Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 الإسلام وفرنسا والعالم في عيون مفكر فرنسي

 

هادي يحمد

إسلام أونلاين 26 ديسمبر 2004

 
 
يعرف نفسه بأنه "بلا ديانة"؛ فهو فرنسي من أم يهودية ومن أب قبطي مصري، اختار أن يطبق "مقاربة إنسانية مبنية على معرفة الآخر" في دراسته للإسلام والمسلمين فانتهى إلى نتائج أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مستفزة للنظرة التقليدية الغربية للعالم الإسلامي: ذلك هو "آلان جريش" أحد أبرز المثقفين الفرنسيين، رئيس تحرير جريدة "لوموند ديبلوماتيك"، والذي خص شبكة "إسلام أون لاين.نت" بهذا الحديث الذي انطلق من تساؤلات عن كتابه الجديد "الإسلام والجمهورية والعالم" وانتهى إلى التساؤل عن الحركات الإسلامية ومستقبلها ومستقبل صراع أمريكا مع الإرهاب ومكانة العلمانية في العالم الإسلامي والأزمة العربية مع الحكم والديمقراطية.

 

* في كتابك الأخير "الإسلام والجمهورية والعالم" قمت بصياغة تعريفات عديدة لمصطلحات من قبيل "الإسلام" و"المسلمين" و"العلمانية" و"الإرهاب".. بالرغم من أن كل هذه المصطلحات قد أشبعت بحثا في الأبحاث الغربية، فهل يتعلق الأمر بمراجعات لهذه المصطلحات وبقراءة جديدة لها؟.

أولا: عندما تقول إنها مصطلحات عرفت من قبل فهذا أمر ليس دقيقا تماما في الغرب؛ إذ يجب أن نفهم أن الإسلام يعد ثقافة أجنبية تماما عن الغربيين أو غالبيتهم على الأقل؛ ففي العالم العربي والإسلامي يمثل الإسلام جزءا من حياتكم، أي من الأشياء التي تعتبر من المسلمات بالنسبة لكم، بالمقابل هنا في الغرب حيث يمثل الإسلام أقلية وهو لا ينتمي للثقافة الجمعية، وهذا ما يُحدث الخلط والتداخل في فهم المصطلحات المتعلقة بثقافة أخرى؛ فالغربيون في حاجة دائمة لتعريفات دقيقة حول معنى "الإسلام" و"الإسلامية" و"ماهية القرآن".. لذلك تصبح التعريفات مهمة جدا وإن كانت نسبية وغير مكتملة؛ فعندما نتحدث عن "المسلمين" مثلا فإننا لا نذهب إلى تعريف نعتبره تاما ومستوفيا، إذ إننا إزاء أكثر من مليار من الأشخاص لا يمكن أن نختزلهم في كلمة واحدة مبسطة؛ فالمسلمون الذين يعيشون في إندونيسيا أو مصر أو مالي أو كوسوفو لا يعيشون إسلامهم بنفس الطريقة، وليس من المسلم به إذا كنا جميعا مسلمين أن نرى الأشياء بالطريقة نفسها.

ثانيا: فقد أردت عبر هذه التعريفات إعادة صياغة حوار فرنسي– فرنسي جديد اتخذ في فترة معينة اتجاها واحدا حول عدة قضايا تتعلق بالإسلام سواء من خلال تعريفات تعود إلى إشكاليات سابقة أو من خلال قضايا حينية كقضية الحجاب الإسلامي بفرنسا أو من خلال ما يسمى "التهديد الإسلامي".. أي أن الهدف هو الخروج من التبسيط في تناول هذه القضايا كما تطرحها بعض وسائل الإعلام.

* يتولد لدى البعض انطباع بأنك تقوم بقراءة عكس التيار للمصطلحات "المتفق عليها" وأحيانا تبدو هذه التعريفات الجديدة "مستفزة" كتعريفك لمصطلح "الإرهاب" على سبيل المثال؟.

