Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة

فلاسفة العرب

موقع مركز البحوث المعاصرة ، مجلة نصوص معاصرة الفصلية ، صحيفة ثقافية الكترونية
 
بحث مخصص

 

عبد الوهاب المسيري و النماذج التفسيرية

الجماعات الوظيفية

بقلم,  عبد الله إدالكوس*

14 سبتمبر 2006

 

 

 

 أشرت فيما سبق من المقالات أن عبد الوهاب المسيري يسعى إلى فهم الظاهرة اليهودية في عمله الموسوعي مستندا إلى آليات تفسيرية .وتناولت مفهوم العلمانية الشاملة.و سأحاول في هذا المقال أن أتطرق إلى نموذج آخر اعتمده عبد الوهاب المسيري وهو لايقل أهمية عن النموذج الأول ولاينفصل عنه ، أي  نموذج "الجماعات الوظيفة" وهو مفهوم قام بوضعه استنادا إلى مصطلحات قريبة في علم الاجتماع، لوصف مجموعات بشرية تستجلبها المجتمعات الإنسانية من خارجها في معظم الأحيان، أو تجندها من بين أعضاء المجتمع أنفسهم من بين الأقليات الاثنية أو الدينية، أو حتى من بعض القرى أو العائلات، ثم يوكل لأعضاء هذه المجموعات البشرية أو الجماعات الوظيفية، وظائف شتى لا يمكن لغالبية أعضاء المجتمع الاضطلاع بها لأسباب مختلفة.

وبدأ مفهوم الجماعة الوظيفية يتبلور منذ سنة 1975، حيث تعمقت عند عبد الوهاب المسيري هذه الرؤية في مراحل خاصة عبر تجربته الذاتية وفي دراسته المتنوعة عبر الحقول المعرفية الاجتماعية، لعل أبرزها دراسته لبعض أعمال "زيميل" [Zimmel] عالم الاجتماع الألماني الذي كتب عن سوسيولوجيا الغريب، وبعض أعمال "كارل ماركس" [Karl Marx] (1818-1881) و"ماكس ﭭيبر" و"ﭭـرنز سومبارت" [Werner Sombart] ، اللذين تناولا إشكالية الرأسمالية وعلاقتها باليهود واليهودية، وهي على حد تعبير "ماكس ﭭيبر" *

رأسماليةاليهود المنبوذة* كما درس الأدبيات الخاصة بالجماعات التجارية الوسيطة والجماعات التجارية الهامشية في علم الاجتماع الغربي." 66

"إن مفهوم الجماعة الوظيفية مثله مثل مفهوم الطبقة، الذي صاغه "كارل ماركس" واعتمده كأداة تحليلية فهو يؤكد على أهمية العناصر الاقتصادية، ولكنه يتعامل في ذات الوقت مع عوامل أخرى مثل المكانة، الثقافة، الرؤية، علاقة الأقلية بالأغلبية، النسق القيمي...الخ." 67 ولذلك يرى عبد الوهاب المسيري أن مفهوم الجماعات الوظيفية مفهوم قديم وجديد في الوقت نفسه فهو قديم بحسبان أن كثيرا من المفكرين في الغرب قد وظفوه دون تسميته " فكاتب مثل "شيكسبير"  قي تاجر البندقية، يصف شيلوك في عبارات* تبين أن الكاتب الإنجليزي العظيم قد أدرك بشكل فطري بعضا من ملامح الجماعة الوظيفية" 68” ويمكن القول انه مفهوم  قديم بحسبان أن هناك محاولات في علم الاجتماع الغربي لوصف بعض الجماعات الوظيفية من خلال مجموعة من المصطلحات، من بينها "الأقلية الوسيطة" و "الشعوب التجارية الوسيطة" و" الوسطاء المهاجرون" و" الشعوب التجارية الهامشية" 69

