراكية دون فهم لقواعدها وأسسها الاقتصادية، والثقافية والفلسفية، والتكنولوجية. وثمة من قام بنشدان الأساس الإسلامى التقليدى دون أخلاقيات الإسلام الواضحة والبارزة فى النص الإسلامى الجوهري، ألا وهو القرآن، ومن ثم النص السنى النبوى والنصوص المدعوة بأدبيات الاجتهاد لدى المصلحين، والفلاسفة، والفقهاء المتنورين والذين يتميزون بالتركيز فى اجتهاداتهم على فلسفة العدل، والمساواة، واحترام التنوع الثقافي، والحوار السياسي.

وهكذا نجد بأن الأزمة البنيوية التى تعصف ببلداننا لها علاقة مباشرة بعدم بناء هوية الدولة ذات الخصوصية، والتمايز المنبثق من ثقافة النضال التحرري.

وعمليا، فإن مفهوم الدولة غير واضح فى البنى السياسية من المحيط إلى الخليج. وفى الحقيقة فإن الأزمة هى أزمة المفهوم، وأزمة التعتيم على مجموعة قليلة من الاجتهادات التى حاولت، ولا تزال تحاول النخب المفكرة فى المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج أن تبنيها بكثير من العمل المثابر.

وهنا أريد أن أنظر فى عدد من المحاولات الفكرية والسياسية التى يمكن لنا القول بأن مقاربتها تستحق الاهتمام، والنقاش، والنقد، وكذلك التطوير فى بعض من جوانبها النظرية.

سوف أنظر فى ثلاث محاولات، الأولى للدكتور عبد الله العروى صاحب سلسلة من الكتب منها "الأيديولوجية العربية المعاصرة"، و"مفهوم الدولة"، والثانية للثنائى المتحاور الدكتور سمير أمين، والدكتور برهان غليون كما فى كتابهما المشترك الذى يحمل عنوان "حوار الدولة والدين"، والثالثة للأستاذ الراحل الجزائرى مالك بن نبي.

لقد وقع اختيارى على هؤلاء المثقفين الثلاثة لأنهم أكثر من غيرهم اضطلاعا بنظرية الدولة فى الفكر العربى المعاصر. صحيح أن المفكرين المدعوين فى قاموس الفكر العربى بمفكرى النهضة كانت لهم نظرات واجتهادات لصياغة ملامح الدولة فى العالم العربى الإسلامي.

من هؤلاء الكواكبي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، والأمير عبد القادر الجزائرى وغيرهم. ولكن مشروع دراسة كل هؤلاء معقد، ويستحق أكثر من مؤلف ناهيك عن مجرد مقال مطول. ولذلك، فإننى هنا سأركز على مواقف، وأفكار العروي، وسمير أمين، وبرهان غليون، ومالك بن نبي، وفى سياق ذلك سوف أتناولها بالعرض السريع المركز على الأسس لعدد من الأفكار المطروحة فى التراث الفكرى العربي- الإسلامي، والمتعلقة بالدولة تنظيرا لها، وإبرازا لما ينبغى أن تكون عليه التطبيقات الميدانية، أو لنقل التجريبية.

هناك، ولا شك أفكار ابن خلدون وخاصة نظرية العصبية، وأفكار التيارات العلمانية، والإسلامية بمختلف أيديولوجياتها، وكذلك أفكار ابن رشد، وغير ذلك. إذا كان الدكتور عبد الله العروى قد شد انتباه شغيلة الفكر التاريخي، والسياسي، والثقافى فى بلداننا منذ صدور كتابه "الأيديولوجية العربية المعاصرة"، فذلك بسبب شجاعته الأدبية فى كشف العطب الذى هو المشكلة الرئيسية فى تخلف الدولة العربية المعاصرة، وتدهور الفكر المنظر للدولة. ففى التحليل الأخير فإن مشكلة التخلف فى بلداننا تتمثل فى نقاط أساسية يلخصها العروى فى "مسألة الذات ومسألة التاريخ ومسألة المنهج على المستويين الفكرى والعملى ومسألة التعبير"1 هذا وينبه العروى إلى ضرورة أن نميز "ضمن الأيديولوجيا المعاصرة ثلاثة تيارات أساسية.

يفترض التيار الأول أن أم المشكلات فى المجتمع العربى تتعلق بالعقيدة الدينية، والثانى بالتنظيم السياسي، والثالث بالنشاط العلمى والصناعي"2.

ومن جهة أخرى فإن العروى يثبت، للتمييز ثلاثة أنماط من الشخصيات التى تمثل هذه التيارات كل على حدة.

هناك شخصية الشيخ، وشخصية رجل السياسية، وشخصية داعية التقنية. وفى الواقع، فإن الدكتور العروى يقول بشكل غير مباشر بأن لكل شخصية من هذه الشخصيات المذكورة تصورها للدولة وشكلها ومضمونها، وكذلك رسالتها.

نحن إذن أمام دولة الشيخ، ودولة السياسي، ودولة داعية التقنية. وأرى أن تحليل الإشكاليات السياسية، والدينية، والثقافية، والفكرية، فى كتاب الدكتور عبد الله العروى سيؤدى بنا إلى التعرف على بعض ملامح أزمة الدولة فى الفضاء العربي- الإسلامي، وعلى دولة الأزمة أيضا.

