Arabic symbol

 

                          

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة

فلاسفة العرب

                               

 

 

            

 

  الفلسفة وحياتنا العقلية

 هيلاري بوتنام

 

English

 

 

 
بحث مخصص

 

 

 

 

 

مقدمة البحث

السؤال الذي يزعج الشخص العادي، والذي يزعج أيضا الفلاسفة منذ القدم، حتى ولو كان اليوم متخفيا في الأسلوب التحليلي المعاصر لكتابة الفلسفة، هو هذا: هل نحن مخلوقون من المادة أم من الروح؟  ولنضع هذا السؤال بأكثر ما يمكن من المباشرة، هل نحن فقط مخلوقات مادية، أم نحن "شيئا أكثر من ذلك"؟ في هذه الورقة، سوف أجادل بأكثر ما يمكن من قوة بأن هذا السؤال بالكامل يرتكز على فرضيات زائفة. ليس غرضي هو استبعاد السؤال، على أية حال، وإنما التركيز على موضوع الاهتمام الحقيقي الذي يكمن خلف السؤال. محل الاهتمام الحقيقي، كما اعتقد، يختص باستقلالية حياتنا العقلية.

الناس قلقون من أننا قد نصبح بلا قيمة، أن نكتشف أن سلوكنا يمكن تفسيره بأنه شيء ميكانيكي. ليس، بالتأكيد، بالمعنى القديم المرتبط بالبكرة والترس، وإنما بالمعنى الحديث الخاص بالكهربية والمغناطيسية وكيمياء الكوانتم وما إلى ذلك. في هذه الورقة، جزء مما أريد قوله أن أجادل بأن هذا لا يمكن أن يحدث. الطبيعة العقلية هي خاصية حقيقية ومستقلة في عالمنا.

ولكن الأكثر أهمية، على الأقل كما أشعر، هي حقيقة أن هذا السؤال ككل ليس له علاقة بجوهر مكوناتنا. ربما يبدو ذلك غريبا بالنسبة للحس المشترك وللبديهة المدققة أيضا، ولكن السؤال عن استقلالية حياتنا العقلية لا يعتمد على، وليس له علاقة، بهذا السؤال القديم جدا والمشهور جدا عن المادة والروح. يمكن أن نكون مصنوعين من الجبن السويسري ولن يكون لذلك أي أهمية.

الفشل في أن نرى ذلك، الإصرار العنيد على أن نطرح السؤال في صورة المادة والروح، يمنعنا بقوة من أن نحقق تقدم في هذه الأسئلة. وبالعكس، بمجرد أن ندرك أن جوهر مكوناتنا ليس هو الموضوع، لا أرى كيف لا يمكننا أن نحقق التقدم.

الفكرة التي تمثل المفتاح لحل الغموض في فلسفة العقل، فيما أظن، هي فكرة التماثل الوظيفي "Functional Isomorphism". تكون المنظومتان متماثلتان وظيفيا إذا كان هناك تقابلا بين الحالات، التي تحفظ العلاقات الوظيفية، في أحدهما والحالات في الأخرى. يمكن البدء بأمثلة الآلة الحاسبة، إذا كانت العلاقات الوظيفية هي فقط علاقات تتابعية، مثلا، الحالة أ دائما تتبعها الحالة ب، إذن، لكي تكون "و" علاقة وظيفية تماثلية، يجب أن يتحقق في الواقع أن الحالة أ تكون متبوعة بالحالة ب في المنظومة (1) إذا، وفقط إذا، كانت و(أ) متبوعة بالحالة و(ب) في المنظومة 2. إذا كانت العلاقات الوظيفية، لنقل، علاقات إما مدخلات أو مخرجات مطبوعة، مثلا، عندما تطبع (π) على الشريط، تذهب المنظومة 1 إلى الحالة أ، هذه العلاقات يجب أن تظل محفوظة. عندما تطبع (π) على الشريط، تذهب المنظومة 2 إلى الحالة و(أ)، إذا كانت (و) هي تماثل وظيفي بين المنظومة 1 والمنظومة 2.  بصورة أكثر عمومية، إذا كانت (ن) هي نظرية صحيحة لوظيفة المنظومة 1، على المستوى الوظيفي أو السيكولوجي، فإن التماثل الوظيفي بين كل من المنظومة 1 والمنظومة 2 يجب أن يرسم تقابل متماثل لكل خاصية أو علاقة محددة في المنظومة 2 بحيث أن النظرية (ن) تصبح صحيحة عندما تستبدل كل الإحالات إلى المنظومة 1 بإحالات إلى المنظومة 2، وأن يعاد تفسير كل رموز الخواص والعلاقات في (ن) طبقا لرسم التقابل المتماثل.

