Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  ناصيف نصار ل "الرأي": الدين يقوم على الإيمان والإيمان ممكن مع استقلال العقل والدولة عن الدين


فيلسوف ثنائية «العلمانية والاستقلال الفلسفي» يناقش ظاهرة صعود «الإسلام السياسي»

| بيروت ـ من ريتا فرج |

لم يفقد الفيلسوف ناصيف نصّار الأمل في تحقيق مشروعه الفكري المؤسس على ثنائية العلمانية والاستقلال الفلسفي. أمضى صاحب «مفهوم الأمة بين الدين والتاريخ»** حياته المعرفية في البناء المتواصل لمدرسة عربية في الفلسفة، تتجلى معالمها في مشروع نقدي قوامه تكوين مجتمع عربي يتثاقف مع الآخر ويحاوره قاطعا مع العنصرية والتعصب. اطلق أفكاره النهضوية في العديد من الأطروحات من بينها «طريق الاستقلال الفلسفي» و«الفلسفة في معركة الايديولوجية» و«مطارحات للعقل الملتزم» و«نحو مجتمع جديد» و«الاشارات والمسالك من إيوان ابن رشد الى رحاب العلمانية».

العلمانية في نظره «فكرة فلسفية كونية تقوم على ركنين أساسيين: الأول، استقلال السلطة السياسية عن الدين، والثاني استقلال العقل عن الدين (...) فالدين يقوم على الايمان، والايمان ممكن مع استقلال العقل والدولة عن الدين».

ويعتبر نصّار ان عبارة «دولة مدنية» ليست صحيحة ودقيقة، لأن الدولة لا توصف بأنها مدنية من حيث طبيعة السلطة ومصدرها، فهي إما أن تكون دولة دينية «ثيوقراطية» وإما أن تكون دولة علمانية، تفصل بين السلطة السياسية والسلطة الدينية.

يطرح نصار قضية جوهرية لطالما انشغل بها المثقفون العرب، إذ أطلق مشروع «النهضة العربية الثانية» تحت عنوان أساسي سماه «العصر الأنواري»، وهذه النهضة التي دعا اليها صاحب «باب الحرية» قادرة في رأيه «على ضمان الهوية والتقدم التاريخي والإبداع الذاتي»، وتعكس المصطلح الخلدوني بشأن «الانبثاق الجديد للوجود التاريخي العربي».

ويخلص الى أن المجتمع العربي في حركة دائمة ومستمرة ويحتاج الى إعادة بناء، ما يعني أنه ضد الذين يتهمون المجال العربي بالجمود والركود. المجتمع العربي بالنسبة اليه «مجتمع متحرك يتطور، يتغير، وينتقل من طور إلى طور، وقد تجلى هذا الواقع في تاريخه منذ مئتي سنة إن لم أقل منذ قرون عدة. فالمجتمع العربي مدعو لكي يطور مؤسساته وقيمه الموروثة التقليدية، وأن يكيّف منظومته القيمية بحسب حاجات العصر أو الاستجابة لتحدياته. هذا مجتمع يتطور وينبغي له أن يسرع في عملية تطوره، وهذا الأخير يتطلب إعادة البناء، وإعادة النظر في أمور كثيرة، كما يتطلب أيضا الإبداع والاختراع، فالمجتمعات النامية القوية والمتحركة هي مجتمعات تحافظ من جهة، وتعيد النظر في موروثها من جهة أخرى، ومن جهة ثالثة، تحاول أن تبدع، أن تجدد، أن تخترع ما يلائم حاجاتها وظروفها. وبهذا المعنى، فإن المجتمع العربي لا يرفض العلمانية رفضاً قاطعاً، العلمانية تتطلب تغيراً في العقلية، وإعادة النظر في بنية الدولة وفي علاقة الدولة بكل مؤسساتها. على أي حال، الدولة العربية لا تفتش عن أساسها في الدين. فالدول العربية القائمة حاليا ليست دولاً دينية من حيث أساسها».

العلمانية عند نصّار، تطور تاريخي بالنسبة إلى الدين. انها معركة من أجل التطور، مفتوحة بدورها على «غنى الثقافات وتنوعها». وهنا نجده يجترح مفهومين جديدين في كتابه «الاشارات والمسالك»، هما: «المجتمعات المتطورة نحو العلمانية»، و«المجتمعات المتطورة في العلمانية».

