Arabic symbol

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة

فلاسفة العرب

حوار مع الدكتور حسام الالوسي : الفلسفة رؤية واسعة تمتد من الانسان الى الطبيعة

 
بحث مخصص

 

 سعدون هليل

07/07/2008

حسام الالوسي:الديمقراطية جزء من بنية كلية في بناء عضوي من لحمة في المجتمع الحديث القائم على العلمانية

الدكتور حسام الالوسي من كبار المفكرين ، في المجال الفلسفي في العراق والعالم العربي ، وهو من الذين يملكون رؤية واضحة عن تطور تاريخ الوعي الفلسفي والفكر العربي المعاصر والالوسي لا يعرف الحلول الجاهزة والاجابات المسبقة ولا يؤمن بالمطلقات الانسانية او الدوائر المغلقة للفكر، منذ ستينيات القرن الماضي ، وسيجد القارئ في هذا الحوار مفكرا موسوعيا في تاريخ الحضارة الإسلامية والفكر العربي المعاصر، له منهجه وخطابه الخاص به ، اذا نحن نتحاور مع مفكر عقلاني متجدد في الوعي الفلسفي وعلم المعرفة وعلم القيم الانسانية قولا وفعلا، مارس الدرس الفلسفي وبشكل خاص في كتابه الشهير (حوار بين الفلاسفة والمتكلمين) و (دراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي) و (الفلسفة والانسان) و(حول العقل والعقلانية العربية) وقد اجرينا معه هذا الحوار الممتع الذي اردناه شاملاً لايصال فكر الآلوسي المتجدد للقارئ الكريم.

نقاش مع كتاب وفلاسفة
* قرأنا بعض الدراسات للدكتور حسام الالوسي ، في نقد بعض المفكرين العرب-حسين مروة ، صاحب كتاب-النزعات المادية في الفلسفة الاسلامية ، وطيب تيزيني "من التراث الى الثورة" وكذلك المفكر محمد عابد الجابري "بنية العقل العربي" كيف ينظر المفكر التنويري حسام من خلال منهجه لهذه المشاريع الفكرية الكبرى؟
- الحقيقية النقد مستمر، وتناولت الخطاب الاسلامي عند بعض ممثلي اليسار واليمين،وهناك بحث القيته في المؤتمر الفلسفي في مصر، عن مشروع حسن حنفي، وكان من "عشرة أجزاء" يعتقد انه وصل به مرحلة الاجتهاد.
نقدت هذا المنهج ، تناولت قضية التراث ، وقضية الفكر العربي المعاصر ، والمشكلات سواء القديمة والحديثة، هذا لا يعني رفضه. هناك خطوط مشتركة كثيرة ، بيني وبين تزيني وحسين مروة ، كانت موأخذتي على حسين في كتابه "النزعات المادية في الفلسفة الاسلامية" ترويجه المنهج الماركسي ، وهناك كتاب اسمه "الماركسية في التراث" لمجموعة من الماركسيين منهم- الدكتور توفيق سلوم ونايف بلوز، نقدوا منهج حسين مروة ، وطيب تزيني ، النقد في الحقيقة نقد مشترك عند الخروج عن المنهج الماركسي، لنضرب مثلا على ذلك للقارئ في فكرنا الفلسفي القديم الكلاسيكي ، واقصد بذلك ، فلاسفة الاسلام ، الذين هم فلاسفة ، احرار. ليس فيهم مادي واحد ، ماذا قال حسين مروة، وتزيني، جعلوا هؤلاء يقولون بالديالكتيك كيف يكون ذلك ، المسألة الاساسية في الفلسفة في سؤال ايهما الاصل.
لايوجد مادي بينهم
لا يوجد بين هؤلاء الفلاسفة، من الكندي الى مسكويه الى اخوان الصفاء ، الفارابي ، ابن سينا لا يوجد من نستطيع ان نعتبره مادياً ، معظمهم ، ما عدا ابا بكر بن زكريا الرازي ، وابن رشد ، والكندي ، كل فلاسفتنا حتى الصوفيين هم فيضيون، هؤلاء مثاليون ، حثوا بهذه المثالية ، وليس بالمادية . فكيف يكون هؤلاء ماديين ، عند حسين مروة ، وعند طيب تزيني ، لانهم مثلا ، قالوا بان الزمان ازلي ، وبان العالم ازلي بالزمان . او بان الهيولى ازلية . الحقيقة هذه.
