Arabic symbol

 

أهلا بكم من نحن فلاسفة أبحاث فلسفية الخطاب الفلسفي أخبار الفلسفة خدمات الفلسفة

فلاسفة العرب

 
بحث مخصص

الدكتور عبد الوهاب المسيري

الدكتور عبد الوهاب المسيري (1938-2008)، أستاذ الأدب الإنجليزي، مفكر مصري من نقاد الحداثة الغربية ومن دعاة تأسيس حداثة إسلامية وصاحب موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية.

حيـاتـه

الدكتور عبد الوهاب محمد أحمد المسيري، من مواليد مدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة في 8 من أكتوبر عام 1938، توفي الثالث من يونيو عام 2008.

نشـأتـه

نشأ الدكتور المسيري في أسرة ريفية ثرية وتعلم في المرحلة الابتدائية والثانوية في بلده دمنهور. وكان والده من رجال الأعمال ولكنه كان حريصا على تنشئة أولاده على الاعتماد على الذات. ويذكر الدكتور المسيري أن "هذه النشأة جعلتني باحثا مثابرا. لا تنس أن أبناء البرجوازية الريفية -وأنا منهم- ينشئون في خشونة، خلافا لأبناء البرجوازية الحضرية. كان والدي يردد أن لا علاقة لنا بثروته، زادت أم نقصت، وأن علينا أن نعيش في مستوى أولاد الموظفين. كنت أشكو من هذا آنذاك، لكنني تعلمت، فيما بعد، عندما ازددت حكمة، أنه نفعنا كثيرا بذلك". (إسلام أونلاين – المسيري يتحدث عن حياته).

تعليمـه

تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في دمنهور والتحق عام 1955 بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وحصل على ليسانس الآداب قسم الأدب الإنجليزي عام 1959، وعُين معيدًا فيها عند تخرجه. سافر إلى الولايات المتحدة عام 1961 للدراسة حيث حصل على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي والمقارن عام 1964 من جامعة كولومبيا (Columbia University)، الولايات المتحدة. ثم حصل على درجة الدكتوراه عام 1969 من جامعة رَتْجَرز Rutgers University) )، الولايات المتحدة في الأدب الإنجليزي والأمريكي المقارن.

مساره المهني

عند عودته إلى مصر قام بتدريس الأدب الإنجليزي والأمريكي والنظرية النقدية في كلية البنات جامعة عين شمس، عمل كأستاذ من 1979 حتى 1983، ثم أستاذ غير متفرغ حتى وفاته. عمل أيضا أستاذا في الأدب الإنجليزي والمقارن في جامعة الملك سعود (1983-1988)، وجامعة الكويت (1988-1989)، والجامعة الإسلامية في ماليزيا. كما عمل أستاذا زائرًا في أكاديمية ناصر العسكرية.

إلى جانب عمله بالتدريس شغل عضوية مجلس الخبراء، رئيس وحدة الفكر الصهيوني، بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام (1970 – 1975)، وعمل مستشارًا ثقافيًا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك (1975 – 1979)، ومستشارا أكاديميا في المعهد العالمي للفكر الإسلامي منذ عام 1992 حتى وفاته، و عضو مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بليسبرج بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1993 حتى وفاته، وعضو مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية -واشنطن- الولايات المتحدة الأمريكية (1997م- حتى وفاته). كما شارك كمستشار تحرير لعددٍ من الحَوْليات التي تصدر في مصر وماليزيا وإيران وأمريكا وإنجلترا وفرنسا.

نشاطه السياسي

كان الدكتور المسيري نشطا في المشاركة في الحركات السياسية والتظاهرات الاحتجاجية في مطلع حياته حيث كانت مصر تعج بالحركات والأحزاب السياسية وبمظاهر المقاومة للاحتلال الإنجليزي. واستمر هذا النشاط خلال الخمسينيات حيث انضم لبعض الحركات السياسية حتى سفره إلى الولايات المتحدة للدراسة. انضم في منتصف التسعينيات إلى قائمة مؤسسي حزب الوسط المصري، وهو حزب قائم على أسس ديمقراطية ولكنه بمرجعية إسلامية، وقام بدور أساسي في صياغة مشروعه السياسي. ويعد ذلك تعبيرا عن رؤيته في فكرة الحداثة الإسلامية. ثم انضم إلى حركة التغيير المصرية المشهورة بحركة "كفاية" عند تأسيسها عام 2005، ثم رأسها عام 2007 حتى وفاته.

مساره الفكري

رحلة الدكتور المسيري الفكرية تعود إلى المرحلة الثانوية حيث اعتنق في بداياته الفكر الشيوعي وانضم لفترة محدودة لأحد الأحزاب الشيوعية المصرية في الخمسينيات، وأمن في هذه الفترة بفكر الحداثة الغربية، خصوصا في صيغته الاشتراكية. بدأ تحوله الفكري بعد سفره للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1961، حيث بدأ التعرف على الحداثة الغربية عن قرب وعاين تحولاتها الجذرية خلال مرحلة الستينيات. ويصف الدكتور المسيري بديات التحول نحو الاتجاه الإسلامي بأنه يرجع إلى عام 1963، وأن جوهر رؤيته أن الإنسان كائن فريد وليس كائنا ماديا، وأن المساواة بين البشر مسألة ضرورية، فالإنسان بلا شك يعيش في عالم المادة وجزء منها، لكنه جزء يتجزأ وليس جزءا لا يتجزأ منها؛ لأن فيه ما يجعله يتجاوز السقف المادي، وأن العدل من ثم قيمة أخلاقية أساسية. يقول،

هذه الرؤية الأساسية هي الخيط الناظم في كل ما أكتب، وفي تطور حياتي الفكرية، المرجعية الفلسفية قد تغيّرت من فترة لأخرى، لكن طلب الرؤية كما هو، برغم تغير السبل والمناهج التي تؤدي إلى تحقيق هذه الرؤية، لقد التحقت في بداية حياتي لفترة قصيرة بـ"الإخوان المسلمين" في مرحلة الصبا، ثم اتجهت إلى الماركسية، وعشت مرحلة من الشك، ولكن مع الالتزام بالقيم المطلقة، مثل الحق والخير والجمال والإيمان بأن الإنسان كائن غير مادي، وضرورة إقامة العدل في الأرض، وبالتدريج وعلى مدى رحلة فكرية استغرقت أكثر من ثلاثين عاما عدت مرة أخرى إلى الإسلام لا كعقيدة دينية وحسب ولا كشعائر، وإنما كرؤية للكون وللحياة وكأيديولوجية. (إسلام أونلاين – الحب بداية انتقالي للإيمان)

بدأ الدكتور المسيري رحلته الفكرية مع بداية اهتمامه بالموضوع اليهودي والصهيوني، وكان ذلك رد فعل على هزيمة 1967. فقد أدت مناقشاته مع زملاء الدراسة بالولايات المتحدة حول نتائج حرب 1967 إلى ظهور أهمية الرد على السؤال من هو العدو؟ فكان اهتمامه بدراسة العدو الصهيوني معرفيا.

 من نقطة الانطلاق هذه كان أول كتبه هو "نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني (1972) "، صدر بعدها "موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية: رؤية نقدية (1975) "، ثم توالت دراساته عن اليهودية والصهيونية. بعد ذلك رأى الدكتور المسيري أن يُحدِّث موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية وتصور أن عملية التحديث قد تستغرق عامًا أو عامين. ولكنه اكتشف أن رؤيته في هذه الموسوعة كانت تحليلية لا تكشف عن الصورة الكلية ولا عن الأبعاد الحضارية للمشروع الصهيوني. لذلك ظهر له أن المطلوب هو رؤية تركيبية تأسيسية تضع المعلومات الجزئية عن هذا المشروع في إطار كلي واحد. فكانت الثمرة، بعد حوالي ربع قرن، ظهور موسوعته الشهيرة "اليهود واليهودية والصهيونية – نموذج تفسيري جديد" في ثمانية مجلدات عام 1999. واستمرت بعدها دراساته في تعميق الفهم المعرفي بالصهيونية.

 أدرك المسيري أن من متطلبات إنشاء النظرة الكلية للمشروع الصهيوني دراسة الظروف الفكرية والحضارية لهذا المشروع، أي دراسة فكر الحداثة الغربية بخلفياته الفلسفية والحضارية. لذلك تجاوز المشروع الفكري للمسيري دراسة المشروع الصهيوني وتحول إلى دراسة نقدية لفكر الحداثة الغربية عموما ثم امتد إلى محاولات التنظير لتأسيس حداثة إسلامية جديدة. فظهرت ملامح نظرته النقدية للحداثة الغربية وأصبحت موسوعته عن الصهيونية مجرد دراسة حالة، في إطار مشروعه النظري. وفي هذه المرحلة ظهرت له عدة دراسات في نقد فكر الحداثة، فصدر "إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد (1993) "، والعالم من منظور غربي (2001)،  والفلسفة المادية وتفكيك الإنسان (2002)"، والحداثة وما بعد الحداثة (2003)، ومؤلفات أخرى عديدة.

وقد ظل الموضوع الأدبي ضمن اهتماماته الأساسية، و"حبه الأول"، كما يقول، في رحلته الفكرية. فصدر له كتاب" مختارات من الشعر الرومانتيكي الإنجليزي: بعض الدراسات التاريخية والنقدية (1979)"، وعدة كتب بالعربية والإنجليزية في أدب المقاومة الفلسطينية، و"اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود (2002)". وللدكتور المسيري ديوان شعر بعنوان "أغاني الخبرة والبراءة: سيرة شبه ذاتية شبه موضوعية (2003)"، وصدر للدكتور المسيري ديوان شعر وعدة قصص للأطفال. وقد صدر له عام 2007 عدة كتب في النقد الأدبي: الملاح القديم للشاعر صمويل تايلور كوليردج: طبعة مصورة مزدوجة اللغة (عربي-إنجليزي) مع دراسة نقدية، ودراسات في الشعر وفى الأدب والفكر.  

قصص الأطفال ومشروعه الفكري

ولأن الدكتور المسيري قد توصل خلال هذا المسار إلى أن المفهوم الغربي للحداثة يقوم على قيم غير إنسانية، فقد ذهب إلى محاولة زرع القيم الإنسانية المعبرة عن الحضارة الإسلامية في لاوعي الأطفال. فأصدر مجموعة من قصص الأطفال في إطار سلسلة أسماها "حكايات هذا الزمان". فحاول أن يعبر من خلالها عن نفس الأفكار والرؤى التي يتضمنها مشروعه، "فثمة نموذج معرفي أساسي كامن وراء كل القصص، وهو نفس النموذج الكامن وراء الموسوعة". ومفهوم الطبيعة البشرية السائد في هذه القصص ليس بسيطًا ولا اختزاليّاً، فهناك خيرٌ كما أن هناك شراً، وهناك شرٌّ داخلَنا وشرٌّ خارجَنا، كما أن هناك خيراً داخلَنا وخيراً خارجَنا، وهناك عالم الفوضى وعالم النظام والقانون. ويختلط الخير بالشر، والداخل بالخارج، والفوضى بالنظام، دون إلغاء لفكرة المعيارية. وبهذا، كما يقول، يتعرف الأطفال إلى العالم بطريقة مركبة، تؤهلهم للتعامل مع العالم الحقيقي. وقد حصلت بعض هذه القصص على جوائز.

تأثره بجمال حمدان

يذكر الدكتور المسيري أنه تأثر بمنهج الدكتور جمال حمدان في دراساته الجغرافية عموما، ودراسته عن اليهود خصوصا. فيقول عن ذلك،

 "قرأت كتاب "اليهود أنثروبولوجيا" حينما كنت أكتب موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية: رؤية نقدية والتي صدرت عام 1975. كنت أحس نحوه بالإعجاب الشديد سواء في أسلوب كتابته أم أسلوب حياته: هذا الزهد العلمي الشديد، هذا الإعراض عن الدنيا الذي مكنه من إنجاز بعض جوانب مهمة من مشروعه المعرفي الضخم، ولعل هذا هو الذي شجعني على الاستقالة من الجامعة لأنجز مشروعي المعرفي....

وبعد إنهاء الموسوعة جلست لأتأمل في مصادر فكري فهالني حجم تأثري به في طريقة تفكيره. لقد جاء في كتابه الكثير من المعلومات ولكن بقي ما هو أهم: بقي فكره ورؤيته ومنهجه. فمن الواضح أنني تعلمت من جمال حمدان رفض الواحدية المادية العلمية والتعصب للمناهج الرياضية وإعادة الاعتبار للخيال والمجاز والحدس في عملية التفكير العلمي. ومن أهم ما تعلمته منه هو الخروج بالظواهر اليهودية والصهيونية من دائرة التوراة والتلمود ووضعها في عدة سياقات تاريخية لتصبح ظواهر مختلفة ذات أبعاد مختلفة وليست ظاهرة واحدة مغلقة تتسم بالوحدة....لقد تعلمت من جمال حمدان كيف تكتشف الأنماط داخل ركام التفاصيل المتغيرة وكيف نجرد الحقيقة من الحقائق ولا أدري هل تعلمت منه أيضا شيئا من الصلابة والقدرة على المقاومة. (اليهود أنثروبولوجيا ص 50-51)

فلسـفتـه

المفهوم المركزي في فلسفة الدكتور عبد الوهاب المسيري هو مفهوم "النظرة إلى العالم"، ويعبر عنه بمصطلحات متعددة، مثل "رؤية الإنسان للكون"، "النسق المعرفي"، "النسق الفلسفي". وتأسيسا على هذا المفهوم تتشكل باقي عناصر فكر المسيري، فيظهر مفهوم "النموذج المعرفي" باعتباره تطبيقا واقعيا للرؤية الإنسانية. ومهمة النموذج المعرفي هي تحقيق الاتساق بين العناصر المختلفة لنظرتنا إلى العالم. ويعتمد النموذج المعرفي على شبكة مفاهيمية ومجموعة من المصطلحات التي تمكن المفكر من الاعتماد على نموذجه المعرفي.

ولفكر الدكتور المسيري جانب نظري وجانب تطبيقي. الجانب النظري يتمثل في التصورات الأساسية التي يرتكز عليها نقده للحداثة الغربية والنتائج التي ترتبت عليها. أما الجانب التطبيقي فيتمثل في معالجة ظاهرة الصهيونية باعتبارها جزءا من فكر الحداثة. ولذلك يعد فكر الدكتور المسيري فكرا معرفيا وليس إيديولوجيا. فالفكر المعرفي يؤسس مقولاته على أسس نظرية لها قيمتها المعرفية، ثم يبني عليها بشكل تحليلي/تركيبي تصوراته الواقعية، وهو ما يسمى بالفكر التأسيسي. أما الفكر الأيديولوجي فعلى العكس يبدأ من تصورات واقعية ثابتة ويبني عليها المبادئ النظرية، فيتجه من أعلى إلى أسفل. فالإبستيمولوجيا المعاصرة لا تبحث عن "الاعتقادات اليقينية" وإنما عن "الاعتقادات المبررة" "Justified beliefs".

والأسس النظرية التي ينطلق منها المسيري هي فكر نقد الحداثة، وما بعد الحداثة، وما بعد الكولونيالية وعلم اجتماع المعرفة، وهو فكر موجود في الأدبيات الغربية نفسها، وله حجيته وقوته كأساس نظري. ثم يؤسس على هذا الفكر تصوراته لكيفية معالجة مشكلات الحداثة، من جهة، وكيفية التعامل مع مشكلة الصهيونية من جهة أخرى. فالجانب النظري، المتمثل في نقد الحداثة، هو بمثابة المبررات المعرفية لموقفه التطبيقي من ظاهرة الصهيونية.