- هذا يندرج -أيضا- ضمن الخروج عن التفسيرات التبسيطية للإرهاب؛ فمصطلح الإرهاب أصبح من الكلمات التي تستعمل في جميع السياقات دون أي تفريق والتي تستهدف بالنسبة للبعض ضرب الخصم مهما كان. فعندما يعرف الغرب العمليات الإرهابية نجده يدرج تحت هذا المصطلح عمليات "الإيتا" بإقليم الباسك الأسباني وعمليات الجيش الجمهوري الأيرلندي في المملكة المتحدة والقاعدة، كما نجد تحت نفس المظلة حركة حماس وحزب الله اللبناني.. رغم أن الحركات مختلفة الأهداف والبرامج ولا يمكن أن نضفي عليها تعريفا واحدا مبسطا من قبيل مصطلح "الإرهاب". فعندما نتحدث عن الإرهاب في اعتقادي يجب التذكير بأمور مهمة، أولها أن الأمم المتحدة لم تتمكن -إلى الآن- من صياغة تعريف قانوني للإرهاب. وثانيها أن هناك مقولة تاريخية تقول: "إننا دائما كنا إرهابيين ضد أحد ما!"؛ فجبهة التحرير الوطني الجزائرية كانت تعتبر من قبل الحكومة الفرنسية الاستعمارية وقتها بكونها "حركة إرهابية"، واليوم "الشيشانيون" يعدون إرهابيين في نظر الروس.

يمكننا طبعا أن نستعمل مصطلح "الإرهاب" على كونه يمثل "استعمالا للعنف الأعمى ضد المدنيين"، ولكن وحتى إذا استعملنا هذا المصطلح في هذا المنحى فإننا يجب أن نذكر أن ولادة مصطلح الإرهاب في العالم كانت مرتبطة بما يسمى "بإرهاب الدولة" وليس إرهابا تقوم به الجماعات، فقد كانت لفرنسا سياسية إرهاب دولة في الجزائر أثناء الفترة الاستعمارية، والحكومة الإسرائيلية تستعمل اليوم "إرهاب الدولة" ضد الفلسطينيين وكذلك تفعل الحكومة الروسية ضد الشيشانيين. صحيح أن هناك اليوم جماعات تستعمل الإرهاب من أجل قتل مدنيين أبرياء كما تفعل بعض الجماعات الشيشانية أو بعض خلايا حماس أو غيرها.. لكن السؤال هو: هل يمكن أن نفصل هذه الأعمال عن أعمال العنف التي تقوم بها الدولة؟.

وإذا تم استثناء العمليات التي يقوم بها تنظيم القاعدة فإن بقية العمليات لها أسباب سياسية؛ فالذي يسبب أعمال العنف في "إسرائيل- فلسطين" هو قمع الفلسطينيين، والذي يتسبب في أعمال العنف في الشيشان هو القمع الروسي للشيشان، وإذا كنا نتوقع أن نوقف الإرهاب الذي يدينه الغربيون في فلسطين والشيشان دون إيجاد حل سياسي؛ فهذا لعمري بمثابة العدم.

* تقولون في كتابكم "إنكم تعتمدون مقاربة إنسانية تتأسس على الرغبة في فهم الآخر" لذلك قمت بشن هجوم عنيف على بعض الكتابات والقراءات الفرنسية والغربية عامة التي تعتقدون أنها تحمل فهما مغلوطا للإسلام ونظرة عنصرية تجاه المسلمين، فهل نستطيع القول إن هناك "أزمة فهم" للثقافة العربية الإسلامية أحد أهم تجلياتها تفاقم الإسلاموفوبيا؟.

- نعم.. ولكن ما يجب الانتباه له هو أن هذا الفهم المغلوط للإسلام والمسلمين في الغرب ليس بجديد؛ إذ كانت دائما هناك مفاهيم محرفة في الغرب تجاه الإسلام وهي نتيجة الإرث التاريخي والفترة الاستعمارية.

الجديد اليوم هو أننا أصبحنا تجاه ظاهرة جديدة في فرنسا وفي الغرب بصفة عامة وهي أن الإسلام أصبح مشكلة داخلية في الغرب وهو مشكلة خارجية في البلدان العربية والإسلامية، حيث أصبح بالنسبة لبعض باحثينا السياسيين بمثابة "خطر عالمي" يرتبط بمحفزات داخلية (مسلمي الغرب) وهو ما ينتج عنه خوف كبير في الشعوب الغربية يؤدي بنا في نهاية المطاف لعدم فهم للمسلمين وللإسلام.

