Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

في العلاقة بين القوميين والاسلاميين عربيا ومغاربيا

 

 

 

الطاهر الاسود*

جريدة القدس العربي - أول ديسمبر 2006

ان أخطر ما يمكن أن تتوقعه اسرائيل من العرب أن يتوحد الدين مع التوجهات القومية، ان ما نعيشه حالياً يمكن أن يكون نكتة لما قد نعيشه في المستقبل في حال تواصل المد الاسلامي المقاتل في مواجهة الدولة العبرية. ان هذا هو الذي يتوجب أن يقلقنا بشكل كثير، وللأسف اننا لا نحرك ساكناً في سبيل قطع الطريق علي تعاظم هذا الخطر عن طريق رفضنا ابداء تنازلات ولو شكلية. لقد سكرنا من شدة الفرح عندما أعلن شارون بتبجح في العام 1982 أنه طرد منظمة التحرير من لبنان، لنبكي بعد ذلك عندما فوجئنا أن من حل مكان منظمة التحرير هو حزب الله، العدو الأكثر خطراً، الذي مرغ أنف دولة بأكملها في التراب .

افرايم هاليفي الرئيس السابق لجهاز الموساد (القناة الأولي في التلفزيون الاسرائيلي، 15/7/2006)
ربما يبدو للبعض أن التمحيص في مسألة العلاقة بين التيارات القومية والاسلامية غير ذي معني في الظرفية الراهنة. حيث سيشير هؤلاء الي أن المرحلة القادمة ستشهد استقطابا غير مسبوق لصالح التيارات الاسلامية بكل تلويناتها مقابل استمرار تراجع نفوذ التيارات القومية وانسحابها القسري (العراق) أو الطوعي (ليبيا) من معاقل السلطة السياسية والنفوذ السياسي بشكل عام. وهو ما يعني أن التيارات الاسلامية لن تحتاج التقارب مع تيار متهاو في جميع الأحوال. غير أن هذه الرؤية لا تقع في خطأ التهوين المبالغ فيه للتيارات القومية فحسب بل تهمش نقطة محورية. حيث لا تمثل التيارات القومية مجرد حالة حركية بل هي أكثر من ذلك تعبيرا عن رؤية لطبيعة الصراع في المنطقة. ويمكن الاشارة بكل ثقة الي أن الكثير من ملامح هذه الرؤية لا زالت تحتفظ بحيويتها. ولهذا بالذات فان الاستقطاب الراهن لصالح التيارات الاسلامية لا يعني تحديدا فقدان مصداقية الكثير من المعاني الاستراتيجية للطرح القومي. بل علي العكس من ذلك: يبدو أن ترشيد الكثير من قطاعات المشهد الاسلامي واكتسابها حسا متفاقما من الواقعية يحصل من جملة ما يحصل علي أساس استكشافها وتبنيها لمحاور الاستراتيجيا القومية. ليس الوضع الراهن، كما يمكن أن يحاجج البعض، وضعا انتهت فيه التجربة القومية لتفسح فيه المجال لتجربة اسلامية مختلفة تماما. الخطأ الرئيسي في هذه الرؤية تصوير الرؤية الاسلامية بشكل يجعلها مختلفة بشكل جوهري عن الرؤية القومية. أبيض مقابل أسود. الحقيقة أن ما يجمع الرؤيتين هو ربما سر نجاحهما الممكن. فما يحتاجه كل منهما يبدو أنه يوجد في الآخر. وبهذا المعني يجب فهم لماذا يخشي شخص مثل افرايم هاليفي في خضم الحرب الأخيرة علي لبنان من توحد الدين مع التوجهات القومية .

