Arabic symbol

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة

فلاسفة العرب

 دراسة القرآن الكريم في خطابي محمد عابد الجابري ونصر حامد أبو زيد من الاختلاف في الرؤية إلى التوافق الإيديولوجي
 
بحث مخصص

 

جريدة الحياة اللندنية

يوسف بن عدي

الاحد 7 كانون الأول (ديسمبر) 2008

أحدث كتاب «مدخل إلى القرآن الكريم. في التعريف بالقرآن» للمفكر المغربي محمد عابد الجابري لغطاً وصخباً كبيرين في الساحة العربية، لكن ليس في مستوى ما أحدثه كتاب «مفهوم النص في علوم القرآن» لنصر حامد ابوزيد من ضجة أدت به إلى محاكمات ثم صدامات عنيفة في مصر مابين التيار اليساري العقلاني والتيار الأصولي المحافظ. إنها سلسلة من المواجهات التي تطفح بها ثقافتنا العربية الحديثة، بدءاً بنص الإسلام وأصول الحكم لعلي عبدالرزاق، ومروراً في الشعر الجاهلي لطه حسين، وغيرهما من القراءات التي تسلط الضوء على تراثنا القديم بمحاولاتها تقويض نظام اللاعقل ونقد مفعولات اللامعقول وامتداداته المتجذرة في الاجتماع والسياسية والمعرفة.

لا نسعى في هذا المقال إلى رصد إيقاع الضجة أو قياس ردود الأفعال إزاء هذا النص الفكري أو ذاك. وذلك لأن هذا الأمر لا يندرج من ضمن غايات المقال. وإنما سنعمل، من خلال هذه السطور، المقاربة المنهجية والتصورية ما بين رؤية الجابري في نصه «في التعريف بالقرآن» (2006)-، وما بين رؤية نصر حامد أبو زيد في كتابه «مفهوم النص في علوم القرآن» (1994) . فلما كان المقام لا يسمح لنا في تفصيل القول في معالم المنهج والفرضيات التي تم الاستناد عليها من قبل المفكرين.فإننا سنتوقف عند بعض المقاطع الأساسية من كلا النصين حتى نكشف الاختلاف أو التوافق بين الجابري ونصر حامد أبو زيد في دراستهما للقرآن.

الجابري في كتابه مدخل الى القرآن الكريم يندرج في إطار الأفق المنهجي والتصوري الذي سبق وأن بلوره في نصوصه المتقدمة: المعالجة البنيوية والمعالجة التاريخية والوظيفة الإيديولوجية. فمن حيث المنهج فإنه يتأسس على الموضوعية والحياد، أعني يقول الجابري: «تعاملنا مع هذا المعهود بكل ما نستطيع من الحياد والموضوعية هو الطريق السليم في نظرنا، يجعل القرآن معاصراً لنا أيضاً، لا على صعيد التجربة الدينية. فذلك ما هو قائم دوماً، بل أيضاً على صعيد الفهم والمعقولية» (راجع، صفحة 20 من كتاب مدخل الى القرآن الكريم). أي أن خطوات المنهج عند الجابري له علاقة بالموضوعية والاستمرارية (راجع كتاب نحن والتراث، طبعة أولى،1980 صفحات من 30 الى 37). ومن هنا ذهب بعض الباحثين الى أن نص الجابري الأخير، لم يأت بجديد يذكر. ولعل هذه الفئة لم تردد إلا ما قاله الجابري نفسه من حيث خطوات المنهج ومنطلقات الرؤية، بأنه يسلك المسلك نفسه الذي سلكناه في الأجزاء الأربعة من كتابنا «نقد العقل العربي» مع هذا الفارق، وهو أن لكل مقام مقال» (راجع صفحة 19 من كتاب مدخل الى القرآن). ومن ثم فالجديد لدى الجابري هو في الموضوع وليس في المنهج أو في علاقة المعرفي بالأيديولوجي، كما هو معروف في مشروعه النقدي.

