Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المسيحيون العرب.. وقلق الهوية الإسلامية

 

مصطفي سليمان*

 إسلام أون لاين  9  يونيو 2006

ينتمي القس الدكتور "أندريه زكي" - وهو أحد القساوسة البروتستانت في مصر- إلى مدرسة المسيحية الليبرالية التي تعتمد في أفكارها على مشروع لاهوتي غربي، ويتفق هذا المشروع والمسيحية الليبرالية في أن المرجعية الأساسية للمشاركة السياسية يجب أن تكون للعلمانية والمجتمع المدني.

وإذا عرفنا هذه المدرسة الفكرية في المسيحية، يمكن أن نستخلص المشروع الفكري لـ"أندريه زكي"، والذي أنتجه في كتابه الأخير "الإسلام السياسي والمواطنة والأقليات: مستقبل المسيحيين العرب في الشرق الأوسط"، والصادر هذا العام، ويقع في حوالي (360) صفحة، ويحتوي على معلومات مهمة وبيانات عن المسيحيين العرب.

والكتاب عبارة عن ترجمة لرسالته في الدكتوراة، والتي حصل عليها من إحدى الجامعات البريطانية؛ فهو يتحدث عن مشروع علماني ينصهر فيه المسيحيون العرب ليتمكنوا من المشاركة السياسية الفعالة.

والسؤال المطروح هنا: ما هي أركان هذا المشروع، ودلالته؟ وإلى أي مدى يمكن أن يقود إلى مشاركة سياسية فعالة للمسيحيين العرب؟ وهل يستطيع المسيحيون العرب والمسلمون أن يعيشوا بعيدا عن ديانتهم لتتحقق المشاركة السياسية الفعالة؟.

ربما كانت الإجابة على هذه التساؤلات هي ما يبحث عنه "أندريه زكي"؛ فهو يتحدث عن العلاقة بين الإسلام السياسي والمسيحيين العرب، وتأثير تنامي هذا التيار على المواطنة، ودور المسيحيين العرب السياسي في الشرق الأوسط.

المسيحية السياسية العربية

في البداية رصد "أندريه" حقبة القومية العربية وما أصابها من وهن، كمدخل للإجابة على عدة أسئلة؛ في مقدمتها الدور السياسي الذي يقوم به المسيحيون العرب في المنطقة، وكيف يرون مستقبلهم، وما هو مستقبل المسيحية السياسية، وكيف يمكن تجاوز بعض المشكلات التي حدثت في الماضي، والتحرك للمشاركة بفاعلية في بناء المنطقة؛ بولاء والتزام مطلقيْن نحو أرضها وثقافتها وتاريخها.

والواقع أن " أندريه" -كبعض المثقفين الأقباط- يلقي التهمة على الإسلام السياسي كمعوق في عدم مشاركة المسيحيين العرب في العمل السياسي، ويؤكد أن للمسيحيين العرب دورا محوريا في نشأة فكرة القومية العربية، ورغم ذلك فإن هذا التيار أصابه الوهن؛ بسبب تنامي مفهوم الدولة القومية، وظهور الإسلام السياسي؛ الذي يؤكد على مبدأ الوحدة الإسلامية كأيديولوجية سياسية بديلة للوحدة العربية.

وفي رأيه أن تلك الأيديولوجية الإسلامية استندت إلى فكرة أن القومية والعقيدة وجهان لعملة واحدة، وأن المجتمع الإسلامي أساسه العقيدة لا القومية، وأن الإسلام السياسي يجعل السلطة في أيدي المسلمين فقط، ويضع غير المسلمين في وضع الذمي أو أهل الذمة.

ولا يتجاهل "أندريه" الظروف السياسية الدولية وانعكاساتها على المواطنة، فهو يرى أن المسيحيين العرب يواجهون صعوبات متعددة؛ فهم يعيشون في نظم سياسية يغلب عليها الطابع السلطوي، الذي يسمح بهامش محدود من الحرية، والمجتمع المدني غير متحقق بشكل فعلي، والمعارضة خاضعة لسلطة الحكومة، والأصوات التي تدافع عن حقوق الإنسان تتعرض للتهديد والضغوط، إضافة إلى أن الصراع الكامن بين الإسلام والغرب يجدد خصومة قديمة بين المسلمين والمسيحيين العرب.