تصدر لائحة العقلانيين العرب، وتميز عن غيره بالتفكير الديالكتيكي. هذه المعادلة أسس عليها كل أعماله الفكرية التي توالت بدءاً بـ«الفكر الواقعي عند ابن خلدون» ولمّا تنتهي بـ «الذات والحضور»، فهو اليوم يعمل على مشروع ضخم ننتظره من صاحب «مقالة في الوجود».

وفاز نصّار صاحب «الفكر الواقعي عند ابن خلدون» (موضوع أطروحة الدكتوراه التي ناقشها في جامعة السوربون العام 1967) بـ «جائزة الدراسات الانسانية والمستقبلية» العام 1999، وشارك في تأسيس «الجمعية الفلسفية العربية» في عمان العام 1987، وشغل منصب نائب الرئيس فيها (1987-1992) وأعيد انتخابه لهذا المنصب العام 1998. ونال «جائزة الدكتور منيف الرزاز للدراسات والفكر» التي تمنحها «رابطة الكتاب الأردنيين» العام 1995.

النهضة العربية الثانية، العلمانية، مفهوم الأمة، الدولة المدنية، الطبقة الوسطى، الحركات الاحتجاجية، هذه القضايا وغيرها شكلت أبرز محاور الحوار الذي اجرته «الراي» الآتي نصه مع ناصيف نصّار:

• تسيطر أدبيات الإسلاميين على الشارع العربي منذ تراجع التيارات اليسارية والقومية التي نادت بالعلمانية، وفي ظل الحراك الاحتجاجي الجاري اليوم تحتل التيارات الإسلامية موقع الصدارة في المشهد السياسي والانتخابي الراهن. بداية ما الذي عرقل مسيرة العلمانية في العالم العربي؟

- لم يكتب حتى الآن تاريخ دقيق لتطور فكرة العلمانية في العالم العربي الحديث، ورغم ذلك يمكن القول إن تاريخ العلمانية عند العرب في العصر الحديث مرّ بمراحل صعود ومراحل هبوط، ولم تكن العلمانية في يوم من الأيام قضية مركزية فاعلة في الثقافة والاجتماع والسياسة. لقد جرى تطور نحو العلمانية في الحقبة التي سبقت حقبة الثورات التي ظهرت في أواسط القرن الماضي، وبعد ذلك وقعت العلمانية في مواجهة أنظمة استبدادية لم تعارضها ولكنها لم تحملها كقضية مركزية.

المفعول الرئيسي لتلك الأنظمة الاستبدادية كان تجميداً للوضع العلماني، فلم تعمل على ترسيخ استقلالها عن الدين ولم تفسح في المجال لتحرر العقل من هيمنة الدين أيضاً. من هذه الناحية، عرقلت الأنظمة نمو الفكرة العلمانية في البلدان العربية، ومن جملة نتائج هذا الوضع أن الفكرة العلمانية لم تكتسب وضوحاً وقوة ومناعة كافية في الرأي العام، علماً بأن العلمانية قابلة لتأويلات متباينة جداً، فبعضهم يرى فيها منطلقاً للالحاد أو الابتعاد من الدين، وبعضهم يرى فيها انتاجاً غربياً خالصاً لا يصلح إلاّ للبلدان الغربية، وبعضهم يرى فيها مؤامرة على الدين الاسلامي وبعضهم يردها الى انفصال الدولة عن الدين بهدف محاربته وهكذا. في حين أن العلمانية في نظري فكرة فلسفية كونية تقوم على ركنين أساسيين: الأول، استقلال السلطة السياسية عن الدين، والثاني استقلال العقل عن الدين، وهذا لا يعني إطلاقاً ترك الدين بالكامل ولا يعني تحرر المجتمع الانساني من الدين، إذ إن الدين يقوم على الايمان، والايمان ممكن مع استقلال العقل والدولة عن الدين.