في معني الطرح القومي في الظرف الراهن

يجب التفكير في المسألة القومية بالأساس علي أنها واقع راهن تشمل سلطته الجميع بما في ذلك الذين لا ينظرون الي أنفسهم كقوميين. يبدو مثال الرئيس جمال عبد الناصر بالغ الأهمية في استكشاف السلطة البالغة للطرح القومي علي الواقع السياسي العربي: حيث انطلق الزعيم المصري في البداية كصاحب مشروع متركز في القطر المصري ولم تكن له رؤية دقيقة في علاقة بالمشروع القومي علي الشاكلة العملية التي أصبح عليها المشروع الناصري خاصة اثر العدوان الثلاثي. واكتشف الرئيس المصري بعد كثير من الصراع أن مشروعه الوطني المصري لا يمكن أن يتحقق خارج الوعي الدقيق باطار قومي عربي وبمفهوم استراتيجي مثل الأمن القومي العربي. وبمعني آخر أصبح الزعيم المصري زعيما قوميا تحت ضغط الواقع، لقد أصبح عبد الناصر قوميا ليس لشعاراتية متأصلة فيه، كما يحاول الاشارة بعض المتوترين من الليبراليين العرب الجدد ، بل لأنه كان واقعيا. لا يجب أن يكون ذلك مفاجئا بأي شكل من الأشكال: جوهر الرؤية القومية ليس عقيدة ايمانية بمشروع مستقبلي بل هي قبل ذلك ادراك دقيق لهوية المنطقة وطبيعة الصراع القائم فيها.

وبهذا المعني ليس الأمن القومي العربي مشروعا للتحقيق بقدر ما هو واقع قائم. وسواء كان ذلك الأمن منتهكا أو مخترقا فان ذلك لا يعني البتة عدم ادراك الأطراف العربية في جملتها بما في ذلك النظام الرسمي القائم لأهمية ارتباط أمنهم بالأمن القومي. ولهذا حتي تلك الأطراف العربية التي تموقع نفسها لأسباب عديدة ضمن استراتيجيا الأمن القومي الأمريكي تعرف جيدا أهمية الحفاظ علي حد أدني من الأمن القومي العربي. غير أن طبيعة الالتزامات التي انخرطت فيها تكبح الامتداد الطبيعي لمعاني أمنها القطري الي الحد الذي تتفادي فيه حتي النظر لأمن القطر المجاور كأي طرف مجاور لا يجمع بينهما الرابط القومي. وهكذا تنظر دولة مثل تركيا بجدية أكبر الي طبيعة الوضع في العراق أو سورية لتأثير ذلك علي مصالحها القومية مقارنة بما تقوم به مثلا أنظمة مثل الأردن والذي يبدو أحيانا كثيرة مهتما بالمصلحة الأمريكية أكثر حتي من مصالحه القطرية عند تعامله مع الوضع في القطرين المذكورين.

ورغم ذلك فان تهور الاستراتيجيا الأمريكية خاصة في مرحلتها النيومحافظة دفع الكثير من المتموقعين ضمنها الي الاحتراز والتخوف حيث فهموا أنه لا يوجد ما يكفي من الضمانات لعدم امتداد آثار الحروب الأمريكية للداخل القطري الذي اعتقدوه محصنا بعيداعن تهديد القومجيين . وفي هذا السياق يعيد من تبقي فيهم بعض الحكمة من الراهن العربي الرسمي اعادة اكتشاف مزايا الحفاظ علي حد أدني من الأمن القومي العربي ولو أن ذلك يتم الآن من خلال تكتلات عربية اقليمية موضعية وظرفية ومن خلال تمثل هذا الحد الأدني ضمن معايير غير دقيقة تحور طبيعة الأمن القومي لتصل ضمنيا حتي الي مستوي الحديث عن أمن عربي سني في مواجهة هلال فارسي شيعي .

وبشكل عام وبالرغم من كل هذا القصور في التصور والممارسة فان الحقائق الأكثر بداهة للرؤية القومية، أي أساسا تلك المتمحورة حول مفهوم الأمن القومي العربي، لا زالت حقائق شديدة العناد وتجاهلها بالتحديد وما ينشأ عن ذلك من فراغات هو الذي يوفر الأرضية لانفلاتات التنظيمات القاعدية والتي تقدم مفاهيم واستراتيجيات بديلة مقوضة للأمن القومي.

القاعديون والتهديد بالحروب الطائفية والأهلية:

 التقويض الآخر للأمن القومي

وحسب الاستراتيجيا العملية والمعلنة للتنظيمات القاعدية فان مسألة حاكمية الشريعة تتبوأ مكانة مركزية. وبعني آخر فان أمن الشريعة ، بما يتضمن ذلك من المعاني الطائفية الضيقة لـ سلفية الجهادية ، يحتل المكانة العليا التي يتم علي أساسها الفرز العام لقائمة المؤمنين و المرتدين . وتستبدل هذه المنظومة ذلك المعطي الواقعي المتمثل في الامن القومي.

