Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة

فلاسفة العرب

تواطؤ بين الغرب و الخطاب الإسلامي المعتدل علي علم الإسلاميات التطبيقية
 
بحث مخصص

 

جريدة الراية القطرية
23 يناير 2008

محمد أركون


المفكر محمد أركون في الطبعة الفرنسية الثالثة لكتابه نحو تحرير الوعي الإسلامي



الرأي العام الإسلامي يكتفي بإدانة هؤلاء الضالين المنحرفين الذين يرتكبون الأعمال الإرهابية ويأخذون بذلك الإسلام كرهينة في حين أنهم لا يمتلكون أية أهلية شرعية للتحدث باسمه كما يفعلون بكل تغطرس ونزعة عارمة بالظفر أو مفعمة بالانتصار.

وفي ذات الوقت نلاحظ أن الأنظمة القائمة تعيد تحريك او تنشيط الإسلام المسالم والشعبي للطرق الصوفية وذلك لمواجهة إسلام القاعدة. نقول ذلك ونحن نعلم أن هذه الطرق أو الزوايا كانت قد حوربت واحتقرت في زمن الثورة العربية الاشتراكية وزمن العلمانوية المتطرفة والعدوانية لمصطفي كمال أتاتورك باعتبارها جاهلة ومتخلفة وظلامية. كما ونعلم بهذا الصدد السياسة التي اتبعها جمال عبد الناصر تجاه الإخوان المسلمين. هذا من جهة. وأما من جهة أخري فإننا نلاحظ اليوم أن السياسة الواقعية ان لم تكن الوقحة للقوي العظمي لا تبالي هي الأخري بالمعرفة النقدية ولا بالنقل الحديث للمعارف بصفتها ردا سياسيا علي توسع وتفاقم تلك الحلقة الجهنمية للعنف والعنف المضاد: أي الرد الحازم والقمعي علي الارهاب الاصولي كما تفعل أميركا. ولكي يدفع عن نفسه تهمة كره الإسلام جذريا فإن خطاب الغرب الرسمي يدعم من رؤوس الشفاه ما يدعوه بالإسلام المعتدل: أي نفس ذلك الإسلام المتعلق بالاعتقاد الساذج الذي يجهل التحرير الفكري الكبير ويعرقله. وأقصد به التحرير التنويري الذي أصبح العالم الإسلامي بأمس الحاجة إليه. وهو التحرير الذي يقدمه علم الإسلاميات التطبيقية كما كنت قد بلورته منذ سنوات طويلة. ومعلوم أن هذا العلم الجديد الذي لم يسمع به العرب ولا المسلمون حتي الآن يفتح كل الأضابير القديمة المغلقة ويعيد فهم التراث الإسلامي بشكل جديد كليا. انه يفتح كل ورشات البحث العلمي من اجل إضاءة التراث القديم من الداخل وإعادة تقييم أصول الظاهرة الدينية وتحولاتها ووظائفها المتغيرة في كل المجتمعات البشرية. وعلي هذا النحو نلاحظ حصول نوع من التواطؤ اللاإرادي بين الخطابات الرسمية للغرب وبين خطابات الإسلام المدعو بالمعتدل من اجل تأخير وتجاهل بل وحتي رفض برامج البحث العلمي التحريري الذي يبلوره علم الإسلاميات التطبيقية الذي كنت قد دشنته منذ أكثر من ثلاثين عاما. وقد بلورت هذا العلم لكي أتمايز عن الاستشراق الكلاسيكي علي الرغم من التقائي معه في بعض النقاط واستفادتي من أعلامه الكبار.


وبالتالي فسوف يستمر الوضع القائم لفترة طويلة قادمة ما دام الجميع يرفضون سلوك طريق التحرير الحقيقي. فالغرب مصر علي موقفه والعالم الإسلامي مصر علي موقفه ايضا. وسوف يستمر الصدام بين الطرفين إلي اجل غير مسمي: أقصد الصدام بين مخيالين قائمين علي الكره والنبذ المتبادل لبعضهما البعض منذ قرون عديدة: أي منذ القرون الوسطي والحروب الصليبية. هذه هي حقيقة الأمور الآن أيها السادة. ولا أحد يريد تغييرها أو قل لا أحد يسعي جديا لتغييرها. فماذا أستطيع أن أفعل؟ يد واحدة لا تصفق..الجميع يؤجلون إلي ما لا نهاية عملية الإضاءة الشاملة التي لا بد منها: أقصد الإضاءة التاريخية واللغوية والانتربولوجية والفلسفية للخصومات العقائدية المتراكمة منذ قرون وقرون بين الأديان التوحيدية من جهة، ثم بين هذه الأديان مجتمعة والحداثة العلمانية العالمية من جهة أخري. هذا هو العمل الضخم الذي ينتظرنا كلنا لكي ننجزه من اجل التوصل إلي التحرير الفكري المنشود والخروج من السياج الدوغمائي المغلق لكل الظلاميات أو كل الأصوليات أيا تكن. ينبغي الاعتراف هنا انه بسبب انعدام البدائل التي تقدمها الحداثة في كافة المجالات من سياسية وتشريعية وقضائية وأخلاقية ومعرفة علمية وكذلك في المجال الاقتصادي والتكنولوجي فان الإسلام بصفته إيديولوجيا هلوسية محفوظة في دائرة اللامفكر فيه يقدم وجها ايجابيا ووجها سلبيا. بالوجه الايجابي نقصد انه يسد فراغا ضخما فيما يخص التضامن الاجتماعي مع الفقراء المهمشين المهجرين من وطنهم بل وحتي المنبوذين كليا. فالحركات الإسلامية تقدم لهم المعونة والمساعدة عن طريق الجمعيات الخيرية في حين أن الدولة تخلت عنهم كليا. وأما الوجه السلبي فيتمثل فيما يلي: أن الوظائف الشعائرية والرمزية والأخلاقية القسرية والسياسية والهوياتية لهذا الإسلام السياسي التقليدي لا تزال تحافظ علي فعاليتها السيكولوجية علي حساب دفع ثمن باهظ الا وهو: التراجع عن كل نقد حديث للأسس والقيم والمعايير الأخلاقية والروحية والتشريعية لهذا الإسلام التقليدي بالذات. وسوف تستمر الأمور علي هذا النحو ما دامت قيم الديمقراطية لم تنغرس عمقيا في الثقافة السياسية والتشريعية للنخب الحاكمة في البلدان الإسلامية وكذلك ما لم تتغلغل الي صفوف ما ندعوه بالشعب: أي الرعايا في الواقع أكثر مما هم مواطنين. فلا يوجد مواطنون في الدول العربية والإسلامية علي عكس ما نتوهم كما ولا توجد مواطنية بالمعني الحديث للكلمة.