ولكن مفهوم الجماعات الوسيطة المالية والتجارية يستبعد كثيرا من الظواهر التاريخية والثقافية، التي تتسم بها جماعات مختلفة وفي حقب تاريخية متعددة ولذلك فإن مفهوم الجماعات الوظيفية يربط بين هذه الظواهر فهو" يتسم بمقدرته على عدم الذوبان في فكرة القانون العام " الذي يسقط فيه مفهوم الطبقة "وكذلك عدم السقوط في خصوصية الظاهرة وتأيقنها." أي : "تصبح الظاهرة كالأيقونة لا تشير إلا إلى ذاتها." ومن ثَـمَّ، فهو مفهوم تحليلي يظل مرتبطا بتموجات الواقع والمنحى الخاص للظاهرة ولكنه مع هذا يربط بين الظواهر المختلفة." 70

وحاول المسيري أن يربط النموذج بسياق عام تكتف بداخله العديد من الحالات المتنوعة، والتي تختلف من حيث نوع الجماعة أو نوع المجتمع، بحيث يمكن أن تكون جماعة من جماعات المجتمع، أي تتمتع بالعضوية الكاملة في المجتمع، ويمكن أن يكون العكس بمعنى أنها تمثل أقلية لا يعترف المجتمع لها بالعضوية الكاملة، وبالتالي لا تعد منتمية انتماءا كاملا للحضارة. وبذلك يكون مفهوم الجماعات الوظيفية، مفهوم مركب ومكثف له قدرة عالية في التفسير تفوق بكثير النماذج التفسيرية الاختزالية كمفهوم الطبقة ومفهوم الجماعات الوسيطة، يقول المسيري : " إننا في محاولة نحث نموذج تحليلي جديد ومركب لم نذهب إلى التوراة والتلمود والبروتوكولات، وحارات الجيتو، ولا إلى بقعة جغرافية معينة أو لحظة تاريخية بعينها، ولم نستسلم لأي أطروحات أو مسلمات عامة (الصراع العربي الإسرائيلي إن هو إلا صراع طبقي أو اقتصادي، العنصر الاقتصادي هو الذي يحرك كلا من العرب واليهود، اليهود إن هم إلا برجوازيون صغار، إسرائيل إن هي إلا قاعدة الاستعمار الغربي، اليهود هم مصدر كل الشرور في كل زمن ومكان) بل درسنا كل جماعة يهودية في سياقها السياسي والاقتصادي والتاريخي والحضاري والديني والإنساني المتعين حتى نفهم العناصر التي تنفرد بها عن غيرها والعناصر المشتركة بينها وبين الجماعات اليهودية الأخرى."71

ومن أبرز الخصائص التي يتميز بها مفهوم الجماعات الوظيفية، كونه نموذجا يمكن تطويعه وتطبيقه على كثير من المجتمعات الشرقية والغربية في الماضي والحاضر، بعكس مفهوم الطبقة، الذي لا يمكن تطبيقه إلا على المجتمعات الغربية التي تأثرت بالثورة الصناعية، حيث أفرزت هذه الأخيرة الطبقات الاجتماعية واشتدت الهوة بين الطبقة الفقيرة والطبقة الغنية.

ثم إن نموذج الجماعة الوظيفية لا يستبعد مفهوم "الطبيعة البشرية" الذي تم استبعاده في النماذج الاختزالية، فقد حاول المسيري أن يتجاوز هذه الأخيرة لا عن طريق رفضها وإنما عن طريق ” مزجها وربطها الواحدة بالأخرى كما ربط بينها وبين نماذج تفسيرية أخرى لظواهر أخرى وجرد من كل هذا نموذجا تحليليا واحدا“. "إن نموذج الجماعات الوظيفية يتسم في تصورنا بقدر أعلى من المرونة والشمول والتركيب من عائلة النماذج الجزئية التي أشرنا لها من قبل، وهو نموذج يتجاوز الأبعاد الاقتصادية والسياسية المباشرة، ليصل إلى الأبعاد الحضارية والمعرفية، كما انه يغطي الأصول الاجتماعية والتاريخية والإثنية للظواهر موضع الدراسة، وسماتها البنيوية، ومسارها التاريخي ورؤية أعضائها للكون، وهكذا نجد أن مفهوم الجماعات الوظيفية نموذج مركب مكثف له مقدرة تفسيرية عالية تفوق المقدرة التفسيرية للكثير من النماذج التفسيرية السابقة مثل مفهوم الطبقة ومفهوم الجماعات الوسيطة." 72