فالعالم اذا قديم بالزمان ليس له بداية ، زمانية في الوجود ، ولا الحركة . وكذلك مادته ، من اين جاءت مادته ، وزمانه وحركته . ثم عندهم مصطلح العالم قديم بالزمان ، يعني وجود العلة والمعلول معا ، لا انفصال بينهما فالعالم دائم الوجود ، لكنه ليس قديما مستقلا بذاته ، يعني وجوده ماخوذ ، هو ممكن الوجود يفرقون الوجود عن الماهية ، ماهية العالم ، فلابد له من وجود ، فاذا الوجود منحة ، اذا هؤلاء في قلب المثالية ، حتى ولا مثالية موضوعية مثل ما عند افلاطون.
* هل يحق لنا ان نقول ان ما طرحه حسين مروة ، وطيب تيزيني ومحمود العالم، وهادي العلوي ، وهشام غصيب بان فلاسفة الاسلام عقلانيون؟
- ليست هناك مقارنة، قد يكون مادياً وقد يكون مثالياً ، العقلاني يستخدم العقل والحجة والنقاش، والتحليل والاعتماد على مصدر المعرفة ، يعني مصدر المعرفة بشري، عندما نقول ، ان طرق المعرفة هي الوحي ، العقل ، العقل حس وتجربة عندما نقول عقلياً او عقلانياً، هذا هو المقصود ، حتى تتحد الالفاظ.
* أيعني ذلك ان هؤلاء عقلانيون؟
- عقلانيون نعم. الحقيقة عند المثاليين ان الوحي هو مصدر المعرفة ، ان الانتقادات على هؤلاء كثيرة ، مثلا ياخذون الاسمية والواقعية في نظرية المعرفة يقولون اسميين ، اذا انهم ماديون الا يجوز، هذه ليست مسالة رئيسية.
قد يكون الانسان مثاليا، وهو اسمي ، قد يكون ماديا وهو اسمي والعكس بالعكس، من هذا المنطق هناك نقاط من هذا النوع . الحقيقة ان كتاب حسين مروة-النزعات.. فيه مادة لو تعزل الادلجة والتوفيق يبقى ، كتاباً جيداً من حيث المصادر ، والمراجع ، على عكس كتاب تيزيني ، وهو مشروع كبير كتاب تيزيني نجده وقد غلبت عليه الادلجة والاحكام ، وقلة المصادر ، والمراجع ، لكن كتابه "من التراث الى الثورة" فيه منهجية ممتازة ، ونقد للمناهج كلها ، في زمانه ولكن في النصف الاخير من الكتاب ، عندما يريد ، ان يطبق نفس المنهجية ، نجده يقع في نفس العيوب والخطأ ، التي انتقد بها المناهج الاخرى ، مثل التجزئية أو الادلجة اوغيرها.
مذكرات الآلوسي
* نشرت في جريدة الاديب البغدادية ، جزءا من مذكراتك ، وذكرت عن كيفية قراءة النص من خلال المنهج ، وكتبت منذ بداية الستينيات ، وسبقت الدكتور نصر حامد ابو زيد في ذلك منذ زمن بعيد ، هل توضح الأمر لنا؟
-الحق انها منشورة متاخرة على ابي زيد ، المنهج كان جزءا موجودا في مقدمة كتابي "دراسات في الفكر الفلسفي الاسلامي" بعدها اصبح اكثر وضوحا عندما القيته في مؤتمر عبر محاضرة فلسفية في عمان – بعنوان "حرية اللاحرية" . لكن في الواقع هو مخطوط قديم بـ 60 صفحة حين كنت طالب دكتواره في جامعة كمبردج وكان المؤتمر قد عقد في لندن حيث يجمع جميع الخريجين أو في دور التخرج في اوربا ، وكان موضوعي قد اغضب قسما من المستمعين ، الشيء الجيد او المثير للانتباه في المنهج كيف نقرأ النص يعني "ابو زيد" الشيء الذي جاء به ، وان قلت له ذلك قبل سنتين حين التقيته في الاسكندرية ، واشرت الى ذلك في محاضرة سنة 1961-في لندن وكنت طالبا .
ان النص ابن زمانه ومكانه ويقرأ اولاً من خلال لغة العصر ، لغته والطروحات الفكرية عن الوضع الاجتماعي هل هو مجتمع رعوي ؟ ام مجتمع زراعي ؟ هذه مجموعة ضوابط تجعلنا نقرأ النص قراءة بحيث يكون النص وهو يسير مع الزمن الى مالا نهاية ، وهناك تفسير وتأويل ، وتكوين ، التاويل معروف ، التفسير معروف ، اما التكوين ، وكانت المسالة ما هي الاسباب النفسية ، وراء مثل هذا العمل ، ان يضع النص مفتوحا الى اخر الزمان ، اما الايمان فهو ابن الوحي ، صالح لكل زمان ومكان ، وعندها يستشعر ان النص اصبح عاجزا عن مشكلات الواقع الحديث .