 وانطلاقا من هذه الأدوات المعرفية يتحدد فكر المسيري باعتباره نقدا ورفضا للرؤية الحداثية الغربية للكون، وفي نفس الوقت دعوة للاعتماد على الرؤية الحداثية الإسلامية. ورفض الرؤية الحداثية هو بسبب كونها غير إنسانية، ويستند في ذلك على التراث الواسع لفكر نقد الحداثة و ما بعد الحداثة، وما بعد الكولونيالية وعلم اجتماع المعرفة. كما أن الاعتماد على الرؤية الحداثية الإسلامية هو باعتبارها تصحيحا لعيوب الحداثة اعتمادا على فكر الذات. ويترتب على هذا الموقف الفكري نتيجتين أساسيتين. الأولى هي أن الصهيونية ليست مجرد فكرة بسيطة وإنما هي أحد تجليات الرؤية الغربية الحداثية للعالم. وإذا كانت الصهيونية في صراع مع العرب، فيكون ذلك معبرا عن صراع بين الرؤية الحداثية الغربية والرؤية الإسلامية. والثانية، هي ضرورة العمل على إنشاء الرؤية الحداثية الإسلامية للكون، ليس انطلاقا من الفكر الإسلامي القديم وإنما انطلاقا من فكرنا الإسلامي المعاصر.

يوضح الدكتور المسيري الجانب التطبيقي في فكره الخاص بدراسة الفكر الصهيوني فيقول،

عدت للقضية مرة أخرى عام 1980 حين وضعت كتاب "الأيديولوجية الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة" من جزأين (1980-1981) حيث عمقت البعد المعرفي والحضاري لدراستي للصهيونية وأشرت إلى ضرورة دراسة الظاهرة النازية بالطريقة نفسها بحيث ينظر إلى كل من الصهيونية والنازية باعتبارهما جزءا لا يتجزأ من تاريخ الفكر الغربي والحضارة الغربية ومن ثم لا يمكن دراستهما بمعزل عن التيارات الفكرية والحضارية الغربية المختلفة بمعزل عنهما. وقد أشرت في الجزء الثاني من الكتاب في قسم بعنوان "الصهيونية والنازية" إلى أن الدراسات الغربية في الموضوع قلما تتجاوز البعد السياسي الاعتذاري. فهذه الدراسات (كما بينت صفحة 36-40) قد أخفقت في أن تبين أن النازية لم تكن انحرافا عن الحضارة الغربية، وإنما هي تيار أساسي فيها كالصهيونية تماما. (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ: 13)

مشروعه الفلسفي

على هذا الأساس يمكن تقسيم مشروع المسيري إلى أربعة جوانب أساسية. الأول هو منهجه المعتمد على مفهوم رؤية الكون أو النظرة على العالم ثم على النموذج المعرفي وأسلوب صياغة المصطلحات. والثاني هو نقده للحداثة الغربية المرتكز بشكل أساسي على أدبيات نقد الحداثة وما بعد الحداثة، وتطويره لهذا النقد ليطرح تصورا خاصا عن فكر الاستنارة (أو التنوير) وعن مفهوم العلمانية، وتفسيره الخاص للجانب التطوري في فكر الحداثة. والثالث هو معالجة الفكر الصهيوني معرفيا باعتباره تطبيقا للنظرة النقدية التي يطرحها بخصوص فكر الحداثة. وهو يعالج هذا الفكر على مستوى المقولات النظرية وفي نفس الوقت على مستوى التغيرات والتطورات التي تحدث في الواقع المعاش. والجانب الأخير هو تصوره عن كيفية نشأة الحداثة الإسلامية تأسيسا على مفهومه الأساسي وهو رؤية الإنسان للكون.

1- منهجه

نستعرض فيما يلي العناصر المنهجية الأربعة الأساسية التي تميز فكر الدكتور المسيري. وهذه العناصر تتكامل مع بعضها البعض لتحقق النظرة الكلية الشمولية والعميقة للظواهر والتي هي الهدف الأساسي من اعتماده على هذه العناصر المنهجية.

مفهوم النظرة إلى العالم

عند المسيري، السمة الجوهرية في النظرة إلى العالم، أو النسق المعرفي هو المطلق النهائي، أو مصدر المعرفة النهائي. وهذا المطلق إما أن يكون منفصلا عن الكون ومستقلا عنه، أو أن يكون حالا في الكون وكامنا فيه.

"فكل نسق معرفي يدور حول مطلق بمعنى "ركيزة نهائية" أو "أساس نهائي". ويمكن تعريف المطلق بأنه المركز الذي يتجاوز الأجزاء جميعا ولا يتجاوزه شيء، وبأنه ما يؤدي وجوده إلى تماسك أجزاء النسق، فهو مصدر الوحدة والتناسق، وهو الركيزة النهائية للنسق أو الصورة المجازية والمبدأ الواحد والمرجعية النهائية والميتافيزيقية المسبقة. والمطلق في المنظومات الكمونية هو مركز الكون الكامن فيه. وأي نسق فلسفي لا بد أن يكون له مركز يشكل مطلقه ويقبله أتباع هذا النسق دون تساؤل بشأنه ودون نقاش."  (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ:232).

والنظرة إلى العالم لها سمات معينة يمكن أن يتم صياغتها فلسفيا. ولكن لأننا لا يمكننا لغويا التعبير بشكل كامل عن هذه النظرية فتصبح الصياغة "نموذجا"، ولأن وظيفتها هي معرفة العالم، تصبح "نموذجا معرفيا".

"ونحن نذهب إلى أن ثمة نموذجا معرفيا كامنا وراء كل قول أو ظاهرة إنسانية. هذا النموذج هو مصدر الوحدة وراء التنوع، وهو الذي يربط بين كل التفاصيل، فتكتسب معنى ودلالة وتصبح جزءا من كل، وليس مجرد معلومة جديدة أو طرفة فريدة. والنموذج هو تجل متعين لرؤية الإنسان للكون، التي تدور حول محاور ثلاثة: الإله – الإنسان – الطبيعة، وهي محاور مترابطة تمام الارتباط، فهي مجرد ثلاثة أوجه لنفس الظاهرة. وإدراكنا هذا الترابط هو ما يجعلنا نرى أن الانتقال من اللغوي (الصور المجازية – وعلاقة الدال بالمدلول) إلى الديني (رؤية الإله) إلى النفسي (مضمون الإدراك)، أمر متسق والمنهج الذي اتبعناه، أي التحليل من خلال النماذج المعرفية." (اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود:5)

الاعتماد على الصور والنماذج المجازية في النظرة إلى العالم

يعتمد المسيري على أداة منهجية هي "النموذج التحليلي"، وهو تصور يتم استخلاصه من الظواهر ذاتها بشكل "استقرائي-حدسي" بهدف استخدامه في دراسة الموضوع. ومفهوم "النموذج التحليلي" بهذا المعنى هو مفهوم يهدف لمعالجة القضايا الخاصة بالعلوم الإنسانية باعتبارها ظواهر "غير مادية" وتختلف في أسلوب معالجتها عن العلوم الطبيعية. ويعبر عن ذلك بالصورة التالية،

طبيعة المنهج الذي تبنته هذه الدراسة هو محاولة الوصول إلى تعريف للعلمانية الشاملة من خلال تجاوز التسميات والتعريفات والمصطلحات والمفاهيم والظواهر، وصولا إلى النموذج الكامن وراءها جميعا، حتى تظهر الوحدة الكامنة خلف التنوع، وحتى نبين أن الظواهر والمصطلحات المختلفة إنما هي تجليات للنموذج نفسه، وأنها في واقع الأمر تشير إلى الظاهرة نفسها أو المفهوم نفسه رغم تعدد التسميات. ثم يستخدم التعريف/النموذج الذي تم تجريده في قراءة جوانب أخرى من الواقع. وهذا يعني أن منهج التحليل من خلال النماذج لا يأخذ شكل خط مستقيم، وإنما يتخذ شكلا حلزونيا: من الظاهرة أو المصطلح إلى النموذج ، ومن النموذج إلى الظواهر والمصطلحات الأخرى. (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: 8-9) وكذلك،

"استخدمت هذه الدراسة ما يسمى "النماذج التحليلية". والنموذج هو بنية تصورية يجردها العقل البشري من كم هائل من العلاقات والتفاصيل والوقائع والأحداث، فيستبعد بعضها لعدم دلالتها (من وجهة نظر صاحب النموذج) ويستبقي البعض الآخر، ثم يرتبها ترتيبا خاصا وينسقها تنسيقا خاصا بحيث تصبح (من وجهة نظره) مترابطة بشكل يماثل العلاقات الموجودة بالفعل بين عناصر الواقع، أي أننا حينما نجرد نموذجا ما فإننا نتصور أنه كامن في عناصر الواقع ينظمها ويعطيها شكلها وهويتها." (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ:229).

والنموذج التحليلي يعتمد بشكل أساسي على تعبيرات مجازية مهمتها ربط الإدراك الإنساني بالظواهر الإنسانية المجردة. وهو تصور  يقترب من التصورات الهرمنيوطيقية في الفلسفة، كما عند هانز جادامر أو مارتن هايدجر على سبيل المثال. والمسيري هنا يعارض الاعتماد على التحليلية التي هي سمة أساسية من سمات الفكر العلمي الغربي الحديث.

"ونحن نذهب إلى أن المجاز في أكثر الأحيان جزء أساسي من التفكير الإنساني، أي جزءا من نسيج اللغة، التي هي جزء لا يتجزأ من عملية الإدراك. فاستخدام المجاز أمر حتمي في معظم عمليات الإدراك والإفصاح، خصوصا تلك التي تتناول الظواهر التي تتسم بقدر عال من التركيب."( اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود:13)

والصور المجازية الأساسية عن العالم، في الفكر الغربي، هي الصورة الآلية والصورة العضوية، وكلاهما صورة مادية غير إنسانية وإن اختلفا في طبيعة عملهما.

"ونحن كما أسلفنا نذهب إلى أن الإنسان يدرك العالم من خلال عدة صور مجازية تعبر عن نماذج إدراكية، من أهمها الصورتان المجازيتان الآلية والعضوية اللتان تجسدان نموذجين أساسيين: نموذج عضوي، ونموذج آلي. الصورة المجازية الأولى تصور العالم على هيئة كائن حي وحركته عضوية، فهو ينمو بشكل عضوي. أما الثانية فتصور العالم على هيئة آلة حركتها آلية، فهو يتحرك بشكل آلي رتيب." (اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود:28)

سمة الكلية في المنهج العلمي

يعتمد الدكتور المسيري في منهجه لمعالجة الظواهر الإنسانية بشكل أساسي على معارضة المنهج التحليلي، الذي يسميه "التفكيكي". ويذهب إلى ضرورة إدراك الظواهر في مجموعها وبشكل كلي وبالعمق اللازم لإدراكها بشكل صحيح، وإلى أن الرؤية التحليلية معادية للإنسان،

"والاتجاه نحو تفتيت الظواهر الإنسانية لدراستها، أمر منتشر في بعض الأوساط الأكاديمية التي تتزيا بلباس العلمية والموضوعية، وباسمهما تدعو إلى عدم الخلط بين المجالات المختلفة للنشاط الإنساني...ونحن نذهب إلى أن مثل هذه الرؤية معادية للإنسان، بل معادية للعلم. فمهمة العلم ليست توليد القيم ولا فرض القيود علينا، وإنما تفسير العالم لنا. وهذه الرؤية عاجزة تماما عن تفسير الظواهر الإنسانية، فهي لا ترى فارقا بين الإنسان والطبيعة/المادة، بل تراه جزءا لا يتجزأ منها، خاضعا لقوانينها، مذعنا لحتمياتها. كما أننا نذهب إلى أن ثمة فارقا جوهريا بين الإنساني والطبيعي، وأنه لا يمكن تجزئة النشاط الإنساني وتفتيته وتشريح كل مجال بمعزل عن المجالات الأخرى (كما نفعل في العلوم الطبيعية)." (اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود: 7)،

هذا التصور الكلي للمنهج العلمي يؤدي به إلى التفرقة بين المبدع، صاحب النظرة الكلية، والناقل، صاحب النظرة التجزيئية. "فصاحب الفكر هو إنسان قد طور منظومة فكرية تتسم أجزاؤها بقدر من الترابط والاتساق الداخلي – رؤية واحدة للكون. أما ناقل الأفكار، فهو إنسان ينقل أفكارا متناثرة لا يربطها بالضرورة رابط، وتنتمي كل فكرة إلى منظومة فكرية مستقلة."(اليهود أنثروبولوجيا:10)

صياغة المصطلحات

وأحد الأدوات التي يستخدمها المسيري في تحقيق منهجه هي صياغة المفاهيم والمصطلحات اللازمة للتعبير عن التصورات الكلية التي تم استخلاصها بالأسلوب الاستقرائي الحدسي. ولأن بعض هذه التصورات يكون جديدا بحكم المنهج نفسه، فيكون من الطبيعي ألا توجد ألفاظ في اللغة تترجم معناها بشكل دقيق. وهنا يكون الحل هو نحت المصطلح المطلوب. فالدكتور المسيري يعطي نفسه الحق في نحت المصطلحات عند الحاجة. وهكذا ظهرت مصطلحات "المادية الحلولية"، "المادية الصلبة"، "المادية السائلة"، "الجماعات الوظيفية"، "العلمانية الجزئية"، و"العلمانية الشاملة"..الخ. وعلى سبيل المثال يشرح المسيري أسلوبه في صياغة المصطلحات ويبين معنى مصطلح "الحوسلة" كما يلي،

"نستخدم في هذه الدراسة اللفظة المنحوتة "حوسل" اختصارا لعبارة "تحويل الشيء إلى وسيلة" (بالإنجليزية : إنسترومنتاليزيشن Instrumentalization ). والنحت هو اشتقاق كلمة من كلمتين أو أكثر على أن يكون هناك تناسب في اللفظ والمعنى بين المنحوت له والمنحوت منه. وقد أجازت المجامع اللغوية في الوطن العربي النحت عندما تلجئ الضرورة إليه، وقد وجدنا أن من الضروري نحت كلمة "حوسلة" لدواعي الإيجاز اللغوي، ذلك لأن عبارة "تحويل كذا إلى وسيلة" عبارة طويلة ولا يمكن توليد مصطلحات منها. و"حوسل" فعل متعد بمعنى حول الشيء أو الإنسان إلى وسيلة، ومنها "الحوسلة" على غرار "بسمل" من "بسم الله الرحمن الرحيم"، و"حوقل" من "لا حول ولا قوة إلا بالله." (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ:252).

2- نقده لفكر الحداثة

يمكن تقسيم فكر المسيري في نقد الحداثة الغربية إلى مستويين. الأول يمثل نقطة الانطلاق في هذا الفكر وتعتمد على الكتابات النقدية لماكس فيبر، فتظهر مفاهيم "الترشيد" و"نزع القداسة عن العالم"، و"النظرة الاجتماعية للمعرفة".  وعلى مدرسة فرانكفورت، فتظهر مفاهيم "تشيؤ الإنسان" و"الأداتية و"الإنسان ذو البعد الواحد"..الخ. كما تعتمد على مفاهيم ما بعد الكولونيالية حيث تظهر مفاهيم "النزعة الاستعمارية" و"إبادة المجتمعات غير الغربية" واستغلالها ونهب ثروات العالم..الخ.