هذا الخوف يستند للعمليات التي تقوم بها القاعدة، كما يستند أيضا إلى استقرار أقلية مهمة من المسلمين في الغرب أصبحوا بعامل الوقت من أهل البلاد؛ فالأغلبية من مسلمي فرنسا مثلا هم فرنسيون يملكون جواز سفر فرنسيا وشهادة ميلاد فرنسية، وهو ما يزيد في حساسية الخوف.

أما على المستوى السياسي أصبحنا مجبرين على الحديث عن الإسلام لا باعتباره ينتمي إلى ثقافة بعيدة جغرافيا ولكن كقضية قريبة منا؛ وهو ما أدى إلى التشكك في نوايا المسلمين الفرنسيين سياسيا؛ وهو ما شكل أزمة اتصال اجتماعي.. كل هذا يدفعنا إلى الحديث عن الإسلام بخوف ولكن في نفس الوقت عندما ننظر في السنوات الماضية لا نجد هذا التفاقم للإسلاموفوبيا الذي نجده الآن.

فمثلا بالنظر إلى الوضع في فرنسا فلك الحق في أن تنتقد الدين ولك الحق في أن تكون ملحدا وهو حق دستوري، وهذا ما شكل الإسلاموفوبيا ولا يمثل هذا رفضا للإسلام كدين وإنما ينظر للإسلام في فرنسا بأنه لا يتوافق مع مبادئ الديمقراطية والعلمانية وهو ما شكل صورة نمطية عن الإسلام والمسلمين بأنهم ينتمون إلى ثقافة مختلفة ويعتنقون دينا عنيفا يكن العداء للعلمانية والديمقراطية.. وقد تزاوج هذا مع النوع التقليدي من العنصرية المعادية للعرب التي وجدت في فرنسا منذ مدة طويلة والتي ضربت التواجد المغربي بالأساس، هذا ما أدى إلى سلوك أشكال مختلفة من العنصرية التقليدية تعبر أن الإسلاموفوبيا ليست في فرنسا فقط ولكن في كل البلدان الأوربية، تتمثل مثلا في هجمات ضد مساجد أو ضد فتيات محجبات، وبات هذا ملحوظا منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر حيث تضاعفت الهجمات ضد الرموز المرئية للإسلام.

الإسلاموفوبيا.. بين النقد والتفرقة العنصرية

* ولكننا نلحظ في الفصل الأول "صدام الحضارات" من كتابك ترددك في استعمال مصطلح "الإسلاموفوبيا"؟.

- لا يتعلق الأمر بالتردد، ولكننا يجب أن نشير إلى أنه لا يوجد بالفعل أي مصطلح يعبر بشكل صريح عن العنصرية أو التمييز تجاه المهاجرين من أصول مسلمة. فمنذ 10 سنوات ماضية في فرنسا نجد أن مصطلح "مسلمين" لم يكن موجودا؛ إذ كنا نشير إلى هؤلاء المهاجرين بمصطلح "مغاربيين" أو "شمال إفريقيين" أو "عرب".. إذن فهذه العنصرية المعادية للعرب تواصل وجودها، ولهذا يجب الانتباه عندما نقول إن "الإسلاموفوبيا" تغطي أمرا واقعا ولكنها لا تغطي كل مجموع الأعمال العنصرية التي تمس الكثافة المغاربية.

فعلى سبيل المثال إذا تقدم شاب يسمى "أحمد" بطلب للعمل فسيكون حظه أقل- بالطبع- من شاب آخر يسمى "آلان" وليس الأمر دائما باسم الإسلام؛ إذ يمكن أن يكون الأمر باسم العنصرية لكونه مغاربيا. إذن فمصطلح الإسلاموفوبيا لا يغطي كل أشكال العنصرية، ولكنه من المهم القول إن المصطلح يعرف ظاهرة جديدة لم توجد من قبل. فمن الجائز أن يعرف شخص ما على كونه "عنصريا" وإسلاموفوبيا في نفس الوقت، فبالنسبة لي هناك جزء من الناس يخفون عنصريتهم تحت مظلة الإسلاموفوبيا عندما يقولون إنهم ليسوا ضد العرب لكنهم معادون لدينهم ويعيبون على العرب كونهم يتمسكون بدين يمنعهم من الاندماج ويضطهد المرأة ويعادي الجمهورية...