وفي الواقع ينبغي ألا نغفل تأثيرات الصراع العربي - الاسرائيلي على المجرى العام المتصل بالعلمانية، إذ إن هزيمة العرب الكبرى العام 1967 أدت الى نتائج هائلة على الصعيد العربي من جهة، وعلى الصعيد الاسرائيلي من جهة اخرى، وفي مقدمها ظهور الحركات الأصولية الاسلامية والحركات الأصولية اليهودية أيضاً. ونحن اليوم نواجه مشروع اعلان اسرائيل كدولة يهودية وهذا يستدعي مزيداً من التوجه نحو الاسلام السياسي، فالأصوليات تغذي الواحدة الاخرى، وهذا يشكل بلا ريب عقبة تضاف الى العقبات التي أشرت اليها أمام نمو الفكرة العلمانية وانتصارها.

• تحاول أدبيات الإسلام السياسي التأكيد أن الإسلام لا يتعارض مع العلمانية على قاعدة أنه دين مدني في جوهره. ما رأيك في ذلك؟ وهل يقدم القرآن أجوبة عن إشكالية الفصل بين الديني والسياسي؟

- جواباً عن هذا السؤال لا بد من توضيح بعض العبارات. في رأيي لا يجوز وصف الإسلام بأنه دين مدني، الإسلام لا يقدم نفسه ديناً مدنياً، فهو دين إلهي مرتكزه الوحي. أما فكرة الدين المدني فتخّص بعض الفلاسفة، من بينهم جان جاك روسو، ولذلك لا يجوز الخلط بين النظرة المدنية الى السياسة والنظرة الدينية. ما يقبل به الاسلام هو الحكم المدني بمعناه المباين للحكم العسكري، والعبارة الشائعة اليوم أعني عبارة «دولة مدنية» ليست صحيحة ودقيقة، لأن الدولة لا توصف بأنها مدنية من حيث طبيعة السلطة ومصدرها، فهي إما أن تكون دولة دينية «ثيوقراطية» وإما أن تكون دولة علمانية، تفصل بين السلطة السياسية والسلطة الدينية وتُعيد مصدر السلطة السياسية الى المجتمع أو الشعب في مفهومه الدنيوي التاريخي الأنتروبولوجي.

ومن هنا يتطلب التوفيق بين الإسلام والعلمانية تأويلاً راديكالياً لعلاقة الإسلام بالسياسة، يتجاوز نظرية علي عبد الرازق بحيث لا تبقى السلطة السياسية بما فيها السلطة التشريعية في صلب النواة العقيدية للاسلام، وهذا أمر مطروح على الفكر الإسلامي الجديد المنشود في المرحلة الحاضرة من تاريخ الدول العربية.

• تطرقت في أطروحاتك السابقة الى مفهوم الأمة في القرآن وقد استخدمها منظرو الاسلام السياسي من منطلق شمولي. هل تعتقد بأن شعار الأمة بمعناه الاسلامي تراجع تحت وطأة الهويات الداخلية أي التعددية الثقافية؟

- استخدمت الحركات الاسلامية في العالم العربي مفهوم الأمة بثلاثة معانٍ على الأقل، في المرحلة الأولى من القرن العشرين، غلبت النظرة التوفيقية بين مفهوم الأمة الاسلامية ومفاهيم القومية والدولة الوطنية، وفي موازاة هذه النظرة يلمس المؤرخ وجود نزعتين متقابلتين، واحدة تربط مفهوم الأمة الاسلامية بالسياسة وأخرى تميل الى إبقاء مفهوم الأمة الاسلامية في الاطار الايماني الشعائري المحض، وهذه المعاني الثلاثة لا تزال موجودة ومؤثرة في الثقافة السياسية العربية المعاصرة.

وعندي أن المعطى القومي أو الوطني لا يزال قوياً في البلدان العربية، رغم صعود حركات الاسلام السياسي التي تتأثر بفكرة الأمة الاسلامية الواحدة. هذا واضح مثلاً في تونس والمغرب كما هو واضح في مصر ما يدعو الى إعادة التفكير علمياً ومعيارياً في مسألة الانتماء القومي وموقع الانتماء الديني في بنية المجتمعات العربية على اختلافها.