 أما المستوى الثاني الذي طوره المسيري فيعبر عن مفاهيم جديدة ناتجة عن نموذجه المعرفي الذي كونه تأسيسا على المستوى الأول. وهنا تظهر مفاهيم المطلق ومركزية الكون والمادية الحلولية، والمادية الصلبة التي تعبر عن المرحلة الأولى للحداثة، ثم المادية السائلة، أي مرحلة ما بعد الحداثة. كما يظهر تفسيره الخاص لمفهوم العلمانية باعتباره عملية مستمرة تنتقل من العلمانية الجزئية إلى العلمانية الشاملة.  ويظهر بوضوح هذين المستويين من فكر المسيري في حواره التالي،

لا يوجد تناقض في البدايات، ولكن توجد اختلافات جوهرية في النتائج التي أصل إليها مقارنة بما يصل إليه أصحاب التيار الإنساني والنقدي في الغرب. المقدمات واحدة وهي أن التيار النقدي أدرك خطورة الحداثة المادية والتوجهات الاستهلاكية وخطورة بعض عناصر الحداثة مثل الترميز والتشيؤ والاغتراب.. وهناك معجم شامل من المفاهيم السلبية التي أدت إلى الانحراف عن جوهر الإنسان، كل هذه الأمور تأثرت بها وتفتحت عيوني على مشاكل الحداثة من خلالها، لكن أنا حينما أعرف الجوهر الإنساني أجد أنه مختلف عن الطبيعة؛ فالإنسان ليس بالكائن المادي وحسب، إنه يعيش في عالم الطبيعة وعالم المادة لكن توجد فيه النفحة الإلهية وأرى أن الإنسان ليس أحاديا مثل الكائنات الطبيعية وإنما يتميز بانتمائه للمادي وغير المادي ولذلك آخذ الإنسان على أنه إشارة إلى ما وراء الطبيعة، إشارة إلى ما وراء السطح المادي وبالتالي أرى أن حياة الإنسان مرتبطة بالله سبحانه وتعالي.. {نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}. (حوار-الثقافية: المسيري يسعى لتأسيس حداثة إسلامية)

ولسوف نعرض موقفه النقدي من فكر الحداثة بدءا من مفهومه للحداثة وتعريفه لعناصرها الأساسية، ثم موقفه من الحداثة ورؤيته للتناقضات الكامنة فيها، ثم مفهومه للعلمانية الذي ينطلق من موقفه النقدي للحداثة.

تعريف الحداثة

الحداثة هي مفهوم اجتماعي يعبر عن تحولات معينة في المجتمعات الغربية الحديثة. وبالنسبة للمسيري الحداثة هي عملية مستمرة تعبيرا عن نظرة معينة إلى العالم، فليس المهم هو المظاهر القائمة في المجتمع، فهي متحولة بشكل مستمر، وإنما المهم هو النظرة إلى العالم، أو رؤية الكون، التي تكمن خلف مظاهر الحداثة. لذلك هو يعرف الحداثة باعتبارها عملية اجتماعية قائمة على فكر الاستنارة (أو التنوير).

ويرى المسيري أن الشعارات التي طرحها الفكر الأوروبي التي تعبر عن ما سمي بعصر التنوير أو الاستنارة، مثل شعارات حرية إعمال العقل ونقد القدماء ومسئولية الإنسان عن أعماله وتحرير الإنسان من الأنظمة التقليدية واستخدام العلم لمصلحة الإنسان هي شعارات من حيث المبدأ مقبولة. ولكن الواقع أظهر خلاف هذه الشعارات. ويرى أن المشكلة تكمن في ذيوع هذه الشعارات بما يوحي أنها قد تحققت، وهذا أمر غير صحيح.

المشكلة أن التعريفات النبيلة السهلة هي التي كتب لها الذيوع، وهي التي أصبحت إطار الحوار بخصوص هذه الحركة الفلسفية الغربية. وكل ما تدعو إليه هذه التعريفات نبيل للغاية ولا يمكن للإنسان أن يختلف معها، فمن ذا الذي يرفض حق الاجتهاد والاختلاف وتحكيم العقل في جميع القضايا. فالمشكلة لا تكمن في استخدام العقل أو عدم استخدامه وإنما في نوع العقل الذي يستخدم (عقل مادي أداتي أم عقل قادر على تجاوز المادة) وفي الإطار الكلي الذي يتحرك فيه هذا العقل والمرجعية النهائية التي تصدر عنه. (فكر حركة الاستنارة وتناقضاته: 4).

ويؤسس المسيري موقفه هذا على النقد المعروف للحداثة ومقولاته وعلى الرصيد المتراكم الآن لفكر نقد الحداثة وما بعد الكولونيالية، ويظهر اعتماده على هذه المقولات في النص التالي،

وبعد أربعة قرون من الاستنارة، اكتشف الإنسان الغربي أن الأمور ليست بهذه البساطة، لأنها لو كانت لكنا قد قضينا على الشر والأشرار (أو معظمهم على الأقل) منذ زمن بعيد، ولما ظهرت في العالم الغربي (الذي طبق مثل الاستنارة منذ أمد بعيد) حركة عنصرية كاسحة في القرن التاسع عشر، وتشكيل إمبريالي شرس أباد الشعوب وأذلها، ولما اندلعت حربان عالميتان (غربيتان)، ولما ظهر الحكم الاستاليني والنازي اللذان لم يدمرا العقل وحسب بل دمرا الروح والجسد، ولما ظهرت حركات ثورية تدافع عن الإنسان وتحولت إلى حكومات إرهابية تبيد الملايين، ولما وجدنا أنفسنا في مدن إيقاعها لعين نسير في طرقاتها نتلفت من حولنا، ولما استيقظنا في الصباح نسأل عن أخبار التلوث والانفجارات النووية والتطهيرات العرقية والرشاوى وعمولات السلاح والفساد والإباحية والإيدز وأخبار النجوم وفضائحهم ومعدلات تفكك الأسرة ومدى نهب الشمال للجنوب وحسابات حكام العالم الثالث في بنوك سويسرا، ولما ظهرت حركات عبثية لا عقلانية تناصب العقل العداء وتعلن بفرح وحبور تفكيك الإنسان ونهاية التاريخ، ولما شعرنا بالاغتراب حتى أصبح رمز الإنسان في الأدب الحداثي هو "سيزيف الذي يحيا حياة لا معنى لها" وأصبح رمز العصر الحديث هو الأرض الخراب، ولما قضى الإنسان الحديث وقته في انتظار جودو الذي لن يحضر. (فكر حركة الاستنارة وتناقضاته: 7).

وفي إطار نقده للحداثة يعرف المسيري الفكر الكامن خلف الحداثة، وهو فكر الاستنارة، بأنها رؤية مادية للكون،

ونحن نذهب إلى أن الاستنارة هي ببساطة شديدة (لكنها غير مخلة) رؤية مادية عقلانية تدور حول رؤية محددة للعقل وعلاقته بالطبيعة/المادة وتتفرع عنها رؤية للتاريخ وللأخلاق والجمال..الخ. وتدور أي منظومة فلسفية حول ثلاثة محاور: الإنسان والطبيعة والإله، وفي الاستنارة يحل العقل محل الإنسان في هذا الثالوث. (فكر حركة الاستنارة وتناقضاته: 12-13).

كما يعرف مفهوم "العقلانية" التي هي الفكرة المركزية في فكر الاستنارة بأنها الإيمان بأن العقل قادر وحده على معرفة الحقيقة الكاملة، وأنه بديل الإله،

ولكن هناك من يذهب إلى ان العقلانية هي الإيمان بأن العقل قادر على إدراك الحقيقة بمفرده دون مساعدة من عاطفة أو إلهام أو وحي، وبأن الحقيقة هي الحقيقة المادية المحضة التي يتلقاها العقل من خلال الحواس وحدها، وبأن العقل إن هو إلا جزء من هذه الحقيقة المادية فهو يوجد داخل حيز التجربة المادية محدودا بحدودها (لا يمكنه تجاوزها)، وأنه بسبب ماديته هذه قادر على التفاعل مع الطبيعة/المادة، ويمكنه انطلاقا منها (ومنها وحدها) أن "يؤسس" منظومات معرفية وأخلاقية ودلالية وجمالية تهديه في حياته ويمكنه على أساسها أن يفهم الماضي والحاضر ويفسرهما ويرشد حاضره وواقعه ويخطط لمستقبله. (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ، - رؤية حضارية جديدة: 238). وكذلك،

فالعقل هنا هو بديل الإله في النظم الدينية وله أسبقية على كل الموجودات ويتمتع باستقلالية كاملة عن الطبيعة/المادة، بل ويعني أيضا استقلال كل فرد عن الكل الإنساني. (فكر حركة الاستنارة وتناقضاته:15)

ويرى المسيري أن الحداثة أدركت قصور النظرة الميكانيكية الآلية إلى الإنسان فاتجهت إلى النظرة العضوية، ولكن ذلك عند المسيري لم يحل المشكلة الجوهرية في الحداثة، وهي النظرة المادية،

والفلسفة العضوية هي آخر محاولات الإنسان الغربي تجاوز اغترابه الشديد في عالم مادي ميت، ينكر عليه مركزيته في الكون وخصوصيته الإنسانية. ولكن رغم كل التحوير والتدوير، نجد أن النموذج العضوي نموذج مادي ينكر التجاوز، ويدور في إطار المرجعية الكامنة. ولذا فهو يسقط في نفس المشكلات التي يسقط فيها النموذج الآلي، فيجابه الإنسان مرة أخرى بعالم مادي، قد يتسم بالحيوية والحركية والجدة، ولكنه مع هذا ينكر على الإنسان مركزيته في الكون، كما ينكر عليه خصوصيته وتركيبيته وحريته الإنسانية ومقدرته على التجاوز.( اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود:40)

إشكاليات وتناقضات الحداثة

يرصد الدكتور المسيري عدة إشكاليات واجهتها الحداثة الغربية عبرت عن التناقضات الكامنة في الفكر الكامن ورائها، أي فكر الاستنارة. والإشكالية الأولى هي عملية التفكك المستمر لهذا الفكر والابتداء من مركزية العقل ثم الانتهاء إلى مركزية المادة، وانخفاض سقف القيم بشكل تدرجي من قيم إنسانية عليا إلى قيم مادية جسدية ترتكز على اللذات المادية. وتتبدى الإشكالية في الصراع بين النموذج الواحدي المادي المتمركز حول الذات والذي يفترض أسبقية الإنسان على الطبيعة/المادة والنموذج الواحدي المادي المتمركز حول الطبيعة/المادة ويفترض أسبقيتها على الإنسان. فليس هناك في فكر الحداثة، حسب المسيري، مفهوم واحد للعقل وللإنسان والطبيعة وإنما مفهومان متناقضان متصارعان يؤديان إلى ظهور نوعين من أنواع الفكر، كلاهما يصنف على أنه "عقلاني".

ولذا، نجد أن فكر حركة الاستنارة انقسم إلى قسمين يتبدى من خلالهما الصراع بين النموذج المتمركز حول الإنسان وذلك المتمركز حول الموضوع، قسم يمنح أولوية للعقل على الطبيعة/المادة (التمركز حول الإنسان)، وقسم يمنح الطبيعة/المادة أولوية على الإنسان (التمركز حول الطبيعة (فكر حركة الاستنارة وتناقضاته: 28). ثم،

وبعد أن يقوم الفكر الاستناري بتأكيد أهمية العقل الإنساني ومركزية الإنسان فإنه ينتهي إلى تفكيك العقل ورده إلى المادة والقوانين العامة للحركة بحيث يصبح العقل مادة طبيعية متلقية (سلبية وغير فعالة) للمعطيات المادية الحسية وتصبح مهمته هي رصد الطبيعة بأمانة شديدة واكتشاف ما فيها من توازن دون أي تدخل، ومن ثم يفقد الإنسان مركزيته (التي اكتسبها بسبب عقله الفعال). (فكر حركة الاستنارة وتناقضاته:30)

ويترجم هذا التطور على المستوى الفكري إلى تطورات مماثلة على المستوى الاجتماعي فيفقد الإنسان خصوصيته التي تميزه عن باقي الكائنات.

وهكذا يتم في نهاية الأمر تغليب الجانب المادي، الأقوى، وهو الجانب العام الذي يجسد قوانين الحركة. ومثلما ذاب العقل في الطبيعة، يذوب الخاص في العام ويذوي الاهتمام بالخاص والفردي ويفقد الإنسان خصوصيته، فليس هناك ما يميزه عن بقية الكائنات. وبدلا من الإنسان المليء بالأسرار، الفردي المتفرد، صاحب العقل والمركزية، يظهر الإنسان الذي يجسد القوانين التي يمكن رصدها ومعرفتها والتحكم فيها (التمركز حول الذات الذي يرد إلى انتصار الموضوع). (فكر حركة الاستنارة وتناقضاته:35). وهذا ينتج الإنسان ذو البعد الواحد،

من هنا يتراجع الإنسان القومي المتعين المرتبط بزمان ومكان محددين والذي يأكل الأطعمة التقليدية ويرتدي الملابس الوطنية ويعمل في خدمة الوطن ويعبر عن روح أمته وتاريخها، ويظهر البعد الإنساني الطبيعي أو العالمي أو المادي (الإنسان المتشيئ ذو البعد الواحد الذي يوجد خارج أي سياق تاريخي أو اجتماعي (أو هكذا يظن) لا خصوصية له (بما في ذلك الخصوصية الإنسانية). (فكر حركة الاستنارة وتناقضاته ص37)،

 وفي النهاية يظهر الإنسان الطبيعي الذي يرد إلى أكثر صفاته أولية واشتراكا مع باقي الكائنات الطبيعية،

ومع ظهور المنظومة العلمانية الشاملة، ومع استبعاد الماوراء ظهرت فكرة الإنسان الطبيعي، الذي يوجد في الطبيعة/ المادة ويرد إليها. في هذا الإطار ظهرت الصور المجازية العضوية، ثم ظهر الجسد كصورة مجازية أساسية. ثم تطورت الصور مع تطور المجتمع، ومع تصاعد معدلات الحلولية والعلمنة، ظهرت قبالاه مسيحية تربط بين الجنس كصورة مجازية ورؤية الكون، كما ظهرت حركات "دينية" ترخيصية. وبعد أن كان الإنسان يرد إلى الطبيعة/المادة، ثم إلى الجسد، أصبح يرد إلى القاسم المشترك بين الإنسان وكل الكائنات الطبيعية الأخرى، وهو الأعضاء التناسلية. (اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود:73).

والمشكلة الثانية التي يرصدها المسيري هي مشكلة الشك والنسبية باعتبارها مشكلة كامنة بشكل دائم في فكر الحداثة. وهنا يستخدم المسيري أحد نماذجه التحليلية وهو مفهوم "المدلول المتجاوز"، كجزء من مشكلة الدال والمدلول وقضية المعنى،

وقد تمت مناقشة الإشكاليات الفلسفية الكبرى من خلال مناقشة إشكالية قد تبدو وكأنها إشكالية لغوية محضة، وهي إشكالية علاقة الدال والمدلول، والمرتبطة تماما بمفهوم "المدلول المتجاوز". وحتى نفهم المعنى الدقيق لهذا المصطلح الأخير سنطرح فكرة بسيطة جدا، وهي أن لكل شيء مركز، وبدون هذا المركز، فإننا لن نعرف للشيء بداية أو نهاية أو اتجاه، أي أنه ستسود الفوضى والنسبية. واللغة لا تختلف عن أية ظاهرة إنسانية، إذ لا بد أن يكون لها مركز، وإن لم يكن لها مركز فإن الكلمات (الدوال) ستكون في حالة فوضى كاملة. ولنضرب مثلا.. إن قلنا جملة بسيطة مثل "سأذهب إلى الكلية غدا". هذه الجملة تفترض أيضا وجود حاضر ومستقبل، وإرادة إنسانية، وسبب ونتيجة. ولكن ما ضمان صدق هذا الافتراض، وما ضمان مطابقته للواقع؟ الضمان الوحيد هو وجود شيء متجاوز للحاضر والمستقبل والإرادة الإنسانية والسبب والنتيجة، يضمن وجود هذه العناصر واستمرارها رغم تجاوزه إياها. هذا الشيء هو "المدلول المتجاوز" – الركيزة الأساسية (المبدأ الواحد-اللوجوس) لكل الدوال، يقف خارج لعب الدوال، فهو موجود قبل وجودها، وهو "غير ملوث" بهذا اللعب، وهو ليس جزءا من اللغة، التي لا يمكن أن تصبح أداة للتواصل إلا بتوقف لعب الدوال وانزلاقيتها وانفصالها، عن المدلولات. ووجود مدلول متجاوز (مفارق) هو الطريقة الوحيدة لكي نخرج من عالم الحس والكمون والصيرورة ونوقف لعب الدوال إلى ما لا نهاية، ونحرز التجاوز والثبات، ونؤسس منظومات فلسفية معرفية وأخلاقية (اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود: 131).

