Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سؤال التكتل والاتحاد

 

 

د. برهان غليون

د. برهان غليون*

جريدة الاتحاد الإماراتية - 22 سبتمبر 2008

كلما تقدمت مسيرة التحولات العالمية في إطار ما يسمى اليوم العولمة ظهر التفكك والتجزئة العربية كعامل الضعف الرئيسي في أي محاولة للخروج من أزمة التراجع والتقهقر والجمود العربية، وثارت من جديد مسألة لا يزال الفكر العربي يتصدى لها منذ عقود. أعني مسألة الوحدة أو الاتحاد أو التكتل بين الدول العربية. وجوهر هذه المشكلة هو أن أمما وقوميات كبرى لا يشك أحد في تكونها سارت سيرا مطردا في العقود الخمسة الأخيرة نحو التعاون والتفاهم والاتحاد، بالرغم من الحروب العنيفة والدامية التي كانت قد عرفتها فيما بينها سابقا، في حين أن الدول العربية التي بدأت قبل أي جماعة أخرى في تكوين رابطة إقليمية بهدف تسريع خطى الاندماج والوحدة، وهي التي لم تكن قد عرفت حروبا فيما بينها، وتشترك أكثر من أي بلدان أخرى في تاريخ، وثقافة، ولغة، ودين غالبي واحد، قد سارت أكثر من أي منطقة أخرى نحو التباعد والتشاحن والتنابذ والتفكك بل نحو الحروب الداخلية. هكذا لم تساعد القرابة القومية الفعلية في تحسين شروط الاتحاد، والتفاهم بينما لم تمنع التمايزات القومية الواضحة والقوية الدول الأوروبية من التقدم بسرعة نحو الاتحاد.

على هذا السؤال المحير ليست هناك بعد إجابات شافية، بالرغم من الأدبيات الكثيرة والمتنامية حول موضوع إخفاق الجامعة العربية أو العمل العربي المشترك أو تجديد مشاريع الاندماج والتكتل الاقتصادي في المنطقة العربية، وآخرها مشروع منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى.

ويبدو لي اليوم من التأمل في التاريخ العربي الاقليمي الحديث، وفي الأدبيات الكثيرة التي أنتجها أيضا في هذا الميدان أن السبب الرئيسي والحاسم الذي يفسر هذا التردد العربي في تحقيق مشاريع التكامل والتعاون، لا يكمن في الضغط الخارجي- كما كنا نتصورعادة- ولا في حرص النخب القائمة على الحكم على الدفاع عن مصالح قطرية أو وطنية قطرية فعلية، ولا من باب أولى في نقص الثقافة التعاونية أو التمسك بالقطرية كقضية مبدئية. إنه قائم بالعكس من كل ذلك على غياب الوعي عند هذه النخب نفسها في المصالح العليا والوطنية وارتمائها على الدول الكبرى لضمان الحماية الخارجية. فالذي دفع النخب الأوروبية إلى السير نحو التعاون الاقليمي ثم الاتحاد السياسي، كما هو الحال اليوم ليس شيئا آخر سوى التمسك بمنطق البحث عن تعظيم المنافع والمكاسب الاجتماعية لأفراد شعوبها. فهي لا تتحرك بدافع البحث عن المصالح الخاصة، ولكن بدافع تحقيق المصالح الأهلية والوطنية باعتبار ذلك هو مصدر الشرعية الحقيقية لها، وهو الضمانة الرئيسية في أن تعاد الثقة بها والتجديد لها في القيادة والحكم في نظم سياسية تحكمها قاعدة الديمقراطية والانتخابات العمومية.

وبالعكس، إن ما يفسر تجنب العديد من النخب العربية، ونخب العالم الثالث عموما مشاريع التقارب والتعاون والتكامل الاقليمي هو كون معظمها طغما حاكمة لا تفكر إلا بمصالحها الخاصة، ولا تحتاج كي تجدد لنفسها في الحكم إلى أي مشورة أو موافقة شعبية، وإنما تحقق ذلك من خلال تحالفاتها الدولية وقوتها العسكرية والأمنية التي تضمن لها البقاء تماما، كما ضمنت لها الوصول إلى السلطة. وهذا يعني أن معظم دولنا تعمل بمنطق حماية النظم والمصالح القائمة بصرف النظر عن المصالح الوطنية والأهلية. ومن الطبيعي في هذه الحالة ألا نتوقع من هذه النخب التي نجحت في تحويل البلاد ومواردها إلى ملكية خاصة تتقاسمها هي وأبناؤها وأحفادهم وأنصارهم ومحازبوهم، من دون رقابة ولا مساءلة، أن تكون وحدوية، أي أن تتخلى بمحض إرادتها عما أصبحت تنظر إليه كإرث عائلي ومزرعة خصوصية.إن الوحدة لا يمكن أن تعني شيئا آخر بالنسبة إليها في هذه الظروف، سوى التضحية بمصالحها وانتحارها الذاتي على مذبح أهداف تراها مثالية ولم تتعامل معها لحظة إلا على أنها شعارات للاستهلاك والحصول على الشرعية.

ويعكس النقاش القائم على المفاضلة بين القطرية والقومية أو الاختلاف حول الأولويات فيما يتعلق ببناء الدولة القطرية أو دولة الوحدة القومية في البلاد العربية، غياب التفكير العقلاني، والموضوعي في مسألتين معا : مسألة بناء الدولة القطرية ذاتها، ومسألة تحقيق الوحدة العربية معا. وهذا ينبع من استخدام قضية الوحدة لأهداف الاستراتيجيات السياسية اليومية، ويهدف إلى الهرب نحو قضايا ومسائل نظرية مصطنعة لتجنب القضايا الراهنة والتاريخية المطروحة، وفي مقدمها طبيعة الدولة ذاتها قبل أن تكون قطرية أو قومية، ومن وراء ذلك مسألة بناء الدولة القطرية كدولة مواطنية بالفعل.

ومن البديهي ألا تكون هناك وحدة ولا تعاون ولا تفاهم بين الدول العربية قبل أن تتحول هذه الكيانات الهشة والمفتقرة هي ذاتها إلى الثقة بنفسها ومعرفة واجباتها وقدراتها، إلى دول حقيقية.أي قبل أن تتحرر من القيود التي تفرضها على تطورها ولقائها مع أفرادها وأبنائها السلطة المطلقة البيروقراطية والمصالح الشخصية والفئوية التي تكبلها وتفسد جوهرها فتحولها من أداة تنظيم، وتسيير، وتواصل بين الناس.

* أستاذ علم الاجتماع السياسي، ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بفرنسا.

 

عودة إلى قائمة الخطاب الفلسفي - سؤال الهوية