• في كتابك «الإشارات والمسالك» دعيت الى «النهضة العربية الثانية» باعتبار أن هذه النهضة قادرة على ضمان الهوية والتقدم التاريخي والابداع الذاتي، وقد ادرجت كل ذلك تحت المصطلح الخلدوني أي «الانبثاق الجديد للوجود التاريخي العربي». الى أي مدى يمكن مقاربة ما تقدمت به انطلاقا من الحركة الاحتجاجية الجارية في العالم العربي؟

- يعود بنا هذا السؤال الى فهم الحركات الاحتجاجية والانتفاضات ذات الطابع الثوري في البلدان العربية على المدى التاريخي الطويل. ففي نظري تعمل هذه الحركات والانتفاضات على إخراج المجتمعات العربية من حال الجمود والمراوحة، في ظل الاستبداد والفساد بين أطروحتين: أطروحة التمسك بالأصالة والهوية والتراث وما اليها، وأطروحة المعاصرة والتحديث والتقدم والديموقراطية وما اليها، والهدف البعيد لهذه الانتفاضات والحركات الاحتجاجية في تقديري متلائم مع مطلب استئناف النهضة التي كانت سائرة أو متحققة قبل النصف الثاني من القرن الماضي. وهذا الاستئناف يعني الانتقال بالمجتمعات العربية الى مرحلة حضارية جديدة تعالج المشكلات التي لم تحسمها النهضة الأولى، والمشكلات المستجدة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وانطلاق حركة العولمة بقيادة المجتمعات الرأسمالية المتقدمة. وهذا ما اعنيه بالنهضة العربية الثانية، إنها نهضة حضارية شاملة تتجاوز تناقضات الأطروحتين المذكورتين وتبني للعرب مجتمعاً جديداً قادراً على أن يحتل مكانه بجدارة بين مجتمعات العالم.

• النهضة تحتاج الى انتاج معرفي متقدم الى جانب تطور وعي الجماعات الدينية أو الاثنية وهذا لا بد من أن يرافقه بيئة سياسية ديموقراطية. في رأيك، هل يكفي تطور المعرفة العلمية وحده لتطوير وعي الجماعات أم أن هناك حاجة لتحولات نهضوية تطاول المعطيين المجتمعي والسياسي؟

- في الجواب عن السؤال السابق قلت ان النهضة العربية الثانية لا بد من أن تكون حضارية شاملة، وأقصد بذلك أنها لا بد من أن تكون اقتصادية تغير الأنظمة الاقتصادية القائمة في البلدان العربية، كما لا بد لها من أن تغير الأنظمة الثقافية والأنظمة الاجتماعية والأنظمة السياسية. وهذا معناه أن المعرفة العلمية وحدها لا تكفي اطلاقاً لانتاج نهضة شاملة على مستوى المجتمعات العربية.

العلم عامل مهم جداً في عملية تغيير العقلية السائدة، ولكنه عامل بين جملة عوامل أخرى لا بد من تضافرها لكي تنهض الشعوب العربية نهضة شاملة على أسس جديدة. فالديموقراطية مثلاً تستفيد كثيراً من التأثير الايجابي للعلوم الانسانية، ولكنها تحتاج أيضاً الى نظرة فلسفية جديدة للانسان والمجتمع والسياسة، تقوم على مجموعة مبادئ من بينها مبدأ الفرد العاقل المستقل الحر في إطار انتمائه للجماعة الوطنية، وتحتاج أيضاً الى أنظمة تربوية ملائمة وإعادة التفكير في نظام الأسرة ونظام العمل. ولذلك ينبغي النظر على مدى طويل من دون اختزال ومن دون تعجل الى التحولات والخطط التي تخدم العمل العربي في اتجاه النهضة المنشودة.

• الطبقة الوسطى في العالم العربي تبدو شبه غائبة عن الحراك الشعبي. ما اسباب ذلك؟ ولماذا لا تمارس الطبقة الوسطى دورها بإعتبارها أحد أبرز المساهمين في التحولات التاريخية؟

- لا نملك دراسات تفصيلية عن البنية الطبقية للمجتمعات العربية في المرحلة الحاضرة. لقد تخلى كثير من علماء الاجتماع عن مقولة الطبقة الاجتماعية في دراساتهم لتحولات المجتمعات العربية اليوم تحت تأثير غلبة العلوم السياسية ذات النزعة المحافظة، ولذلك لا نعرف بالضبط ماذا تعني عبارة الطبقة الوسطى بالنسبة الى المجتمعات العربية السياسية، فهل هي على وجه التقريب ما كان يعرف بالبورجوازية الصغيرة؟ وما هي في الواقع مكوِّناتها الحقيقية؟ وتحديدا ما الفئات الاقتصادية والاجتماعية التي تشكلها؟