وتظهر تناقضات الحداثة هذه، عند المسيري، في مجالات متعددة، مثل نظرية المعرفة، وعلاقة الفرد بالدولة، وفي النظام الاقتصادي، وفي دور التكنولوجيا في المجتمع، ومفهوم التاريخ وفكرة التقدم، وفي النظرية الأخلاقية. (فكر حركة الاستنارة وتناقضاته: 27-60).

مفهوم العلمانية

"العلمانية" هي مفهوم يعبر عن قيمة مجتمعية أساسية في مجتمعات الحداثة. والقيم المجتمعية لها مستويان، المستوى الإجرائي، والمستوى الفكري. فالديمقراطية، مثلا، هي قيمة مجتمعية حداثية، تتمثل على المستوى الإجرائي في الانتخابات المحايدة وفصل السلطات، وتتمثل على المستوى الفكري في مفهوم حكم الشعب لنفسه، أي المشاركة المتساوية في الحكم واتخاذ القرار.

والعلمانية لا تختلف عن ذلك، فعلى المستوى الإجرائي تتمثل العلمانية في فصل الدين عن الدولة، أما على المستوى الفكري فتتمثل في استبعاد دور الدين، ويشمل ذلك القيم والمبادئ الدينية، من المجتمع والمنظومة الاجتماعية التي تشكل النظام السياسي (أي الدولة). صحيح أنه توجد اختلافات عميقة في تفسير مفهوم "العلمانية"، ولكن هذا التقسيم الأساسي بين المستويين اللذين يعبران عن العلمانية باعتبارها "قيمة" مجتمعية يظل صحيحا.

وهذا التقسيم الأساسي هو الذي يعبر عنه الدكتور المسيري بمفهومي "العلمانية الجزئية" (أي العلمانية على المستوى الإجرائي)، و"العلمانية الشاملة" (أي العلمانية على المستوى المفاهيمي والفكري). حيث يقول، "فنحن نفرق بين ما نسميه "العلمانية الجزئية" (فصل الدين عن الدولة) و"العلمانية الشاملة" (فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن الحياة في جانبيها العام والخاص). (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: 6).

وتظهر التفرقة بين المستويين، عند المسيري، واضحة كما يلي،

 "مصطلح "العلمانية" مصطلح خلافي جدا...لعدة أسباب: شيوع تعريفها ب "فصل الدين عند الدولة"، وتصورها على مستوى الممارسات، واعتبارها فكرة ثابتة غير تاريخية، وإخفاق العلم الغربي في تطوير مركب شامل للعلمانية، واستقرارها في الغرب، ثم التصالح بين العلمانيين والإيمانيين. (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة:15-16)

والمستوى الإجرائي، حسب المسيري، لا يمثل مشكلة بالنسبة لأي مجتمع أو أي دين، ويشمل ذلك بطبيعة الحال الدين الإسلامي،

ومن ثم، فإن فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة عملية ليست مقصورة على المجتمعات العلمانية بأية حال، وإنما هي عملية موجودة في معظم المجتمعات المركبة بشكل من الأشكال. و"الدولة" هنا تعني – في واقع الأمر – بعض الإجراءات السياسية والاقتصادية ذات الطابع الفني... ولذا يتحدث بعض أنصار هذا التعريف (من أنصار العلمانية الجزئية) عن أنه لا تعارض في واقع الأمر بين العلمانية والتدين، وأن بإمكانهما التعايش معا. (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: 18)

على أساس هذه التفرقة الأساسية لا يهدف المسيري إلى مقاومة ورفض المستوى الإجرائي للعلمانية وإنما المستوى الفكري والمعنوي لها. ولذلك يرصد التحولات البنيوية في المجتمعات الغربية الحديثة بهدف التوصل إلى المفهوم العميق الكامن للعلمانية في هذه المجتمعات والكشف عن الجانب الفكري والمعنوي للمفهوم. فهو يوضح أن،

ظهور العلمانية لا يرجع إلى فساد بعض رجال الدين، أو إلى الارتباط الوثيق بين مؤسسات الكنيسة (الكاثوليكية) ومؤسسات الإقطاع الغربي، أو إلى تعنت الكنيسة ورفضها الأعمى للثورة العلمية...المسألة أعمق من ذلك بكثير، فهي مرتبطة بتحولات بنيوية عميقة في عالم الاقتصاد والسياسة، ثم في مجالات الحياة الأخرى، لم يدرك من ساهم في ظهورها ومن تفاعل معها مدى تأثيرها في رؤية الإنسان لنفسه ولله وللطبيعة. (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة:22-23)، ولذلك،

"العلمانية الجزئية مرتبطة فقط بالمراحل الأولى لتطور العلمانية الغربية، ولكنها بمرور الزمن، ومن خلال تحقق حلقات المتتالية النماذجية العلمانية، تراجعت وهمشت، إذ تصاعدت معدلات العلمنة (خاصة في العالم الغربي)، بحيث تجاوزت مجالات الاقتصاد والسياسية والأيديولوجيا، وأصبحت العلمنة ظاهرة اجتماعية كاسحة، وتحولا بنيويا عميقا يتجاوز عملية فصل الدين عن الدولة وعملية التنظيم الاجتماعي (الرأسمالي والاشتراكي)...فلم تعد هناك رقعة للحياة العامة مستقلة عن الحياة الخاصة." (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: 19-20)

وهذا التصاعد في معدلات العلمنة ناتج في الأساس عن أحد تناقضات فكر الاستنارة، التي تم رصدها، وهو التحول المستمر والتدريجي من القيم الإنسانية العليا إلى القيم المادية الدنيا. ويرى المسيري أن الفكر الغربي لم يكن حريصا على رصد هذه التحولات الواسعة نحو العلمنة ، ويستثني من ذلك ماكس فيبر،

 "ورغم أن الإنسان الغربي أعاد صياغة المصطلحات وربط بعضها بالبعض الآخر...فقد ظلت في معظمها محتفظة باستقلاليتها لا تنتظمها منظومة واحدة. ولعل ماكس فيبر هو عالم الاجتماع الغربي الذي اقترب من عملية الربط بين كل المصطلحات والظواهر بطريقة تكاد تكون شاملة من خلال مفهوم الترشيد." (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: 43)

ويلخص المسيري هذه التحولات البنيوية باستخدام أحد أدواته وهي إنشاء نموذج مجرد "كامن" لعملية العلمنة باعتبارها عملية مستمرة، يسميه "المتتالية العلمانية"، كما يلي،

1- ينتقل مركز الكون من الإنسان إلى الطبيعة.

2- تلغي ثنائية الإنسان والطبيعة وتسود الواحدية المادية، أي يتم تفكيك الإنسان واستيعابه في المادة تماما، ويفقد الإنسان أي تميز ويزاح عن المركز وتنزع عنه القداسة.

3- تخضع الأشياء كافة، ومنها الإنسان، لمنطق العلوم الطبيعية.

4- يصبح الإنسان ذو بعد واحد وظيفي، منمط، مبرمج، مغترب عن جوهره الإنساني.

5- ينزع السحر عن الطبيعة ويتحول العالم إلى ساحة صراع.

6- العالم (الإنسان والطبيعة) لا غاية له ولا هدف ولا معنى، ويمكن التحكم فيه من خلال المعرفة. وصاحب القوة هو القادر على غزو العالم وتوظيفه لحسابه.

7- تتلاقى المجتمعات جميعا (في نهاية الأمر) لتخضع لنموذج الطبيعة/المادة، وتسود العقلانية التكنولوجية وينتهي التاريخ.

ورغم كل هذا..لا يستسلم الإنسان تماما، فالإله الخفي داخله يجعله يدرك إمكاناته ومن ثم يدرك أزمة المعنى. وقد يسقط في العدمية إن لم يتوصل إلى بديل لنموذج الواحدية المادية. (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: 194-196)

3- دراسة الحركة الصهيونية

دراسة الصهيونية، عند المسيري، ليست سوى دراسة لموضوع من الموضوعات الاجتماعية ينطبق عليه ما ينطبق على كل الموضوعات الاجتماعية الإنسانية الأخرى من شروط موضوعية. والدافع وراء اختيار الموضوع واضح، هو الصراع العربي الإسرائيلي، وظهور دولة إسرائيل محل فلسطين العربية.  ولذلك يدرس المسيري الصهيونية انطلاقا من نظرته العامة للحضارة الغربية الحديثة. ولذلك أيضا يعد موقفه من الصهيونية موقفا معرفيا وليس أيديولوجيا، مكانه قاعات الدرس، وليس المحافل السياسية.

ويوضح المسيري هذا المعنى كما يلي،

"صنف الخطاب التحليلي العربي الصهيونية باعتبارها حركة أو ظاهرة يهودية، وبدأ يدرسها في ضوء التوراة والتلمود، وأخيرا بروتوكولات حكماء صهيون. وأتصور أن هذا التصنيف قد أضعف من مقدرتنا التفسيرية التنبؤية. فالصهيونية جزء من التشكيل الإمبريالي الغربي في جانبه الاستيطاني الإحلالي، الذي هو بدوره تعبير عن رؤية علمانية شاملة تحول كل شيء إلى مادة استعمالية. ويمكن القول إن الصهيونية من أهم العقائد العلمانية التي تتلبس لباسا يهوديا. فهي أيديولوجية صدرت عن عدة أيديولوجيات علمانية غربية مثل الداروينية والنيتشوية، وقد وضعت موضع التنفيذ من خلال آليات إمبريالية علمانية غربية. وطرحت نفسها باعتبارها العقيدة التي ستحل محل اليهودية.

ومع هذا اكتشفت الصهيونية القيمة التعبوية للخطاب الديني، فحولته إلى ديباجات، مع إدخال بعض التعديلات اللازمة. فأكدت أهمية التراث العبراني القديم (فيما قبل ظهور اليهودية)، والبطولات العبرانية غير الدينية وغير الأخلاقية. كما أنها في كثير من الأحيان، حولت أبطال العهد القديم إلى أبطال قوميين." (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة : 397)

وفي حوار عن نفس الموضوع يوضح المسيري خطأ النظر إلى اليهود نظرة تآمرية تنسب لليهود قوى عجائبية، يقول،

الكتاب الآخر يسمى " اليد الخفية " وسيصدر خلال شهر أو اثنين، دراسة في الحركات اليهودية الهدامة السرية تدرس التلمود والماسونية والسحر عند اليهود وهكذا، محاولة لتفسير بعض هذه الجوانب حتى لا يسقط العرب في فكرة المؤامرة فينسبوا لليهود كل الشرور، وبالتالي ينسبوا لهم قوة عجائبية، ما أحاول أن افعله في هذا الكتاب أن اثبت أن اليهود بشر، وان الظواهر المحيطة بهم ظواهر بشرية: وبالتالي يجب ألا نخاف منهم، بل ندرسهم جيدا فعندما ندرك أنهم بشر ندرك انه يمكن الحوار معهم ويمكن أيضا الصراع ضدهم وهزيمتهم، أما المنطق ألتآمري فينسب لليهود قوى عجائبية معجزة تجعل من اليهود شياطين فان كان العدو من الشياطين فيجب أن تختبئ منه وألا تحاربه وهذه مسالة وقع فيها كثير من المعادين لليهود دون أن يدروا، ظنا منهم أن تصوير اليهودي كشيطان يحرض الجميع ضده في حين أن ذلك يولد شعورا بتبرير الهزيمة. (حوار- الثقافية: الوعي بالآخر ضرورة حتمية)

ودراسة الصهيونية عند المسيري، انطلاقا من نظرته العامة، اتسعت لتشمل كل العوامل المرتبطة بالصهيونية كظاهرة سياسية – اجتماعية. ولا يمكن بطبيعة الحال تلخيص تصوره الشامل عن الصهيونية كحركة اجتماعية، ولكن يمكن إيضاح بعض المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها هذه الدراسة.

فهذه الدراسة تعتمد على بيان أن الصهيونية ترتكز على نفس المفاهيم الأساسية لفكر الحداثة الغربية، وتعتبر جزءا منها. وتطرح الدراسة وظيفة الحركة الصهيونية في إطار فكر الحداثة في ظل مفهوم "الجماعات الوظيفية" الذي طوره المسيري. ثم تفسر الدراسة النزعة الاستعمارية والإبادية للصهيونية في ظل المفاهيم السابقة واعتمادا عليها. وأخيرا بناء على هذه المفاهيم يتم استشراف مستقبل الصهيونية ومستقبل إسرائيل.

العلاقة بين النازية والصهيونية والحداثة الغربية

في معالجته لقضية الصهيونية باعتبارها جزءا من فكر الحداثة ومن عمليات العلمنة المتصاعدة في مجتمعاتها يذهب المسيري من العام إلى الخاص. فلإثبات الصورة العامة نحتاج إلى عدة أمثلة واضحة للدلالة عليها. ويقدم فكر نقد الحداثة أمثلة عديدة على الإمبريالية الحداثية المتمثلة في الحركة الاستعمارية والاحتلال الاستيطاني في القارات الخمس واستعباد البشر بشكل واسع. ويستخدم المسيري النازية كنموذج تحليلي لبيان السمات الداروينية اللاإنسانية للحضارة الغربية. وبذلك يصبح الطريق ممهدا للكشف عن سمات الحركة الصهيونية لا باعتبارها حالة استثنائية لا تخضع للقواعد العقلية، وإنما باعتبارها حالة نماذجية تخضع تماما للتحليل العقلي. ويوضح المسيري هذا التصور كما يلي،

وهذا هو ما حاولنا إنجازه في مؤلفنا هذا حيث ندرس البنية العميقة للنازية ونضعها في سياقها الحضاري الغربي ونبين علاقتها بالصهيونية على مستوى الخطاب المعرفي العميق ونستعيد الإمبريالية كمقولة تحليلية أساسية في كل الظواهر الغربية الحديثة. فنحن نذهب إلى انه لا يمكن فصل الحضارة الغربية الحديثة بعلمانيتها الشاملة ورؤيتها العقلانية المادية عن نزعتها الإمبريالية. (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ ص 16)

وفي إطار رصد الظواهر المشتركة بين الصهيونية والنازية يقول،

وثمة ظاهرة مشتركة بين النازيين والصهاينة (وهي أيضا سمة أساسية للحضارة الغربية) هي عقلانية الإجراءات والوسائل، ولا عقلانية الهدف، وقد أشار ماكس فيبر لهذه الظاهرة في كتاباته. فعملية العقلنة، أو الترشيد التي يتحدث عنها تنصب على الوسائل والأدوات فحسب، أما الأهداف فهي أمر متروك لاختيار الأفراد. ومعسكرات الاعتقال والتعذيب، سواء في ألمانيا النازية أم في إسرائيل الصهيونية، هي مثال جيد على هذا الجانب في الحضارة الغربية. فهذه المعسكرات منظمة بطريقة "منهجية" تحسب فيها حسابات المكسب والخسارة، وتحسب المدخلات والمخرجات.