ان جوهرالتنظيمات القاعدية هو استرجاع لمقولة اسلامية سابقة مفادها رفض الواقع الراهن القائم بالأساس علي رئيسية المرجعيتين الوطنية والقومية للعمل السياسي من خلال اعتبار هذه المعايير ببساطة معايير جاهلية . لكن الوضع العراقي، علي سبيل المثال، يؤكد، من جهة أخري، معطي غير قابل للتجاهل: أن الحفاظ علي شعبية التنظيم المسلح المناهض للاحتلال غير ممكن خارج شروط التركيبة العراقية شديدة الحساسية تجاه نعرات الحرب الطائفية، وهكذا فان هذا الشرط الأساسي للحل المسلح الناجع، أي العلاقة المتينة بين المسلح ومحيطه الشعبي، سيفرض علي التنظيم القاعدي الانقسام ومن ثمة تخلي البعض عن جوهر الرؤية القاعدية أي التخلي عن القول بعلوية ما هو سني سلفي علي ما هو وطني.

وفي الواقع فان هذا التهديد للصيغة الوطنية والمغامرة بتفتيتها بدعوي جاهلية العصبية الوطنية (يقع تمثيلها بالعصبية القبلية) لا يتجه الي تقويض الدول القطرية في مصلحة دولة جامعة بقدر ما يسعي لاقامة دولة جامعة تحت النفوذ الاستبدادي للطائفة السنية في محيطها العقائدي الأقل انفتاحا. وهو ما يؤدي الي اشعال سلسلة من الصراعات الأهلية علي أساس الهوية ليس فقط بين الفصيل السني و الآخر الشيعي أو حتي الطوائف النصرانية العربية بل حتي في خضم المحيط السني . فلا يجب الوقوع هنا في المغالطة القاعدية التي تدعي الدفاع عن أهل السنة والجماعة حيث يقع الدفاع عن فصيل أقلي ضمن الساحة الشاملة للسنة العرب. ان المؤشر الآخر الباعث علي الاهتمام هو الالتقاء علي مستوي الرؤية الاستراتيجية بين التنظيمات القاعدية المؤججة للصراع السني ـ الشيعي وبعض الأطراف العربية الرسمية التي تتحدث عن تهديد الهلال الشيعي . فتقييم الجانبين يتجه عمليا للالتقاء حول استهداف غير السني العربي بوصفه تهديدا ضروريا. ان ذلك يؤكد مقولة أساسية في علاقة ببداهة الطرح القومي من جهة الواقع القائم: تفتيت الصيغ الوطنية القائمة في اطارها القطري الراهن تهديد مباشر للأمن القومي العربي. وهنا، ورغم ما يبدو لذلك من مفارقة بالنسبة للخطاب القومي الحركي، فان الدفاع ضد تفتيت الدولة القطرية علي أساس الصراعات الطائفية والأهلية يصب مباشرة في اطار الدفاع عن الأمن القومي العربي.

الاسلام المعتدل والرؤية القومية

شاب تعبير الاسلام المعتدل المعرب عادة من رديفه الانكليزي (moderate Islam) الكثير من الجدال الي الحد الذي يتهم فيه البعض كل من يستعمله بأنه يلوك الخطاب الأمريكي . وسواء كان أصل المصطلح ضمن القاموس السياسي الأمريكي أم لا فانه تعبير يحتاج الاهتمام لمعانيه الفعلية والتي تفلت بالتأكيد من الضوابط الأمريكية. فمن جهة هناك استعمال شديد الضبابية وغير نزيه يدفع في اتجاه اضفاء تسمية الاسلام المعتدل علي كل من يجاهر في الأساس بالعداء لأساسيات في الدين الاسلامي. وبالنسبة لشخص غير متوازن مثل دانيال بايبس فهناك ضرورة لدعم المسلم المعتدل وهو ذلك الطرف المعادي بالأساس لأي طرف اسلامي والذي يمكن أن نطلق عليه بدون مبالغة طرفا استئصاليا. غير أن هناك اسلاميين معتدلين (moderate Islamists) وهنا يرفض شخص استئصالي مثل بايبس المصطلح أصلا معتبرا أنه من الاستحالة أن يكون طرف اسلامي معتدلا بالأساس.