الصعوبة المتضمنة في فكرة التماثل الوظيفي هي أنها تفترض فكرة وجود شيء ما يكون في حالة وظيفية أو توصيف سيكولوجي. ولهذا السبب، في الأبحاث المتنوعة عن الموضوع، قدمت وشرحت هذه الفكرة بالرجوع إلى مفهوم ماكينة تورينج (Turing Machine). ولهذا فقد شعرت بأنني ملزم بالدفاع عن فرضية أننا ماكينات تورينج. ماكينات تورينج تأتي، إذا جاز القول، بالشكل العادي لوصفها الوظيفي، بما يسمى بجدول الماكينة – برنامج ذو أسلوب قياسي. ولكنه لا يبدو بالنسبة لي أنه تورطا قاتلا، على الرغم من أنه من قبيل التورط، إذا طبقنا فكرة التماثل الوظيفي على الأنظمة التي ليس لدينا فكرة تفصيلية في الوقت الحاضر عما سيكون عليه الوصف العادي لها – أنظمة مثل أنفسنا. النقطة هي أنه حتى ولو لم يكن لدينا أية فكرة كيف ستبدو أية نظرية سيكولوجية متعمقة، أنا أدعي أننا نعرف ما يكفي (وهنا يكون التمثيل بماكينات الكومبيوتر، الأنظمة الاقتصادية، الألعاب، وما إلى ذلك عاملا مساعدا)  حتى نبين الفروق الواضحة بين أي نظرية سيكولوجية ممكنة لإنسان، أو حتى وصف وظيفي لماكينة كومبيوتر أو منظومة اقتصادية، ووصف فيزيائي كيميائي. حقا لقد قام دنت (Dennett) وفودر (Fodor) بعمل كثير في هذا الاتجاه في كتبهم الأخيرة.

هذا يعود بي مرة أخرى إلى سؤال النحاس، الجبن، أو الروح. بمجرد أن نمتلك مفهوم التماثل الوظيفي يمكن أن نضع فورا النقطة التالية: يمكن لمنظومتين أن تتكونا من مكونات مختلفة وأن تكونا في نفس الوقت متماثلين وظيفيا. على سبيل المثال، يمكن أن يكون جهاز الكومبيوتر المكون من مكونات كهربية متماثلا وظيفيا مع آخر مصنوعا من التروس والعجلات. بمعنى آخر يكون لكل حالة في الكومبيوتر الأول حالة مقابلة في الآخر، وكما قلنا، تكون العلاقات التتابعية متماثلة – إذا كانت الحالة (ح) تتبعها الحالة (ج) في حالة الكومبيوتر الكهربي، فإن الحالة (أ) سوف تتبعها الحالة (ج) في حالة الكومبيوتر المصنوع من التروس والعجلات، ولا يهم بعد ذلك أبدا أن تكون الحقائق الفيزيائية لهذه الحالات مختلفة تماما. لهذا يمكن للكومبيوتر الكهربي أن يكون متماثلا وظيفيا مع آخر مصنوع من التروس والعجلات أو مع موظفين آدميين يستعملون الورق والقلم. الكومبيوتر المصنوع من نوع معين من الأسلاك، أسلاك نحاسية مثلا، أو نوع معين من الموصلات، الخ، سوف يكون في حالة فيزيائية وكيميائية مختلفة عندما يقوم بعملية الحساب عن الكومبيوتر الآخر المصنوع من نوع مختلف من الأسلاك والموصلات. ولكن الوصف الوظيفي لكليهما يظل هو نفسه.

يمكننا أن نمد هذه النقطة أكثر من ذلك. لنفترض أن أطروحة معينة عن المادية (سوف أسميها "الأطروحة الأولى") صحيحة، وأننا، كموجودات كلية، مجرد منظومات مادية تطيع القوانين الفيزيائية. فإن الأطروحة الثانية للمادية الكلاسيكية لا يمكن أن تكون صحيحة – بالتحديد، أن حالاتنا العقلية، مثلا التفكير في أجازة الصيف القادمة، لا يمكن أن تكون متطابقة مع حالاتنا الفيزيائية أو الكيميائية.

 

 

 

 

Hilary Putnam, 2005, "Philosophy and our Mental life", in Paul Moser and J. D. Trout 'Contemporary Materialism – a Reader', Routledge, 2nd edition, Pp. 127-137. Reprinted from 'Putnam, Mind, Language, and Reality: Philosophical Papers', Vol.2, 1975, pp. 291–303, Cambridge University Press.

.