ولعل أكبر دليل على أن النازية جزء أصيل من الحضارة الغربية هو أن الرد الغربي على معسكرات الاعتقال والإبادة لليهود لم يكن مغايرا، في بنائه وفي سماته الجوهرية، للجريمة النازية. فالغرب يحاول حل المسألة اليهودية بإنشاء الدولة الصهيونية على جثث الفلسطينيين، وكأن جريمة أوشفيتس يمكن أن تمحى بارتكاب جريمة دير ياسين أو مذبحة بيروت. (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ ص 14)

الجماعات الوظيفية

مفهوم الجماعة الوظيفية عند المسيري هو مفهوم مركزي ويأخذ مساحة كبيرة من التحليل، وهو في الواقع أداة منهجية، أو نموذج معرفي، يستخدمه لتحليل الدور اليهودي والصهيوني بشكل عقلاني تماما. ونوجز هنا تعريفا موجزا لهذا المفهوم ثم تحليلا موجزا للعلاقة بين الجماعات الوظيفية واليهودية والصهيونية. ففي تعريف هذا المفهوم يقول،

"الجماعة الوظيفية" هي مجموعات بشرية صغيرة يقوم المجتمع التقليدي بإسناد وظائف شتى إليها، يرى أعضاء هذا المجتمع، أنهم لا يمكنهم الاضطلاع بها لأسباب مختلفة. وقد تكون هذه الوظائف مشينة في نظر المجتمع ولا تحظى بالاحترام في سلم القيم السائدة (التنجيم، البغاء، الربا)، وقد تكون متميزة ومهمة (الطب-وخصوصا أطباء النخبة الحاكمة، القتال)، وقد يتطلب الاضطلاع بها قدرا عاليا من الحياد والتعاقدية لأن المجتمع يريد الحفاظ على قداسته وتراحمه ومثالياته (التجارة والربا). وقد يلجأ المجتمع إلى استخدام العنصر البشري الوظيفي لمل فجوة أو ثغرة، تنشأ بين رغبات المجتمع وحاجاته من ناحية ومقدرته على إشباع هذه الرغبات والوفاء بها من ناحية أخرى (الحاجة لمستوطنين جدد لتوظيفهم في المناطق النائية – خبرات غير متوفرة – الحاجة إلى رأس مال). كما أن المجتمع قد يقوم بإسناد الوظائف ذات الحساسية الخاصة وذات الطابع الأمني (حرس الملك- طبيبه – السفراء والجواسيس) إلى أعضاء الجماعات الوظيفية. ويمكن أن تكون الوظيفة التي تسند إلى أعضاء الجماعة الوظيفية مشينة ومتميزة وحساسة في آن واحد. (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: 269). ثم،

"يتوارث أعضاء الجماعة الوظيفية الخبرات في مجال تخصصهم الوظيفي عبر الأجيال ويحتكرونها، بل ويتوحدون معها، وبعد أن يتم استيراد أو تجنيد العنصر الوظيفي يحدث ما يلي: أ) العلاقة التعاقدية. ب) العزلة والغربة والعجز. ج) الانفصال عن الزمان والمكان، والإحساس بالهوية الوهمية. د) ازدواجية المعايير والنسبية الأخلاقية. هـ) الحركية. و) التمركز حول الذات والتمركز حول الموضوع. وأعضاء الجماعات الوظيفية هي شخصيات متحوسلة منعزلة مغتربة، لا جذور لها ولا ولاء، ولكنهم في الوقت نفسه ينظرون إلى أنفسهم في علاقتهم بالمجتمع المضيف باعتبارهم مادة توظف. وتكون رؤية أعضاء الجماعات الوظيفية في الغالب رؤية حلولية كمونية واحدية، فالحلولية تجعل عضو الجماعة الوظيفية موضع الحلول الإلهي (مكتفيا بذاته، مرجعية ذاته) عضوا في شعب مختار، مما يجعل من السهل عليه تحمل وضعه المؤلم والدخول في علاقة تعاقدية صارمة لا تراحم فيها مع المجتمع." (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة ص 270-272).

ويوضح المسيري علاقة الجماعات اليهودية بظهور العلمانية،

"ساهم أعضاء الجماعات اليهودية في حمل الأفكار العلمانية ونشرها. ويجب أن نؤكد أنهم لم يفعلوا ذلك رغبة منهم في تدمير العالم وإيذاء العباد – كما هو شائع كثيرا- بل تحركوا كجماعة في إطار منظومة اجتماعية غربية تتجاوز إرادتهم ورغباتهم وأهواءهم. لكن هذا لا يعني إعفاء الإنسان من المسئولية الخلقية عن أفعاله، إذ إنه يظل مسئولا، على المستوى الفردي، عما يقترفه من ذنوب وحسنات، لكن المسئولية الخلقية الفردية تختلف عن التفسير السوسيولوجي للظواهر. وهناك كثير من أعضاء الجماعات اليهودية ممن تصدوا للعلمانية وحاولوا وقف زحفها. ومن المعروف أن أعضاء الجماعات اليهودية اضطلعوا بدور الجماعات الوظيفية الوسيطة في المجتمع الغربي، وهو ما ولد لديهم نزعة حلولية خلقت لديهم استعدادا كامنا للعلمنة. ويمكننا أن نضيف هنا أن اضطلاعهم بهذا الدور جعلهم واحدا من أهم عناصر العلمنة المباشرة في المجتمع الغربي. والعلمنة، في جانب من جوانبها، تطبيق القيم العلمية والكمية الواحدية على مجالات الحياة كافة، وضمن ذلك الإنسان نفسه، حتى ينتهي الأمر بتحييد العالم تماما وترشيده وتحويله إلى حالة السوق والمصنع. وقد لعب اليهود، كجماعة وظيفية وسيطة، دورا مهما في علمنة المجتمع، فقد وسعوا نطاق القطاع الاقتصادي التبادلي، وكانوا عنصرا شديد الحركية في المجتمع الوسيط الذي يتسم بالسكون." (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة:309)

ومن خلال مفهوم الجماعات الوظيفية وارتباطه بنقده التحليلي للحضارة الغربية ككل يصبح ممكنا للمسيري أن يحلل بشكل تفصيلي كافة الجوانب المتعلقة باليهودية والصهيونية. ونركز هنا على تحليله لقضية إبادة اليهود في الحرب العالمية لكونها قضية مركزية بالنسبة للدعايات الصهيونية. ثم على تحليله لمستقبل إسرائيل تأسيسا على دراسته التفصيلية لليهودية والصهيونية.

احتكار الإبادة

ليست القضية عند المسيري هي الاعتراف ب، أو إنكار، إبادة اليهود على أيدي النازيين، ولكن القضية الأساسية هي احتكار الصهاينة للإبادة وأيقنتها وتحويلها إلى مفهوم نهائي يشير إلى ذاته. ويعرض تصوراته هذه في الصورة التالية،

"وستحاول الدراسة أن تنجز أهدافها بدون التقليل بأية حال من فداحة الجرم النازي ضد اليهود (والسلاف والغجر وغيرهم)، ولكن دون السقوط، بقدر ما هو ممكن إنسانيا، في التحيزات والرؤى والمقولات السائدة في الخطاب الغربي بشأن الإبادة النازية. فالتقليل من حجم الجريمة النازية يشكل فشلا معرفيا وأخلاقيا، أما من الناحية المعرفية فهو يعني فشل المرء في إدراك واحدة من أهم سمات الحضارة الغربية الحديثة، أي نزعتها الإبادية. أما الفشل الأخلاقي فهو فشل الإنسان المسئول أخلاقيا الذي رأى جريمة ترتكب ضد مجموعة بشرية فآثر الصمت وزيف الحقائق حتى لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. ونحن نؤكد هذا رغم معرفتنا بأن الصهاينة وظفوا واقعة الإبادة في خدمة أهدافهم الإعلامية، وابتزاز الحكومات، وفي تبرير الغزو والاستيطان والإرهاب. ولكن هذه جميعا اعتبارات عملية غير معرفية وغير أخلاقية. (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ ص 16-17)، ثم،

"يحاول الصهاينة احتكار دور الضحية لليهود وحدهم دون غيرهم من الجماعات أو الأقليات أو الشعوب، بحيث تصور الإبادة النازية باعتبارها جريمة موجهة ضد اليهود وحدهم. ولهذا يرفض الصهاينة والمدافعون عن الموقف الصهيوني أية محاولة لرؤية الإبادة النازية باعتبارها تعبيرا عن نمط تاريخي عام يتجاوز الحالة النازية والحالة اليهودية. كما يرفض الصهاينة تماما محاولة مقارنة ما حدث لليهود على يد النازيين بما حدث للغجر أو البولنديين على سبيل المثال، أو بما حدث لسكان أمريكا الأصليين على يد الإنسان الأبيض أو ما يحدث للفلسطينيين على أيديهم.

وتثبت الدراسات التاريخية أن الإبادة النازية لم تكن موجهة ضد اليهود وحسب، فعدد ضحايا الحرب العالمية الثانية من جميع الشعوب الأوروبية يبلغ ما بين خمسة وثلاثين وخمسين مليونا. واظهر معرض لحكومة بولندا كان يطوف أمريكا عام 1986 أن أكبر معسكرات الاعتقال وهو أوشفيتس وأن التركيز النازي كان أساسا على البولنديين والاشتراكيين واليهود والغجر (بهذا الترتيب) لتفريغ بولندا جزئيا وتوطين الألمان فيها." (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ ص 94)

يعرض المسيري أيضا لقضية البحث العلمي في قضية الإبادة النازية ويرى أنه من غير المقبول حظر البحث العلمي في هذه القضية،

"ولكن الإعلام الغربي والصهيوني يهاجم هذه الكتب بشدة، العلمي منها وغير العلمي، ويشجبها بعصبية واضحة، ويهيج ضدها بطريقة غوغائية، ويوجه الاتهام لكل من تسول له نفسه أن ينكر الإبادة أو يثير الشكوك حول موضوع الملايين الستة حتى لو كان من العلماء المتخصصين، مع العلم بأن هناك دراسات كتبها علماء إسرائيليون يعبرون فيها عن شكوكهم بخصوص رقم ستة مليون. ولعله كان من الأجدى أن يميز الإعلام الغربي بين الدراسات العلمية والدراسات غير العلمية، وأن يخضع الدراسات العلمية للنقد العلمي الهادئ، وأن يطالب بفتح كل الملفات السرية، والأرشيفات الغربية والشرقية لنتبين مدى صحة هذه الأطروحات. وقد أصبح هذا متيسرا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي إذ أصبحت وثائقه متاحة للدراسة. ولعل حالة ديمانجوك الذي اتهم بأنه "إيفان الرهيب"، الذي اشترك في إبادة اليهود وغيرهم في بمعسكر تربلينكا، تكون مثلا على الخطوات المطلوب اتخاذها. فقد كانت كل الدلائل التي جمعها الأمريكيون والإسرائيليون تبين أن ديمانجوك هو إيفان الرهيب، وأصدرت المحاكم الإسرائيلية حكما ضده بالفعل. ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ظهرت وثائق تبين بما لا يقبل الشك أن هناك شخصا آخر هو الذي قام بعمليات الإبادة فأفرج عن ديمانجوك." (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ ص 98)، ويضيف،

ومن الصعب فهم تلك الاستجابة الهستيرية لدى الإعلام الغربي والصهيوني إزاء عمليات إثارة الشكوك حول الإبادة وعدد الستة ملايين، ومع هذا فلنحاول تناول هذه الظاهرة غير العقلانية. ونحن نذهب إلى أن الخطاب الحضاري الغربي له حدوده التي يفرضها على عملية الإدراك. فقد قام الغرب بتحديد معنى الإبادة النازية لليهود ومستواها التعميمي والتخصيصي، فقام باختزالها وفرض منطق غربي ضيق عليها من خلال التلاعب بالمستويات التعميمية والتخصيصية، ومن خلال نزعها من سياقها الغربي، الحضاري والسياسي الحديث." (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ ص 98)

ويكشف المسيري خطوات عملية التلاعب بقضية الإبادة النازية كما يلي،

1-بالنسبة للمسئول عن الجريمة: تخضع الإبادة النازية لعمليتين متناقضتين:

أ) يتم تضييق نطاق المسئولية إلى أقصى حد بحيث تصبح الإبادة النازية ليهود أوروبا جريمة ارتكبها الألمان وحدهم ضد اليهود.

ب) يتم توسيع نطاق المسئولية إلى أقصى حد بحيث تختفي كل الحدود وتصبح الإبادة النازية ليهود أوروبا جريمة كل الأغيار بشكل مطلق، أو جريمة كل الألمان والأغيار، أو الألمان باعتبارهم أغيارا، أو الألمان بموافقة وممالأة الأغيار.

2-بالنسبة للضحية: تخضع الإبادة كذلك لعمليتين متناقضتين:

أ) يتم تضييق نطاق الجريمة إلى أقصى حد بحيث تصبح جريمة موجهة ضد اليهود وحدهم، لا ضد الملايين من اليهود وغير اليهود (من الغجر والسلاف وغيرهم).

ب) يتم تعميم الجريمة إلى أقصى حد بحيث تصبح جريمة موجهة ضد اليهود، كل اليهود، لا يهود العالم الغربي وحسب.

وبعد أن تم تعريف الإبادة بهذه الطريقة، وبعد أن تم التلاعب بالمستويات التعميمية والتخصيصية وضبطها بما يتفق مع مصلحة الغرب، قام الغرب بأيقنة الإبادة، أي جعلها مثل الأيقونة تشير إلى ذاتها حتى لا يمكن التساؤل بشأنها، فهي مصدر المعنى النهائي. (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ ص 99)

وفي نهاية الأمر تصبح قضية الإبادة، في الخطاب الصهيوني، نقطة نهائية ميتافيزيقية تتجاوز الزمان والمكان والتاريخ،

فالخطاب الصهيوني (انطلاقا من مفهوم الشعب المختار والحلولية اليهودية التي تسبغ القداسة على اليهود) يعمق عملية التخصيص فتتحول الإبادة من قضية اجتماعية تاريخية إنسانية إلى إشكالية غير إنسانية تستعصي على الفهم الإنساني، وإلى سر من الأسرار يتحدى العقل، وإلى نقطة نهائية ميتافيزيقية تتجاوز الزمان والمكان والتاريخ. والاختلاف هنا هو اختلاف في الدرجة وليس في النوع، إذ تظل هناك وحدة أساسية، ولذا لا يجوز في الخطاب السياسي الغربي والصهيوني تشبيه إبادة أية أقلية بإبادة اليهود. (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ ص 101)

ويطرح المسيري رأيه النهائي في الموضوع، بصفته متخصص في الموضوع، والمتمثل في أن الأمر يحتاج إلى المزيد من الأبحاث العلمية وإلى الكشف عن الوثائق المتعلقة بالموضوع حتى يمكن طرح رأي يقيني بخصوصه،

"ويميل كاتب هذه الدراسة إلى القول بأن معسكرات الاعتقال والسخرة والإبادة حقيقة مادية لا شك فيها، وأن أفران الغاز هي الأخرى حقيقة (ومن ثم لا يمكن إنكار الإبادة باعتبارها تصفية جسدية متعمدة). ولكن حجم هذه الأفران ومدى كفاءتها وعدد ضحاياها ودلالة هذه الحقائق المادية وتفسيرها تظل كلها موضوعات قابلة للاجتهاد والفحص العلمي والوثائقي بل وتتطلبها، فهي موضوعات خلافية. وهناك فيما يبدو مصلحة للبعض في أن يضخمها أو يقلل من أهميتها. فإذا كان الحياد الكامل مستحيلا في مثل هذه الأمور (كما في غيرها)، فلابد، على الأقل، أن ننفصل إلى حد ما عن الظاهرة موضع الدراسة ونعيد قراءة الوثائق المتاحة ونطالب بإتاحة كل الوثائق السرية، خصوصا وأن الموضوع أصبح موضوعا تاريخيا مر عليه أكثر من خمسين عاما." (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ ص 104)، ثم،

لكن التشكيك في مدى دقة الرقم (الستة ملايين) لا يعني بحال من الأحوال التشكيك في الجريمة النازية ذاتها، فالجريمة النازية هي إحدى جرائم الحضارة الغربية الحديثة العديدة التي لا يمكن التهوين من شأنها. وما نهدف أساسا إليه من خلال مناقشة هذه الإشكالية هو تصحيح الرقم ووضع الظاهرة في سياق إنساني عام ومنظور تاريخي شامل، بحيث نحدد هويتها باعتبارها جريمة غربية محددة ضد قطاعات بشرية عديدة بدلا من أن تكون جريمة ألمانية ضيقة أو جريمة عالمية غير محددة ضد اليهود كلهم، وضد اليهود دون سواهم. ونحن بهذا ننقذ واقعة الإبادة من سخافات الإعلام الغربي والصهيوني، ولعبة الأرقام الطفولية التي تخبئ الأبعاد التاريخية والأخلاقية والإنسانية العامة للواقعة. (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ ص 115)

مستقبل إسرائيل

يطرح المسيري تأسيسا على دراسته لليهودية والصهيونية علامات عشر لزوال "دولة إسرائيل"، هي،

- تآكل المنظومة المجتمعية لـ"الدولة العبرية" بعدما فشل مصطلح "الصهر" الذي حدده ديفيد بن جوريون مؤسس "الدولة العبرية" لصهر المجتمع "الإسرائيلي" بأكمله في منظومة واحدة موحدة القومية بعيدا عن الهويات المتعددة التي جاء بها اليهود من مختلف بلدان العالم.