و"أندريه" بهذا المعني يتجاهل حقيقة انتماء المسيحيين العرب للحضارة الإسلامية العربية، ويحاول سلخهم عنها، ويتضح ذلك من افتراض غير علمي، وهو أن انتماء المسيحيين العرب للقومية العربية كان بدافع المشاركة السياسية فقط، وهو افتراض غير صحيح من الناحية التاريخية، كما أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ماذا كانت تعني القومية العربية عند المسلمين العرب؟.

ما بعد انهيار القومية العربية

يرى "أندريه" أن القومية العربية ظلت هي الأيديولوجية التي يمكن استخدامها لتحقيق المشاركة السياسية حتى الستينيات من القرن الماضي، وأدى بزوغ فكرة الوحدة الإسلامية وأسلمة القومية العربية إلى ظهور مفاهيم سياسية جديدة، مثل: الناصرية، والبعثية، وقومية الدولة، ومن هنا شعر المسيحيون العرب بالتهديد.

ومع انهيار الأيديولوجية الناضجة، وغياب الديمقراطية، وعجز الدولة عن تقبل الجماعات الأخرى داخلها؛ كل هذه العوامل ساهمت في عرقلة المهمة السياسية للمسيحيين العرب، وجعلتها صعبة وشديدة الحساسية.

ويلاحظ أن "أندريه" يميل إلى تبني فكرة القومية العربية بشكلها العلماني، لتحقيق المواطنة السياسية للمسيحيين العرب، وأنه ليس من أنصار فكرة التقريب بين القومية العربية والإسلام.

ويرى المفكر القبطي الدكتور "رفيق حبيب" أن القومية العربية في مختلف صورها كانت فكرة تقوم على مشروع سياسي غربي، وأخذت منه لب الاتجاه العلماني، ونشط فيه الأقباط، وكان جزء من هذا النشاط هو اختيار الحل العلماني؛ فالقوميون فصلوا ما بين القومية العربية والحضارة الإسلامية، حيث ظلت القومية العربية شعارا سياسيا؛ ومن ثم فهي لم تفشل بسبب محاولة أسلمتها.

المواطنة الديناميكية

والواقع أن "أندريه" يتحدث عن مشروع علماني ينصهر فيه المسيحيون العرب؛ ليتمكنوا من المشاركة السياسية الفعالة؛ ولذا يقف ضد فكرة الأسلمة والحركات الإسلامية.

كما أنه يتبنى فكرة نقد النص الديني في المسيحية، لكن من خلال رؤية لاهوتيه، ويرى أن المفهوم العقائدي للمشاركة السياسية سوف يسهم في تطور هذه المشاركة للمسيحيين، ويلاحظ في خطابه السياسي والثقافي تأثره بفكرة القومية الغربية، فيقول: "ويمكننا أن نبرهن أن القومية في الغرب هي نتاج لظروف اقتصادية واجتماعية، بينما القومية في العالم العربي تقوم على اللغة والثقافة المرتبطة ارتباطا وثيقا بالدين؛ فهذه القومية من خلال علاقتها الوطيدة بالدين تحد من التعددية"، ويضيف: إن الترويج للغة والثقافة باعتبارهما الأسس الشرعية الوحيدة لتكوين الهوية، وتجاهل تأثير الدين، أدى إلى ظهور بعض الإشكاليات.

فصِلة القومية الوثيقة بالدين الإسلامي وطبيعتها غير التعددية نجم عنها استبعاد من يتبعون العقائد الأخرى، وهذا المفهوم حصر القومية داخل نطاق المسلمين فقط، ولم ينتج سوى هامش ضئيل من التعددية، كما عمل على تهميش الأقباط والموارنة، وأسس نموذجا للمشاركة السياسية يقوم على التسامح وليس المساواة، وهكذا تبرز الصعوبات التي واجهت المسيحيين العرب من جراء القومية بدلالتها الدينية وطبيعتها المتعصبة.