ويحاول المسيري أن يحدد الإطار الذي تتحرك فيه الجماعة الوظيفية –باعتبارها جماعة توجد في مجتمع ما، أو دولة ما - من حيث علاقتها بالمجتمع الذي تعيش فيه بالاستناد إلى فكرة الوظيفية في مجال تحديد العلاقة بين الجماعة والمجتمع" حيث يرى المسيري أن "الجماعات الوظيفية تربطها بالمجتمع علاقة من نوع خاص، وتركز هذه العلاقة على وظيفة محددة يطلبها المجتمع من الجماعة، ويرتبط وجودها بمدى قيامها بهذه الوظيفة." 73. فهذه الوظيفة لا يمكن لأعضاء المجتمع أن يقوموا بها، أو غالبا ما يتم النفور منها، فيضطر المجتمع إلى "استجلاب عنصر بشري من الخارج لملء فجوة أو ثغرة قد تنشأ بين رغبات المجتمع وحاجاته من ناحية، ومقدرته على إشباع هذه الرغبات والوفاء بهذه الحاجات من ناحية أخرى." 74 وقد يكون ذلك بسب " حاجة أعضاء النخبة الحاكمة إلى جماعة بشرية لها من القوة، ويمكن استخدمها "الجماعة" دون أن تكون لها المقدرة على المشاركة في السلطة بسب افتقادها للقاعدة الجماهيرية." 75

وتتعدد الأسباب التي تؤدي إلى ظهور الجماعات الوظيفية بتعدد الجماعات ومن ضمن الأسباب الهامة نذكر "وصول المهاجرين، فالمهاجرون لا يمكنهم الانخراط في كل الحرف والنشاطات الاقتصادية، ولذا فعليهم اختيار حرف أخرى." 76. وغالبا ما تكون حاجة المجتمع المضيف إلى الحفاظ على تماسكه وطهره هي الدافع إلى استجلاب هذه الجماعات "فتركز الحياد والدنس والتعاقد في جماعة بشرية هامشية، يعني أن بقية أعضاء المجتمع المضيف يمكنهم التمتع بالدفء والتراحم، وأن تركز التميز في مجموعة هامشية أخرى يعني خفض حدة التوتر الاجتماعي، وان تركز الدنس في مجموعة ثالثة يعني أن المجتمع سيتمتع بطهره الأخلاقي." 77

  من الواضح إذن أن السمات الأساسية لأعضاء الجماعات الوظيفية، متناسبة مع ما سبق ذكره من أسباب، فهي شخصيات متحوسلة، منعزلة ومغتربة لا جذور لها ولا ولاء، بحيث انهم يدخلون في علاقات تعاقدية مادية مع المجتمع لا تراحم فيها. فهم مجرد مادة توظف. يقول عبد الوهاب المسيري " أعضاء الجماعات الوظيفية، شخصيات متحوسلة” من كلمة” حوسل“ بمعنى تحول إلى وسيلة“ منعزلة مغتربة لا جذور لها ولا ولاء، ينظرون لأنفسهم باعتبارهم كيانا مستقلا ولكنهم في الوقت نفسه ينظرون لأنفسهم في علاقتهم بالمجتمع المضيف باعتبارهن مادة توظف، وهم يدخلون في علاقات تعاقدية، مادية مع المجتمع لا تراحم فيها"78. وتبرز سمات أخرى يتصف بها أعضاء الجماعات الوظيفية، كالانفصال عن المكان والزمان والإحساس بالهوية الوهمية و" غالبا ما يرتبط أعضاء الجماعات الوظيفية عاطفيا بوطن اصلي” صهيون، الصين، القبيلة، العائلة“ يصبح موضع ولائهم وحبهم وعاطفتهم المشبوبة، ويتصورون أنهم جزء من تاريخه وتراثه، فيتعمق شعورهم بالغربة نحو المجتمع المضيف ويعيشون فيه دون أن يكونوا منه... ولكن الجماعة الوظيفية، والوظيفة ذاتها في واقع الأمر، موضع الولاء الفعلي والمباشر لعضو الجماعة الوظيفية، فهي أساس وجوده وهويته"79. وهذا ما يعني ازدواجية المعايير في التعامل مع الذات والأخر حيث " يطور طرفا العلاقة” أعضاء الجماعات الوظيفية والمجتمع المضيف“ رؤية أخلاقية ثنائية، فما يسري على الواحد من قيم أخلاقية مطلقة لا يسري على الأخر، بحسبان أن الأخر في هذه العلاقة يقع خارج نطاق الحرمات والمطلقات الأخلاقية، وبحسبان الجماعة الوظيفية شعب مختار. ويحاول كل طرف تعظيم منفعته ولذته مستخدما الأخر."80