- الفشل في تغيير السياسات الحاكمة "الإسرائيلية" فهي من فساد إلى فساد.

- كثرة النازحين لخارج "إسرائيل" فقد أكدت الإحصائيات نزوح مليون "إسرائيلي" لخارج "إسرائيل" من إجمالي ستة ملايين قدموا إليها.

- انهيار نظرية الإجماع الوطني نتيجة اتساع الفجوة القائمة بين العلمانيين والمتدينين والذي أدي بدوره إلي العداء المستمر بين الأحزاب الدينية الشرقية والغربية والوسطية.

- فشل تحديد ماهية الدولة اليهودية فقد عجز كبار الحاخامات اليهود في تحديدها.

- عدم اليقين من المستقبل الخاص بالدولة متمثلا في مقولة الرئيس "الإسرائيلي" شيمون بيريز عندما سأله أحد الصحفيين هل ستبقي إسرائيل 60 عاما أخرى؟ فرد عليه: "اسألني هل ستبقي 10 سنوات قادمة؟!".

- العزوف عن الحياة العسكرية عند الشباب والهرب منها، وبالتالي مع مرور الوقت ستنهار الحياة العسكرية.

- عدم القضاء على السكان الأصليين المتمثلين في الفلسطينيين.

- تحول "إسرائيل" إلى عبء على الإستراتيجية الأمريكية.

- وأخيرا استمرار المقاومة الفلسطينية.

 إضافة إلى ذلك يذكر المسيري القانون التالي، يمكن تقسيم الجيوب الاستيطانية إلي نوعين: الأول جيوب استيطانية نجحت في القضاء علي السكان الأصليين مثل الولايات المتحدة واستراليا، والثاني جيوب أخفقت في القضاء علي السكان الأصليين مثل ممالك الفرنجة وفي جنوب أفريقيا، والجيوب التي كتب لها البقاء مثل الولايات هي التي قضت علي السكان الأصليين، أما "إسرائيل" فهي من النمط الثاني . (المسيري يحدد عشر علامات لزوال إسرائيل – إسلام أونلاين).

ويوضح وجهة نظره بخصوص الحالة الراهنة للمجتمع الإسرائيلي كما يلي،

يقوم الإعلام العربي بتصوير الدولة الصهيونية على أنها دولة يهودية والإسرائيليين على أنهم مستوطنون يؤمنون بالصهيونية إيماناً عميقاً ويتمسكون بيهوديتهم إثنية كانت أم دينية. وهي صورة لا أساس لها في الواقع! موجة الهجرة الأخيرة إلى الدولة الصهيونية، تبدي ابتعاداً عن اللغة العبرية والمجتمع "الإسرائيلي" والثقافة المحلية وتبدي انغلاقاً ذاتياً.

ويدلل المسيري على ذلك بانصراف الإسرائيليون العلمانيون عن الاحتفالات الدينية الحزينة، نتيجة لتصاعد معدلات العلمنة في الدولة الصهيونية والتوجه نحو اللذة، ويرى أن جو ما بعد الصهيونية بدأ يخيم على إسرائيل تماماً. (الوجدان الإسرائيلي في أجواء ما بعد الصهيونية – جريدة الإتحاد)

ومن ضمن العوامل التي تؤدي إلى القضاء على إسرائيل، كما يرى المسيري، مفهوم السلام العادل،

مفهوم السلام العادل يعني القضاء على إسرائيل، ليس بمعنى إبادة الإسرائيليين وإنما بمعنى ذوبان الكيان العنصري، وأنا أقسم كل الجيوب الاستيطانية إلى قسمين: الأول نجح في إبادة السكان الأصليين وقسم آخر يذوب فيه الكيان العنصري، ومن أمثلة القسم الأول أمريكا وأستراليا أما في فلسطين فلم يتم إبادة السكان الأصليين فما الذي يجعلني أرى إسرائيل تمثل استثناء للقاعدة حيث إنني لا أؤمن بالوعد الإلهي. وعلى من يريد أن يطرح رؤية أخرى عليه أن يبين عوامل البقاء في تكوين إسرائيل ويجعلها مختلفة أو استثناء عن القاعدة. وأرى أن انسحاب إسرائيل إلى حدود 67 مستحيل عمليا لأنها تعود دولة صغيرة والشعب الفلسطيني يتكاثر ولذلك أؤمن بأن الانسحاب من نابلس يعني الانسحاب من تل أبيب. (حوار- الثقافية: المسيري يسعى إلى تأسيس حداثة إسلامية إنسانية جديدة)

4- النظرة المستقبلية

تتلخص النظرة المستقبلية عند المسيري في ضرورة إنشاء "الحداثة الإسلامية". ولا يعني هذا المفهوم الانعزال عن الحضارة المعاصرة، فالحداثة هي مفهوم يعبر عن المشاركة في الحضارة الإنسانية، ولكنه في نفس الوقت لا يعني اتباع الحداثة الغربية المعاصرة. فالصفة "إسلامية" تعني إبداع تصورات جديدة نابعة من الذات تعبر عن المساهمة في الفكر الإنساني المعاصر. ويعبر المسيري عن هذا التصور كما يلي،

وتأمل هذه الدراسة أن تكون جزءا من اتجاه فكري جديد في الحضارة العربية والإسلامية الحديثة بدأت تظهر معالمه في أواخر الأربعينيات وبدأ في التبلور مؤخرا، وهو الاتجاه نحو الإسهام في الحضارة البشرية من خلال الانطلاق من الخصوصية الحضارية والمعرفية، العربية والإسلامية. (ومن رواد هذا التيار في مصر أنور عبد الملك وحسن فتحي، ومن أهم أقطابه جمال حمدان وحامد ربيع وعادل حسين وطارق البشري وجلال أمين وفهمي هويدي وعبد الحليم إبراهيم عبد الحليم وعاصم الدسوقي وقاسم عبده قاسم وممدوح الموصلي ورفيق حبيب وجميل مطر وغيرهم. ولهذا التيار رواده وأقطابه في بقية العالم العربي والإسلامي). ونحن نذهب إلى أن المشروع الحضاري العربي والإسلامي دخل نفقا مسدودا من البداية حين عرف هدفه بأنه "اللحاق بالغرب". فهذا الشعار كان يعني أن يصبح "الآخر" هو الغاية وأن نصبح نحن الوسيلة فنتحول إلى بشر من الدرجة الثالثة في معظم الأحوال ومن الدرجة الثانية في أحسنها (لأن من يصل إلى الدرجة الأولى ينضم "إليهم" بطبيعة الحال). وفي محاولة تحقيق هدف اللحاق هذا كان علينا أن نسكت إبداعنا ونسقط قيمنا ونمحو ذاتيتنا ورؤانا بحلوها ومرها، لنتقبل ذاتيتهم ورؤاهم بحلوها ومرها. وتحت شعار الموضوعية أصبحت مهمتنا نقل كل ما يأتي لنا من الغرب، خصوصا "آخر صيحة" ابتداء بالمدارس الفلسفية وانتهاء بالسيارات والأزياء، وبذلك سقطنا في شكل من أشكال السلفية الغربية التقدمية ووقعنا ضحية إمبريالية المقولات، أي أن نتبنى مقولات الآخر التحليلية ثم نراكم المعرفة وننظر للعالم، بل ولأنفسنا، من خلالها. (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ، - رؤية حضارية جديدة ص 17).

ويوضح المسيري نفس المفهوم بطريقة أخرى في حوار يتناول قضية التحديث،

بهذا المعنى يحاول بعض المفكرين العرب والإسلاميين أن يستفيدوا من هذا النقد للحداثة في محاولة لتأسيس حداثة عربية إسلامية جديدة تستفيد من تجارب الآخرين ورؤاهم وأخطائهم أيضا. وقد رأينا الإنسان الغربي وهو يتحرك داخل منظومات حداثية فينجز ما أنجز ويدمر ما دمر، والسؤال المطروح علينا الآن: هل نستفيد من الإنجازات، ونتحاشى بعض المشكلات الناجمة عن الحداثة مثل تصاعد معدلات الطلاق وانهيار الأسرة وظهور المدن الجديدة الكبيرة التي أصبحت الحياة فيها مستحيلة ؟ هل يمكن أن ننشئ حداثة لا تؤدي بالضرورة إلى التلوث الناجم عن التصنيع؟ هل يمكن أن ننشئ حداثة جديدة لا ينتج عنها اللامعيارية؟ حداثة مؤسسة على العقل لكن لا تهمل القلب؟ هذه كلها أسئلة تطرحها مدرسة فرانكفورت واعتقد أن طرحها مأساوي، لأنهم لا يأتون بحلول لهذه المشكلة ويجب علينا أن نسترشد بهذا النقد وان نحاول أن نأتي بالحلول وان نجتهد في هذا الإطار. (حوار:الوعي بالآخر ضرورة حتمية)

وعلى مستوى الواقع يستشرف المسيري مستقبل عملية التحديث اعتمادا على فكر الذات كما يلي،

من الضروري هنا أن ترى أن فكرة التراثيين الجدد ومشروع الحداثة لم يبدأ إلا في أوائل الثمانينيات لما أدركنا الحداثة الغربية. وحينما كانت الحداثة الغربية ناجحة حلت المشكلة، وكنا نرى أن القضية أن نستوردها بحلوها ومرها كما يقولون ولكن عندما بدأت المشاكل تظهر وبشكل عنيف بدأنا في إعادة النظر، وأنا بالمناسبة أرى أنه لا يمكن كتابة تاريخ الحداثة أو تاريخ العلمانية إلا بعد السبعينيات، والعلمانية كانت حتى منتصف الستينيات تنصرف فقط إلى الخير العام أما الخير الخاص فكانت تحكمه قيم إما مسيحية أو قيم مسيحية تمت علمنتها وبالتالي خلق هذا توازنا عظيما في المجتمعات الغربية، ولكن بعد ذلك بدأت المشكلات كالمخدرات والإيدز والتلوث، وبدأ صعود المحافظين الجدد، كل المشاكل ظهرت بعد ذلك وهي كانت موجودة لكن كان يوجد انضباط، وبعد ظهور المشاكل وجدوا أن المنظومة لها ثمن مرتفع والثمن أعلى من العائد، وكان علينا أن نبدأ بأنفسنا والعودة للتراث لنولد منه حداثة إنسانية إسلامية في مقابل الحداثة المادية الغربية، فالحداثة في الغرب لا تؤمن بالعدل وإنما تؤمن بالقوة، أما الحداثة الإسلامية فتؤمن بالعدل. (حوار الجزيرة الثقافية: د. المسيري يسعى إلى تأسيس حداثة إسلامية إنسانية جديدة)

ثمن الحداثة

العامل الدافع، عند المسيري، نحو إبداع فكر جديد والاعتماد على تصورات الذات هو أن فكر الحداثة الغربية أثبت أن النجاح النسبي الذي حققه كان على حساب قضايا جوهرية بالنسبة للإنسانية، وبتعبيره كان للحداثة ثمنا مرتفعا. فالتوجه للفكر الإسلامي بالمعنى الحداثي المعاصر لم يكن فقط ناتجا عن كونه فكر الذات، وإنما أيضا مدفوعا بفشل الحداثة في تحقيق وعودها. وفي حوار لجريدة البلاغ يقول،

لكن الحداثة لها ثمن إنساني مرتفع؛ وقد نجحت منظومة الحداثة الغربية في تقديم نفسها وإخفاء الثمن؛ حيث تقدم أفلام هوليود، والأفلام الإباحية..وبلا شك الإباحية تمتع الإنسان على مستوى من المستويات، لكنها في المقابل تفتت الأسرة والمجتمع، وفي النهاية يبدأ الجميع في إعادة حساباته!

وبالتالي أرى أنه من أولى الأولويات أن نفتح الملف المتعلق بثمن التقدم؛ وهو ملف لم يفتح إلى حد الآن، نعم فتح بشكل عشوائي، ولكن لا بد من مراكمة ثمن التقدم، ثمن تفكك الأسرة، ثمن التلوث البيئي، ثمن التلوث الأخلاقي، ثمن تسارع إيقاع الحياة سواء في ارتفاع الضغط أو تزايد السرطان أو اللجوء إلى الحبوب المهدئة.

من جانب آخر، ينبغي أن يعرف الناس أن الحداثة الغربية مرتبطة تمام الارتباط بالإمبريالية؛ فالإنسان الغربي ما كان بمقدوره أن يحقق ما حققه من تقدم لولا النهب الاستعماري الذي استمر زهاء أربعة قرون. وأن المنظومة الحداثية مرتبطة بالاستهلاكية والتوجه نحو اللذة..وقد تمكن الإنسان الغربي أن يحقق معدلات عالية من الاستهلاك واللذة، ومرة أخرى عن طريق النهب الاستعماري.

لكن كما تفضلت، آن الأوان الآن كي نبدأ في كتابة الأجندة الفلسفية الخاصة بنا، وهي مختلفة عن الأجندة الفلسفية للغرب..وكما قلت، كل شيء تغير بعد الستينيات، بعد أن دخلت منظومة الحداثة الغربية مرحلة الأزمة

ثم من ناحية أخرى، يوجد في عالمنا العربي والإسلامي جيل في سنك، بدأ يدرك أن هناك أزمة..أما في جيلي أنا لم يكن هناك هذا الإدراك، وإدراك أن الحداثة الغربية في أزمة يعني أنها لا يمكن أن تقدم لنا حلولا.. وأعتقد أن من أسباب تزايد الإبداع بين الشباب، هو بحثهم عن الحل، أما الذين هم في سني فالأمر جد مختلف؛ فأنا حينما تخرجت من الجامعة عام 1959 كانت المسألة واضحة؛ فإما أن تكون رأسماليا أو اشتراكيا، لكنها في النهاية حداثة غربية..أو إن كنت مبدعا فما عليك إلا أن تخلط هذا بذاك وتأتي بصيغة ثالثة، وفي كل الأحوال كانت المرجعية الصامتة بالنسبة للجميع هي -دائما- الغرب.  أما الآن فتبحث عن المرجعية الاشتراكية فلا تجدها، تبحث عن المرجعية الرأسمالية تجد أنها شرسة، متأزمة، مختنقة، وفي حالة احتقان..وهكذا..وفي هذه الحالة تكون مضطرا للتفكير.