الفكر الحديث يضعه على النص ويخلط الاوراق ويصبح الزمن الماضي ، حاضرا وهذا تشويه للماضي وتشويه للحاضر .
ما هو الماضي ؟ الماضي احداث استوجبتها اسباب وجاءت لمعالجة مشكلات معينة الحاضر له منظومته ، وله بنيته ، وهكذا كانت العملية التي استعملتها ، وطبقتها على موضوع حقوق الانسان ، بـ النسبة للاسلام ، وبالنسبة للنظم الحديثة-هيئة الامم المتحدة.
كتاب نصر ابو زيد، كتاب عادي
* ان كتب د. نصر حامد ابو زيد ، اثارت ضجة كبرى في الوسط الاكاديمي والثقافي ، وخاصة موقف الدكتور عبد الصبور شاهين ومحمد عمارة والفكر الاصولي، والسؤال ما هو رد الفعل على نفس منهج الدكتور نصر حامد ، ومنهج حسام في بداية الستينيات؟.
- الواقع كان الرفض من اكثرهم ، وكان الدكتور جلال أمين ، ابن المؤرخ احمد امين قال انكم تستطيعون ان تردوا عليه ولكن ليس فقط شتائم ، ورفض ، لهذا انتصر عليكم . اعتقد ان كتاب نصر ابو زيد ، كتاب اعتيادي ، وان قسم اللغة العربية ، اجازه ، لكن عبد الصبور شاهين اعتبره خروجا عن النص.
* زكي نجيب محمود ، فؤاد زكريا ، وصادق جلال العظم ، وحسام الالوسي وغيرهم ، يقال ان هؤلاء مفكرون . لكن الدكتور مراد وهبة ، صاحب كتاب "الحقيقة المطلقة" الوحيد في العالم العربي هو الذي يسمى فيلسوفا ؟
- الحقيقة انه لم يدع ذلك بكلام صريح ولا حتى يطلق على نفسه مفكرا ، الاخرون هم يطلقون على "فلان" مفكرا ، نقدم لكم المفكر الفلاني ، حتى كلمة مفكر تعني تواضعا .
*ما الفرق بين الفيلسوف والمفكر ؟
-في الحقيقة الفيلسوف يقدم تقريبا مذهبا كبيرا شاملا يغطي كثيراً في موضوع الميتافيزيقيا-الوجود-الاخلاق-لديه منهج معين كان يكون منهجا تجريبيا او عقليا ، هذه عادة حتى ان عدد الفلسفات في اوربا بعدد اصابع اليد ، كالماركسية ، والوضعية المنطقية- الوجودية-هذه المذاهب الكبرى ، وسموها ما بعد الحداثة ، وما قبل الحداثة ، لكن حقيقة الامر، الذين تطلق عليهم كلمة فيلسوف في اوروبا كثيرون. لماذا عندما ناتي الى العرب ، اذا صار ماركسيا او وضعيا او وجوديا لا يقال له فيلسوفا يعتبرونها كبيرة لابد من ان ياتي بفلسفة خارجة عن كل هذه الفلسفات .. حتى في اوربا هناك مفكرون وليسوا كبارا وانتجوا كتبا ، وشاركوا في النقد الفلسفي وفي المنهج ويمكن ان نطلق عليهم كلمة فيلسوف ، واما في العالم العربي فانهم يطلقون على الفيلسوف كلمة "مفكر" وهناك بحث طويل القيته في ذلك المؤتمر ، والان ينشر مع كتب اخرى في دار الحرية في مصر .
قلبت كل الاراء ومن يقول عندنا مفكرون او فلاسفة ، وما هي الاسباب .. كيف نخلق فلاسفة .. الموضوع كبير جدا .