قبل المضى فى إبراز ملامح هذه الأزمة، أريد فى البداية أن أستعرض الملخص المركزى لمحاور كتابه "مفهوم الدولة" الذى يتميز عن كتابه "الأيديولوجية العربية المعاصرة"، فى نقطة مهمة ألا وهى أن الكتاب الأول "مفهوم الدولة" يتابع تاريخ بروز المفهوم فى الثقافات، والفلسفات، والتجارب الإنسانية، ومن ثم يتناول مشكلات الدولة التقليدية فى الوطن العربي، والنظرية وواقع الدولة العربية القائمة. أما كتاب "الأيديولوجية العربية المعاصرة" فهو ينصب عموما على إشكالية التصور العربي- الإسلامي- من خلال نماذج الشخصيات التى ذكرناها آنفا- للدولة وأيديولوجيتها على ضوء ثنائية الأنا والآخر، أى الأنا العربية- الإسلامية مقابل الآخر الغربي- المسيحي، أو العلماني.

أهم النقاط التى يعالجها العروى فى مناقشته لـ"مفهوم الدولة" ندرجها كالتالي:
1 - الدولة الحق اجتماع وأخلاق، قوة وإقناع3، وأنه لا بد من أخذ هذه المسائل، أو القواعد، كما يسميها، بعين الاعتبار.

2 - لا نظرية حقيقية بدون تفكير جدى فى أخلاقية الدولة.

3 - إذا لم تجسد الدولة الأخلاق بقيت ضعيفة.

4 - إضفاء الأخلاق على دولة القهر والاستغلال غبن.

5 - تحرير الدولة من ثقل الأخلاق حكم عليها بالانقراض4 ويرى الدكتور العروى بأن "الدعاية الرسمية تحتضن المنطق الصوري، وتؤكد على أن بناء دولة منيعة هو شغلها الشاغل"5. ثم يضيف مبرزا النتائج الوخيمة المتولدة عن هذا النمط من الدعاية "وبقدر ما تكون الدولة حديثة التأسيس بقدر ما تؤكد الدعاية على ضرورة ترسيخ قواعدها وتقويتها. فيطالب الفرد بكل التضحيات، المادية والأدبية، خاصة تلك التى تمس حريته. نلاحظ بالفعل، حتى فى تعاليق الصحفيين أنه كلما صودرت حريات الفرد وصفت الدولة بالقوة والجبروت"6.

نحن إذن أمام مشكلات جوهرية فى نظرية الدولة ينبغى دراستها ونقدها بقوة. فالمشكلة الأولى تتمثل فى أن الدولة بدون أخلاقيات تفقد مبرر وجودها. ثم إن الدولة التى تضفى الشرعية الأخلاقية على الاستغلال، والقهر محكوم عليها بالزوال.

وفى الواقع، فإن هذه الصفات هى مكونات وأعراض الدولة النخبوية الديكتاتورية التى تمثل مصالح فئة معينة والتى تستخدم معاييرها الخاصة ووسائل تحقيقها مثل أجهزة الدولة الأيديولوجية التى تستخدم نوعين من القوة لتحقيق الهيمنة وهما القوة الناعمة، والقوة الجبرية التسلطية العنيفة. وهنا تبرز نقطة خلافية مع الدكتور العروي. فهو يقول بوضوح "بأن الحرية خارج الدولة طوبى خادعة وأن الدولة بلا حرية ضعيفة متداعية"7.

فالخلاف مع العروى هو هكذا: إذا كانت الدولة الرأسمالية هى حارسة التناقضات الطبقية، أى التفاوت الطبقى فى المجتمع فهذا يعنى أنها توفر الحرية للطبقة البورجوازية صاحبة الرأسمال، وأدوات ووسائل الإنتاج، والمهيمنة على فائض القيمة، وفى الوقت نفسه تحرم الطبقات الأخرى من الحرية لأنها تبقيها تابعة وخاضعة ومهمشة فى ظل الاستقلال. فالحرية ليست مجرد فكرة متعالية، وإنما هى مشروطة بالواقع المادي.

وهنا نجد الدكتور العروى لا يخرج عن وصفة الفيلسوف الألمانى هيجل للدولة كمطلق وكتحقق الفكر فى الواقع، كما أنه يفهم الحرية فهما متطابقا مع الفهم الرأسمالى فعن فكرة الأخلاقيات التى يثبتها كضرورة للدولة ولادة، واستمرارا فى الوجود تبقى مجرد فكرة طوباوية إذا لم تكن مبنية على الأساس المادى كالعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وعلى الأساس الرمزى كالعدالة فى الشفافية فى توزيع المعرفة والمساواة، أما القانون، والجماعية فى تقرير المصير السياسى لإدارة الحكم. على ضوء هذه الشروط وبها فقط تصبح الأخلاقيات ذات معنى ديمقراطي. "يتبع"

الهوامش

1- الدكتور عبد الله العروي: الأيديولوجية العربية المعاصرة، المركز الثقافى العربي، الدار البيضاء- المغرب، الطبعة الثالثة 2006، ص24.
2- نفس المصدر: ص39.
3- الدكتور عبد الله العروي: مفهوم الدولة، المركز الثقافى العربي، الدار البيضاء- المغرب، الطبعة الثامنة 2006، مقتطفات مختارة من الكتاب مثبتة على الغلاف الأخير منه.
4- نفس المصدر والصفحة.
5- نفس المصدر والصفحة.
6- نفس المصدر والصفحة.
7- نفس المصدر والصفحة.