وبالرغم من أن البعض يمكن أن يري في بعض التنظيمات الاسلامية العراقية اعتدالا لأنها متعاونة مع الاحتلال القائم فان ذلك لا يعني أن هذا التعبير خاطئ في ذاته. في الحقيقة يوجد اسلاميون معتدلون وهؤلاء يمكن التعرف عليهم ليس علي أساس تعاونهم مع الاستراتيجيا الأمريكية بل من خلال تمايزهم الجذري مع التنظيمات القاعدية وهو ما ينطبق علي أطراف اسلامية تعتبرها الادراة الأمريكية ارهابية . وهكذا فان تنظيمات لا يشك في ممانعتها للاستراتيجيا الأمريكية مثل حركة حماس أو حزب الله هي في الاساس نماذج للتيارات الاسلامية المعتدلة. ولا يتعلق الاعتدال هنا بدرجة الحرص علي تنفيذ أحكام فقهية لا تتردد القاعدة في العمل بها بل يشمل مسائل أهم مثل الاعتراف بالواقع الوطني والقومي كأطر للعمل السياسي في المشهد العربي. وهكذا فان اعتدال الحركتين المذكورتين يتمثل خاصة في وعيهما الكبير بمفهوم استراتيجي مثل الأمن القومي العربي. ينطبق ذلك أيضا علي بقية التيارات الاسلامية المعتدلة (والتي تعرف نفسها علي هذا الأساس) والتي تتصرف بشكل مسؤول تجاه هذا المفهوم الاستراتيجي.

ان المثير هنا أن مقابل الالتقاء العملي بين التنظيمات القاعدية وبعض الأطراف العربية الرسمية حول استثارة الصراع الطائفي السني ـ الشيعي هناك في المقابل تشكيل لم يظهر الي السطح السياسي العربي بعد لو أن مكانه يبدو مهيأ: الالتقاء بين التيارات الاسلامية المعتدلة والطيف العربي السياسي الغالب غير المؤطر في كثير من الأحيان والمتمسك بالدفاع عن مفهوم الأمن القومي العربي. وفي الحقيقة في نقطة الالتقاء هذه تكمن الحالة التي تذوب فيها الأطراف الاسلامية المعتدلة ببنيتها ومفهومها التقليدي مع التيارات القومية في بنيتها ومفهومها التقليدي. ان الالتقاء الاستراتيجي يعني نهاية الطرفين، كما اعتادا أن يكونا. يبقي أن هذه الحالة من الذوبان المتبادل تبدو أكثر رجاحة في بعض الظرفيات الاقليمية العربية منها مقارنة بأخري.

أفق الحوار القومي ـ الاسلامي مغاربيا

هناك ملمح جديد في الوضع المغاربي سيساهم بشكل بالغ في اعادة تشكل الواقع السياسي: قاعدة الجهاد في بلاد المغرب . فمنذ البيعة الرسمية مؤخرا لتنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال تجاه تنظيم القاعدة وحسم مسألة القيادة التي سيتم احالة أمر بلاد المغرب اليها من قبل الامارة القاعدية والتقارير الصحافية عن تدريب عدد من المواطنين المغاربيين من قبل التنظيم الجزائري بهدف تحقيق هدف امتداد الصراع الأهلي الي بقية الأقطار المغاربية فان مسألة بروز تهديد التنظيمات القاعدية للسلم الأهلي مغاربيا سيصبح مجرد مسألة وقت. ان ذلك سيدفع الي الواجهة الحاجة التاريخية لعقد اجتماعي جديد يجب العقد الاجتماعي المرتجل لما بعد مرحلة الاستقلال ويحظي بالقبول والاقناع وهو ما لم يتحقق حتي الآن. وليس العقد الاجتماعي في هذه الحالة وبالتعابير السياسية الراهنة سوي مشروع المصالحة الوطنية.