كل مشكلة فيها اخذ ورد
* هل حقاً السبب عدم وجود وعي فلسفي ، كما يقول زكي نجيب محمود وان الفلسفة العربية هي استنساخ من الفلسفة الغربية ؟
- هذا كلام الان اصبح مملا ولا يتكلم به احد وهذا ورد من قبل المستشرقين وليس كلهم بل من بعضهم وهذا ما ورد ايضا على لسان محمد عابد الجابري-زكي نجيب محمود .. وراحوا يشيرون الى بعض المفكرين المسلمين مسكويه عند محمد اركون وابن رشد عند محمد عابد الجابري ، كذلك عند زكي نجيب محمود او المعتزلة عند بعضهم بقيت الفكرة لا فائدة منها ... لا توجد اعادة للفكر ، أي جزئية في مشكلات الوجود او مشكلات الاخلاق ، عندما تدخل في العمق لجزئيات ستجد هناك جديدا وستجد نظرية الفيض ليست نسخة من نظرية .. فيها اجزاء من افلاطون ، من ارسطو .. من كل المعطى الفكري السابق الذي كان والحوارات والجدل بين يحيى النحوي مثلا ، للخلق من عدم وبين الذي يقول بقدم العالم ، ونظرية الفيض-بروكلس-فورفوريوس-وفلاسفتنا اخذوا من هذا 18 حجة التي قالها- فورفوريوس -لاثبات قدم العالم والمتكلمين وهذا اكثر ما ردده ، الغزالي ، بان اكثر الفلاسفة اخذوا عن يحيى النحوي ، الفكرة وطباقها لا يوجد شيء اسمه النسخ ... هذا الكلام للمستشرقين ، والبحوث الحديثة تثبت عكس ذلك .. لو رجعنا الى كتابنا "الحوار بين الفلاسفة والمتكلمين" . نجد كل مشكلة من المشاكل القديمة ، فيها حوار ، ونقاش ، اخذ ، ورد ، لا يعرفه ارسطو ولا غيره شيء من تراكم الزمن ومن المدارس ومن الشرائح ، السبب انه لم نتقدم عن ارسطو ، نحن نحتاج الى قطيعة مع الفكر القديم ، وان نبدأ من جديد ، والجديد ان الفلسفات والتيارات المختلفة ، تبدأ وتترجم ، الترجمة مهمة ثم مرحلة النقد .. ننقد المترجم وعندئذ ، يصير لدينا نص فلسفي .
* كتابك "حول العقل والعقلانية في الفكر العربي" طرح منهجا جديدا ومهما يسمى بفلسفة التكامل ، هل توضح ما هي فلسفة التكامل ومنهجها ؟
- الكتاب مجموعة بحوث القيتها في بيت الحكمة ، وعمان ، وفي مصر ، وتونس وهو واحد من ثمانية كتب تطبع الان في دار الخلود في مصر، واحد هذه البحوث في معنى العقل ، وما هي العقلانية العربية الكلاسيكية ، ماذا انجز العقل العربي خلال اربعة عشر قرنا . ثم ما هي العقلانيات المتاحة الان عند المفكرين العرب ؟ اما نستقبل العقلانية في العالم العربي ؟ بحوث الكتاب فيها اخطاء كثيرة وعندي نية في ان ارفع احد الفصول هو "العلم وفلسفة التكامل للتضاد" لانه لا مكان له بعد "حرية اللاحرية" لان فيه كثيراً من الاخطاء . عندما طبع لم اشرف على تصحيحه لان الاخطاء تقلبه رأسا على عقب .
* هناك مصطلحات كثيرة حول نهاية الفلسفة ونهاية التاريخ ونهاية الادب ونهاية الايديولوجيا ؟ ما هو تفسير الالوسي لهذه النهايات ؟
- الحياة دائمة ومستمرة ولا توجد نهاية لشي ما اللهم الا اذا بدأت حرارة الشمس تضعف عندئذ ستموت الارض ، الحضارات والثقافات والاحياء طالما احياء وهناك بشر وعقول وجامعات وفكر فستوجد ازمات عندئذ ، كل شيء يستمر.
نهاية التاريخ عند "فوكوياما" مقصود بها اعلاء النظام الرأسمالي الامريكي بالذات .. نهاية التاريخ عند هيغل تتعلق بـ الدولة البروسية ن هذه ادلجة ، وليست رؤية علمية ، يريدون ان يقولوا ما يخص مذهبا معينا ، او دولة معينة أو نظاما معينا ..
لا توجد نهاية للاداب ، حركة العدميين في روسيا ، الذين قالوا بان لقمة خبز واحدة ، احسن من كل شعر بوشكين ، وقد اعلن هؤلاء نهاية الفن والموسيقى والشعر ، ولكنه استمر والان يزداد .. هذا عطاء بشري ذو فاعلية ، ولا يمكن ان ينضب الينبوع . ينبوع الفلسفة والرؤيا .. لكن تقوم مقامه رؤية جديدة .. وفن جديد .. ونظرات جديدة ، ضمن جدل الحوار.
الفلسفة والعلوم الاخرى
* د. حسام هل تحدثنا عن العلاقة بين الفلسفة والعلوم الاخرى ، هل يمكن تكون الفلسفة بديلا عن العلم ؟ أو بالعكس ، هل هما متقاطعان أم يكمل احدهما الاخر؟
- أولاً أن الفلسفة هي رؤية شاملة واسعة تمتد الى حقول الانسان والمجتمع ، والطبيعة . اما العلم فهو مخصوص محدود موضوعا وهدفا بتلك الخصوصية، وعلينا أن نؤكد ان مجموع علوم جزئية لا يؤدي الا الى موقف فلسفي شامل ، لان كل علم سيبقى مفصولاً عن الاخر ، من حيث هو معني باشياء مخصوصة ودراسة وقائع محدودة والتناقص المفقود هنا هو الرؤية الشاملة الكلية التي تربط الاجزاء في كل ، هو حتما اكثر من مجموع الاجزاء .