* تقول في كتابك: "إنه وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر فإن القول المعادي للإسلام تحرر"، فأين يكمن الخيط الفاصل بين النقد البناء بمعناه العلمي وبين القول الإسلاموفوبي بمعناه العنصري؟.

- صحيح أن هناك مشكلا حقيقيا، فهناك بعض المسلمين ممن يستعملون مقولة الإسلاموفوبيا لرفض أي انتقاد للإسلام. فخيط الفصل ليس بسيطا وفي كل الأحوال ليس هناك جواب بسيط لهذا السؤال. الفرق بين النقد والإسلاموفوبيا -كما أرى- ينطلق من السياق العام للقول؛ ففي فرنسا هناك نقد تاريخي للدين مع فولتير مثلا وكل ما حدث في القرن الثامن عشر وما قام به الثوريون ضد الكنيسة.

وفي خصوص الإسلام، طبعا لنا الحق في فرنسا في نقد الإسلام ولكننا عندما ننقد الإسلام لا نثبت بأية حال من الأحوال أننا شجعان لأننا لا نخسر شيئا أو لأن الإسلام ليس قوة مهيمنة مثل الكنيسة في القرن الثامن عشر.

فعندما يقول "ميشال والباك": إن "الإسلام الديانة الأكثر غباء في العالم" مثلا لا يمكنني أن أقاضيه بتهمة العنصرية، ولكن عندما نسمع "كلود إمبارك" مدير مجلة لوبوان الفرنسية يعلن كونه "إسلاموفوبي" أو يقول إن المسلمين غير قادرين على الاندماج في فرنسا لكونهم مسلمين فأعتقد أننا إزاء نوع من العنصرية فهذا القول العنصري يبين بأن المسلمين غير قابلين للاندماج ليس لكونهم عربا ولكن لكونهم مسلمين.

وهناك ما أعتبره انحرافا في المجتمع الفرنسي يتمثل في معاملة كل المسلمين وإن اختلفت طريقة رؤيتهم وتطبيقهم للإسلام وكأنهم مسئولون عن كل ما يحدث في العالم. فالكثير من أصدقائي "المسلمين" وإن كان بعضهم لا يطبق إسلامه بالمعنى الحرفي للكلمة يسألون من قبل زملائهم في العمل عن مواقفهم من أحداث الحادي عشر من سبتمبر ومن تفجيرات العاصمة الأسبانية مدريد.. لماذا يطالب هؤلاء بتقديم موقفهم و"براءتهم" من الاتهامات والحال أنه من المفترض أن يكونوا كأي مواطنين فرنسيين.

وهناك أشكال أخرى من الإسلاموفوبيا تتجسم في إظهار النساء المسلمات وكأنهن النساء الوحيدات اللاتي يتعرضن للقمع في المجتمع الفرنسي، والحقيقة أن الضغط الذي تتعرض له المرأة في فرنسا والناتج عن عدم مساواتها بالرجل قضية تمس المجتمع الفرنسي بأكمله، خاصة عندما نعلم أن 10% فقط من أعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) هم من النساء.

* وهل تناصر الدعوة لتطوير العلمانية الفرنسية بالشكل الذي يتيح حرية أكبر للمظاهر الدينية في الأماكن العامة خاصة بعد إقرار قانون يمنع الرموز الدينية في المدارس وخاصة الحجاب؟.

- لقد خصصت الفصل الخامس من كتابي للعلمانية الفرنسية وتاريخها، وخلافا لما يقال فلم تكن العلمانية أبدا معادية للدين، وبالنسبة لمسألة الرموز الدينية للتلاميذ فقد أثيرت لأول مرة بهذا الشكل.

وأعتقد أنه حتى بدون التفكير في تعديل العلمانية كان من السهل قبول الحجاب الإسلامي وغيره من الرموز الدينية، فمثلا في سنة 1989 أعلن مجلس الدولة قراره المعروف والذي يسمح بالحجاب شرط ألا يكون مظهر تحرش واستفزاز في المعاهد.

وأرى أنه يجب مناهضة الفهم الخاطئ لهذه العلمانية أو ما يمكن أن نسميها بالاتجاه العلماني الذي يريد أن يثبت أن العلمانية هي ضد الديانة... يجب أن نقر أن ولادة العلمانية اندرجت في الحرب ضد الكنيسة، ولكن تم فيما بعد للكنيسة إثبات مكانتها التاريخية، فهناك العديد من الأعياد الكاثوليكية الدينية هي أعياد وطنية في فرنسا، وفي الألزاس شمال فرنسا نجد أن رجال الكنيسة يتم تسديد مرتباتهم من قبل الدولة.