وليس من قبيل الصدفة، أن كثيرين مثلي- نحن الذين كنا ماركسيين وعلمانيين - عندما بدأت رحلة عودتنا إلى الإسلام في أواخر الستينيات، وهي فترة احتقان الحداثة الغربية، أنا وعادل حسين وطارق البشري..وبالمناسبة، رحلة عودة روجيه جارودي إلى الإسلام بدأت - أيضا- في هذا التاريخ.. وفي الواقع لما أقارن تواريخ عودتنا نجد أنها متقاربة، رغم أن جارودي أكبر مني سنا؛ فهو يكبرني- أظن- بعشرين عاما. فالعودة إلى الإسلام هي ظاهرة عالمية، ومن أبرز تجلياتها في العالم الإسلامي أننا بدأنا ندرك ضرورة وأهمية الإبداع، وأيضا ضرورة تحديد الأولويات. (حوار البلاغ – متطلبات العلم الإسلامي المعاصر)

مفهومه للحداثة الإسلامية

يمكن من خلال بعض النصوص استخلاص مفهوم الدكتور المسيري للحداثة الإسلامية. فهي تعتمد أولا على مفهوم معين "للعقلانية"، ليس بالمعنى الحداثي الذي يعتمد على القدرة المطلقة للعقل على معرفة العالم وعلى استبعاد الشعور الإنساني، وإنما بمعنى وجود حدود لقدرة العقل على إدراك العالم والاختلاف الجوهري بين ما هو مادي وما هو إنساني. وتعتمد، ثانيا، على علاقة الانفصال- الاتصال بين العالم المادي والإنساني وبين المطلق، وهو الإله الخالق. وذلك على النقيض من الحلولية المادية أو المثالية المطلقة وكلاهما، من وجهة نظره، وجهان لعملة واحدة يلغيان المسافة بين النسبي والمطلق. وتعتمد، ثالثا، على الفصل بين الجانب الإجرائي في العلمانية (العلمانية الجزئية) وبين الجانب الفكري والفلسفي فيها (أي العلمانية الشاملة). فإذا تم هذا الفصل يمكن تطبيق الجانب الإجرائي للعلمانية مع الاعتماد في نفس الوقت على الفكر الأخلاقي الإنساني الإسلامي. ويعبر المسيري عموما عن موقف تفاؤلي بإمكانية تحقيق هذا التصور، وليس هذا فقط، وإنما هو يرى أن إرهاصات الحداثة الإسلامية قائمة بالفعل وأن تحقيقها في المستقبل القريب هو أمر ممكن.

فيما يخص مفهومه للعقلانية، في إطار الحداثة الإسلامية، يقول،

"العقلانية هي الإيمان بأن العقل قادر على إدراك الحقيقة من خلال قنوات إدراكية مختلفة من بينها الحسابات المادية الصارمة دون استبعاد العاطفة والإلهام والحدس والوحي. والحقيقة حسب هذه الرؤية يمكن أن تكون حقيقة مادية بسيطة، أو حقيقة إنسانية مركبة، أو حقائق تشكل انقطاعا في النظام الطبيعي. ومن ثم يمكن لهذا العقل أن يدرك المعلوم وألا يرفض وجود المجهول. وهذا العقل يدرك تماما أنه لا "يؤسس" نظما أخلاقية أو معرفية، فهو يتلقى بعض الأفكار الأولية ويصوغها استنادا إلى منظومة أخلاقية ومعرفية مسبقة. (الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ، - رؤية حضارية جديدة ص 238).

وبخصوص مفهومه لعلاقة الانفصال-الاتصال بين العالم والخالق، يقول،

ويمكننا أن نقول إن جوهر النسق التوحيدي الإسلامي هو مفهوم المسافة، الذي يؤكد علاقة الانفصال والاتصال بين الخالق والمخلوق، فالله – سبحانه – ليس كمثله شيء، فهو غياب إمبيريقي كامل، ولا يمكن أن يدرك بالحواس، ولكنه في الوقت نفسه، أقرب إلينا من حبل الوريد، دون أن يلتحم بنا ويجري في دمائنا، ويصبح بذلك جزءا من عالم الصيرورة... ولعل اختلاف نقطة البدء الإسلامية عن نقطة البدء المسيحية عميق الدلالة في هذا المضمار، ويبين أن إشكالية الدوال والمدلول كامنة في الحضارة الغربية حتى قبل ظهور الفلسفة المادية والنسبية المعرفية. ففي المسيحية واليهودية، نجد أن لحظة البدء هي الكلمة نفسها (تجسد اللوجوس)، فالكلمة هي الأساس الأنطولوجي لهذا العالم. أما في الإسلام، فإن لحظة البدء هي اللحظة التي يعلم فيها الإله آدم الأسماء كلها، فلحظة بدء العالم لحظة إبستيمولوجية معرفية، وتفترض وجود إله يسبق خلق المادة، إله عالم عليم، ومن خلال المعرفة التي يتلقاها آدم منه يصبح إنسانا، أي أنه يتم التواصل بين الإله والإنسان بدون تجسد، أي أن ثمة اتصالا وانفصالا في آية. (اللغة والمجاز بين التوحيد ووحدة الوجود ص 134- 135).

وبخصوص تأسيس المجتمع على قيم أخلاقية إسلامية يقول في حوار للجزيرة الثقافية،

الاختلاف الأساسي هو أن الحداثة المادية تفكك الإنسان وتحيله إلى ما هو غير إنساني، هذا ما لا أتفق معه تماما، وطالما بقيت داخل الإطار المادي إذن يرد الإنسان إلى المادة أو كما يسميها بعض الغربيين الطبيعة أو ما وراء الطبيعة.. يعني طيلة الوقت تحاول بعض تيارات الفكر الغربي أن تؤمن بما هو وراء المادية، لكن أيضا داخل السطح المادي نفسه، وأنا أسميها (الإله الخفي) في الخطاب الغربي. وفي الواقع أنني أخذت المصطلح ليس من لوسيان جولدمان ولكن من ناقد أدبي هو كلاك بروكس، كان قد كتب كتابا يحاول فيه أن يرى مفهوم الإله كامنا في كتابات بعض العلمانيين، وأنا فعلت نفس الشيء مع محمود درويش عندما يقول (أنا أحمد العربي فليأت الحصار) و(أنا أحاصركم)، فإذا كان الحصار مادي فمن أين تأتي مقدرة أحمد العربي أن يحاصرهم؟.. إذن يحاصرهم بالإرادة والإيمان وهي عناصر غير مادية وبالتالي خطاب المدرسة النقدية هو خطاب مأساوي في النهاية لا يجد الحل.. إنما خطابي متفائل ويجد الحل وهو أن نتجاوز السطح المادي ونبدأ ننظر للعالم باعتباره يضم منظومات أخلاقية وإنسانية عامة موجودة داخل الإسلام وموجودة أيضا في الفلسفات الإنسانية حتى لو كانت إلحادية لذلك دائما أقول أنا مستعد للتعاون مع مفكر إنساني ملحد يؤمن بالقيم الأخلاقية المطلقة، يؤمن بالمساواة بين البشر، وطبعا أنا أرى أن إيمانه هذا ليس له أساس فلسفي لكن يمكن أن نناقش هذا في المؤتمرات المتخصصة، أما عندما نؤسس عقدا اجتماعيا فأنا على أتم الاستعداد للدخول معه في علاقة طالما أنه مستعد أن يؤسس مجتمعا مبنيا على قيم أخلاقية أنا أرى أنها إنسانية إسلامية وهو يرى أنها إنسانية وحسب، وهذا لا يضرني كثيرا ونتناقش معه بخصوص هذه الاختلافات في المؤتمرات المتخصصة. (حوار، الجزيرة الثقافية: د. المسيري يسعى إلى تأسيس حداثة إسلامية إنسانية جديدة).

وفي حوار آخر يوضح كيف يمكن الاعتماد على العلمانية الجزئية مع الإبقاء على النظرة الأخلاقية الإسلامية،

أني افرق بين العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة فمعظم من يسمون أنفسهم بالعلمانيين العرب يؤمنون بالعلمانية الجزئية أي علمنة المجال السياسي وحسب ويظل بعضهم يؤمن بالقيم الأخلاقية ويؤمن بعضهم بالقيم الدينية! وهكذا. عكس العلمانية الشاملة التي تطالب بعلمنة جميع المجالات: علاقة الرجل بالمرأة علاقة الإنسان بجسده، الطعام.. وهكذا .

وهذا هو شكل العلمانية المنتشرة في الغرب فأنا أميز بين العلمانية في الغرب والعلمانية في العالم العربي واعتقد أن الحوار الذي تم بخصوص العلمانية في العالم العربي كان حوارا ذا خلل أساسي هو أن نفترض أن هناك علمانية واحدة وان العلمانيين العرب يشبهون العلمانيين الغربيين، الدكتور فؤاد زكريا مثلا إذا سألته عن رأيه في الشذوذ الجنسي اعتقد انه سيقف ضده وهذه مسألة لا يمكن للعلماني الغربي أن يقبل بها، لأنه يعتقد أن الشذوذ مسألة طبيعية فهم يهتمون بتطبيع الإنسان أي أن يكون ظاهرة طبيعية أو شيئا ، ود. فؤاد زكريا مفكر إنساني من الدرجة الأولى. أنا كمفكر مسلم قد اختلف معه في الكثير لكن أجد انه يؤمن بالقيمة المطلقة. نفس الشيء بالنسبة للأستاذ محمود أمين العالم، يتحدث عن العلمانية ويؤمن بالقيم الأخلاقية ويؤمن بكثير من الغيب ( ميتافيزيقا ) واضرب مثلا آخر الأستاذ احمد عبد المعطي حجازي يرى انه من كبار العلمانيين ولكن إذا قرأت تعليقه على أعمال الفنان احمد شيحه تجده يتحدث فيه عن القيم المطلقة والتطلع نحو المطلق وكلمة المطلق غير مقبولة في الخطاب العلماني الغربي تماما.

اعتقد إننا لو وضعنا هذا في الاعتبار فان الحوار بين العلمانيين والدينيين سيأخذ شكلا مختلفا، إذ أن هناك رقعة مشتركة كبيرة وتبقى هناك علمنة السياسة بمعنى انه يجب ألا يجلس الفقهاء والقساوسة في وزارة المعارف أو وزارة الخارجية أو وزارة الدفاع. كثير من المتدينين سيوافقون على هذا ويرون أن علاقة السياسة بالدين ليست علاقة مباشرة إذ يجب أن تسترشد الدولة بالقيم الدينية وحسب أما الإجراءات السياسية اليومية – صفقات السلاح، المعاهدات – اعتقد أن نترك هذه للمختصين. لكن أن نقرر الحرب فتكون عادلة آم لا في هذه الحالة نسترشد بالقيم الأخلاقية المطلقة والقيم الدينية وفي هذه الحالة يكون الخبراء غير قادرين على اتخاذ القرار، عقل الخبير عقل أداتي، أما القيم الأخرى فتحتاج مجموعة أخرى من البشر على اتصال بالقيم المطلقة الإنسانية والدينية والأخلاقية بهذا اعتقد أن العلمانية الجزئية تخلق رقعة مشتركة تكون حيزا يمكن الحوار، فإذا كان للإيمانيين حيز وللعلمانيين حيز فمن الممكن أن نتحدث عن الحوار وتصبح القضية ما هذه القيم المطلقة؟ وبهذا يكون تأسيس عقد اجتماعي جديد. هذا هو الإسهام الأساسي. وبينت أن العلمانية الغربية تحركت من الجزئية إلى الكلية انظر مثلا إلى ( الدش ) وما به من إباحية اعتقد أن العلمانيين العرب سيرفضون هذه الإباحية لماذا؟ لأنهم يؤمنون بالقيم المطلقة لكن العلماني الشامل في الغرب لا توجد لديه قيم مطلقة وبالتالي تصبح الإباحية حقا من حقوق الإبداع وحقا من حقوق الإنسان يدافع عنه ولا يصح إنكاره نفس الشيء بالنسبة للشذوذ الجنسي وكذلك بالنسبة لأي شيء أخر، إذا لم تكن هناك قيمة مطلقة تتجاوز المادة فهذه علمانية مطلقة أما العلمانيون العرب عندنا فهم مختلفون عن ذلك تماما. (حوار الوعي بالآخر ضرورة حتمية).

وفي نهاية الأمر يعبر المسيري عن تفاؤله بخصوص مستقبل الحداثة الإسلامية،

أدعو إلى حداثة الهدف منها هو العدل، والهدف ليس التقدم إلى ما لا نهاية وإنما التوازن مع الذات ومع البيئة، ومؤشرات هذه الحداثة مختلفة فتأخذ في الاعتبار بعض المؤشرات مثل التقدم في مجال الأدوية مسألة مهمة نصيب الفرد في السكن.. كل هذه الأمور مهمة، لكن هناك أمورا أخرى مثل الاستقرار الأسري والعدل الاجتماعي، الحداثة الغربية لم تعرف التقدم نحو ماذا، النمو للنمو، وأعتقد أن هذا الطريق للحفاظ على الكرة الأرضية ولو استمر العالم على نفس معدلات الاستهلاك الحالية سنحتاج إلى موارد خمس كرات أرضية وعلى ذلك فإن المحافظين الجدد في الولايات المتحدة وللحفاظ على معدلات الاستهلاك الأمريكية عليهم أن يعربدوا في الأرض للاستيلاء على المصادر الطبيعية؛ لأن الإنسان الأمريكي غير قادر على تخفيض معدلاته الاستهلاكية.

الواقع أن مهمة التخلص من التبعية للفكر الغربي قطع فيها شوط كبير لكن مسألة البناء على الأرض على مستوى الفكر السياسي والاقتصادي والإداري إلى آخره هذه العملية تحتاج إلى تركيز أكبر من قبل مجددي الفكر الإسلامي. (حوار الجزيرة الثقافية: د. المسيري يسعى إلى تأسيس حداثة إسلامية إنسانية جديدة)

 

أعماله

الأعمال المنشورة بالعربية

في فكر الحداثة

·  الفِرْدَوس الأرضي: دراساتٌ وانطباعات عن الحضارة الأمريكية(المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979).

·      الجمعيات السرية في العالم: (دار الهلال، كتاب الهلال، القاهرة 1993).

·  إشكالية التحيز: رؤيةٌ معرفيةٌ ودعوةٌ للاجتهاد. تأليف وتحرير(مجلدان كبيران، نقابة المهندسين، القاهرة 1993ـ المعهد العالمي للفكر الإسلامي، واشنطن 1996 ـ سبعة أجزاء، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة 1998 ).

·      فكر حركة الاستنارة وتناقضاته: (دار نهضة مصر، القاهرة 1999).

·      قضية المرأة بين التحرر والتمركز حول الأنثى: (دار نهضة مصر، القاهرة 1999).

·      العلمانية تحت المجهر: (بالاشتراك مع الدكتور عزيز العظمة) (دار الفكر، دمشق 2000).

·      العالم من منظور غربي: (دار الهلال، كتاب الهلال، القاهرة 2001).

·  الإنسان والحضارة والنماذج المركبة: دراسات نظرية وتطبيقية (دار الهلال، كتاب الهلال، القاهرة 2002).

·      الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان: (دار الفكر، دمشق 2002).

·      اللغة والمجاز: بين التوحيد ووحدة الوجود (دار الشروق، القاهرة 2002).

·  العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: (جزءان، دار الشروق، القاهرة 2002، طبعة ثانية 2005).

·      الصهيونية والحضارة الغربية الحديثة (دار الهلال، كتاب الهلال، القاهرة2003).

·      دفاع عن الإنسان: دراسة نظرية وتطبيقية في النماذج المركبة (دار الشروق، القاهرة 2003).

·      الحداثة وما بعد الحداثة: (بالاشتراك مع الدكتور فتحي التريكي) (دار الفكر، دمشق 2003).

·      دراسات معرفية في الحداثة الغربية (دار الشروق، القاهرة 2006).

 في الفكر الصهيوني

·  نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني (مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، القاهرة 1972؛ المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979).

·  موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية: رؤية نقدية (مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، القاهرة 1975).

·  الأقليات اليهودية بين التجارة والادعاء القومي (معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة 1975).

·      العنصرية الصهيونية: (سلسلة الموسوعة الصغيرة، وزارة الثقافة والفنون، بغداد 1979).