ان الفلسفة لا تبني هيكلها من العلم فقط ، بل تدخل في بنيتها كل الخبرة البشرية ، كل اشكال الوعي الاجتماعي ، فهذه كلها ، روافد ياخذ منها الفيلسوف منظورة الشاملة ، روافد تتعلق بحياة الانسان والمجتمع والكون كله، من علم ، وفن ، ودين ، وسياسة ، واخلاق ، وقانون ، فضلا عن الخبرة الوجدانية التي يعانيها الانسان وهي خبرة واسعة ، ومتجذرة في اللاوعي ، وتؤثر في السلوك ، وفي الرؤية لكل انسان . لهذا فان طبيعة الحقيقة الفلسفية تختلف عن طبيعة الحقيقة العلمية ، وانا لا أتحدث عن اختلاف المنهج العلمي والفلسفي ، وانما اقصد ان الحقيقة الفلسفية بعكس العلمية بعكس جوانب متعددة ومعقدة جدا ، تتسع لكل الروافد ، نعم الحقيقة الفلسفية ، فيها جانب عقلي ، منطقي ، وجانب علمي ، لكن هذا ليس الا جزءا من بنية الحقيقة الفلسفية ، حيث تدخل فيها ابعاد مهمة اخرى اجتماعية وايديولوجية وذاتية .
أن القول بان تكاملية العلم / فلسفية ، يمكن ان تتحقق عن طريق ، فلسفة العلم، والفلسفة الطبيعية أو المذهب الطبيعي في الفلسفة .
ومن جهة أخرى هو قول مشروع ، ولكنه لا يكفي ، ولا يفسر كل مدلولات ومطالب الفلسفة ، انها محاولات انقاذ ، لكن كلاهما يدخل في باب تفسير الكل بالجزء ففلسفة العلم هي جزء من الفلسفة فقط ، والمذهب الطبيعي من الفلسفة هو احد مذاهب الفلسفة وكلاهما يقعان ضمن حدود الفلسفة ، علم بينما الفلسفة اوسع من ذلك ، وتكفي العودة الى خصائصها المعرفة ذلك ، وفي كل الاحوال ينبغي ان كل هذا الذي قلنا يبرر ، ويؤكد ان الفلسفة والعلم يكمل احدهما الاخر، تبقى الفلسفة بدون مستندات العلم وعالم الوقائع ضربا من الخيال ، بل والبناء الذاتي الذي يقربها من الاساطير والاحلام .
العقلانية التكاملية
* في كتابكم ((حول العقل والعقلانية العربية)) حددتم العقلانية بانها منهج او فعل يقوم به العقل مستقلا عن سلطة غير سلطته هو . وذلك يفسر باختلاف الفلسفة عن الدين لكنكم ايضا تحدثتم في نفس الكتاب عن عقلانية تكاملية تعددية ذات مستويات مختلفة ، كيف توفقون بين العقلانية كمنهج والعقلانية التكاملية كاطار للعقلانيات المتعددة ؟
- أنا اقصد بالعقلانية هنا وبشكل يزيل كل لبس فعل التفلسف المعتمد على العقل الحر ، الذي هو منبع ذاته وفيصل نفسه ومقياس رؤاه فيما يقبل او يرفض ، وبشكل أعم نقصد منهج التفكير الفلسفي في مقابل منهج التفكير الديني .
ويمكن ان نضيف ان العقل عام ومشترك بين البشر ، انه عام وشامل بحكم ماهيته ذاتها ، بينما الايمان خصوصي بطبيعته ، والعقيدة تسري على فئة محددة من الناس هي فئة المؤمنين ، مع انها تضفي على نفسها طابع الشمول والوحدانية ، لكنها تجد في مقابلها عقائد اخرى تدعي لنفسها هذا الطابع ذاته . ويمكن ان نضيف ان لكل عصر او مدة تقصر او تطول عقلانيتها بل ربما لكل فيلسوف مقياسه الخاص للعقلانية عند اهل النص .
واعتقد معظم ما يدور في الساحة منذ عصر النهضة العربية يدور في افق تقريب الماضي من الحاضر ، وفهم الماضي من خلال الحاضر، وكان التاريخ لا يسير او انه ينقلب على عقبيه ، او يدور حول نفسه فتفقد اللغة دلالاتها الزمانية والمكانية ، وكذلك المذاهب والمناهج والافكار ، بل الاحداث، وحتى الكشوف الواضحة الحداثة وتخلط الاوراق ، ويفقد الاحساس بالتغير والتطور والنمو والنضوج ، فيصبح الحاضر قميئا وعالة على الماضي .