وأعتقد أن استعمال العلمانية في قضية الحجاب كان بمثابة "مطية" لخوض حملة ضد الإسلام؛ إذ إن الأمر لا يتعلق بتطبيق للعلمانية.

ليست أزمة الإسلام.. بل أزمة المسلمين

* الذين خاضوا ما أسميته "بالحملة" ضد الإسلام انطلقوا من قراءات اعتبروا فيها أن الحجاب الإسلامي انعكاس لأزمة داخل المنظومة الإسلامية ذاتها.. فماذا تقول في هذا الطرح؟.

- أنا متحفظ جدا تجاه هذه الاستنتاجات التي تعتبر أن هناك أزمة عامة في الفكر الإسلامي، ولكن بالرغم من ذلك فإننا نستطيع القول: إنه منذ سنوات الستينيات والسبعينيات فرضت من خلال الشبكات التي ترتبط خاصة بالمملكة العربية السعودية رؤى شديدة الانغلاق؛ خاصة عندما يسأل الأئمة أمام آلاف المشاهدين أسئلة مثل: "هل يمكنني أن أرد على الهاتف إذا كان زوجي غائبا؟".. أعتقد أنه إذا كان هناك تفكير من هذا القبيل والتركيز على ما هو حلال وهو حرام والذي يختصر الإسلام في أجندة على مقاييس مختلفة من قبيل: هل أنام على جانبي الأيمن أو الأيسر؛ فإننا يمكن أن نقول بمقولة الأزمة.

كذلك فوجود مشاكل اقتصادية وديمقراطية يروج لهذه القراءة في العالم الإسلامي؛ لأن الناس هم في ذاتهم يعيشون الأزمة.

ما أريد التأكيد عليه أنه لا توجد أزمة إسلام بالمعنى العام، ولكن هناك أزمة مجتمعات إسلامية؛ ففي منظمة مؤتمر العالم الإسلامي التي تجمع أكثر من 50 دولة إسلامية نجد أن مظاهر الأزمة تختلف درجاتها؛ ففي إندونيسيا هناك تداول وديمقراطية وصحافة حرة بعكس بلدان أخرى أكثر "علمانية" كتونس وسوريا اللتين ترزحان تحت أنظمة شمولية.

* إذن نحن إزاء أزمة سياسية وليس أزمة تتعلق بالإسلام في حد ذاته؟.

- نعم والأمر هنا لا يتعلق بالعالم الإسلامي وحده؛ حيث إننا نجد أزمات مشابهة في أمريكا اللاتينية وفي إفريقيا وفيما نسميه بالعالم الثالث بصفة عامة، وهي أزمة دول تعيش الفقر وتدني مستوى العيش؛ فالأمر يتعلق بأزمة عامة ولكنها ليست قطعا أزمة خاصة بالعالم الإسلامي، وإن كان جزء من هذه الأزمة يمس المسلمين لأنهم ينتمون إلى العالم الثالث.

* ولكن ألا يمكن أن نقر بخصوصية الأزمة في العالم الإسلامي؟.

- هذا أمر معقد نسبيا، ولكن صحيح أن العالم الإسلامي يحمل نظرة أنه ضحية اعتداءات متلاحقة منذ الفترة الاستعمارية الأخيرة، وهو أمر حقيقي يؤكده ما يحدث اليوم في العراق وفي فلسطين.. ولكن هناك تعميم من جانب العالم الإسلامي بالنظر إلى الغرب على أنه عدو بينما فرنسا على سبيل المثال كانت ضد الحرب على العراق وكذا الأمر بالنسبة للفاتيكان وبالتالي فإن الحرب لم تكن دينية ولكنها حرب سياسية.. كما نجد أن الفهم العام في العالم الإسلامي يذهب إلى اعتبار أن كل المشاكل تأتي من الخارج وهذا أمر غير صحيح؛ فقادة العالم الإسلامي يتحملون مسئوليتهم كما هناك مسئولية الشعوب، حيث يجب عدم الاعتقاد أبدا أن الشعوب قصر؛ فالشعوب في الفترة الاستعمارية انتفضت، ومن الخطأ أن يرمي العالم الإسلامي كل المشاكل على الخارج.. وإذا أخذنا المشكل الفلسطيني على سبيل المثال فنجد أن ما يصدم في هذه القضية ليست المساندة العمياء من الولايات المتحدة لإسرائيل ولكنه الصمت العربي وهو ليس فقط صمت الحكومات ولكنه صمت الشعوب أيضا.. فاليوم هناك احتجاجات في الشوارع الأوربية أكبر من التي نجدها في العالم الإسلامي تجاه ما يجري في غزة.