·  اليهودية والصهيونية وإسرائيل: دراسة في انتشار وانحسار الرؤية الصهيونية للواقع (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1976).

·  الأيديولوجية الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة (جزءان، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، الكويت 1981 - طبعة ثانية في جزء واحد 1988).

·  الانتفاضة الفلسطينية والأزمة الصهيونية: دراسة في الإدراك والكرامة (منظمة التحرير الفلسطينية، تونس 1987؛ المطبعة الفنية، القاهرة 1988؛ الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 2000).

·  الاستعمار الصهيوني وتطبيع الشخصية اليهودية: دراسات في بعض المفاهيم الصهيونية والممارسات الإسرائيلية (مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت 1990).

·  هجرة اليهود السوفييت: منهج في الرصد وتحليل المعلومات (دار الهلال، كتاب الهلال، القاهرة 1990).

·      أسرار العقل الصهيوني: (دار الحسام، القاهرة 1996).

·  الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ: رؤية حضارية جديدة (دار الشروق، القاهرة 1997 - 1998 - 2001).

·      من هو اليهودي؟: (دار الشروق، القاهرة 1997، 2001، 2002).

·      موسوعة تاريخ الصهيونية: (ثلاثة أجزاء، دار الحسام، القاهرة 1997).

·      اليهود في عقل هؤلاء: (دار المعارف، سلسلة اقرأ، القاهرة 1998).

·  اليد الخفية: دراسة في الحركات اليهودية، الهدامة والسرية (دار الشروق، القاهرة 1998؛ الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 2000؛ دار الشروق 2001).

·  موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد (ثمانية مجلدات، دار الشروق، القاهرة 1999).

·  الأكاذيب الصهيونية من بداية الاستيطان حتى انتفاضة الأقصى: (دار المعارف، سلسلة اقرأ، القاهرة 2001).

·      الصهيونية والعنف من بداية الاستيطان إلى انتفاضة الأقصى: (دار الشروق، القاهرة 2001).

·  من الانتفاضة إلى حرب التحرير الفلسطينية: أثر الانتفاضة على الكيان الإسرائيلي (عدة طبعات: القاهرة - دمشق - برلين - نيويورك - نشر إلكتروني، 2002م).

·      انهيار إسرائيل من الداخل: (دار المعارف، القاهرة 2002).

·  الجماعات الوظيفية اليهودية: نموذج تفسيري جديد (دار الشروق، القاهرة، 2001، طبعة ثانية 2003).

·  مقدمة لدراسة الصراع العربي - الإسرائيلي: جذوره ومساره ومستقبله (دار الفكر، دمشق 2002).

·      البروتوكولات واليهودية والصهيونية: (دار الشروق، القاهرة 2003).

·     في الخطاب والمصطلح الصهيوني (دار الشروق، القاهرة 2003 - طبعة ثانية 2005).

·      الإدراك الصهيوني للعرب والحوار المسلح (دار الحمراء، بيروت 2003).  

·      التجانس اليهودي والشخصية اليهودية (دار الهلال، كتاب الهلال، 2004).

·      الموسوعة الموجزة: (مجلدان، دار الشروق، القاهرة 2004).

·      الصهيونية وخيوط العنكبوت (دار الفكر، دمشق 2006).

أعمال نقدية وأدبية

·  مختارات من الشعر الرومانتيكي الإنجليزي: النصوص الأساسية وبعض الدراسات التاريخية والنقدية (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979).

·  الفردوس الأرضي: دراسات وانطباعات عن الحضارة الأمريكية (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1979).

·  فلسطينيةً كانت ولم تَزَلِ: الموضوعات الكامنة المتواترة في شعر المقاومة الفلسطيني (نشر خاص، القاهرة 2002).

·      دراسات في الشعر (مكتبة الشروق الدولية، القاهرة 2007).

·      في الأدب والفكر: دراسات في الشعر والنثر (مكتبة الشروق الدولية، القاهرة 2007).

·  صمويل تايلور كوليردج، قصيدة الملاح القديم في سبعة أقسام، طبعة باللغتين العربية والإنجليزية ترجمة وتعليق د.عبد الوهاب المسيرى ولوحات الفنانة د.رباب نمر (أويكننج، لندن- كاليفورنيا 2007).

قصص الأطفال

·      الأميرة والشاعر: قصة للأطفال (الفتى العربي، القاهرة 1993).

·  نور والذئب الشهير بالمكار ـ سندريلا وزينب هانم خاتون ـ رحلة إلى جزيرة الدويشة ـ معركة كبيرة صغيرة ـ سر اختفاء الذئب الشهير بالمحتار ـ ما هي النهاية؟ (بالاشتراك مع الدكتورة جيهان فاروق) ـ قصة خيالية جداً ـ قصص سريعة جدا : قصص للأطفال (دار الشروق، القاهرة، 1999).

·      أغنيات إلى الأشياء الجميلة: (ديوان شعر للأطفال) (دار الشروق، القاهرة 2002).

ترجمات

·  إسرائيل وجنوب أفريقيا: بالاشتراك (سلسلة كُتب مترجمة رقم 427، الهيئة العامة للاستعلامات، القاهرة، بلا تاريخ)، 1979.

·  أرض الميعاد: دراسةٌ نقديةٌ للصهيونية السياسية (سلسلة كُتب مترجمة رقم 247، الهيئة العامة للاستعلامات، القاهرة 1980).

·  الغرب والعالم: تأليف كافين رايلي (ترجمة بالاشتراك) (جزءان، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، الكويت 1985).

·  افتتاحيات الهادئ: تأليف ستيفن سوندايم وجون ويدمان (ترجمة بالاشتراك) (وزارة الإعلام، سلسلة المسرح العالمي، الكويت 1988).

  سيرة ذاتية

·  رحلتي الفكرية في البذور والجذور والثمر: سيرة غير ذاتية غير موضوعية (الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة 2000).

·  أغاني الخبرة والحيرة والبراءة: سيرة شعرية، شبه ذاتية شبه موضوعية (دار الشروق، القاهرة 2003).

 أعمال منشورة باللغة الإنجليزية

·      Israel, Base of Western Imperialism (Committee of Supporting Middle East Liberation, New York, 1969).

·  A Lover from Palestine and Other Poems: Palestine Information Office, Washington D.C. , 1972

·  Israel and South Africa: The Progression of a Relationship (North American, New Brunswick, N.J. , 1976; Second Edition 1977; Third Edition,1980; Arabic Translation, 1980).

·  The Land of Promise: A Critique of Political Zionism (North American, New Brunswick, N.J. , 1977).

·  Three Studies in English Literature: (North American, New Brunswick, N.J. , 1979 (The Palestinian Wedding: A Bilingual Anthology of Contemporary Palestinian Resistance Poetry (Three Continents Press, Washington D. C. , 1983).

·  A Land of Stone and Thyme: Palestinian Short Stories (Co- editor) (Quartet, London, 1996).

الأعمال المترجمة

·  صهيونيسم: ترجمة لواء رودباري، ترجمة إلى اللغة الإيرانية لكتاب موسوعة تاريخ الصهيونية (طهران، مؤسسة جاب وانتشارات، جمهورية إيران الإسلامية، 1994).

·      Israel-Africa Do Sul: A Marcha Deum Relacionamento

ترجمة إلى اللغة البرتغالية لكتاب إسرائيل وجنوب إفريقيا: تطور العلاقة بينهما (ريو دي جانيرو، البرازيل، 1978).

·   Daha kapsamli ve aciklazici bir sekularizm paradigmasina dogru: Modernite, ickinlik ve cozulme iliskisi uzerine bir calisma

ترجمة إلى اللغة التركية لدراسة طويلة باللغة الإنجليزية بعنوان (نحو نموذج أكثر شمولية وتركيباً للعلمانية)، نُشرت موجزة في كتاب عن العلمانية في الشرق الأوسط.

·   Secularism in the Middle East, ed. John Esposito and Azzam al- Tamimi, (Hurst, London, 2000 (استانبول، تركيا، 1997).

وقد تُرجمت العديد من المقالات التي كتبها الدكتور المسيري إلى لغات أخرى مثل الفرنسية والمالاوية.

دراسات عن أعمال د. المسيري

·      ندوة عن الكتابات الفكرية: (أي التي لا تتناول موضوع الصهيونية) في لندن (12 يناير 1998).

·      مجلة الجديد (عمان، ملف خاص، شتاء عام 1998 العدد العشرين).

·  ندوة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عن موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (29 - 31 مارس 2000).

·  في عالم عبد الوهاب المسيري كتاب حواري، قام بتحريره د. أحمد عبد الحليم عطية (أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة) حول أعمال المؤلف، اشترك فيه عدة مفكرين من بينهم: محمد حسنين هيكل، محمود أمين العالِم، محمد سيد أحمد، جلال أمين (يناير 2004).

·  كتاب تكريمي بعنوان الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيرى في عيون أصدقائه ونقاده، ضمن سلسلة "علماء مكرمون" لدار الفكر بسوريا يضم أعمال مؤتمر "المسيرى: الرؤية والمنهج" الذي عُقد في المجلس الأعلى للثقافة في فبراير 2007.

·  عدد خاص من مجلة أوراق فلسفية (2008) يضم دراسات العديد من العلماء والباحثين العرب في الجوانب المتعددة للدكتور عبد الوهاب المسيرى.

شهادات تقدير وجوائز محلية ودولية

نال الدكتور المسيرى العديد من شهادات التقدير والجوائز من بينها جائزة أحسن كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام (2000) عن موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ثم عام (2001) عن كتاب رحلتي الفكرية، وجائزة العويس عام (2002) عن مجمل إنتاجه الفكري. كما حصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام (2004). وقد نال عدة جوائز محلية وعالمية عن قصصه وعن ديوان الشعر للأطفال.

·      شهادة تقدير من رابطة المفكرين الإندونيسيين (1994).

·      شهادة تقدير من جامعة القدس بفلسطين المحتلة (1995).

·      شهادة تقدير من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا (1996).

·      International Educators6 Hall of Fame 1996

·      شهادة تقدير من نقابة أطباء القاهرة (1997).

·      شهادة تقدير من محافظة البحيرة (1998).

·      شهادة تقدير من اتحاد الطلبة الإندونيسيين (1999).

·  شهادة تقدير من كلية الشريعة والقانون، جامعة الإمارات عن موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (1999).

·      شهادة تقدير من جريدة آفاق عربية بالقاهرة (1999).

·      شهادة تقدير من مؤتمر أدباء البحيرة (1999).

·  جائزة أحسن كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام (2000) عن موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية.

·      جائزة أحسن كتاب، معرض القاهرة الدولي للكتاب: عن كتاب رحلتي الفكرية (2001).

·      شهادة تقدير من منظمة فتح الفلسطينية (2001).

·      جائزة سلطان العويس بالإمارات العربية المتحدة عن مجمل الإنتاج الفكري (2002).

·      شهادة تقدير من مؤتمر أدباء مصر السابع عشر في الإسكندرية (2002).

·      شهادة تقدير من نقابة الأطباء العرب (2003).

·      جائزة سوزان مبارك أحسن كاتب لأدب الطفل (2003).

·      جائزة الدولة التقديرية في الآداب لعام (2004).

مقالات ومحاضرات

كتب الدكتور المسيري مقالات باللغتين العربية والإنجليزية في المجلات التالية: الأهرام، الحياة، الشرق الأوسط، الشعب، منبر الشرق، الإنسان، قراءات سياسية، شؤون فلسطينية، العربي،

 New York Times - Journal of Arabic Studies - Journal of Palestine Studies - Al- Ahram Weekly, etc.

وفي جرائد ومجلات وحوليات عربية وبريطانية وأمريكية أخرى. كما قدم محاضرات عن اليهود واليهودية والصهيونية وإسرائيل، الحضارة الغربية، الأدب الإنجليزي، الهوية العربية، العولمة... إلخ (كل أنحاء العالم). وحضر عدة مؤتمرات وكان المتحدث الرئيسي في فيها.

 

مراجع ونصوص

فيما يلي قائمة لنماذج من بعض المقالات والحوارات الخاصة بالدكتور المسيري وبعض المقالات التي كتبت عنه، وبعض النصوص من أعماله.

مقالات

·      الإنسان والتاريخ.

·      ثمن الاحتلال.

·      الوجدان الإسرائيلي في أجواء ما بعد الصهيونية.

·      نكبة أم تطهير عرقي؟.

·      الدولة الصهيونية ويهود العالم.

·      نهاية إسرائيل.

·      الإنسان والشيء..

·      مقدمة موقع حزب الوسط الجديد.

·      Arabs, Muslims and
the Nazi genocide of the Jews

·      Modernism and the Scent of Gunpowder

·      Progress and Science

 

حوارات

·      الدكتور عبد الوهاب المسيري لـ ( الثقافية )

يسعى إلى تأسيس حداثة إسلامية إنسانية جديدة

·      البلاغ تحاور الدكتور عبد الوهاب المسيري حول :
متطلبات العمل الإسلامي المعاصر
.

·      مقابلة مع قناة الجزيرة الفضائية

عبد الوهاب المسيري.. رحلة في الفكر والأدب ج1.

·      مقابلة مع قناة الجزيرة الفضائية

عبد الوهاب المسيري.. رحلة في الفكر والأدب ج2.

·      المسيري يتحدث عن حياته – إسلام أونلاين.

·      د. عبدالوهاب المسيري في حوار بصحيفة "الباحث العربي الدولية":
الوعي بالآخر ضرورة حتمية

·      في حديثه ل "ثقافة اليوم"

أ.د. عبدالوهاب المسيري: يمكن للحداثة أن تتعايش مع الخطاب الإسلامي بشروط

 

مقالات عن د. المسيري

·      "المسيري وأشكلة المفاهيم"- د. سعد البازعي.

·      المسيري ولحظات الاستنارة النادرة! - خالد العوض.

·      مركزية التوحيد أو الدفاع عن الإنسان من خلال الانتصار ل(فلسفة التجاوز) – الجزيرة الثقافية

·      المسيري والحداثة الغربية - حجاج أبو جبر

·      عبد الوهاب المسيري المثقف العضوي النموذجي – د. محمود عبد الفضيل.

·      Abdel-Wahab El-Messiri: A scholar and three wolves

·      فيلسوف المفكرين والبسطاء - فؤاد السعيد.

·      تحرير العقل العربي من الخرافة - حمد عبد العزيز العيسى.

·      عبد الوهاب المسيري و النماذج التفسيرية - الجماعات الوظيفية - عبد الله إدالكوس.

·      المسيري يحدد 10 علامات لزوال إسرائيل – إيمان عبد المنعم.

·      المسيري: "البرتوكولات" زائفة وتصديقها "هزيمة" – إسلام أونلاين.

·      المسيري: المؤامرة الصهيونية أكذوبة كبرى – إسلام أونلاين.

·      المسيري .... نموذجاً عربياً فريداً لتكامل المعرفة بسيوني فتحي.

·      كتب المسيري ..سلاح فعال بوجه الصهيونية – سميرة سليمان.

·      قرار لجنة التحكيم، أ.د. عبد الوهاب المسيري – الفائز بجائزة الدراسات الإنسانية والمستقبلية 2000 – 2001، مؤسسة سلطان بن على العويس الثقافية.

·      المسيري: الرحيل الاخير سيار الجميل.

·      In memoriam: Dr Abdelwahab El-Messiri

 

نصوص مختارة من أعماله

·      مصطلح العلمانية – فصل من كتاب "العلمانية تحت المجهر".

·  بعض التناقضات الكامنة في فكر حركة الاستنارة – فصل من كتاب "فكر حركة الاستنارة وتناقضاته".

·      النقد الصهيوني للشخصية اليهودية – فصل من كتاب "الصهيونية والعنف".

 

مصادر

موقع الدكتور عبد الوهاب المسيري

      تحرير: سمير أبو زيد