في الظاهر يدور الانطباع على تأقطب متزايد للفئات الاجتماعية في المجتمعات العربية بين أغنياء يزدادون غنى وفئات فقيرة تزداد فقراً وبؤساً، وهذا الانطباع ليس خاطئاً في تقديري، إلاّ أنه لا يكفي لاعطائنا فكرة دقيقة عن التكوين الطبقي للمجتمعات العربية. الرجوع الى مقولة الأجيال ومن ضمنها مقولة الشباب مفيد في هذا الصدد، إلاّ أنه يحتاج الى مزيد من الدقة لتحديد كيفية ارتباط الحراك الاقتصادي/ الاجتماعي عبر مقولة اختلاف الأجيال، فالبطالة عامل مهم لتحريك الشباب تحريكاً احتجاجياً أو ثورياً، وانتشار التعليم ووسائل الاتصال عاملان مهمان أيضاً، ولكن هذه العوامل جميعاً لا تكفي وحدها لتكوين طبقة اجتماعية ووعي طبقي في المعنى الكلاسيكي للكلمة.

بكلام آخر، الجانب الطبقي من الصراعات الاجتماعية القائمة جانب مهم جداً ولا بد من إظهاره، في مقابل ما يجري التشديد عليه في وسائل الإعلام من انقسامات وصراعات ذات طابع مذهبي/ ديني، أو عشائري/ قبلي أو جهوي/ مناطقي. ولكننا لا نملك ويا للاسف تصوراً علمياً واضحاً وكافياً عن العناصر المكوِّنة لهذا الجانب.

• يعاني لبنان معضلة حقيقية تتعلق بإشكالية المواطنَة من جهة وأزمة الهوية الوطنية من جهة أخرى. ما الذي يحتاج اليه اللبنانيون لتعزيز أسس المواطنة؟ والى أي مدى تتحمل الطائفية السياسية مسؤولية إثارة الهويات المناطقية والمذهبية؟

- الطائفية السياسية موضوع مرتبط في معظم الأدبيات السياسية السائدة بالوضع اللبناني، ولكن مفهوم الطائفية المكشوفة أو المستورة أخذ ينتشر ويُستخدم كمدخل لفهم بلدان عربية عدة، مثل سورية والعراق ومصر واليمن والبحرين، ولذلك يمكن اعتبار لبنان نموذجاً متقدماً وصريحاً في مسألة الطائفية السياسية. ومن المعروف أن للطائفية السياسية حسنات يحاول أن يبالغ في تقديرها المدافعون عنها، ولها أيضاً سيئات لا تخفى على من ينظر اليها نظرة نقدية وخصوصا إذا كان يميل ميلاً حقيقياً الى مبادئ الوطنية والديموقراطية.

جوهر النقاش في هذه المسألة يدور على مبدأ المواطنة التامة ومن الواضح أنه لا يمكن التغلب على مساوئ الطائفية السياسية بعد الاستفادة من حسناتها النسبية إلاّ بالاتجاه نحو تغليب الانتماء الوطني والولاء الوطني والوحدة الوطنية والمصير الوطني على ما عداه من مكوَّنات المجتمع اللبناني. وهذا مجال صراع مفتوح بين القوى المتحكمة في النظام الطائفي، وخصوصا القوى الأقدر من غيرها على استغلاله لمصلحتها والقوى التي تُقدِّم الانتماء الوطني على الانتماء الطائفي، إلاّ أنه مجال مفتوح للأسف الشديد أمام تأثير قوى خارجية تعمل من أجل استخدامه لمصلحتها. فإذا كان ثمة شيء مطلوب في الدرجة الأولى لنصرة المواطنة في لبنان على الأساس الوطني والديموقراطي، فإنما هو الاستقلال الفعلي وليس فقط الشكلي أو الإعلاني للقوى السياسية اللبنانية عن تأثيرات القوى الخارجية. وهذا أمر صعب المنال في الوقت الحاضر لارتباط المجتمع اللبناني برمته بالعوامل الخارجية المتصارعة فيه وحوله.