* ربما علينا أن نأخذ بعين الاعتبار قمع الأنظمة التي تمنع أي شكل من أشكال التظاهر بخلاف الديمقراطية الغربية التي تتيح حق الاحتجاج والتظاهر؟.

- العالم العربي هو المنطقة الوحيدة في العالم التي لم تعرف تغييرات سياسية منذ 50 عاما، فمن يحكم اليوم هم رؤساء وملوك منذ الستينيات أو الذين يسيرون طبق سياساتهم، ولا توجد أي منطقة في العالم تعيش هذه الإشكالية.

فمنذ الفترة الناصرية تمت تصفية كل الفعاليات السياسية والنقابية والأهلية والتنظيمية. وما يثير الدهشة في هذا الواقع السياسي الخرب تصريح أدلى به أحد قادة جبهة العمل الإسلامي (الإخوان المسلمون) في الأردن بعد سقوط العراق في أيدي الأمريكان، حيث صرح هذا المسئول بأن خروج العالم العربي من هذه الوضعية ينطلق من تطبيق الشريعة، ولا تعليق على هذا القول، فالمشكلة ليست في تطبيق الشريعة، ولكن أن نتصور أن إنقاذ العراق ينطلق من تطبيق الشريعة في الأردن، قول يراد به الضحك على ذقون الأردنيين ليس إلا. وعندما أتحدث عن مسئولية الحكام والشعوب فاني لا أخفي مسئولية قوى المعارضة المطالبة بالقيام بدور واقعي ومحرك لهذا الخواء السياسي.

الحركات الإسلامية.. أزمة غياب المشروع

* ما رأيك في القول إن الوضع في العالم العربي والإسلامي يفتقد للقوى المعارضة، هذا إذا ما استثنينا الإسلاميين الذين يمثلون قوة شعبية حقيقية؟.

- إذا قارنا الوضعية الحالية بسنوات الستينيات حيث كان لليسار العربي وجود قوي، نقول إن هذا الأمر صحيح، وبالنظر إلى تحول اليسار إلى قوة ثقافية حصرا أو -بعبارة أخرى- إلى "برجوازية" ثقافية مكونة من عدة نخب هنا وهناك؛ فقد خلت الساحة الشعبية بالفعل للإسلاميين الذين أصبحوا القوة الجماهيرية الوحيدة.

* هل يمثل الطرح الذي يقدمه الإسلاميون مستقبلا في العالمين العربي والإسلامي؟.

- أولا ما زال مصطلح "إسلاميين" بفرنسا غامضا جدا، وإذا تحدثنا عن الإسلاميين اليوم بصفة عامة نجدهم يتمثلون في الحركات التي تجعل من الإسلام برنامجها الثقافي والسياسي والاجتماعي، وهنا نقصد مجموع الحركات التي تتراوح بين الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة.. ويجب أن نعي أولا التنوع الشديد داخل هذه الحركات.

وإذا أخذنا التيارات الأساسية الأكثر جماهيرية وخاصة الإخوان المسلمين فإلى يومنا هذا لم تقدر هذه التيارات على تقديم إجابة أو قراءة معينة واضحة المعالم أو برنامج متكامل لأزمات عالمهم، ولا أرى في وصولهم إلى السلطة أي تغيير جذري في وضعية العالم الإسلامي.