فلاسفة اليوم في رأس الآلوسي
* هناك بعض المفكرين العرب لهم ثقل في دراسة الفكر العربي والاسلامي منهم هشام جعيط :- محمد اركون- عبد الله العروي- فؤاد زكريا- برهان غليون ، محمد عابد الجابري :- السؤال هو كيف يرى فيلسوفنا د. حسام هؤلاء في الفكر العربي ؟
- أن هشام جعيط يرى الديني يقود السياسي عبر حضارتنا ، وتراثنا والى اليوم ففي ، معرض كتابه ((أوربا والاسلام)) يقول جعيط : ليس من الثابت ان سيطرة الفكر المتزمت على السياسي والعقلي والاجتماعي هو الذي يسبب انحطاط الثقافة الاسلامية بل هناك عدة عوامل ادت الى تقلص في الحضارة تقلصا كان دون شك ضمانة لبقائها.
ويشير الى الغليان الرائع في حرية الفكر في القرنين العاشر والحادي عشر ، ويشير الى التيارات الثورية للخوارج ، والقرامطة ، وسواها التي حاربت والتزمت السياسي الديني ، كما يشير الى تحرر الفلاسفة . لكن ثمة خلط شامل في ذهن هشام جعيط بين الاسلام ، وحضارة اسلامية وبين دين اسلامي وتاريخ اسلامي ، وبين ثقافة دين وثقافة حضارة ، ومن الممكن قبول ان ابا العلاء مفكر اسلامي ، وباي معنى ، مفكر ينتمي لفترة اسلامية لمجتمع اسلامي لحضارة اسلامية ، لكنه قطعا ليس منتميا اسلاميا ، كما ان بشار ابن برد والرازي الطبيب وابن الراوندي.
في الحقيقة يشعر الانسان المتأمل لكلام جعيط حتى الان ان ثمة غموضا وانتقالات من موضوع الى اخر وربما رطانة .
- محمد اركون :- يرى اركون ان العالم الديني بحد ذاته ليس حقيقة ملموسة يمكن ملاحظتها ، هو تعابير واشارة وكلام عند التحليل لا يبقى منه الا الشخص الذي يمارسه . أي ان الدين هو البشر الذين يتحدثونه ويفسرونه ... الخ .
ينتبه اركون الى مسالة مهمة وربما تعتبر نقطة اساساً لموضوع الحرية وكبتها وسيادة قوة اللاحرية ، مركزا ، هذه المرة على دور المثقف والذي هو دور سلبي ، خائن ومرتكز لتغطية سلوكه هذا-على الاعتذار لنفسه بقسوة السلطات وسيطرة انصار الفكر التقليدي.
أن اركون يبالغ في مسالة قراءته للنصوص وفعاليتها ، وعلى العكس نجد المستشرق جولد تيسر مثلا : يرى ان الفقهاء والمتكلمين وسائر فروع المعرفة والعلوم الاسلامية هي تطوير وتوسيع للمعنى الاصلي للنص البسيط والساذج وربما المتناقض في امور العقيدة .
ويعتقد اركون ان اسقاط الحاضر في الماضي في الماضي الموجودة في العالم الإسلامي ، بمن فيهم الماركسيون- التوفيقيون- متفقون على ثلاث مسائل ، هي :-
1- الاسلام هو الدين الحق والقانون الكامل ((الشريعة)) لكل المجتمعات .
2- أن ذروة السيادة لا يمكن لها ان تتواجد الا في الاسلام .
3- لقد مزقت الامة في الماضي دائما ، فانه ينبغي الرجوع الى القرآن الذي يحتوي على كل العبارات الواضحة والمتعالية التي يفترض ان تطبقها الحكومة لاسلامية.
ان جرأة اركون هنا لا نهاية لها فهو يدعو الى ادخال هذه السيادة العليا ، الاديان ضمن شبكة استقصاء شامل حول طبيعة ووظائف البعد الديني .
-فؤاد زكريا :- في كتابه ((الصحوة الاسلامية في ميزان العقل)) :-
يتساءل فؤاد لماذا الكل ينهض ما عد العالم الاسلامي ، هل هو خطأ الاسلام ذاته ، ويجيب - الاسلام هو ما يصنعه به المسلمون ، ويستعرض موقف المفكرين الليبراليين والماركسيين والقوميين ، من الموجة الجديدة لاحياء القيم الاسلامية كمرشد وموجه للمجتمع ويكاد يزاوج بين العلمانيين والليبراليين.
ويجيب قائلا-لماذا فشلت الليبرالية ، بسبب العسكر والعشائر ، ولانها ليست في جوها ، أي ان المجتمع العربي ليس متطوراً راسماليا كافيا وايضا بسبب غياب الحرية .