ان مسار المصالحة الوطنية مغاربيا هو المسألة الجوهرية في المستقبل السياسي المنظور. لا يتعلق ذلك بمجرد تمنيات بل هو ما سيشكل جوهر الصراع السياسي بالذات وحوله سيتم حسم طبيعة المرحلة المقبلة. وليست مسألة الدمقرطة بمعزل عن هذا المسار. ان التفاعلات والتجاذبات المتصاعدة مغاربيا تبين أن الدمقرطة لا يمكن أن تتم بمعزل عن واقع معقد فيه الكثير من التوازنات المحلية والاقليمية والدولية. ومثلما كان الحال دائما، بما في ذلك في النماذج الغربية، فان الدمقرطة ستتحدد مسارا وتوقيتا وسرعة حسب توافقات موضوعية معقدة. والتوافقات وحدها وليس عقلية الفرض والاملاء أو التوتر والصراخ هي التي ستحل المعضلات القائمة. ومن هذا المنظور يجب النظر لمسألة المصالحة الوطنية. فهي، بمعني آخر، البعد الواقعي والعملي الذي سيشكل القاعدة التوافقية الممكنة لارساء مسار دمقرطة حقيقي ومن ثمة تحقيق المثال الديمقراطي. ان مسار المصالحة الوطنية الذي هو في وضع تشكل في بعض الأقطار وفي حالة ما قبل الولادة في أقطار أخري سيصبح مسارا حتميا للبقاء بمجرد أن يسترجع التهديد القاعدي للسلم الأهلي حيويته (في المثال الجزائري) أو يصبح أمرا واقعا (في بقية الأقطار)، وهذا للأسف وكما أشرت ليس الا مسألة وقت. ان استمرار البعض في انكار هذه الآفاق بدعوي نجاح ما هو قائم لن يغير في الأمر شيئا الا في اتجاه تعقيد الحلول وتأجيل التوافق. ان لمعادلة المصالحة الوطنية مغاربيا علاقة قوية بل مشروطة بطبيعة العلاقة بين الأطراف القومية والاسلامية. ومن الضروري التأكيد هنا علي الطبيعة الخاصة للمحيط المغاربي. حيث يبدو التواجد المهيمن للاسلام مغاربيا وبمدرسته السنية المغاربية العريقة (المالكية) عاملا أساسيا شكل ويشكل قاعدة للتوافق يجمع الغالبية العربية مع الأقليات البربرية. أكثر من ذلك فان الخصوصية العربية البديهية للاسلام جعلت من مفهوم العروبة مفهوما متضمنا حتي ضمن الظرفية البربرية. ومن ثمة فان التماهي بين الظاهرتين الاسلامية والقومية في الواقع المادي والثقافي المغاربي جعل من الصعوبة بمكان استقطابا سياسيا متبادلا بين التيارات السياسية التي تتصدر الدفاع عن الظاهرتين مثلما حدث بشكل مبكر وبارز في المشرق العربي. وهكذا كانت الحركات الوطنية المغاربية التي قادت مسيرة الاستقلال هي حركات قومية-اسلامية بالفطرة (حزب الاستقلال، جبهة التحرير، حزبا الدستور القديم والجديد).

وبالرغم من السلبيات المرتبطة بتقاليد استبدادية لم يكن سهلا تجاوزها فان من المثير أن مختلف هذه الحركات الوطنية قد احتوت الي هذه الدرجة أو تلك نزعات عملية وفكرية نحو الانتماء القومي الاسلامي. وربما من العثرات التي يمكن حسابها علي التيارات القومية والاسلامية المغاربية المشابهة للحالة الحركية المشرقية بشكل متفاوت عدم ادراكها الكافي لأهمية الكتل القومية والاسلامية في البني القطرية المغاربية بما في ذلك داخل الأحزاب المهيمنة. وربما من عوامل اللخبطة تصرفات هذه الكتل نفسها والتي تذهب في أحيان كثيرة الي تصور غير دقيق يقول بضرورة تمييز الأمة القطرية ( الأمة المغربية ، الامة الجزائرية ، الأمة التونسية ) والتأكيد عليها بشكل يستفز الأطراف الحركية القومية والاسلامية.