إذا أخذنا مثال تركيا فإننا نجد أن هناك اليوم حزبا محافظا مبنيا على أيديولوجيا الحركات الإسلامية له بطبيعة الحال بعض الإيجابيات عن الحكومات التركية العلمانية السابقة، من حيث أنه الأقل فسادا في السبيل الاقتصادي ويقوم من الناحية السياسية بتطبيق سياسة يمينية. على كل حال أنا أرى أن التجربة مفيدة من ناحية أنه تم إدماج جزء من التركيبة الاجتماعية في الحياة السياسية كما حدث الأمر بالنسبة للأحزاب المسيحية في الخمسينيات من القرن الأخير؛ وبالتالي تطبيق نموذج الأحزاب المسيحية الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي.. وبعيدا عن هذا كله فإن الحركات الإسلامية لا تملك برنامجا سياسيا يستجيب لمشاكل المجتمع.

أما أبرز تحركات هذه الحركات فتنحصر في التضامن مع الفلسطينيين أو العراق أو غيرهما.. وأنا لست ضد هذا، ولكن عندما نضع هذه الاحتجاجات التضامنية بمثابة المحور الأساسي لهذه الحركات فهو ما يجعلنا أن نقول إنها تتغافل عن وجود مشاكل اجتماعية وسياسية أخرى حيث لا نجد إجابات في برامج هذه الحركات للمشاكل الحقيقية كمواجهة الفقر والتنمية ومواجهة الاقتصاد المعولم والانخراط في الدورة الاقتصادية العالمية.. والادعاء بأنهم لم يصلوا للسلطة لا يبرر أنهم لا يملكون برنامجا سياسيا.

* كان الباحث الفرنسي "أوليفييه روا" أول من أشار إلى ما سماه "بالفشل الإسلامي" هل تشاركه هذا التوجه؟.

- ماذا تقصد بالفشل أولا؟ فهو -روا- عندما تحدث عن الفشل كان يقصد فشل الحركات الإسلامية طيلة فترة التسعينيات في إقامة دولة إسلامية بالقوة المسلحة.. أنا أعتقد أن فشل الحركات الإسلامية إلى حد الآن كامن في كونها لا تملك برنامجا.. فالبرنامج الوحيد الذي تطرحه الحركات الإسلامية بالنسبة للدولة الإسلامية هو تطبيق الشريعة، وقد طبقت الشريعة في أفغانستان وفي السودان وإيران.. ولكن ماذا بعد ذلك؟ فأكثر من 90% من مشاكل العالم الإسلامي لا علاقة لها بالدين، وهذه المشاكل مرتبطة بالنمو الاقتصادي وبالتحرر السياسي. فهل لهذه الحركات إجابات لهذه المشاكل؟ هذا هو في اعتقادي السؤال الحقيقي.

أنا أرى أنهم لا يملكون حلولا، والبعض منهم يطرح حلولا متحفظة كما هو الحال بالنسبة للحكومة التركية التي تحمل الصفة الإسلامية ولكنها تطبق سياسات ليبرالية لا تختلف عن سياسات حلفاء أمريكا.

ولكن بالرغم من كل ذلك فهناك مسألة مهمة في هذا السياق وهي أن للشعوب الحق في اختيار ثقافتها الخاصة بها، وأنا أقف ضد الدعاوى الغربية التي تقول للعالم الإسلامي يجب أن تكونوا علمانيين مثلنا لتفلحوا.. طبعا هناك مبادئ إنسانية تتعلق باحترام حقوق الإنسان والمساواة ولكن هناك طرقا مختلفة لتجسيم هذه المبادئ، وفي العالم الإسلامي أعتقد أن هناك من الطرق ما يؤدي إلى تطبيق هذه المبادئ الإنسانية دون أن يكون ذلك متعارضا مع الإسلام مثلما يريد البعض إظهاره في الغرب. فنحن في فرنسا نسلك طريقا خاص بنا أدى إلى أن يكون تطور العلمانية على حساب الكنيسة؛ الأمر الذي لا أراه ضروريا في العالم الإسلامي حيث يمثل الدين مكانة مهمة ويعتبره الناس جزءا من حياتهم.

الخصوصية في الإصلاح.. حق وممكن

* إذن يمكننا البحث عن طريق آخر للتقدم في العالم الإسلامي غير العلمانية الغربية؟.

- طبعا.. فالعلمانية الفرنسية هي أولا وأخيرا علمانية فرنسية وهي نتيجة طبيعية لتاريخنا، والعلمانية المتحققة في أوربا هي أوربية بالدرجة الأولى، وفي الولايات المتحدة وفي بريطانيا هناك علمانية على نحو خاص مختلفة عن العلمانية الفرنسية، وبطبيعة الحال فإن مكانة العلمانية في العالم الإسلامي ستكون مختلفة، فمن العدل التفكير بنفس الطريقة وتطبيق نفس القواعد.