والماركسية فشلت لانها لم تلتفت الى الواقع .
ويلاحظ فؤاد ان الجهد هنا ضائع لاننا علينا ان ننتظر حتى تكشف النظرية العلمية بالمجهود البشري ثم نهتدي اليه .
ويضيف فؤاد ان صور تشويه انصار التراث متعددة ويشوهون معنى الحاضر والماضي على حد سواء ، اذ ان الماضي في نظرهم له وظيفة حرة فعالة ، ويظل فيها محتفظا بطابعه الخاص ، ولكنه يؤثر في الحاضر ويتحكم فيه بطريقة مضادة للتاريخ .
- برهان غليون:- في كتابه ((الدولة والدين)) يعتقد ((ان على طول مسار البشرية كان الدين في خدمة الدولة ، يتضح هذا في الحضارات الرافدية والمصرية وسواها)).
هذه هي النظرية الجوهرية في كتاب غليون الدولة والدين ، وعلى هذا الاساس يرسم فصول كتابه بحسب تسلسل الاحداث وفاة الرسول ، والفترة الراشدية ، ثم الاحداث منذ الدولة الاموية ، أي ان الدولة نشأت منذ بدايات او نهايات الحكم الراشدي ، بحيث عادت السيادة للدولة على الدين رسميا وان ظل الدين له وجوده في الوعي الشعبي . وفي المنطقة التي لا تقع مباشرة تحت سيطرة الدولة .
في اعتقادي ان هذه النظرية غريبة ومن الصعب جلب الادلة والبراهين ، وشهادة المؤرخين لتأييدها وفعلا فان قارئ كتاب غليون على الاقل في فصوله الاربعة الاولى تدهشه قلة النصوص والشواهد ، ذلك انها منظور افتراضي ، وربما املائي.
- محمد عابد الجابري :- ان الجابري يغالي في امور تحجيم العقل العربي ، وأن الدراسات الحديثة ترى انه عقل فاعل انتج في ميادين مختلفة ، خارج الاطار اللاهوتي الخالص ومن الخطأ تصور ان العقل العربي يساوي العقل الديني او المرجعي ، ففلاسفتنا ، لا شأن لهم بفلسفة دين اسلامي ومسيحي ، انهم لاهوتيون حسب المرحلة العالمية لكنهم فلاسفة مستقلون بمعنى الكلمة . ونقطة ضعف اخرى ، فبدلا من ان يجد الجابري اسر عقلنا العربي في المقياس عليه ويصب جام غضبه على الوسيلة أي القاعدة الصورية التي يسميها قياس الغائب على الشاهد.
نقطة اخرى مهمة نخالفه فيها ، هي وهم وجود قطيعة ابستمولوجية بين مغرب العالم الاسلامي ومشرقه . يعتقد ان ابن سينا وفلاسفة المشرق ظلاميون لا عقليون ، وابن رشد وفلاسفة المغرب ، عقليون ... الخ .
لا التفاصيل والا المقارنات تؤيد احكامه ، التي على اساسها قال بالقطيعة بين شرق وغرب اسلاميين الى مسالة الحدوث والقدم ، فاستحال استحالة كاملة ايجاد اية فروق جغرافية او حضارية لتقديم الحلول لهذه المشكلة على اساس مشرق وغرب .
- عبد الله العروي :- ان العروي يرى في كتابه مفهوم الحرية في الفقه وعلم الكلام يدور حول الفرد وعلاقته مع نفسه وخالقه ، ويلاحظ العروي ان الليبراليين في هذه الفترة اولوا افكاراً غير ليبرالية تأويلاً ليبراليا .
وهكذا فعلوا بالتراث الاسلامي وبالمذهب الماركسي وبالمدرسة الوجودية مثلا وهذا يعني بحسب العروي ان الليبرالية العربية ليست متولدة عن الليبرالية الغربية تولدا اليا انما هي ناتجة قبل كل شيء عن حاجة متولدة في المجتمع العربي شعر بها عدد من الناس عبر عنها بالاستفادة الواعية من تجارب اجنبية مماثلة والدليل على هذا التولد غير الالي هو ان الكتاب العرب لم ينقلوا بامانة الليبرالية الاوربية المعاصرة لهم بل تعاملوا عما كانت تحمل من وعي بتناقضاتها الذاتية ، انهم كانوا في حاجة الى ليبرالية متفائلة حازمة واثقة بذاتها فاولوا ليبرالية عصرهم المتشائمة الباهضة حسب رغبتهم .
في الاستنتاجات يقدم العروي جملة ومنها ضرورية واولها عن مدى تحرر المواطن العربي . يتفق الدارسون على انها ضعيفة جدا وان المجتمع العربي لم تتح له بعد مراقي التحرر التي كشفت عنها تجارب مجتمعات اخرى معاصرة.