ومما سبق، حاولنا أن نلامس مفهوم الجماعات الوظيفية، باعتباره نموذجا تفسيريا، كما طرحه عبد الوهاب المسيري، وبعض السمات الأساسية لهذه الجماعات، ويبقى أن نشير إلى أهم هذه الجماعات. ويمكن إجمالها فيما يلي :

- الجماعات الوظيفية المالية : ويطلق عليها عادة في المصطلح الغربي "الجماعات الوسيطة" وهي جماعات "يقوم أعضاؤها بالتجارة وأعمال الربا وجمع الضرائب." 81 مثل الأرمن في الدولة العثمانية أو بعض مناطق أوروبا، واليونانيين في مصر أيام الإمبراطورية الهلينية.

- الجماعات الوظيفية القتالية : المماليك والانكشارية والساموراي والجنود السويسريون.

- الجماعات الوظيفية الاستيطانية : وهي "جماعات بشرية توطنها الإمبراطوريات في مناطق نائية أو إستراتيجية بهدف تعميرها أو التحكم فيها أو قمع سكانها ويمكن القول أن الاستعمار الغربي هو تعبير عن نفس الظاهرة، فهو استعمار قام بتحويل الفائض البشري الغربي إلى جماعات وظيفية قتالية استيطانية يتم توطينها في بعض الأماكن ذات الأهمية الاستراتيجية في آسيا وإفريقيا لتقوم بالدفاع عن المصالح الغربية." 82

- الجماعات الوظيفية الحرفية والمهنية المتميزة التي يتطلب العمل فيها مهارة خاصة مثل الطب، وقطع الماس وصنع التحف والاتجار فيها. ومن ذلك أيضا الجماعات الوظيفية التي يعمل أعضاؤها في وظائف يرى المجتمع بسب أو لآخر أنها مشينة، مثل نزح المجاري ودباغة الجلود، وجمع القمامة، والبغاء... الخ.

"وقد يكون من المفيد ملاحظة أن جماعة وظيفية ما قد تضطلع في وقت واحد بوظيفة مالية واستيطانية أو مالية وقتالية أو مالية واستيطانية كما يمكن أن تتحول وظيفتها من مالية إلى قتالية." 83

وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم الجماعات الوظيفية الذي طوره المسيري ارتبط أساسا بدراسة الجماعات اليهودية في العالم الغربي ووضع الأقليات المماثلة في الحضارات الأخرى أي أن "دراسة الحالة هنا أخذت شكل دراسة أعضاء الجماعات الإثنية، وما يحدث لليهود يحدث لكل أعضاء الأقليات  والجماعات الوظيفية" الأخرى أي أن اليهودي يظهر بوصفه الإنسان عضو الأقلية الدينية أو الإثنية أوالوظيفية." 84

 