أنا ليس عندي اعتراض أن يكون الإسلام مركبا أساسيا في تكوين الديمقراطيات الإسلامية، وإذا أخذنا ما طرحه الإخوان المسلمون في مصر في المدة الأخيرة فإنه يتناسب مع هذه النظرة، حيث نجد أنهم يطرحون التداول السياسي كما يطرحون أن السيادة يجب أن تكون للشعب، وإذا حاججنا الإخوان المسلمين في النقطة الأخيرة فقط على أن تكون السيادة كاملة للشعب فإن المكانة التي ستعطى للدين في المجتمع وفي القوانين تصبح مسألة ثانوية؛ لأن الشعب هو الذي سيحدد هذه القوانين. وحتى عندما يقع إقرار الإسلام بكونه دين أغلبية الشعب فإن هذا أمر لا يقلق ما دام أننا في نظام ديمقراطي.

* وما هو رأيكم في فكرة فرض الديمقراطية على العالم الإسلامي كما تطرحها الولايات المتحدة وكما تساندها في ذلك نخب عديدة في الغرب؟.

- الحقيقة أن مثل هذا الطرح يضرب في صميم الأفكار الديمقراطية الغربية التي ندافع عنها.. فأنا أعتبر نفسي ديمقراطيا أناصر الحقوق الفردية والعامة والمساواة.. وعندما أنظر إلى موقف الولايات المتحدة التي تتحدث عن هذه المبادئ فإن النتيجة الوحيدة التي يمكن أن أتوقعها في العالم الإسلامي هي فقدان مصداقية هذه الأفكار في العالم الإسلامي؛ فالعالم الإسلامي يقول لنا اليوم أنتم الذين تتحدثون عن الديمقراطية تشنون الحروب في العراق وتهينون العراقيين بفضائح أبو غريب وتقتلون الفلسطينيين عندما تساندون شارون.

وهذا في رأيي أمر خطير جدا؛ فهو من وجهة نظر معينة يغذي الاتجاهات المتطرفة التي تقول نحن لسنا في حاجة للديمقراطية الغربية التي تبشرنا بحروبها الولايات المتحدة الأمريكية.

* في الختام ما هي توقعاتك لمستقبل هذه الحرب التي تشنها الولايات المتحدة تحت لافتة "محاربة الإرهاب" سياسيا وتحت لافتة "صدام الحضارات" ثقافيا؟.

- الكتاب الذي ألفته يندرج في إطار محاربة هذه الفكرة التي تقول بحتمية صدام الحضارات، هذا في نفس الوقت الذي لا أخفي فيه قلقي من رواج هذه الفكرة؛ إذ لا يكفي أن تكون فكرة ما خاطئة حتى يتجنبها الناس، وعندما يعتقد الناس في فكرة معينة تصبح مع الزمن فكرة صحيحة. فإذا كانت الشعوب الغربية أصبح لها اعتقادات أنها تخوض صراعا ضد العالم الإسلامي، وأن العالم الإسلامي أصبح يحمل اعتقادا أنه يخوض صراعا ضد الغرب فإن الأمر يصبح خطيرا جدا. وقد قلت في كتابي على سبيل المثال إنه إذا اعتقدنا أن ما يجري في أفغانستان وفي العراق وفي فلسطين ومنع فتاة متحجبة في فرنسا من دخول المدرسة له علاقة ببعضه البعض ويندرج ضمن الهجمة الغربية على الإسلام فإن الأبواب تصبح مفتوحة على مصراعيها لخطاب التحريض بأن هناك حرب حضارات.

الأخطر من ذلك أن هذا الخطاب من الجانبين يدفعنا إلى ذلك، فمن جهة هناك الخطاب الأمريكي متمثلا في حكومة بوش، ومن جهة أخرى نجد أن ابن لادن يردد نفس الخطاب معلنا أن المسلمين إزاء حرب صليبية جديدة، وإذا تمكن هذا الخطاب من إقناع الشعوب الإسلامية والغربية فان الأمر سيؤدي إلى الكارثة.

 


 

 

عودة إلى قائمة الخطاب الفلسفي - الإسلام والغرب