وبشكل عام يبدو الوضع المغاربي كالتالي: أولا، أطراف محلية لا ترغب في المصالحة الوطنية لتداعيات الدمقرطة المتماهية معها ومن المفارقة أن هذه الأطراف تبدو متناقضة: من جهة أولي جزء من النخب الحاكمة الآتية اثر العقد الاجتماعي المرتجل والضمانات الدولية الأمريكية لعالم ما بعد الاستقلال وغير المستعدة لادراك المتغيرات القطرية والقومية، ومن جهة ثانية التنظيمات القاعدية التي ترفض الجميع وتري في الديمقراطية والمصالحة مع المرتدين و الكفر ضلالا مبينا. ثانيا، أطراف اسلامية وقومية ووطنية اعتدالها يكمن في تفهم الواقع القطري والقومي والاستعداد للدفاع عن الأمن القومي في اطار جغراسياسي مغاربي يشكل جناحا هاما للأمن القومي العربي.

ان أي حوار منظور بين التيارات القومية ونظيرتها الاسلامية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار هذه الملامح العامة للوضع الراهن والتي يمكن حصرها في النقاط التالية:


ـ الطرح القومي بوصفه توصيفا لواقع أكثر منه مشروعا بديلا.
ـ الاسلام القاعدي هو نتيجة للفراغات في الأمن القومي وعامل مقوض لهذا الامن في نفس الوقت.
ـ الاسلام المعتدل سينتهي الي الاقرار بأن الطرح القومي هو الطرح الأكثر واقعية.
ـ هناك قوميون واسلاميون بالفطرة في الواقع الخصوصي للمغرب العربي.


1 ـ في الوضع العراقي هناك تموقع سياسي جديد يتمثل في ظاهرتين مفارقتين لا يمكن علي المدي المنظور سوي التوافق بينهما للبقاء: من جهة هناك اعادة تشكل الخارطة السياسية علي أساس التركز الطائفي والقومي ومن جهة أخري هناك تباين طائفي وقومي حول مفهوم الوطن العراقي.

وعلي سبيل المثال هناك تيارات طائفية وقومية معادية لفكرة الوطن الجامع في حين هناك تيارات طائفية وقومية تدافع بشراسة عن مبدأ الوطن العراقي. ان هذا نموذج آخر، ينضاف للنموذج اللبناني مفاده القاعدة التالية: يمكن للتركز الطائفي أن يكون مقوضا للوحدة الوطنية ولكن ذلك ليس أمرا ضروريا. حيث يمكن للتنظيم المشروط بقاعدة طائفية أن يكون قاطرة للوحدة الوطنية علي أساس دوره الدقيق في معادلات وتوازنات الداخل القطري والامتداد القومي. وفي هذه الحالة يصبح الحفاظ علي الوطن مصلحة طائفية.


2 ـ كان مفهوم الامة القطرية في الأساس مفهوما دفاعيا ضد الالغاء الاستعماري. وهكذا مثلا كانت صرخة الشيخ عبد العزيز الثعالبي والذي لا يشك في اخلاصه للانتماء العربي-الاسلامي لتونس من خلال كتابه تونس الشهيدة . كما يجب فهم اصرار الزعيم الوطني من الحــــزب الدستوري الجديد علي البلهوان علي نفس الصيغة كما هو معـــــروف في مؤلفه نحن أمة في ذات الاطار. وفي الحالتين لم تكن الأمة التونسية في ذلك الاطار مفهوما مناقضا للانتماء العربي ـ الاسلامي بقدر ما كانت مفهوما ضروريا لاعادة استكشاف الهوية العربية الاسلامية المميزة للأمة القطرية والتي تم تهميشها في ظل الهيمنة الاستعمارية. غير أن الصراعات بين القطرية في ما بعد الاستقلال وخاصة بين بعض الزعماء المغاربيين والرئيس عبد الناصر أدت الي التأثير علي أصول مفهوم الأمة القطرية ليصبح اطارا مفهوميا للانعزال، ليس عن الانتماء العربي ـ الاسلامي في المطلق ولكن عن القيادات القومية في المشرق العربي. من المهم تتبع اعــــادة التركيز علي هذا المفهوم لدي بعض القيادات التقليدية المحلية ومعاني ذلك، وبشكل عام لا أعتقد أنها تأتي بالضرورة علي الضد من رؤية مغاربية وعربية واحدة.


* باحث تونسي يقيم في أمريكا الشمالية
.

عودة إلى قائمة الخطاب الفلسفي - سؤال الهوية