الجماعات الوظيفية اليهودية

سبق أن عرفنا الجماعات الوظيفية على أنها مجموعات بشرية تستجلبها المجتمعات الإنسانية من خارجها في معظم الأحيان، أو تجندها من بين أعضاء المجتمع أنفسهم أومن بين الأقليات الإثنية والدينية، وفي هذا الإطار يمكن أن نفهم تاريخ الجماعات اليهودية. يقول المسيري : "مع حلول العصور الوسطى في الغرب، ابتداًء من القرن التاسع الميلادي على وجه الخصوص، تسارعت عملية تحويل اليهود في العالم الغربي إلى جماعات وظيفية، حيث ملأ اليهود الفراغات بين طبقة النبلاء وطبقة الفلاحين واصبحوا أقنان بلاط، أي جماعة وظيفية مالية تابعة للبلاط الملكي تضطلع بدور التجارة والربا وجمع الضرائب." 85

هذا، ويرجع عبد الوهاب المسيري أسباب تحول الجماعات اليهودية إلى جماعات وظيفية عبر التاريخ إلى أمور كثيرة نوجزها فيما يلي :

- كون العبرانيين منذ ظهورهم في التاريخ، بدوا رحلا تجندهم المجتمعات المختلفة للاضطلاع ببعض الوظائف التي يأنف أعضاء الأغلبية عن القيام بها.

- هجرة العبرانيين إلى بابل وآشور بسبب ضعف المملكة العبرانية، فتحولوا إلى جماعات بشرية غريبة يمكن تجنيدها، كمرتزقة أو مستوطنين، حيث بدأت بعض الجماعات اليهودية تتحول إلى جماعات استيطانية وقتالية وتجارية، وقد تعمق هذا الاتجاه، بسب وجود كثير من الجماعات اليهودية في الشرق الأوسط وفي حوض البحر المتوسط، وهي منطقة سيطرت عليها العديد من الإمبراطوريات الواحدة تلو الأخرى.

- كانت فكرة الوطن الأصلي، مركز اهتمام أعضاء الجماعات اليهودية الديني، تساعد على إضعاف علاقتهم بوطنهم الجديد، وكان أعضاء الجماعات اليهودية يدورون في إطار فكرة الهوية اليهودية الإثنية الدينية الواحدة. ففكرة الوطن تضمن تماسكهم وعزلتهم وتجردهم اللازم بوظائفهم المختلفة. وقد دعم تدوين التلمود هذه الازدواجية: الاستقلالية الإثنية النفسية والتكيف والاندماج الفعلي من ناحية أخرى.

- طبيعة المجتمع الإقطاعي، حيث إن النشاطيْن الأساسييْن هما القتال والزراعة وأدى إلى ترك النشاطات المالية والتجارية وبعض الحرف وقد قامت الجماعات اليهودية بسد هذه الثغرة - وقد كان أعضاء الجماعات اليهودية يشكلون الأقلية الوحيدة في الغرب تقريبا. لذا، كان عليهم الاضطلاع بكثير من الوظائف المشينة والمتميزة "المالية والحرفية والمهنية" وساهمت عمليات الطرد المختلفة في تدعيم هواياتهم كجماعات وظيفية. إذ أنها لم تضرب بجذورها في أية رقعة جغرافية." 86

من الواضح، إذن، أن الجماعات اليهودية كانت لها أدوار هامة في سد الثغرات التي عرفتها الإمبراطوريات التي تعاقبت عليها. وكانت "توظف توظيفا شبه كامل وتكتسب هويتها على أساس الوظيفة التي توكل لها، وتجدر الإشارة إلى أن هذا التوظيف لا يأخذ في الغالب صبغة مباشرة، ولكن يتحقق بشكل تدريجي خصوصا إذا تعلق الأمر بالوظائف المهنية والحرفية. ويصنف عبد الوهاب المسيري الجماعات الوظيفية اليهودية إلى أربعة وهي: "الجماعات الوظيفية اليهودية المالية" "الإقراض والربا"، والمماليك المالية." 87

وفي هذا الإطار تبرز الملامح العامة للشخصية اليهودية، حيث تم تطبيعها وتحويلها إلى عنصر نافع متعاقد وهو ما يفسر العلاقة الرابطة بين الكيان الصهيوني والحضارة الغربية، وسنحاول أن نلامس هذه القضية "علاقة الدولة الصهيونية بالغرب" بشيء من التفصيل في مقالة لاحقة إنشاء الله.

 

------------

* كاتب وباحث مغربي