يؤمن أندريه زكي أن الظروف التي أدت إلى القومية في أوروبا لم تتحقق في العالم العربي؛ ففي أوروبا أدى فصل الدين عن السياسة إلى تدهور الكاثوليكية الشاملة وتشجيع الحس القومي، أما في العالم العربي فقد تفوقت شمولية الإسلام على كل القوميات، ورغم ذلك فهو يرى أن تطلعات الشعوب العربية نحو القومية بدأت تتبخر مع بداية السبعينيات، أي مع بدء مرحلة الإسلام السياسي.

ويرى أن المسيحيين العرب يعيشون في ظل دول سلطوية ومجتمع مدني هزيل، وأن الإسلام السياسي هو العامل الأكثر تأثيرا في صياغة نظام الدولة، والتأثير على المشاركة السياسية، وفي رأيه أن "الدين بطبيعته ليس ديمقراطيا ولا تعدديا"، ثم يصل إلى قمة قناعاته بالمسيحية الليبرالية وعلمنة المسيحية ورفضه للدين كأساس للهوية في الوطن العربي فيقول: "والدين يروج لنظام سياسي يحد من مفهوم الانتماء للدولة، وكذلك من درجة التفاعل والتضامن السياسي".

هجين سياسي

كلام "أندريه" يؤكد أنه إذا كانت القومية العربية قد فشلت؛ لأنه لا يمكن فصل الدين عنها، وفشلت دولة الموارنة المسيحية في لبنان لأنها تجاهلت الطوائف الأخرى؛ فان الدين السياسي في المنطقة لا يصلح كأساس مرجعي لتحقيق المواطنة السياسية التي تقوم على المساواة الكاملة، وليس التسامح.

وأمام هذه النتيجة التي توصل إليها "أندريه" نحت مفهوما جديدا للمواطنة أطلق عليه "المواطنة الديناميكية" وذلك كمخرج -من وجهة نظره- للخروج من مأزق القومية العربية المتأسلمة، والدولة العلمانية الخالصة. وهذا المصطلح ما هو إلا هجين سياسي بين القومية المتأسلمة والعلمنة، وتقوم على مفهوم شامل للمواطنة لا ينحصر في المنحي السياسي وحده؛ فعندما يتحرك النظام السياسي تجاه الديمقراطية ويتولد التنوع والتعددية في مجتمع مدني قوي، يصبح مفهوم المواطنة الديناميكية متاحا؛ ولذا فإن تطوير المجتمع المدني يعد ركيزة أساسية في مفهوم المواطنة الديناميكية.

وهو بذلك يحاول تعريب الديمقراطية الغربية بكل مفاهيمها من الحرية الفردية، وسيادة العقل الإنساني، وإتاحة فرصة أكبر للمجتمع المدني؛ وذلك للوصول في النهاية إلى الديمقراطية الغربية الليبرالية، عبر نحت مصطلحات غير واضحة؛ ومن هنا فإن أسس تكوينه الفكري تغلب عليه، وإن حاول التنصل منها.

ومن ثم فهو يحاول تعريب العلمنة الغربية، والتي تعني فصل الدين عن الدولة، وتطبيق النموذج الغربي في الحكم على المنطقة العربية؛ ليتسنى للأقليات المسيحية المشاركة السياسية في نظم الحكم، ويأتي هذا التعريب عبر ما أطلق عليه المواطنة الديناميكية.

ويرى "أندريه" أن المجتمع مع وجود الدين لديه استعداد للصراع، في حين أن مثل هذا المجتمع مع وجود الجماعات والتنظيمات الجديدة التي تساند قضايا مثل حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية... إلخ، سوف يتمكن من تجاوز الانقسامات التقليدية، وتجنب الصراعات.

فالمواطنة الديناميكية هي عملية شاملة تتجاوز المساواة لتصل إلى العدالة بواسطة ربط الحقوق السياسية بالحقائق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والمواطنة الديناميكية تعزز التعددية عن طريق الانتماءات المتعددة ومؤسسات الهوية!!.