الديمقراطية
* د. حسام ما هي الديمقراطية وكيف نعرفها ، وهل نحن اليوم في مجتمع ديمقراطي ؟
- ان الديمقراطية اصبحت كلمة تردد بابتذال وبطريق تشعر ان من يقولها على علم جيد بشروطها وبنيتها ، وتاريخها علما بانها وليد جديد نشأة وترعرع وما زال في دور النمو ، منذ بدأت العصور الاوربية الحديثة ، لكن الجوهري هو أنها بناء ديناميكي لا يتجزأ ، وفقدان عضو منه او غياب شرط من شروطه يجعل العملية كلها عكس المراد منها ، واهم هذه الشروط هي ما يتعلق بالوعي وثقافة الانسان والظروف المهياة للاختيار ، والظروف المعيقة لاختيارات .
ان بلدا لم يزاول الديمقراطية بهذه المواصفات والاشتراطات ، بل وحتى باقل منها وبدون الكثير منها مثل العراق يصبح الحديث فيه عن ديمقراطية تمت مزاولتها او في طريق المزاولة ضحكا على الذقون ، لانها نمط حياة ، بل هي ثمرة نمط حياة يزاول اهلها الحوار ويتميزون بالمرونة الفكرية ويحترمون الاختلاف ، ويرون الاشياء بعقولهم يرونها بعقل فردي ، اقصد ان كل انسان يتعقل الامور العامة برايه الخاص ولا ياخذ هذا الراي تابعا لشيخ عشيرة او توجيه سلطة او ذوي سلطة اجتماعية او مالية معاشية او ما شئت من سلطويات في مجتمع متخلف ما زال على اعقاب الانتقال نحو مجتمع حديث ورجله الاخرى غائصة في العصور الوسطى ووشائج عصور التخلف والامية ، والتقليد ، والوعي المعكوس الذي يوجه وجهة للماضي ويعطي ظهره للحداثة بابسط اشكالها .
نحن بحاجة الى حركة تنويرية ، بحيث نجد الفرد العراقي الواعي المتنور الذي لا تؤثر فيه اي من هذه الولاءات ، بشكل يعطل ولاءه الأول والاكبر ، الولاء للانسان كانسان ، وللوطن وللمواطنة.
ولا باس في ذكر خمس نقاط للديمقراطية :-
1- الديمقراطية ابنة الحداثة واوربا ، ولا وجود لها قبل في أي مكان .
2- الديمقراطية جزء من بنية كلية في بناء عضوي من لحمة في المجتمع الحديث القائم على العلمانية .
3- الديمقراطية لا توجد بدون احزاب حرة وتنوع .
4 - بنجاح بناء الديمقراطية في مجتمع لا يعرفها الى زمن طويل واجراءات عميقة في صلب بنية المجتمع وخلق ظروف معينة .
5- لا تحقق الديمقراطية اذا لم يتوفر الناخب الفرد الواعي المتنور الذي لا تؤثر فيه ولاءات تقف على الضد من الولاء والمواطنة والانسان كانسان .
سؤالنا الاخير. دكتور حسام ما هي نظرية التطور في الفكر الفلسفي المعاصر؟
يمكن الحديث عن تطورية الكون ونظريات التطور ومنها نظرية دارون. تصور هرقليطس العالم واحد ازليا في حركة وتغير دائمين وفقا لنواميس محددة. ولكن فلسفة افلاطون وارسطو وفلوطين واتباعهم والتصورات الكنسية استبعدت هذا المفهوم واقامة بدله تصوراً، مثله احسن تمثيل بطليموس في نظريته المعروفة. وان مفهوم التطور لم يقف عند هذه الميادين، ففي الكيمياء ايضاً اوضحه نظام العناصر الدوري لمندلييف وفي المجتمع اوضحته المفاهيم التطورية سواء عند سبنسر او سواه، فقد تحقق في القرنين اواخر القرن الثامن عشر الى القرن العشرين مفهوم التطور في الطبيعة وكمل بالاكتشافات الكبرى الاتية:
1- اكتشاف الخلية الحية التي تتطور عنها الاجسام المعقدة واتاح ذلك تصور الانتقال من الجسم الكيمياوي الى الجسم الحيوي.
2- اكتشاف تحول الطاقة وبقاء المادة وان كل القوة الفيزيائية والكيميائية مظاهر لحرة المادة.
3- اكتشاف تطور الانواع الحية الذي قضى على الحاجز المتيافيزيقي بين مختلف الانواع. وكذلك اكتشاف نظرية التطور عامة للكون والعضويات على انه تطور.

عن موقع الجيران