 

الشيء العجيب الغريب هو أنني علي الرغم من كل الانتقادات التي أوجهها للمواقف الأكثر دوغمائية والعقائد الأكثر قداسة للتعليم الإسلامي "الأرثوذكسي" إلا أن بعض القراء الغربيين ومن بينهم مسيحيون منخرطون في الحوار مع الإسلام وجدوا أن كتابي هذا هو عبارة عن تبجيل للإسلام ودفاع لا مشروط عنه! لتوضيح هذه النقطة ولإجلاء كل خلط أو غموض ينبغي أن ألفت الانتباه إلي ما يلي: بعض القراء غير المطلعين علي حقائق الأمور لا يعرفون أن يميزوا بين الجانب الوصفي من الدراسة العلمية والجانب التحليلي النقدي. فانا أنقل عقائد المسلمين المتدينين إلي اللغة الفرنسية كما هي ثم أحللها وأفككها بعدئذ. وبالتالي فمجرد عرضي لها بإسهاب وموضوعية كما هي يجعل بعض القراء يعتقدون أني أتبناها ! أنا من واجبي كباحث علمي أن أنقلها كما يعتقد بها المسلمون المؤمنون. هذا كل ما في الأمر. ولكن يحصل أحيانا أن يخلط أكثر الغربيين ثقافة بين هذين المستويين من الدراسة عندما يكون المؤلف شخصا يدعي محمد أو علي أو فاطمة..أما عندما يكون الباحث شخصا يدعي جان أو آرثر أو انجيليكا فإن هؤلاء الأشخاص أنفسهم يشعرون بالأمان الكامل فيما يخص "موضوعية" المؤلف. فيما وراء كل هذه القضايا الثانوية المتعلقة بكيفية استقبال أي خطاب عن الإسلام في الغرب هناك مشاكل أخري أكثر أهمية. وأقصد بها استراتيجيات الرفض الشائعة والمشروطة من قبل خيارات إيديولوجية أو إيمانية قوية. هؤلاء جميعا يرفضون فكري وكلامي. وهم من أنواع متعددة بل وحتي متناقضة ومتعادية. فهناك أولا الغربيون المشبعون بالأحكام المسبقة العتيقة المضادة للإسلام. وهناك ثانيا أتباع النموذج العلمانوي المتعصب المضاد لرجال الدين في فرنسا. وبالمناسبة فقد أصبح لهم أشباه حتي في المجتمعات الإسلامية كأناس مضادين بقوة للأصوليين ورجال الدين. وهناك اليهود والمسيحيون في المجتمعات الغربية والذين لا يزالون متعلقين بيقينيات الإيمان الحقيقي تماما كالمسلمين التقليديين. وهؤلاء أيضا يرفضون تحليلاتي لأنها بحسب رأيهم مليئة بمصطلحات علوم الإنسان والمجتمع. وبالتالي فهناك فئات كثيرة ترفض فكري عن الإسلام بشكل خاص والظاهرة الدينية بشكل عام. ولكني أعترف بأن أجوبتي في هذا الكتاب ليست شاملة بما فيه الكفاية أو كما كنت أرغب.ولهذا السبب فإني أكثر من الإشارة هنا إلي كتبي السابقة أملا في أن يعود إليها القارئ لإكمال معلوماته عن هذه القضايا الحساسة أو لتوسيع اطلاعه ومعارفه. فانت لا تستطيع في كتاب واحد ان تحيط بكل شيء مهما بذلت من عمل وجهد. وبالتالي فاجوبتي علي الاسئلة المطروحة هنا ليست كافية ولانهائية علي الرغم من اني توسعت كثيرا في الاجابة. ولذلك لا بد للقاريئ من الاطلاع علي ماقلته عن نفس الموضوع في أماكن اخري لكي تتضح له الصورة اكثر. والله من وراء القصد.