والحقيقة أن حديثه عن مؤسسات للهوية يثير الاستغراب والسخرية في ذات الوقت! وهل تستطيع الهوية أن تتحكم فيها مؤسسة ما؟.

ماذا يريد؟

إن كل ما يريد أن يتوصل إليه الباحث هو تنحية الهوية الدينية عن المجتمع العربي بمسلميه ومسيحييه، وألا تكون هي الأساس في تعريف الأمة، وهنا تكمن الخطورة؛ حيث إن ما يطرحه يدعو في حقيقته إلى تجاهل تام لحقب التاريخ الإسلامي، والمؤكد أيضا أن هذه المواطنة لم تهتز إلا بفعل الاستعمار، وانهيار الحضارة الإسلامية.

وتتجاهل دراسة "أندريه" تماما أوضاع أهل الكتاب تحت ظلال الحكم الإسلامي، وتتجاهل أن الأقباط شغل البعض منهم الوزراء وصناع القرار في تلك الدولة، كما أن منهم الشعراء والأدباء الذين ساهموا في ازدهار التراث والحضارة الإسلامية، كما أن بعض الاضطهادات التي تعرض لها المسيحيون العرب في بعض الفترات تعود إلى ظروف سياسية، وإلى أهواء الحاكم، وليس للدين الإسلامي ذاته.

ويؤكد الباحث "هاني لبيب" أن المسيحية العربية لم تواجه خطر التقوقع والانغلاق على الذات والانطواء على النفس داخل المجتمع الإسلامي، بل تميزت باندماجها في المجتمعات الإسلامية بوجه خاص في العصر الأموي والعباسي الأول؛ فكانت أقرب روحا إلى المسلمين العرب منها إلى أبناء طائفتها من السريان.

ويرى "لبيب" -أيضا- أن هناك أرضية مشتركة بين التراث العربي المسيحي والتراث العربي الإسلامي، وهو ما يظهر في العديد من المجالات منها الأدب، والفلسفة العامة، والطب والعلوم، أما الاختلاف بينهما فينحصر في الفلسفة الدينية، والتاريخ، والأساليب المتعددة لمعالجة كل منهما لهذه الاختلافات، بالإضافة إلى العبادات والعقائد بين الطرفين.

وبالتالي فإن انسلاخ الأمة من هويتها الدينية لن يحقق المواطنة التي يدعو إليها "أندريه زكي" في كتابه، بقدر ما يغرق الأمة في بحار من تنوع الهويات وتعددها.

كما أن محاولة تحرير اللاهوت العربي وتغريبه كما نَشْتَمُّ من كلامه لن تنجح؛ لأن اللاهوت العربي المسيحي مرتبط بالحضارة العربية، وهو ما يجعله مختلفا عن اللاهوت الغربي المسيحي؛ فمصطلح المسيحية العربية له دلالة قومية.

وكان "إدوارد سعيد" و"قسطنطين زريق" من أبرز المسيحيين العرب الذين تصدوا للتهجم على صورة الإسلام، لأنهما اعتبرا تشويه الإسلام هو تشويه للذات العربية، وعلى هذا النحو كانت المواطنة والهوية؛ فالهوية هنا ليست معطى جاهزا يتسم بالثبات، ولا هي شيء سرمدي يتجاوز الزمن والمكان؛ بل هي وجود تراكمي يضاف إليه ويُنتقص منه، فهي في حال من التكوين الدائم.

فالهوية تراكم تاريخي ممتد في الزمان، يمثل طبقات من الثقافات التي تراكمت وتداخلت وانصهرت مع بعضها البعض؛ وهو ما يعني ضرورة أهمية إدراك عبء هذا التراكم التاريخي؛ لكي لا تُنفى ثقافة لحساب أخرى، ولا يُستبعد عنصر لحساب آخر، ولا تُطرد أحداث من التاريخ من أجل مصالح معينة؛ وبالتالي فإن إعادة هيكلة الهوية وتنحية الدين عنها يعد أمرا خطيرا.


** صحفي مصري.

 

عودة إلى قائمة الخطاب الفلسفي - سؤال الهوية