فالموضوع الجديد هو التفكير في «الظاهرة القرآنية». وأما د. نصر حامد أبو زيد فقد اندفع الى البحث عن مفهوم النص من خلال علوم القرآن للاقتراب من «صوغ الوعي العلمي لهذا التراث» (راجع صفحة 10 من كتاب مفهوم النص في علوم القرآن،لنصر حامد أبوزيد). فالبحث عن النص عند الكاتب المصري هو نفسه طريق الى تحديد ماهية القرآن. هكذا كان التأويل هو الوجه الآخر للنص، وبالتالي المدخل المركزي في دراسة القرآن، باعتباره نصاً لغوياً. ومن هنا نسجل حضور لحظتي الانفصال والاتصال في النصين على حد سواء. يقول نصر حامد أبو زيد «قراءة ما كتبه القدماء عن الموضوع أولاً. ثم مناقشة آرائهم من خلال منظور معاصر ثانياً». (راجع صفحة 5 من كتاب مفهوم النص في علوم القرآن). ويقول الجابري: «بفضل هذا الاهتمام نجد أنفسنا اليوم مطالبين بتجديد طرح كثير من الأسئلة التي طرحت سابقاً وفتح المجال لأسئلة أخرى قد تطرحها اهتمامات عصرنا الفكرية والمنهجية» (راجع صفحة 15 من كتاب مدخل الى القرآن). كما عبر كل من الجابري ونصر حامد أبو زيد على أهمية المعالجة التاريخية أو قراءة مسار القرآن من خلال تفاعله مع الواقع. يقول الجابري «نسجل هنا شعورنا بأننا قد تمكنا من جمع شتات حقائق تاريخية على درجة كبيرة من الأهمية. نعتبرها ضرورية في أي فهم للقران وبالتالي للإسلام». (راجع صفحة 62 من كتاب مدخل الى القرآن). وهو الأمر ذاته، الذي يطمح اليه نصر حامد بقوله: «البدء بالواقع معناه البدء بالحقائق التي نعرفها من التاريخ». (راجع صفحة 27 من كتاب مفهوم النص في علوم القرآن). وهذا ما يسمه الكاتب المصري بجدلية النص بالواقع من تناول ظاهرة الوحي والنبوة، وعلاقة المكي والمدني بعلوم القرآن، ولواحقها من المقيد والمطلق أو المحكم والمتشابه، والإعجاز… وهي موضوعات كتاب الجابري ذاته. بيد أننا نسجل نقط القوة في انتقادات نصر حامد أبو زيد للقدماء في محطات كثيرة ومنها: نقده لمعايير المكان والمخاطبين… يقول نصر: «لكن هذا المعيار معيار ناقص . ذلك أن مخاطبات القرآن كثيرة» (راجع صفحة 77 من كتاب مفهوم النص في علوم القرآن)، في الوقت الذي يكتفي فيه الجابري بقوله في هذه المناسبة أن «الخطاب القرآن في مكة يتحرك ضمن المجال التداولي السائد: توحيد شرك، إيمان كفر. وأما في المدينة فالأمر يختلف» (راجع صفحة 182 من كتاب مدخل الى القرآن). غير أننا نتوقف في نص الجابري عند قضايا جديدة وجادة . وهو تناوله لمسألة أمية النبي. أي أن الأمي كلفظ لا يوجد في اللسان العربي ،بل أن الزجاج قد أحدثه كاجتهاد ذاتي، فسار على نهجه اللاحقون. وأما قصد القرآن بالأميين فيعني الذين لا يتوفرون على كتاب في مقابل اليهود والنصارى.

وهذه المسألة عرج عليها نصر حامد أبو زيد في قوله: «ما أنا بقارئ» لا تعني الإقرار بالعجز عن القراءة. فهذا الفهم يصح في حالة الخطأ في فهم معنى» اقرأ» (راجع صفحة 66 من كتاب مفهوم النص في علوم القرآن.). كما ان الجديد لدى الجابري إنما يكمن في الموضوع وليس في المنهج،كما قلنا آنفاً، اعني ان الجابري تمكن من» الترتيب حسب النزول هو التعرف على المسار التكويني لنص القرآن باعتماد مطابقته مع مسار الدعوة المحمدية، فإن دور المنطق أو الاجتهاد لا بد من أن يكون مركزياً أساسياً على المطابقة بين المسارين: مسار النبوة ومسار التكويني للقرآن» (راجع صفحة 223 من كتاب مدخل الى القرآن الكريم). وهذا الأمر لم يلتفت اليه أستاذنا نصر حامد أبو زيد.

وعلى هذا فإن الاختلاف بين نصر حامد أبو زيد والجابري إنما يصدر عن توسل صاحب كتاب مفهوم النص بالبعد اللغوي وتحليل النص وعلاقته بالمتلقي أو القارئ.. ووفق تصورات حديثة لمقولات اللغة كنظام من العلامات لها دلائل ومدلولات. أما الجابري فإنه ينحو منحى بنيوي وتاريخي في تتبع مسار القرآن وعلاقته بالسيرة، وبالأديان الأخرى. لهذا اكتسى البعد التاريخي أهمية كبيرة في نص الجابري.

على رغم وقوفنا على بعض المقاطع التي قد توحي للقارئ التوافق في المضمون، بيد أن الاختلاف هو في المنطلق والرؤية. إلا أن التحالف أو التوافق إنما يكمن بين هذين المفكرين في البعد الإيديولوجي. هذا الأخير الذي يظهر من خلال مناهضتهما للنظام العرفاني الإشراقي الغنوصي. لنستمع الى مقولة الجابري: «عرضنا لـ» حدث الوحي» المحمدي في إطاره الأصلي الخالص، وكشفنا عن التأويلات الإيديولوجية الفلسفية منها والسياسية التي ابتعدت به عن «العقل القرآن» لترتمي به في أعماق ما سبق أن سميناه» اللامعقول العقلي» (راجع صفحة 395 من كتاب مدخل الى القرآن الكريم). وأما نصر حامد أبو زيد فقد انتقد الغزالي في نهاية كتابه مفهوم النص ، بقوله والحقيقة أن موقف الغزالي من التأويل يتسم بكثير من التناقض الذي يمكن أن يعزوه الى محاولة جمعه بين النهج الأشعري وهو نهج كلامي تلفيقي وبين النهج الصوفي وهو نهج حدسي ذوقي…» (راجع صفحة 282 من كتاب مفهوم النص في علوم القرآن.). والمتأتى من ذلك أن الجابري ونصر حامد أبو زيد قد التقيا في الصراع الأيديولوجي ضد العرفانيات المتفشية في بنيات المجتمع العربي، على رغم اختلاف الرؤية والمنهج في دراستهما للقرآن.