Arabic symbol

 

 

 

 

 

 

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة
فلاسفة العرب
 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 سمير أمين ومستقبل الماركسية

 


 

 

    د. السيد ولد أباه 

   جريدة الاتحاد

19 أغسطس 2018


رحل مؤخراً المفكر الاقتصادي والسياسي المصري «سمير أمين» خاتمة جيل كامل من المثقفين اليساريين الذين راهنوا على الثورة الاشتراكية، وحافظوا إلى آخر لحظة على الفكرة الشيوعية.
آخر مرة التقيت فيها بالرجل كانت قبل عشر سنين في نواكشوط وقد امتد اللقاء بيننا مطولاً حول القراءات الجديدة للفكر الماركسي التي ارتبطت بالفيلسوفين الإيطالي «توني نغري» والأميركي «مايكل هاردت» وكان شديد الانتقاد لها ويعتبرها حرّفت النظرية الماركسية، ولم تقدم جديداً يسمح بتطويرها.
الغريب في الأمر أن سمير أمين نفسه نظر إليه في سبعينيات القرن الماضي بأنه سعى لمراجعة وتجديد المقولات الماركسية التقليدية، ولم تكن الأحزاب الشيوعية العربية المتشبثة بأيديولوجيا الصراع الطبقي تميل إلى أفكاره الجديدة، وتقبل نقده المبكر للتجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية.
عرف سمير أمين بنظريته الشهيرة في التطور اللامتكافئ وأثرها على العلاقات بين المركز والأطراف، وهي نظرية تعيد بناء أطروحة ماركس حول التراكم الأصلي في النظام الرأسمالي وتطور أطروحة لينين حول العلاقة العضوية بين التوسع الرأسمالي والغزو الاستعماري، كما أنها تطرح بديلاً عملياً لاستراتيجيات التنمية في بلدان الجنوب النامية قائمة على مفهوم التنمية المتمحورة حول الذات، من خلال فك الارتباط مع المركز الرأسمالي في مقابل فكرة التبادل العالمي الضامن للمنافع المشتركة وهي الأطروحة الليبرالية الكلاسيكية.
ما أكدت عليه كتابات سمير أمين (خصوصاً كتابه الأساسية: التراكم على الصعيد العالمي)، هو أن عملية التراكم في المنظومة الرأسمالية تتطلب إعادة إنتاج علاقات التبعية والاستغلال والعنف، التي كان ماركس قد حصرها في مسار التشكل البدائي للاقتصاد الرأسمالي، ومن هنا فإن المنظومة الرأسمالية التي تستوعب في بنيتها ومجالها العملي البلدان الاشتراكية ودوّل العالم الثالث، هي منظومة قائمة على التبادل اللامتكافئ، ولا يمكن أن ينشأ عن الاندماج فيها نهوض تنموي يخرج العالم الجنوبي من التخلف، ولذا توجبت القطيعة معها ولزم فك الارتباط بها.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك المعسكر الأيديولوجي الذي تزعمه، حافظ سمير أمين على أطروحته، ولم يعتبر أن الماركسية قد فشلت، ولا أن الرأسمالية انتصرت، بل تحول إلى أحد قيادات حركيّة العولمة البديلة التي ترى في أزمات الاقتصاد العالمي الأخيرة دليلاً على أن رأسمالية الريع المالي لا بد أن تؤول إلى النهاية التي توقعها ماركس. لم يوافق سمير أمين المفكرين الماركسيين الجدد (توني نغري والآن باديو وسلافوج جيجك ومايكل هاردت..) في أن حركة العولمة الجديدة غيرت نوعياً من طبيعة أنظمة الإنتاج والعلاقات الطبقية نتيجة لانتقال مفهوم العمل من العمل اليدوي، إلى العمل غير المادي، ومن وحدات المصانع إلى الشبكات المرنة ومن الإنتاج المادي إلى الإنتاج الذاتي القائم على الذكاء الاصطناعي والتصرف الجيني والتواصل الكثيف، بما كرّس نهاية الطبقة العاملة، التي راهن عليها ماركس في قيادة النضال الطبقي، وفتح أفاقاً جديدة للمشروع الماركسي نتيجة لانهيار نموذج الدولة القومية، التي هي المؤسسة الكبرى التي أبدعتها المنظومة الرأسمالية، واستندت إليها في ضبط علاقات التبادل الاقتصادي.
عندما ناقشت سمير أمين في الأطروحات الماركسية الجديدة قال لي إنها «طوبائيات الخيال العلمي الأوروبي»، وكان مصراً على أن البديل الاشتراكي لن يأتي إلا من الجنوب أي من أفريقيا وآسيا وأن الصراع الطبقي الحقيقي هو السائد حالياً بين الغرب الرأسمالي المسيطر والعالم الجنوبي الخاضع للاستغلال.
تراجع الاهتمام كثيراً بسمير أمين في السنوات الماضية بعد أن ملأ الدنيا وشغل الناس في العقود الأخيرة من القرن الماضي، ولعله تراجع يفسر بانحسار الأيديولوجيا الماركسية وانهيار الأحزاب الشيوعية العريقة في العالم العربي. هل يعني ذلك أن ماركس نفسه الذي يستند إليه سمير أمين قد انتهى ولم يعد لديه ما يقوله للعالم الراهن؟
يطرح الفيلسوف الفرنسي «جاك دريدا» هذا السؤال في كتابه «أشباح ماركس» الذي صدر عام1993، وفيه يشير إلى عبارة ماركس في رسالته «الميثاق» المتعلقة بالشبح الشيوعي الذي يطارد أوروبا، معتبراً أن اختفاء المعتقد الماركسي وانهيار أدواته الأيديولوجية يحملنا على واجب إعادة قراءة ماركس الذي لا سبيل لتجاوزه، لا من حيث صلاحية أفكاره لعالم اليوم ولكن من حيث هو تراث لا خيار لنا في قبوله أو رفضه، «نحن ورثة ماركس الذين في حال حداد على موته كأي وريث».